وأما الشبهة الثانية ومفادها أن المهدوية هي تعبير عن عجز الإنسان عن صناعة حاضره والتوكل على المخلص الذي يصنع عنه ذلك بالوكالة. إنها فكرة تعكس عقلا تواكليا فاسدا يتناقض مع مقتضى سيرة العقلاء وتعاليم الشرع نفسه في التحريض على التوكل والإعداد للمستقبل. والحق أن هذا الإشكال حين النظر إليه لا يصلح أن يكون دليلا متى فككناه إلى مقدمات منطقية. فلا هو يحرز صورة للدليل المنطقي ولا هو يحمل من قيم الصدق ما ينهض به في وجه قضية لها من الأبعاد والشؤون ما لا ينحصر في حدود ما يتوجه إليه الاستشكال. لكن لو أردنا من باب الحجاج أن نقول بأن عصر الظهور ليس عصرا آتيا فوق السحاب. بل هو متوقف على جملة من الشروط التي تجعل الانتظار الإيجابي هو نفسه أكبر تحدي في حياة الإنسان. إن المواقف السلبية التي تبدو من بعض التعبيرات المنتمية للعقيدة المهدوية، ليست دليلا على جوهر الفكرة التي هي قائمة باعتبارات أوسع وأبعد من ذلك كما لا يخفى. إن من يأتي بالمهدي هم المهدويون. والشبهة الأخرى، مفادها أن ما أحاط بأخبار الإمام المهدي من معاجز هو باطل في نظر العلم التجريبي.وحيث لا مجال للحديث عن المعجزات وما شابه. والحق أن جملة الأخبار التي تحكي عن بعض مظاهر التقدم والتحكم بالظواهر الطبيعية والمعاجز، لا ينبغي فهمها على النحو الإعجازي. بل إن مقتضى الأخبار أن تكون على قدر المتلقي الذي أخبر بها في حينها. فما كان من الممكن التحدث إلى الناس قبل 15 القرن عن الطائرات والرادارات والكومبيوتر؛ إلا أن يكون ذلك بخلاف مقاصد الشرع في تظهير الكلام ومخاطبة الناس على قدر عقولهم ومراعاة حالهم في الأمية، وهو بخلاف مقتضى قبح العقاب بلا بيان وقبح التكليف بما لا يطاق حجية الظهور.وهذا ما يعني أن تلك الأخبار إنما جاءت متشابهة في عصر التنزيل ، لكنها ستصبح محكمة بصيرورة الزمان. فيفهم من جملة القول أن المعني بها هو متلقي مفترض غير المتلقي في المورد الأول. والحق أن تأملا يسيرا يجعلنا ندرك بأن كل مظاهر القوة في زمان المهدي ، هي علمية يمكن تعقلها بالوجدان الحديث من دون مشقة ، بل لها نظائر في عصرنا ، حيث ما عند المهدي هو تطوير ترجوه البشرية اليوم في عصر التقنية. إن عصر المهدي لن يكون إلا مصداقا تاما للحداثة التي اعتبر هيدغير ذات مرة بأن ماهيتها تقنية بامتياز. والعلاقة مع التقنية في أقوى استعمال لها وظيفي أو لنقل تبادلي بين الإنسان والتقنية إلى درجة عدم الانفكاك ، هو عنوان مرحلة المهدي التي ما كان بالإمكان تصورها بهذا اليسر والشوق قبل زماننا. كلما خطونا نحو المستقبل كلما أمكن تعقل الظهور الحتمي. إن مرحلة المهدي هي مرحلة العلم أو كما جاء في الأخبار ، ارتقاءه في أسباب السماوات والأرض. يتصف عصره بسيادة التقنية وقوتها وتجاوزها لثغراتها وعجزها عن تحقيق أغراضها؛ إنه عصر التحم بالتقنية وفي التقنية وأيضا الانحكام بالتقنية. إنه عصر موسوم بالحركة والسرعة والسيطرة على الفضاء وعلى تقنية الاتصال.يقول الإمام الصادق ع ، واصفا ذلك العصر:" العلم سبع وعشرون حرفا. كل ما جاء به الأنبياء لحد اليوم، هو حرفين فقط.فعندما يظهر قائمنا، يأتي بخمس وعشرين حرفا المتبقية ويظهرها للناس"[23] خبر كهذا بالإضافة إلى خبر الرقي في أسباب السماوات والأرض ، الذي يجعل حركة الإمام المهدي صورة متقدمة عن حركة ذي القرنين الذي قال عنه تعالى في محكم الكتاب:" إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا"[24]..ثم يردف مرات ثلاث متى أقدم ذو القرنين على إنجاز من تلكم الإنجازات ، يقول تعالى:" فأتبع سببا" الكهف آية85 " ثم أتبع سببا" آية 89 " ثم أتبع سببا" آية92 . وقوله تعالى:" أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما، فليرتقوا في الأسباب"[25] إن الخبر المروي عن الصادق ع ، يضعنا أمام جملة من الحقائق التالية: إنه يختزل العلم في الحروف التي هي هنا بمعنى الأرقام. ذلك لأنه بديهي أن الأنبياء أتوا بكتب تضم كل الحروف. ومبتدأ بعض السور من القرآن فيها ما يفوق الإثنين، نظير ألم ، كهيعص ، ألر، وما شابه. إنما المقصود من الحرف هنا الرقم. وهو ربط كما لا يخفى يعكس تصورا وإن تشابه على من كانوا قبلنا ، فإنه اليوم محكم بعد أن تعرفنا على السيستم الثنائي في الجبر الحديث ، وبعد أن عرفنا كيف أن كل علوم بني آدم حتى اليوم قائمة على رقمين هما 0 و 1 . ولعل ذكره للحرف بدلا عن الرقم ، لأن قيمة الصفر حتى ذلك اليوم لم يكن لها معنى وربما لم يكن لها مع فرض اكتشافها مع الهنود والعرب قيمة وجودية، بل هي كالعدم. فإطلاق الحرف بالسوية على الصفر والواحد في تعبير الإمام الصادق ع آنف الذكر إنما هو إعطاء قيمة رياضية للصفر لا تقل أهمية عن الواحد. يؤكد الخبر المذكور بأن عصر القائم عج هو تمام الحروف ، أي تمام العلم. وهذا يعني أن عصر الإمام هو عصر التوصل إلى حقائق وأسرار علمية، حيث ما غرابة أن يحدث عصره قطيعة كبرى ، تماما كالقطيعة التي تمت بين عصرنا مع عصر المحرك البخاري او الميكانيكا فإذا بنا ننعم بوسائل تقنية هي بلا شك من الصور التي كانت من الخيال العلمي حتى بداية السبعينات من القرن المنصرم. إن حركة التقدم اليوم أصبحت تستوعب هذا النوع من القطائع السريعة. ونظرية واحدة من شأنها أن تنقلنا إلى أرقى ما في العصر السوبرنتيقي. يتحدث الخبر عن أن هذه الأسرار العلمية التي سيأتي بها الإمام المهدي سيظهرها للناس. فيكون عصره عصر ظهور العلم وتمامه، بمعنى تمام قواعده ومبادئه. بل ما يبدوا هنا أن الإمام القائم سوف يعمل على سبيل التراكم والتركيب بين منجزات الإنسان بالأسباب المنطقية للارتقاء العلمي. فهو عصر تمام النضج البشري والتراكم المعرفي كما يعبر عنه خبر الإمام الباقر ع :"وإذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد، فجمع بها عقولهم وكملت به أحلامهم "[26] علينا أن نذكر بأن هذه الأخبار يتعين قراءتها بعين المنجزات العلمية الحديثة. ولا ننسى أنها أخبار رويت قبل قرون خلت مما يؤكد على أهميتها. وعليه نستطيع اليوم فهم الخبر الآتي أيضا ، وهو داعم لفكرة أن عصر المهدي، هو عصر ينسجم مع النضج العلمي والعقلي لعصرنا.ففضلا عن الأخبار التي تتحدث عن طي الأرض وسيره في السحاب ، وهي كناية عن ركوب الطائرة ووسائل المواصلات السريعة، هناك ما روي عن الإمام الصادق ع :" إن قائمنا إذا قام مد الله لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم حتى لا يرون بينهم وبين القائم بريد، يكلمهم فيسمعون وينظرون إليه وهو في مكانه"[27] وهذا الخبر أيضا يؤكد بأن الإمام المهدي عج سيظهر في العصر الذي يمكن لشيعته أن يروه في كل مكان دون أن يتحول إليهم وهو في مكانه . حيث وسائل السمعي البصري تحقق هذا الذي بدا لبعضنا ضربا من الإعجاز. ولن يكون بينه وبينهم بريد ، فالعصر الرقمي كفيل بتجاوز معضلة الاتصال والتواصل. وهذا ما يؤكد عليه خبر الصادق أيضا:"إن المؤمن في زمن القائم وهو بالمشرق ليرى أخاه الذي في المغرب، وكذا الذي في المغرب يرى أخاه في المشرق"[28] أقول، على ما في هذا الخبر ونظائره من أهمية، تجعلنا أكثر استيعابا لهذه الحقائق ممن كانوا لا يزالون على نمط من العيش بدائي وخارج منطق التقنية وتحكمها التي تسم حياتنا المعاصرة ، فإنه يؤكد على أن غير المهدي يتمتع بهذا القدر من التحكم ، بناء أيضا على ما جاء في الخبر السابق من أنه سيظهر باقي الحروف للناس. لا بل يبدوا من خلال الأخبار أن هذا القدر من التحكم أو بعض مظاهره هي عنوان عصر بكامله لا تختص بالإمام المهدي وحده. حيث جاء مثل ذلك في ذكر أمير المؤمنين لحركة الدجال، من أنه سيخوض البحار وتطوى له الأرض منهلا منهلا.. وما إليها من مظاهر تجعل عصره يتمتع بقدر من التحكم بالتقنية أيضا.بهذا نستطيع دفع الشبهة القائلة إنه عصر المعجزات التي لا يستوعبها عقلنا الحديث. وكذلك ندفع الشبهة الموجهة للقائلين بأنه الغائب المولود سلفا للإمام العسكري ع الذي طال عمره ، ليكون من المعمرين. فإن هذا بخلاف العلم أيضا، وفي هذا التقى المنكر الأصلي مع المنكر للغيبة مع اعتقاده بالمهدي المستقبلي بالجملة. والحق أن مثل هذا لا يكلف كثير حجاج. فأما من استشكل على الغيبة من العامة ، وترجيحه ولادته بعد أن عز عليه القول بالغيبة، فموقفه مهزوز ويقينه متزلزل، متى أدركنا أن لمثل غيبته عج نظائر في الكتاب العزيز. فلو كان الرفض للغيبة استثقال لتحققها في الواقع، قلنا فاستثقلوا من الآيات والأخبار ما جاء في حق ذي القرنين ، وما كان في حق كل الغيب من الأنبياء والصالحين وأهل الكيف وما شابه. وأحسب أن حديث الغيبات إنما ذكر له نظير في القرآن حتى يساعد على استيعاب غيبة القائم عج . ولم يكن محض اتفاق أن سورة الكهف استعرضت ثلاث قصص ، لو تأملتها وركبتها تعطيك تصورا وافيا مستساغا عن أحوال القائم عج . أعني قصة ذي القرنين ، والخضر ،وأهل الكهف.حيث تجسدت في هذا الثالوث ، فكرة الغيبة والتمكن في الأرض والعلم. إن الجامع بينها هو الغيبة. فأهل الكهف جاء ذكرهم في الكتاب:"ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا"[29]. والخضر ع قيل فيه :" فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما"[30]. وعن ذي القرنين قال تعالى:"ويسألونك عن ذي القرنين، قل سأتلوا عليكم منه ذكرا ، إنا مكنا له في الأرض وآتبناه من كل شيء سببا"[31] والغيبة ثابتة في حق ذي القرنين حيث غاب عن قومه بعد أن ضربوه على قرنه الأول ثم الثاني، كما في رواية لأمير المؤمنين. هذا القدر يكفي لدفع الشبهة متى تعلق الأمر بالمنكر لطول الغيبة من ملتنا . وتدفع الشبهة نفسها لما يتعلق الأمر بالمنكر لطولها من غير ملتنا ، بأن أمر الغيبة بهذه الصورة أمر واقع في الإمكان العقلي والعلمي كما لا يخفى. والسؤال بات معكوسا؛ لما يموت الإنسان ويتعرض للشيخوخة المبكرة وقد زود بكل ما من شأنه أن يجعله خالدا لو ارتفع المانع.وحيث أصبح الإنسان يدرك العلاقة بين طبيعة التغذية والصحة وما شابه في الرفع من نسبة أمل الحياة. ألا يدل ذلك على إمكانية تمدد العمر حتى على مستوى هذا القدر من التقدم في نظام الصحة والغذاء[32] أين يكمن الخلاف؟: لا خلاف بالجملة بين الخاصة والعامة من المسلمين في أمر المهدي عج . غير أن الخلاف متوجه إلى حقيقة الغيبة وهل هو بالفعل مولود الإمام الحسن العسكري ع .ويبدو أن الاعتقاد بغيبة المولود هو أقرب إلى عموم الاعتقاد وفلسفته من القول بالولادة الجديدة. فكل ما جاء من أخبار عن الإمام المهدي ، تؤكد على أن له صلة بمسار التاريخ الإسلامي ، وبأن شأنيته بدت من غيبته إلى اليوم. ولا غرو أن الأصل في موضوع الغيبة هو النص. غير أن ما يذكر من أدلة في المقام غير النص سوى مؤيدات أو لنقل إن بعضها يجري مجرى اللزوم. وينقسم الدليل إلى قسمين؛ أولهما حسي ينهض على روايات وشواهد تاريخية والثاني حدسي مستفاد من جملة الروايات الأخرى والمقارنة بينها ، أي قراءة عقيدة المهدي في ضوء المعتقد كله.أي النظر إلى المهدي نظرة كلية ومقاصدية. الدليل الحسي لا حاجة في المقام لاستعراض الأخبار الكثيرة المروية من طرق الخاصة من مدرسة أهل البيت ع ، حول حقيقة ولادة الإمام الحجة عج ، فهي من الكثرة والاعتبار ما لا تترك أدنى شك أو التباس عند اتباع هذه المدرسة. فهم مأخوذون من ناصيتهم لهذا الاعتقاد بالأدلة القطعية كما لا يخفى. لكن مقتضى الاستدلال ، أن نأتي من الشواهد ما هو عام. لكن قبل ذلك ، لا بد ان نؤكد على قضية أساسية في المقام. إن الخلاف بين الخاصة والعامة في أمر الولادة ، هو مقصود من الغيبة ايضا. ومادام أن الأمر ثابت عموما لا ينازع فيه أحد ، فإن الحاكم في نهاية المطاف هو الظهور نفسه ، حيث ستصحح كل المفاهيم بالأدلة القاطعة والمعاشة، فمن حصلت له بالفعل الشبهة زالت بالظهور. غير ان شدة اختفائه ، إلى درجة ان يقال انه لم يولد وبأنه سيولد ، أمر كان مقصودا ، وتحدث عنه أئمة أهل البيت قبل ورود الإمام الثاني عشر. بل إن علامة المهدي هو ذلك الذي سيقال عنه انه لم يولد. جاء في الخبر : «حدثنا ابي رضي الله عنه ، قال : حدثنا سعد بن عبدالله ، قال : حدثنا الحسن بن موسى الخشّاب ، عن العباس بن عامر القصباني ، قال : سمعتُ أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام يقول : صاحب هذا الامر من يقول الناس : لم يولد بعد»[33] غير أن طائفة من أعلام أهل السنة أكدوا على ولادته وعلى أنه هو ابن الحسن العسكري ع . وقد أحصى بعضهم السيد ثامر العميدي في كتابه: دفاع عن الكافي مائة وثمانية وعشرين شخصاً من أهل السنة من الذين اعترفوا بولادة الإمام المهدي عليه السلام. ومن تلك الشواهد الحسية على ولادته ونسبته للإمام العسكري ع ما يلي[34] ابن الأثير الجزري عز الدين (ت|630 ه) في كتابة الكامل في التأريخ في حوادث سنة (260 ه) : «وفيها توفي أبو محمد العلوي العسكري ، وهو أحد الأئمة الاثني عشر على مذهب الاِمامية ، وهو والد محمد الذي يعتقدونه المنتظر». ابن خلكان (ت|681 ه) قال في وفيات الأعيان : «أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد المذكور قبله، ثاني عشر الأئمة الاثني عشر على اعتقاد الاِمامية المعروف بالحجة... كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين» ثم نقل عن المؤرخ الرحّالة ابن الأزرق الفارقي (ت|577 ه) انه قال في تاريخ مَيَّافارقين : «إنَّ الحجة المذكور ولد تاسع شهر ربيع الأول سنة ثمان وخمسين ومائتين ، وقيل في ثامن شعبان سنة ست وخمسين، وهو الأصح». في سير أعلام النبلاء : «المنتظر الشريف أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضي بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين بن علي ابن الحسين الشهيد ابن الإمام علي بن أبي طالب ، العلوي ، الحُسَيْني خاتمة الاثني عشر سيداً». ابن الوردي (ت|749 ه) قال في ذيل تتمة المختصر المعروف بتاريخ ابن الوردي : «ولد محمد بن الحسن الخالص سنة خمس وخمسين ومائتين. أحمد بن حجر الهيتمي الشافعي (ت|974 ه) قال في كتابه (الصواعق المحرقة) في آخر الفصل الثالث من الباب الحادي عشر ما هذا نصه : «أبو محمد الحسن الخالص، وجعل ابن خلكان هذا هو العسكري، ولد سنة اثنتين وثلاثين ومائتين... مات بسُرَّ من رأى، ودفن عند أبيه وعمه، وعمره ثمانية وعشرون سنة، ويقال : إنّه سُمَّ أيضاً، ولم يخلف غير ولده أبي القاسم محمد الحجة، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين لكن أتاه الله فيها الحكمة، ويسمى القائم المنتظر، قيل : لاَنّه سُتِرَ بالمدينة وغاب فلم يعرف أين ذهب». الشبراوي الشافعي (ت|1171 ه) صرح في كتابه (الاتحاف) بولادة الاِمام المهدي محمد بن الحسن العسكري عليهما السلام في ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومئتين من الهجرة. مؤمن بن حسن الشبلنجي (ت|1308 ه) اعترف في كتابه (نور الابصار) باسم الاِمام المهدي ، ونسبه الشريف الطاهر ، وكنيته ، والقابه في كلام طويل الى أن قال : «وهو آخر الاَئمة الاثني عشر على ما ذهب إليه الاِمامية» ثم نقل عن تاريخ ابن الوردي ما تقدم برقم | 4. خير الدين الزركلي (ت|1396 ه) قال في كتابه (الاعلام) في ترجمة الاِمام المهدي المنتظر : «محمد بن الحسن العسكري الخالص بن علي الهادي أبو القاسم، آخر الاَئمة الاثني عشر عند الاِمامية.. ولد في سامراء ومات أبوه وله من العمر خمس سنين.. وقيل في تاريخ مولده : ليلة نصف شعبان سنة 552، وفي تاريخ غيبته، سنة 265 ه». محيي الدين بن العربي (ت|638 ه) : صرح بهذه الحقيقة في كتابه (الفتوحات المكيّة) في الباب السادس والستين وثلاثمائة في المبحث الخامس على ما نقله عنه عبد الوهاب بن أحمد الشعراني الشافعي(ت|973ه) في كتابه (اليواقيت والجواهر) ، كما نقل قوله الحمزاوي في (مشارق الانوار) ، والصبان في (اسعاف الراغبين) ، و نقل الشعراني عنه: «وعبارة الشيخ محيي الدين في الباب السادس والستين وثلاثمائة من الفتوحات : واعلموا أنّه لابدّ من خروج المهدي عليه السلام ، ولكن لايخرج حتى تمتلئ الاَرض جوراً وظلماً فيملؤها قسطاً وعدلاً، ولو لم يكن من الدنيا إلاّ يوم واحد طوّل الله تعالى ذلك اليوم حتى يلي ذلك الخليفة، وهو من عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، من ولد فاطمة عليها السلام ، وجدّه الحسين بن علي بن أبي طالب، ووالده حسن العسكري ابن الإمام علي النقي...». 2 كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي (ت|652 ه) قال في كتابه (مطالب السؤول) : «أبي القاسم محمد بن الحسن الخالص بن عليّ المتوكل بن القانع بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الزكي بن علي المرتضى أمير المؤمنين بن أبي طالب، المهدي، الحجة، الخلف الصالح، المنتظر عليهم السلام . ورحمة الله وبركاته». ثم أنشد أبياتاً ، مطلعها : فهذا الخلفُ الحجّةُ قد أيَّدَه اللهُ * هذا منهج الحقِّ وآتاهُ سجاياهُ. سبط ابن الجوزي الحنبلي (ت|654 ه) قال في (تذكرة الخواص) عن الإمام المهدي : «هو محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، وكنيته أبو عبدالله، وأبو القاسم، وهو الخلف الحجة، صاحب الزمان، القائم، والمنتظر، والتالي، وهو آخر الاَئمة». محمد بن يوسف أبو عبدالله الكنجي الشافعي (المقتول سنة 865 ه)، قال في آخر صحيفة من كتابه (كفاية الطالب) عن الاِمام الحسن العسكري عليه السلام ما نصه : «مولده بالمدينة في شهر ربيع الآخر، من سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وقبض يوم الجمعة لثمان خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين، وله يومئذٍ ثمان وعشرون سنة، ودفن في داره بسُرَّ من رأى في البيت الذي دُفن فيه أبوه، وخلف ابنه وهو الإمام المنتظر صلوات الله عليه. ونختم الكتاب ونذكره مفرداً». ثم أفرد لذكر الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري عليه السلام كتاباً أطلق عليه اسم : ( البيان في أخبار صاحب الزمان ) وهو مطبوع في نهاية كتابه الأول (كفاية الطالب) وكلاهما بغلاف واحد، وقد تناول في البيان أُموراً كثيرة كان آخرها إثبات كون المهدي عليه السلام حيّاً باقياً منذ غيبته إلى أن يملاَ الدنيا بظهوره في آخر الزمان قسطاً وعدلا ًكما ملئت ظلماً وجوراً. نور الدين علي بن محمد بن الصباغ المالكي (ت|855 ه) عنون الفصل الثاني عشر من كتابه : (الفصول المهمة) بعنوان : في ذكر أبي القاسم الحجة، الخلف الصالح، ابن أبي محمد الحسن الخالص، وهو الإمام الثاني عشر. وقد احتج بهذا الفصل بقول الكنجي الشافعي : «ومما يدلّ على كون المهدي حيّاً باقياً منذ غيبته إلى الآن، وإنّه لا امتناع في بقائه كبقاء عيسى بن مريم والخضر وإلياس من أولياء الله، وبقاء الأعور الدجال، وإبليس اللعين من أعداء الله، هو الكتاب والسنة» ثم أورد أدلته على ذلك من الكتاب والسنة، مفصلاً تاريخ ولادة الإمام المهدي عليه السلام ، ودلائل إمامته، وطرفاً من أخباره، وغيبته، ومدة قيام دولته الكريمة، وذكر كنيته، ونسبه، وغير ذلك مما يتصل بالإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري عليهما السلام . 6 الفضل بن روزبهان (ت| بعد 909 ه). قال في كتابه : ( ابطال الباطل ) : «ونعم ما قلت فيهم منظوماً: سلام على المصطفى المجتبى * سلام على السيد المرتضى سلام على ستنا فاطمة *من اختارها الله خير النسا سلام من المسك انفاسه *على الحسن الاَلمعي الرضا سلام على الاَورعي الحسين * شهيد يرى جسمه كربلا سلام على سيد العابدين *علي بن الحسين المجتبى سلام على الباقر المُهتدى * سلام على الصادق المُقتدى سلام على الكاظم المُمتحن * رضيّ السجايا إمام التُقى سلام على الثامن المؤتمن * عليَّ الرضا سيد الاَصفيا سلام على المتّقيّ التّقيّ * محمد الطيِّب المُرتجى سلام على الاَريحيّ النقي *عليّ المُكرّم هادي الورى سلام على السيد العسكري * إمام يجّهزُ جيشَ الصفا سلام على القائم المنتظر * أبي القاسم العرم نور الهدى سيطلع كالشمس في غاسقٍ * ينجيه من سيفه المُنتقى قويّ يملأ الاَرضَ من عدله * كما ملئت جور أهل الهوى سلام عليه وآبائه * وأنصاره ، ما تدوم السما شمس الدين محمد بن طولون الحنفي مؤرخ دمشق (ت|953 ه) قال في كتابه (الاَئمة الاثنا عشر) عن الاِمام المهدي عليه السلام : «كانت ولادته رضي الله عنه يوم الجمعة ، منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، ولما توفي أبوه المتقدم ذكره (رضي الله عنهما) كان عمره خمس سنين» ثم ذكر الاَئمة الاثني عشر عليهم السلام وقال : «وقد نظمتهم على ذلك، فقلتُ : عليك بالاَئمة الاثني عشرْ * من آل بيت المصطفى خير البشرْ أبو تراب ، حسنٌ ، حسينُ * وبغض زين العابدينَ شينُ محمد الباقرُ كم علمٍ درى ؟* والصادق ادع جعفراً بين الورى موسى هو الكاظم، وابنه عليُّ * لقّبه بالرضا وقدرُهُ عَلِيُّ محمد التقيّ قلبه معمورُ * عليُّ النقيُّ دُرُّهُ منثورُ عسكريُّ الحسنُ المطَّرُ * محمد المهديُّ سوفَ يظهرُ». أحمد بن يوسف أبو العباس القرماني الحنفي (ت|1019 ه) قال في كتابه (أخبار الدول وآثار الاَُوَل) في الفصل الحادي عشر : في ذكر أبي القاسم محمد الحجة الخلف الصالح: «وكان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين، أتاه الله فيها الحكمة كما أوتيها يحيى عليه السلام صبياً. وكان مربوع القامة، حسن الوجه والشعر، أقنى الانف، أجلى الجبهة... واتفق العلماء على أنّ المهدي هو القائم في آخر الوقت، وقد تعاضدت الاخبار على ظهوره، وتظاهرت الروايات على اشراق نوره، وستسفر ظلمة الاَيام والليالي بسفوره، وينجلي برؤيته الظلم انجلاء الصبح عن ديجوره ، ويسير عدله في الآفاق فيكون أضوء من البدر المنير في مسيره»(4). سليمان بن ابراهيم المعروف بالقندوزي الحنفي (ت|1270 ه) كان من علماء الأحناف المصرحين بولادة الإمام المهدي عليه السلام. إذ يقول: «فالخبر المعلوم المحقق عند الثقات أن ولادة القائم عليه السلام كانت ليلة الخامس عشر من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين في بلدة سامراء». ومن الشواهد التي تصلح دليلا حسيا أيضا على ولادة الإمام الحجة، كلام بعض النسابة المشهورين، على ما ذكر في " المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي" موفقا، ما سنذكره بالترتيب نفسه الذي أورده المؤلف المذكور: النسابة الشهير أبو نصر سهل بن عبد الله بن داود بن سليمان البخاري من أعلام القرن الرابع الهجري ، كان حياً سنة ( 341 ه ) ، وهو من أشهر علماء الأنساب المعاصرين لغيبة الإمام المهدي الصغرى التي انتهت سنة 329 ه. قال في سر السلسلة العلوية : «وولد علي بن محمد التقي عليه السلام : الحسن ابن علي العسكري عليه السلام من أُم ولد نوبيّة تدعى : ريحانة ، وولد سنة إحدى وثلاثين ومائتين وقبض سنة ستين ومائتين بسامراء ، وهو ابن تسع وعشرين سنة.. وولد علي بن محمد التقي عليه السلام جعفراً وهو الذي تسميه الاِمامية جعفر الكذاب، وإنّما تسميه الاِمامية بذلك ؛ لادعائه ميراث أخيه الحسن عليه السلام دون ابنه القائم الحجة عليه السلام . لاطعن في نسبه». السيد العمري النسابة المشهور من أعلام القرن الخامس الهجري قال: «ومات أبو محمد عليه السلام وولده من نرجس عليها السلام معلوم عند خاصة أصحابه وثقات أهله، وسنذكر حال ولادته والاَخبار التي سمعناها بذلك، وامتُحن المؤمنون بل كافة الناس بغيبته، وشره جعفر بن علي إلى مال أخيه وحاله فدفع أنْ يكون له ولد، وأعانه بعض الفراعنة على قبض جواري أخيه »... الفخر الرازي الشافعي ( ت / 606 ه)، قال في كتابه الشجرة المباركة في أنساب الطالبية تحت عنوان : أولاد الامام العسكري عليه السلام قال: « أما الحسن العسكري الامام عليه السلام فله ابنان وبنتان: اما الابنان، فأحدهما : صاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف، والثاني موسى درج في حياة أبيه. وأما البنتان: ففاطمة درجت في حياة أبيها، وأم موسى درجت أيضاً». المروزي الازورقاني (ت | بعد سنة 614 ه) فقد وصف في كتاب الفخري جعفر ابن الاِمام الهادي في محاولته انكار ولد أخيه بالكذاب، وفيه أعظم دليل على اعتقاده بولادة الاِمام المهدي . السيد النسابة جمال الدين أحمد بن علي الحسيني المعروف بابن عِنَبَه (ت| 828 ه) قال في عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : «أما علي الهادي فيلقب العسكري لمقامه بسُرَّ من رأى، وكانت تسمى العسكر ، وأُمّه أُم ولد ، وكان في غاية الفضل ونهاية النبل ، أشخصه المتوكل إلى سُرَّ من رأى فأقام بها إلى أن تُوفي ، وأعقب من رجلين هما: الاِمام أبو محمد الحسن العسكري عليه السلام ، وكان من الزهد والعلم على أمر عظيم ، وهو والد الاِمام محمد المهدي صلوات الله عليه ثاني عشر الاَئمة عند الاِمامية وهو القائم المنتظر عندهم من أُم ولد اسمها نرجس . واسم أخيه أبو عبدالله جعفر الملقب بالكذّاب؛ لادعائه الاِمامة بعد أخيه الحسن». وقال في الفصول الفخرية (مطبوع باللغة الفارسية) ما ترجمته : «أبو محمد الحسن الذي يقال له العسكري، والعسكر هو سامراء، جلبه المتوكل وأباه إلى سامراء من المدينة، واعتقلهما. وهو الحادي عشر من الاَئمة الاثني عشر، وهو والد محمد المهدي عليه السلام ، ثاني عشرهم». النسابة الزيدي السيد أبو الحسن محمد الحسيني اليماني الصنعاني من أعيان القرن الحادي عشر. ذكر في المشجرة التي رسمها لبيان نسب أولاد أبي جعفر محمد بن علي الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، وتحت اسم الاِمام علي التقي المعروف بالهادي عليه السلام خمسة من البنين وهم : الاِمام العسكري ، الحسين ، موسى ، محمد ، علي . وتحت اسم الاِمام العسكري عليه السلام مباشرة كتب : (محمد بن) وبازائه : (منتظر الاِمامية). محمد أمين السويدي (ت|1246 ه) قال في سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب : «محمد المهدي : وكان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين، وكان مربوع القامة ، حسن الوجه والشَّعر ، أقنى الانف ، صبيح الجبهة». النسابة المعاصر محمد ويس الحيدري السوري قال في الدرر البهية في الانساب الحيدريّة والاَوَيسيّة في بيان أولاد الاِمام الهادي عليه السلام : «أعقب خمسة أولاد : محمد وجعفر والحسين والاِمام الحسن العسكري وعائشة. فالحسن العسكري أعقب محمد المهدي صاحب السرداب». ثم قال بعد ذلك مباشرة وتحت عنوان : (الامامان محمد المهدي والحسن العسكري): «الاِمام الحسن العسكري : ولد بالمدينة سنة 231 ه وتوفي بسامراء سنة 260 ه. الاِمام محمد المهدي : لم يذكر له ذرية ولا أولاد له أبداً». وقال : «ولد في النصف من شعبان سنة 255 ه، وأُمّه نرجس، وُصِفَ فقالوا عنه : ناصع اللون، واضح الجبين، أبلج الحاجب، مسنون الخد، أقنى الاَنف، أشم، أروع، كأنّه غصن بان، وكأنَّ غرّته كوكب دريّ، في خده الاَيمن خال كأنه فتات مسك على بياض الفضّة، وله وفرة سمحاء تطالع شحمة أذنه، ما رأت العيون أقصد منه ولا أكثر حسناً وسكينةً وحياءً"[35] إذا انضمت هذه الشواهد الحسية إلى ذلك الفيض المتكوثر من الاخبار الصريحة في ولادة المهدي، من طرق الخاصة، ازدادت قوة الدليل الحسي، حيث يصبح رد هذه الشواهد مما دونه خرط القتاد. الدليل المستفاد أو الدليل المقاصدي ونقصد بذلك جملة القرائن ، والأدلة غير المباشرة التي تؤدي في نهاية المطاف إلى إثبات ولادته وبأنه هو نفسه الحجة بن الحسن عج . إن الحديث المتكاثر عن ظهوره يفيد الغيبة.حيث الظهور يقابل الغيبة. وإلا كان أبلغ أن يقال: سوف يولد. ثم لا يخفى أن الإمامية منذ زمان الأئمة الأطهار أنفسهم كانوا على هذه السنة في الانتظار. فأخبار المهدي عج رويت عنهم تباعا ، ما من إمام إلا وأخبر عن القائم. وقد دل حديث الأئمة الاثنا عشر من قريش الذي أخرجه البخاري في الصحيح ،وكذا مسلم ، بل وكما أخبر غير واحد من أهل المجاميع الروائية كابن حنبل والنسائي وغيرهما ، على أن الثاني عشر هو القائم ، حيث جاء في الخبر النبوي ، أن تاسعهم قائمهم. أخرج البخاري بسنده عن جابر بن سمرة قال : «سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : « يكون اثنا عشر أميراً » ، فقال كلمة لم أسمعها،فقال أبي : إنّه قال: « كلّهم من قريش"[36] وجاء في صحيح مسلم : «ولا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش "[37] وحيث لا يمكن كما فعل أكثر من حاول إسقاط حديث الاثنا عشر بعدد نقباء بني إسرائيل على أهل الخلافة الزمنية، إيجاد مصاديق للعدد المذكور والمقرون بالصلاح وقيام الدين الحق في عدد الخلفاء الذين عدوا بالعشرات، ليس ثمة من طريق إلا الإذعان ، بأن المعني فبالاثني عشر هم أئمة أهل البيت ، حيث لم يدع العدد سواهم. وكما جاء في الخبر الذي رواه ابن حنبل في المسند وغيره:" تاسعهم أي من ولد الحسين قائمهم ". فلو أدركنا بأن الأرض لا تخلوا من حجة ، و بأن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية كما ورد في الصحيح ، تبين أن المقصود ثبوت إمام الزمان ظاهرا أو خفيا، فلا يتصور التعرف على إمام الزمان وفق هذا الإطلاق ، إلا إذا شمل الإمام الخفي ، وليس ثمة ما يشير إلى وجود إمام في هذا العصر وجب التعرف عليه غير المهدي عج . لا فصل بين الغيبة وظروفها والظهور ومقاصده. فإذا كان سيولد فلما لا يولد الآن؟! فإنه لم يظهر لأن شروط ظهوره لم تتم.فإذا انضم هذا الكل إلى مقاصد الظهور وقرئ في ضوء كلي العقيدة الاسلامية وفي ضوء ما أكدت عليه قصص الغيبات والظهورات النبوية والمهدوية عبر تاريخ الرسالات وفي ضوء الانسجام العقائدي، حيث لم يكتمل نصاب الاثني عشر بعد الغيبة، اتضح أن ما يبدوا من المعتقد المهدوي عند الامامية ، إن لم يوجد الاطمئنان عند المخالف ، فهو يقدم من الأدلة الحسية والحدسية ومجمل القرائن والإمارات المورثة لليقين، تحديا كبيرا، يجعل المعتقد المهدوي برسم الإمام المولود الغائب،غير قابل للدفع باليسر والتراخي المعهود عند المنكر. بل إن ذلك كفيل لا أقل بأن يفرض إعادة النظر في الموضوع ، والوقوف عند الأدلة استغراقا، قبل شطب معتقد كانت الأدلة به ناهضة بامتياز. وإذا كان كل هذا الكم الهائل من الشواهد ، ما لو انضمت إليها شواهد الإمامية الفائضة في المقام ،لا يغني حيث يعز الاعتقاد بالغيبة بعد الولادة واستثقال أمر الإعجاز، قلنا إنه ليس للمعجزة عصر دون عصر، وبأنه إذا ثبتت الغيبات فيما مضى فما المانع تكرارها في حق الإمام الحجة (عج)..لا بل إن المنكر إن كان عز عليه استيعاب ذلك برسم الإيمان، لا بالبلكفة، بزعم أنه مستحيل ، كان ذلك دليلا على التهافت ، حيث تأكد أن ما جاء في الذكر من نظائر الغيبة والتمكين في الأرض على النحو الخاص ، غير مركوز في إيمان هؤلاء. فيكون إيمانهم بالقرآن إيمانا بالجملة لا بالتفصيل. وقد بان وانفضح الأمر ، حيث لو لم يذكر القرآن هذه النظائر وما حاط بها من أسرار لما آمن به إلا قليل. المهدوية في ضوء الأصول الخمسة ربما شق على البعض أن يكون الحديث حول المهدوية هو فرع للحديث عن الإمامة نفسها ، كما لو كان القول في المهدوية لا يقع إلا في طول القول في الإمامة. ومع أن جانبا من الصحة يعكسه هذا الرأي ، إلا أننا نعتقد أيضا أن المهدوية هي بالأحرى ، عقيدة قائمة بذاتها؛ حيث أن موضوعها ثابت في الوجدان الديني وغيره على النحو الأعم ..إنها بهذا المعنى ، فكرة راسخة في الوجدان البشري . بل هي المشترك الذي قد يحصل تصوره بدفعة واحدة ؛ ولا تأتي المكابرة إلا في مرحلة ثانوية بعد أن كانت المهدوية حدسا يتعقله الوجدان حضوريا. فلو سألت أي كائن بشري في كل جيل وفي كل دين ؛ هل ترجوا شيئا أو لما تحمل بعض الأمل على الرغم من كل صنوف العذابات التي تلم ببني البشر، لأجاب فورا؛ نعم أرجو الكثير وآمل في الكثير . إن المستقبل في وجدان البشر لا محالة هو أفضل. وإذا سألت كيف تتوقعه ، ربما هام وفتح المجال لأقصى الخيال. وبين سؤال الإن وسؤال الكيف ، خرج الموضوع عن الإجماع بالجملة ، لتتكاثر الأفكار والأحاسيس والرسوم في الجملة. ولو أسسنا لهذه القاعدة الكلامية ، لاعتبرنا بأن المهدوية أساسا صالحا للبرهنة على ما قبلها من اعتقادات.إن المهدوية بهذا المعنى ، لو أصبحت قاعدة وجدانية استدلالية وليست فكرة مستدل عليها ، فإنها ستصبح موضوعا جامعا لكل المعتقدات الاسلامية ؛ وأعني هاهنا الأصول الخمسة . لأنها العنوان الذي يمثل النتيجة الحتمية للاعتقاد بالأصول الخمسة كما أن الاعتقاد بالمهدوية يجعل الاعتقاد بالأصول الخمسة أمرا حتميا. المهدوية والتوحيد إننا ندرك من خلال صفة القدرة ، وهي بمقتضى الاعتقاد تجلّي لكمال الذات ، أن الله تعالى كما جاء في بيان الأئمة الأطهار، إنما خلق الكون متكاثر الأنواع و متعدد الفروق اختلافا ملحوظا في الخلق من القوي فالأقوى إلى الضعيف فالأضعف. حتى يعبر عن كمال العظمة الإلهية والقدرة الربانية. فقال الصادق (ع): " إن الله تبارك وتعالى ، لم يخلق خلقه عبثا ولم يتركهم سدى، بل خلقهم لإظهار قدرته وليكلفهم طاعته فيستوجبوا بذلك رضوانه.." [38]. كما كان من تجلي العظمة والإبداع أن ركب الوجود طبقا عن طبق ، ملكيا وملكوتيا، لكي لا يبقى في ذهن مخلوق عاقل من الصور الممكنة ما ليس له نظير في الخلق، فكان ما عرفنا وما لم نعرف وما لم يخطر على قلب بشر.فقد ورد في علل الشرائع جواب الإمام الرضا ع عن السائل : لم خلق الله سبحانه وتعالى الخلق أنواع شتى ولم يخلقهم نوعا واحدا. فقال: لئلا يقع في الأوهام أنه عاجز ولا يقع صورة في وهم ملحد إلا وقد خلق الله عز وجل عليها خلقا لئلا يقول قائل: هل يقدر الله عز وجل على أن يخلق صورة كذا وكذا. لأنه لا يقول من ذلك شيئا إلا وهو موجود في خلقه تبارك وتعالى بالنظر إلى أنواع خلقه" [39]..فكما كان كونه المسطور قرآنا كريما أغناه من صور التشبيه والاستعارة في البيان ، كان كونه المعمور كريما لغناه في التكاثر والتنوع في الإبداع.ولعل ذلك مفاد كونه قرآنا كريما كما ورد عن ابن عباس في تفسير معنى الرفث : " الجماع يقصد الرفث ، ولكن الله كريم يكني ما شاء بما شاء". وكما أن الأدنين من خلقه هم تعبير عن قدرته[40] ، فإن الأولوية القطعية قاضية في أفهام عموم البشر بأن الكمل هم التعبير الأقوى عن عظمة خلقه..حيث البيان لا يتم إلا بمقتضى حدود مدارك المتلقي ، ومطلبه في التفهيم عبر مسلماته ورموزه وليس جعلا منزلا خاليا من الإرشادي[41]. وعليه ، فلا يظهر فضل الكمل إلا بوجود أهل النقصان..حتى يرى بعضهم في بعض آيات كماله، فيحمده الأقوى على نعمة الكمال ، ويرجوه الناقص بطلب الكمال والحمد على ما آتاه، فيتحقق المقصد الأعلى ، بالتكامل بالشكر والحمد في طريق العبودية على أن الكمال والنقص المذكورين هاهنا هما بالنسبة لا بالحقيقة، حيث أكمل الله خلقه بالحقيقة على أن الحديث عن النقصان في خلق الله هو من أوهام المخلوق البشري الواقع في صقع العالم بما ينسجه من علاقات مع ظواهر ه ، على نحو من النسبية ، وجدلية الخير والشر ؛ التي هي ليست متعقلة إلا برسم صور الجهل المترددة بين بسيطه ومركبه. فالعالم في كثراته وجب له الوجود. فهو خير لا شر فيه إذ لا يتخلله عدم. غير أن جدلية الخير والشر هي عنوان لتجلي صفات الجمال والجلال. ولقد شاء البارئ تعالى أن لا يقيم عالم الناس على العلم المطلق دفعا للحرج بموجب قبح التكليف بما لا يطاق ، فسرح للناس ما به تقوم وظيفتهم العملية في مساحة الجهل والجهل المركب، لطفا منه بالعباد ، فاحتج على الناس بالقطع الوجداني متى عز عليهم العلم الوجودي. وتجاوز عن غفلاتهم وما شمله حديث الرفع التسعي النبوي من اضطراري ومجهول وما شابه، دفعا للعسر . ولو أن الله حاسب عالم البشر بالعلم الواقعي لهلك أكثر الناس ، وساخت الأرض بمن فيها؛ إذ أكثرهم عن الحق غافلون. وقد كان من لطفه الهداية التي بعث في طريقها أنبياءه وأوصياءه تباعا ، أنوارا وحججا ظاهرة وغائبة، حتى لا تكون للناس على الله حجة. إن عظمة التوحيد تستوجب وجود الكمل من أصفياءه رسلا كانوا أو أوصياء كما أكدت سيرة الرسالات ومنطق البعثات والاصطفاءات. فكان أجود ما جاء في النهج حول مقاصد البعثة:" فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكروهم منسي نعمته، ويحتجوا إليهم بالتبليغ ، ويثيروا فيهم دفائن العقول"[42]. ولم يكن المهديون والأوصياء والغيب منهم تحديدا بدعا في منطق الرسالات ، حتى يقال أن غيبة مهدي الأمة أمر ناشز عن مقتضى المعقول والمنقول. فالمدار هو الهداية أيا كانت وسائطها ، نبيا رسولا أو إماما مصطفى . و حيث لا موضوع للحديث عن التزاحم بين وظيفة الرسل والأوصياء المهديين ، إلا بمقدار ما يقال ذلك في الرسل الذين كانوا قبلنا ، حيث وجود موسى ع لم يكن مزاحما لوجود مهدي يشاركه المجال والزمان. ولم تكن وظيفته الرسالية مزاحمة لوظيفة الخضر ع .بل تكاملت واستدعت مرافقة موسى لمهدي خفي أمره على عموم الناس وباشر كل إنجازاته خفية من الناس. فإذا كان التزاحم لم يحصل في الحضور المحايث لأنبياء عاشوا حقبة واحدة ، فكيف يقال إن المهدوية منافية للرسالة الخاتمة. بل لو نظر إلى المهدوية بعين اللطف وحكمة المبدع الهادي ، لكان ذلك عنوانا لفيض اللطف وتكثيفا للباعثية على مسلك الطاعة ، به يتحقق المراد. إن صفة الهادي ، وهي من صفات كماله التي هي ذاته تعالى ، تفرض تجليا لمشتقها المهدي الذي به يهدي الله الأمم ، ويصلح ما أفسده الطغيان على محمد وآله . فالتوحيد لا يقوم إلا بإحصاء صفات الكمال ؛ ومنها الهادي. إن وجود الشرك وآثاره العملية التي تتهدد وصول التوحيد وصولا سمحا إلى أخلاد الناس ، يستدعي مهديين يتدبرون الأمم الغارقة في أوحال الغفلات والمهددة بصنوف النسيان . وحيث كان الإنسان نساءا في كل أطوار وجوده[43] ، قبل الرسالة الخاتمة وبعدها ، ومادامت الهداية ملازمة للنسيان وجودا وعدما، فإن ضرورة المهدي لا تتوقف عند حد أو فترة من الرسل. إنها عنوان الإفاضة المستمرة ولطفه المستدام جل وعلا. يقول جل وعلا:" وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا، وأوحينا إليهم فعل الخيرات"[44]. وقوله تعالى:" ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون"[45] وحيث حدثتنا التعاليم عن الفترات بين الرسل ، ولم تحدثنا عن فترات بين المهديين . وهو أجنبي عن موضوع المهدوية التي هي كالشمس الذي لو انقطعت لهلك من في الأرض جميعا. ومصداقه قول الصادق ع :" لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت"[46]. لذا كانت وظيفته أعم ؛ تقوم بالنبي وغيره. وهي في عالم البشر مشككة تتفاوت بالمراتب بين الصالح والأصلح. إن العقيدة المهدوية تؤكد على أن مستقبل البشرية متجه نحو الوحدة والتوحيد. بل هي الوسيلة الأقرب إلى الوجدان ، دلالة على إمكان التوحد على فكرة خلاصية للنوع. بهذا المعنى تصبح المهدوية ضرورة توحيدية. لقد ارتبط ذكر المهدي بالتوحيد والوحدة. يجمع البشرية على توحيد الله وعلى وحدة الاجتماع السياسي القائم على وحدة النظام وشريعة محمد كما يتدبرها بالتأويل من أوتي الحكم الواقعي.فإذا كان التكاثر في وجهات النظر مرده إلى سيادة الظنون، وانحسار في العلم الواقعي ، فإن سياسة الخلق بالحكم الواقعي والقطع الجاري مجرى المطابقة القطعية، كفيل بتوحيد الناس على نسق اجتماعي وسياسي. إن أكبر تجلي للتوحيد وظهور دين الله في الأرض سيكون على يد المهدي ؛ وبذلك يكون المهدي ضرورة توحيدية ، في عالم تصدع بالتكاثر وتمزقت أطرافه وازدادت تناقضاته. وحيث سيؤلف المهدي بين الجموع المتنافرة وتوحيد الخلق على الناموس ، يكون قد عبر عن تجلي الوحدة والتوحيد. وبه يتحقق الوعد الإلهي:" وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها"[47]. وهي كما علمت لم تتحقق ، إلا بمجيء المهدي الذي سيملؤها عدلا كما ملئت جورا. فلا يقال إن المعنى المراد ؛ أن لا أحد من خلقه بخارج من التسليم له. حيث ورود التفصيل طوعا وكرها أمارة على أن المراد الراجح ، التسليم الظاهر والحقيقي.وهذا ما أكد عليه التفسير المصداقي للإمام الصادق (ع) لهذه الآية الكريمة ، بقوله:" إذا قام القائم المهدي لا تبقى أرض إلا نودي فيها بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله "[48]. من هنا لم تكن فكرة المهدي بالجملة ، مجعولة جعلا مولويا لم يخطر ببال النوع. بل هي فيهم مركوزة يستحضرها وجدانهم الفطري. وبينما حاول الكثير من الباحثين ، أن يشككوا في المهدوية الاسلامية باعتبار وجود نظائرها في سائر المعتقدات الإنسانية والدينية السابقة للإسلام. كان أجدى أن يكون ذلك خير دليل على وجدانيتها ومركوزيتها في فطرة البشر. فالبشر لا ينازعون في أمر أجمعوا عليه ولو بالجملة. وليس ثمة من إجماع أمتن من إجماع الوجدان. لقد اختلف أهل الأديان حول من يكون المهدي المخلص ، كما اختلف أهل المذاهب الاسلامية هل ولد أم لم يولد، كما اختلفت أهل الملل والنحل حول كيفية تحقق الخلاص المهدوي. وفي كل ذلك لم يرد ما يخدش في حقيقتها بالجملة. فالخلاف تفصيلي والعلم مجمل، والإجماع وجداني. فكل من آمن بالمستقبل ورجا ، كان يعبر عن فكرة خلاصية ومهدوية شاء أم أبى. تضع العقيدة المهدوية المؤمنين بها في وضع صعب، من حيث ثقل الانتظار ، الذي وصف بأنه من أكبر العبادات ، ومن حيث الانتظار في ظرف يختفي فيه الامام الحجة الذي هو ضابط التأويل الصحيح للدين ، حيث فوضى القراءات وعدم بلوغ نفس الأمر إلى درجة الامتناع. إنه اختبار للإيمان بقدرة الله على أن يعجز من في الأرض جميعا عن بلوغ من أتاه الله رحمة من عنده ومنع الناس عنه، وغيبه حيث فعل نظيره على امتداد رسالاته. أنه عنوان القدرة الذي يجعل المسلم في دائرة الامتحان الصعب ؛ فإما يسلم وإما يستشكل حيث لا استشكال على ما في يد القدرة المبسوطة. ولذلك كان أول وصف لهم:" الذين يؤمنون بالغيب"! إنك تجد أن المهدي (عج) يجسد منتهى تجلي التوحيد في العالم. فلو نظرت إليه من خلال الأسماء الحسنى الإلهية لرأيته مصداقا أوفى لها. وذلك تأسيسا على النبوي الذي حث المؤمن على التقرب بالنوافل حتى يكون سمعه الذي يسمع به ويده التي يبطش بها . وما إليها من معاني أحصاها العرفاء في مستوى قرب الفرائض وقرب النوافل، مع فارق جوهري بين أن يصبح المؤمن هو يد الله التي يبطش بها، وبين أن يصل مقاما يكون الله هو سمعه الذي يسمع به ويده التي يبطش بها.وهو مصداق قوله تعالى:" وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى "؛ مقامات متاحة لعموم السلاك والعارفين، فكيف بمن وعد بالتمكين وكان قائما حجة على الخلق؟! إن عنوان التمكين الذي يعكس القدرة الإلهية ، سمة من سمات القائم عج ، وهو أثرها الأوفى. وهكذا يمكننا قراءة مظاهر الظهور في ضوء الصفات الثبوتية، لندرك أن المهدي ، هو تجلي صفة العلم، حيث سيؤتى تمامه كما ذكرنا آنفا. كما أنه تجلي لصفة الحياة ، حيث طول العمر مصداق أوفى للحياة، فليس ذلك على الله بعزيز وهو الحي القيوم.وهكذا سائر الصفات الثبوتية كالكلام، والقدرة والعدل والوحدانية التي ستسم عصر المهدي عج ؛ عصر سيوقف البشرية على أحكام الله الواقعية والحقائق كما هي ونفس الامر. وهي الأمور التي متى غابت تكاثرت حولها أهواء البشر، فتكون الوحدانية والتوحيد عنوانا بارزا في عصر، يضع حدا لشقوة التكاثر برسم الأهواء . حيث في التكاثر عنوان ضعف والتباس الحقائق وامتناع العلم واشتداد الانسداد. ومع الحجة القائم، هناك ظهور لكل شيء؛ للعلم والحقائق والمقاصد، وغياب الحواجز والتمكن من بلوغ المصالح بالطرق العادلة وخارج سطوة وظلم الإنسان. فمن يطلب التكاثر بالباطل والتعدد بالهوى حينئذ إلا شقي! أنقر هنا لقراءة بقية المقال أو عبر الرابط التالي : http://hespress.com/?browser=view&EgyxpID=22865