أكد علماء وباحثون في علوم اللغة العربية، في ندوة اللسانيات الأولى التي أقامها مجمع اللغة العربية بدمشق، أن ما أنجزه العرب في مجال الدراسات الصوتية بدءا من القرن السابع الميلادي من تقسيم للأصوات وتصنيفها ووصفها بحسب خصائصها وسماتها، هيأ السبل لبلورة الصوتيات الحديثة التي صاغها العلماء الأوروبيون وأبرزهم فرديناند دي سوسير. واللسانيات علم أوروبي حديث عمره قرنان تقريبا، وهو يهتم بدراسة اللغات الإنسانية، وبحث خصائصها وتراكيبها ودرجات التشابه والتباين فيما بينها. ويدرس عالم اللسانيات دور اللغة في المجتمعات البشرية وأثرها في رسم الصورة العامة للحضارة الإنسانية. وتقول الدكتورة لبانة مشوح الأستاذة في كلية الآداب بجامعة دمشق إن الغرب لو تنبه إلى نظرية العرب في اللغويات العامة واستقى منها مفاهيمها الأساسية لاختصرت اللسانيات المعاصرة المسافات ولتجنبت الكثير من العثرات والهفوات. وأضافت -في محاضرتها بالندوة- أن العرب التقوا واللسانيات الحديثة في اعتبار أن للظاهرة اللغوية وارتباطها بالإنسان بعدين، الأول كوني لأن الحدث اللساني وجود مطلق ملازم للوجود البشري مجردا عن الزمان والمكان وتنوع الألسنة واختلاف اللغات. أما البعد الثاني فهو بيولوجي يتمثل في تهيؤ الإنسان واستعداده الخلقي لإتمام الظاهرة اللغوية. سبق عربي وأوضحت مشوح أن اللغويين العرب سبقوا العالم اللغوي الأميركي نعوم تشومسكي بقرون في النظر إلى النحو على أنه العلة التي تحكم ترابط الأشياء وتماسكها تماسكا محكم التنظيم. وأشارت إلى أن الخليل بن أحمد الفراهيدي قال "إن العرب نطقت على سجيتها وطباعها، وعرفت مواقع كلامها، وقام في عقولها علته". وأضافت أن الفراهيدي سبق بعشرة قرون اللسانيات الإدراكية في محاولاتها الإجابة على السؤال الكبير: كيف يعمل الدماغ البشري باللغة العربية إدراكا وتوليدا؟ في المقابل، وفي موازنة بين اللسانيات وعلوم اللغة العربية، قال عضو مجمع اللغة العربية الدكتور أحمد قدور إن اللسانيات علم عالمي هدفه اللغات البشرية واستخلاص قوانين عامة لا ترتبط بلسان دون آخر. وأضاف أن اللسانيات تعلي من شأن اللهجات وترى فيها حياة للغة، فيما تنبذ العربية اللهجات أساسا ولا سيما البعيدة عن الفصيحة. وتابع قدور أن اللسانيات لها فروع تطبيقية كثيرة كاللسانيات الاجتماعية والنفسية والجغرافية، فيما علوم اللغة العربية ترصد الظواهر اللغوية ولا تمتد لهذا الامتداد التطبيقي. وكذلك لا ترتبط اللسانيات بتراث أو دين أو قوم فيما علوم اللغة العربية لا تنفصل عن الغايات التي أنشئت من أجلها في حفظ اللغة وخدمة الدين وتشكيل الهوية العربية. تنمية العربية بدوره أكد الأمين العام لاتحاد المترجمين العرب الدكتور بسام بركة أنه لا يمكن تنمية لغة ما من دون تنمية من يتكلم بهذه اللغة. وتابع في ورقته التي حملت عنوان "اللسانيات ودورها في تنمية اللغة العربية" بأنه إذا أردنا تطوير اللغة العربية وتنمية وسائل أدائها، بواسطة اللسانيات أو بغيرها، فلا بد من أن يواكب هذا العمل تنمية لأداء الإنسان العربي وتطوير وسائل تفكيره. وأضاف أن من يرفض استعمال هذا العمل من أجل تحليل اللغة العربية واكتشاف وظائفها ووصف تراكيبها يكون مثله كمثل من يرفض العودة إلى منزله بالسيارة مفضلا عليها استخدام الحصان العربي الأصيل، حسب قوله.