.. اليمن متفرد في كل شيء، لا يشبه غيره في تقبل الأوضاع، والشعب اليمني يتفانى في كل الأحوال، وحينما يُقحم في موقف لا يقبل التراجع حتى وإن كان في الموقف هلاكه، ولذلك فإثارة الشعب اليمني من قبل قادته المختلفين لعبة خطيرة، لن تكون نتائجها كما يتوقعون، لأن الشعب اليمني في ظل ما يراه من تناقض لدى الكبار يتطلع للانفجار في وجه الجميع دون استثناء. الشعب اليمني لا يقوى على الاستمرار في التعبير عن غضبه بطريقة سلمية كما يظن المختلفون، لأن اليمنيين لم يتعودوا على الكلام الكثير، أيديهم تسبق ألسنتهم، والدليل على ذلك أن أبسط خلاف بين اثنين في الشارع لا يخلو من استخدام السلاح، ولم نجد بعد في اليمن أن مختلفين لجأوا للجهات المختصة بسبب مشادة كلامية، جميع المشادات بين المتخاصمين اليمنيين تنتهي بإسالة الدماء إمّا بالضرب أو القتل. في اليمن كل شيء ممكن إيقافه ببعض الخسائر إلا نار الشارع، إذا فتحت أفواه البنادق بين الجماهير في اليمن فلن تغلق إلا بعد أن تسقط كل الأيادي حاملة السلاح، ولن تصمت الحرب إلا معمدة بدماء كل اليمنيين من القصور إلى الأكواخ لن تستثني أحدا، ولن تستقيم العلاقات المجتمعية بين أبناء الوطن الواحد إذا استمر الأخوة الأعداء في المكايدات السياسية، وتحريض الشارع. إثارة الشارع ضد الدولة يعني فتح جراح شاملة لن تندمل فيما بعد مهما حاول المختلفون معالجتها، واستمرار التصعيد يعني رغبة المختلفين في إسقاط الدولة، وانهيار الدولة يعني سقوط الجميع في حرب أهلية لن تنتهي إلا بالقضاء على الجميع، سلطة ومعارضة ومستقلين. لا يظن المختلفون أنهم سيتحصنون في قصورهم المجهزة بوسائل الحماية ضد الكوارث، فإن أول هدف للجماهير التي يستنفرونها لإضعاف الدولة سيكون استهداف الأشياء المبهرة حتى وإن كانت من ممتلكات محرضيهم.. ولذلك فقبل السعي إلى إسقاط الدولة ينبغي أن يتعهد المختلفون بتوفير الكهوف لإجلاء النساء والأطفال بعيدا عن المنازل التي لا تخلوا من الأسلحة المكدسة للأفراح والأتراح. من المحزن جدا أن يظن كل واحد من المختلفين أنه وحده الذي يناصر الحق، وأن المناظر له على باطل، لماذا لا نصحوا إلا بعد أن نتكبد خسائر فادحة؟! أناجيكم باسم الشعب اليمني كاملا ؛ لا تفتحوا النار؛ المجتمع اليمني خمسة وعشرون مليونا حسب آخر الإحصائيات السكانية، أربعة وعشرون مليونا وتسعمائة ألف منهم يبحثون عن مجتمع مستقر خال من فساد، وهؤلاء يناشدونكم ألا تحققوا أمنية الفاسدين بإشعال النار فيما بينكم، لا تجعلوا خلافاتكم دعما لأولئك الفاسدين الذين تلمع أعينهم بالفرح والسرور كلما رأوكم تختلفون وتتبادلون التهم وتقتربون من التصادم، اجلسوا معا ودعوا العقول تفكر قبل أن تجروا البلد إلى الهاوية، فاستقرار الوضع في صالح الجميع، أترضون أن تقتلوا أربعة وعشرين مليونا وتسعمائة ألف نسمة من أجل ألف نسمة عكرت جميع الأجواء بعفونتها؟! هل تظنون أن تصعيد الأمور نحو المواجهة هو الذي سيعيد الحقوق لأصحابها؟ لا والله ؛ فالجماهير إذا انتفضت ستقلب الطاولة على رأس الجميع، وستصبح اليمن حقلا خصبا لتصفية الحسابات بين الدول الكبرى، وسيتحول الشعب اليمني إلى عينات لاختبار فاعلية الأسلحة الحديثة في أجسادنا المنهكة، لماذا لا تنظرون إلى حال البلدان التي فقدت استقرارها بسبب الحروب الأهلية؟ هل سلم الخيرون من ويلات تلك الحروب؟ هل تضرر الفاسدون من تلك الحروب؟ لا وألف لا، لقد صارت الحروب الأهلية مصدرا جديدا لثراء الفاسدين ووسيلة لتصفية الأحرار والطيبين، فلا تجروا اليمن إلى مصير مجهول مادامت الفرصة متاحة للاختلاف والاتفاق تحت مظلة الدولة، تأكدوا أن كل التوقعات خارج الدولة لن تكون في صالح اليمن. * أستاذ المناهج المشارك بكلية التربية -صنعاء - عضو الجمعية اليمنية للعلوم التربوية والنفسية