واصلت صحافة الكيان، أمس، تقريع المسؤولين السياسيين والأمنيين، والسخرية من تفكيرهم “الذي لا يزال يعيش في الماضي”، وبخاصة جهاز “الموساد”، بعد فشله وضحالة تقديراته لمهنية شرطة دبي وعنادها في ما يتعلّق بالأمن والتصدي للمجرمين . وكتب يوئيل ماركوس “هآرتس” تحت عنوان “بيبي 007” أنه إذا كانت صحيحة الأنباء بأن “إسرائيل” ضالعة في (عملية اغتيال المبحوح) في دبي، من الصعب أن نفهم كيف أن بيبي (بنيامين نتنياهو) الذي يأخذ جانب الحذر الشديد إزاء الفشل والتورّط، يمكنه أن يصادق على مثل هذه العملية . أولا، بمجرد القرار بتصفية المبحوح حين توقفت دول مثل الولاياتالمتحدة وبريطانيا هذا الأسلوب، في عالم باتت فيه الرقابة متشددة، الاستخبارات الإلكترونية منتشرة، حتى تفاصيل التفاصيل ومن الصعب عدم الانكشاف . ثانياً، من ناحية الكلفة حيال المنفعة، أولم يكن من المفضل ملاحقة المبحوح الذي اشتغل في مجال المشتريات لكشف مصادر مشترياته ومساراتها، بدلا من تصفيته؟ ثالثاً، على فرض أن كل مصفى يوجد بديل، هل تساوي التصفية الثأر الذي هو أحياناً وحشي جداً؟ انظروا العملية الفتاكة في الأرجنتين كرد على تصفية زعيم حزب الله السابق عباس الموسوي . وانتقد الكاتب اختيار دبي المليئة بشبكة مكتظة من الكاميرات كساحة للتنفيذ، قائلاً “لا أدري من صادق على العملية في أيام المشكلة الأمنية الأساسية فيها هي إيران . يمكن التخمين، بأنه من دون مصادقة رئيس الوزراء ما كانت لتنفذ . ومع مراعاة الحذر الشديد الذي يتخذه كي لا يفشل، من المفاجئ أن هذه المرة أدى دور العميل 007 بسبعة أخطاء” . وتساءل بن كاسبيت في “معاريف”: كما في اغتيال موسوي ومحاولة اغتيال مشعل الفاشلة، بعد اغتيال المبحوح، كيف ومن أجاز عملية الاغتيال . ويقول إن من الصحيح أن المبحوح قد اغتيل وأن العملاء عادوا إلى قواعدهم بسلام، لكنهم بالمقابل لا يستطيعون الآن التجوال في العالم، وإذا كانوا قد اقتطعوا من وحدة التصفية في “الموساد” التي تسمى “كيدون”، فان الوحدة قد فقدت جزءاً ذا شأن من قوتها . كما أن بريطانيا وايرلندا ودولا أخرى، التي صداقتها ل”إسرائيل” مهمة، انتابها الغضب، علاوة على أن “إسرائيليين” غافلون تبين لهم أن هوياتهم استعملت . وليس هذا بسيطاً . ويضيف: “اختل شيء ما في دبي . .كان يفترض أن تكون (الجريمة) هادئة . بلا توقيع . وكان يفترض أن يكون موت المبحوح موتاً طبيعياً: فقد وجد في فراشه، بغير علامات عنف، والباب مغلق من الداخل وما أشبه . لم ينجح هنا شيء ما . هذا هو الخلل الأول الذي جلب الباقي كله: فمنذ اللحظة التي يجري فيها الحديث عن قتل، يبدأون مشاهدة عدسات التصوير . لم يدرك شخص ما أن دبي جعلت الإمارة كلها هدفاً مصوراً . أغلقوا الدوائر وتعرفوا إلى العملاء” . وأضاف في استخلاص “منذ الآن الجميع في صورة . بعد ربع ساعة سيصبح كل شيء في قبضة المقاييس الحيوية . لن يساعد أيضا جواز سفر مايكل، لأنه سيكون من الواجب إحراز بصمات عيني مايكل وبصمات إصبعه . سيضطر شخص ما في مكان ما الى أن يجد لكل ذلك حلولاً تقنية لامعة . وفي “هآرتس” أيضاً، كتب نحميا شترسلر تحت عنوان “جهاز هواة يعيش في الماضي”، في إشارة إلى “الموساد”: هكذا أصبحت قصة النجاح الكبرى فشلاً مدوياً . هكذا أصبح “الموساد” كلي القدرة، جهاز هواة يعيش في الماضي . مجموعة المصفين تركت وراءها بصمات كثيرة حتى رجل المباحث الاعمى كان سيعثر عليها” . وأضاف “حتى بداية الأسبوع كان الحديث يدور عن قصة نجاح كبرى، دخول سري إلى دولة عربية، تصفية “إرهابي” معروف وخروج هادئ . لم يأخذ أحد على عاتقه مسؤولية الإعدام، ولكن، حسب مصادر أجنبية، يدور الحديث عن الموساد “الإسرائيلي”، وكانت النتيجة تصفيقاً وهتافاً للموساد الذكي، الذي عمل بنجاح على أعلى مستوى ممكن” . ولكن عندها جاءت شرطة دبي وعرضت فيلماً كاملاً وصوراً واضحة للمنفذين المجهولين . وهكذا تبين بأن الموساد السوبر مهني، الذي قيل عنه إنه يعمل مثل منظمة تكنولوجيا عليا متطورة، ليس سوى جهاز قديم يعمل بنزعة هواة مقلقة” . وقال إن منفذي العملية لم يأخذوا بالحسبان بأن التكنولوجيا طارت الى الأمام في السنوات الأخيرة . ذات مرة، في العالم القياسي، كان يكفي تزييف جواز سفر، إلصاق لحية والتنكر في زي لاعب تنس بقبعة رياضية . هكذا مكتوب في كتب التجسس . أما اليوم فالعالم رقمي، محوسب . متصل إعلامياً ومصور، وهذا على ما يبدو لم يأخذوه بالحسبان في قيادة الموساد” . وجاء في “يديعوت” “انقضى عصر في عالم الاستخبارات . لم تعد الباروكات والقبعات وما أشبهها من وسائل التنكر كافية لتنكر عملاء الاجهزة الاستخبارية في العالم” . وقالت إن عدسات تصوير الحراسة المنتشرة في كل ركن في دبي التقطت كل حركة للمجموعة، منذ لحظة نزولهم، والى تجوالهم في الفنادق وفي مراكز الشراء، والى أن طرقوا باب غرفة المبحوح . . وأكدت “انقضت الأيام التي كان يمكن فيها تنفيذ اغتيالات بلا آثار” . وأضافت “يتبين من الصور، ان أعضاء الخلية التي أرسلت للمس بالمبحوح أخذت في حسابها وجود عدسات تصوير حراسة داخل الفندق . لكن ليس متيقنا أن من أمر بالاغتيال أخذ في حسابه تصميم شرطة دبي وعنادها .