خلف اغتيال قيادي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) محمود المبحوح في أحد فنادق دبي في 20 يناير الماضي، تداعيات جمة امتدت تأثيراتها إلى أغلب العواصم الأوروبية بفعل استخدام جوازات سفر أوروبية في تنفيذ خطة الاغتيال، وإصدار جهاز الشرطة الدولية (الأنتربول) مذكرات اعتقال ضد 11 شخصا، من بينهم امرأة، أدانتهم السلطات الإماراتية بتهمة ضلوعهم في اقتراف هذه الجريمة. وإذا كان دخول جهاز (الأنتربول) على خط المواجهة، من أجل اقتفاء أثر الأشخاص المتورطين في هذه الجريمة الدولية، فإن توجيه شرطة دبي اتهامات مباشرة لرئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) مائير دغان، وثبوت ضلوع أحد المقربين من المبحوح الذي أدلى بمعلومات أساسية لمساعدة مرتكبي عملية الإغتيال على تنفيذ خطتهم، من شأنه أن يضفي على مسلسل البحث والتحقيقات الجارية مستجدات أساسية قد تسهم في الكشف عن خيوط هذه الجريمة التي تم حبكها بدقة متناهية. + شرطة دبي.. من أجل كشف لغز الجريمة + حسب الفريق ضاحي خلفان قائد شرطة دبي، فإن بعض الضالعين في اغتيال المبحوح استخدموا جوازات سفر دبلوماسية، وسبق لهم دخول دولة الإمارات العربية المتحدة من قبل، لكن منذ فترة طويلة تقارب العام، بجوازات السفر الدبلوماسية نفسها التي دخلوا بها مؤخرا إلى دبي لتنفيذ عملية الاغتيال، كما أن أحد المقربين من المبحوح أدلى بمعلومات أساسية لمساعدة القتلة على تنفيذ جريمتهم، مشيرا إلى أن "المعلومات المتعلقة بموعد سفر ووصول المبحوح الى دبي، حصل عليها فريق القتل من قبل شخص (عميل) مقرب جدا من المبحوح". ورأى المسؤول الأمني الإماراتي، أن هذا الشخص هو "العنصر الذي نفذ عملية القتل"، مطالبا حركة (حماس) "بإجراء تحقيق داخلي حول الشخص الذي سرب المعلومات عن تنقلات المبحوح بهذه الدقة من أجل اغتياله بالسرعة المطلوبة"، مشددا على أن التحريات التي باشرتها شرطة دبي تفيد بأن "تورط وكالة التجسس الإسرائيلية (موساد) "أمر حتمي ومؤكد" بعدما أصبحت هذه القضية، قضية أمنية تمس الدول الأوروبية بفعل استخدام جوازات سفر بريطانية وفرنسية وإرلندية وألمانية. وأبرز خلفان، أن الموساد متورط بنسبة تسعة وتسعين في المائة، "إن لم تكن مائة في المائة"، في اغتيال المبحوح، مؤكدا أن هناك أدلة أخرى تمتلكها شرطة دبي لا تبقي مجالا للشك في ذلك، وأن جوازات السفر المستخدمة في الاغتيال صحيحة، وليست مزورة كما قيل، مؤكدا في ذات الوقت تورط فلسطينيين آخرين مقيمين في الإمارات في هذه الجريمة كانا قد سافرا بعد الحادث إلى الأردن، وقابل أحدهما أحد عناصر خلية القتل قبل وقوع الجريمة، في حين كان الثاني على تواصل بالأول فيما لم يقابل أي منهما المبحوح في دبي. وأشار خلفان إلى أن هناك "معلومات مهمة لا تود شرطة دبي الإعلان عنها الآن، خاصة في ما يتعلق بجوازات السفر الدبلوماسية التي استخدمها بعض الجناة في دخول دبي من أجل استكمال التحقيقات الجارية". + مذكرة حمراء + من جهته سارع جهاز (الأنتربول) بمجرد وقوع هذه الجريمة، إلى إصدار "إشعارات حمراء" ضد المشتبهين في ضلوعهم في عملية الاغتيال، بسبب وجود أسباب توحي بأن المتورطين فيها انتحلوا هوية أشخاص حقيقيين، لتنفيذ خطة تصفية قيادي حركة (حماس). وقال جهاز (الأنتربول) في بيان صحفي نشره على موقعه الإلكتروني في وقت سابق، إن لديه سببا للاعتقاد بأن المشتبه بهم انتحلوا شخصيات أشخاص حقيقيين واستخدموها في ارتكاب جريمتهم بدبي، مضيفا، أنه اعلن عن الأسماء والصور الواردة في جوازات السفر لتقييد قدرة المشتبه بهم على السفر، حاثا أجهزة الشرطة على التركيز على الصور في تحديد هويات الأشخاص الذين ستستجوبهم وتوقفهم.
وقال رونالد نوبل الأمين العام للأنتربول إن "الاسماء الواردة في جوازات السفر التي اكتشفتها شرطة دبي ضمن تحقيقها، هي على الأرجح أسماء أشخاص حقيقيين أبرياء انتحلت"، مشيرا إلى أنه "إذا تم توقيف أي من الأشخاص الواردة صورهم في المذكرة الحمراء وهو يحمل أحد جوازات السفر المزورة بطريقة احتيالية، فستكون مثل هذه الحيازة دليل إدانة في حقه من أجل كشف خيوط هذه الجريمة". وتعد مذكرات (الأنتربول) الحمراء، مذكرات اعتقال دولية تنشر بعدما تصدر السلطات الوطنية أمر اعتقال للمساعدة في العثور على المشتبه بهم كي يتم اعتقالهم او تسليمهم. وكانت النيابة العامة في دبي قد أعلنت بدورها في وقت سابق، أنها أصدرت مذكرة توقيف دولية في حق جميع المتهمين بقتل محمود المبحوح فوق تراب الإمارة. وأوضحت أن إصدارها لهذه المذكرة في حق المتورطين في مقتل قيادي حركة (حماس) يأتي بسبب إقدام هؤلاء الجناة على ارتكاب جريمة قتل عن عمد مع سبق الإصرار والترصد للمجني عليه على أرض إمارة دبي. + اتهامات متبادلة + على صعيد متصل، قال القيادي في حركة (حماس) محمد نزال إن الفلسطينيين المتورطين في عملية اغتيال المبحوح، وهما أحمد حسنين وأنور شحيبر، كانا يعملان في مؤسسة عقارية في دبي، وسبق لهما أن عملا ضمن الأجهزة الأمنية في قطاع غزة، وأنهما هربا من هناك بعد "الحسم العسكري" الذي نفذته حركة (حماس) عام 2007 وسيطرت بموجبه على القطاع. وأضاف نزال في تصريح صحفي بعمان، أن الاثنين "يعملان موظفين في مؤسسة عقارية تابعة للعقيد محمد دحلان"، موضحا أنهما "كانا جزءا من الخلية التابعة لجهاز الموساد التي نفذت الاغتيال والتقيا قائد الخلية التي أعلن قائد شرطة دبي الكشف عنها". وكان الناطق باسم الحكومة الأردنية نبيل الشريف قد صرح الاثنين الماضي أن الأردن سلمت السلطات الأمنية في دبي فلسطينيين حضرا لعمان من دبي في إطار التحقيق في اغتيال المبحوح. في المقابل، دعت حركة فتح نظيرتها (حماس) إلى التوقف عن توجيه الاتهامات لها بالتورط في اغتيال المبحوح بإمارة دبي، مضيفة أن "الاحتلال الإسرائيلي وسلطاته هو المسؤول الأول وصاحب المصلحة الأولى والأخيرة في تصفية المبحوح". وأكدت فتح في بيان صحفي نشرته الخميس الماضي، أن "السلطة الفلسطينية ومؤسساتها الشرعية القانونية هي الجهة الوحيدة التي يحق لها متابعة ملف التحقيق مع دولة الإمارات العربية، باعتبار الشهيد المبحوح مواطنا فلسطينيا". + إسرائيل في المحك + في سياق متصل، استدعت بريطانيا السفير الإسرائيلي في لندن رون بروزر على خلفية اغتيال محمود المبحوح، من أجل "تبادل المعلومات" حول استخدام هويات مسروقة لمواطنين بريطانيين في ارتكاب الجريمة. وأمرت بريطانيا السفير الإسرائيلي للحضور إلى وزارة الخارجية البريطانية الخميس الماضي من أجل تفسير استخدام مجموعة يشتبه بتورطها في اغتيال المبحوح، لستة جوازات سفر بريطانية "مزورة". وكان رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون قد صرح في وقت سابق بأن بلاده ستجري تحقيقا شاملا في جوازات السفر "المزورة". وجاءت تصريحات براون في الوقت الذي نفى فيه وزير خارجية إسرائيل أفيجدور ليبرمان الجمعة الماضي أن يكون جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد) وراء اغتيال المبحوح. وبدورها، حذت إرلندا حذو جارتها بريطانيا باستدعاء السفير الإسرائيلي لديها يوم الخميس الماضي ليشرح كيف استخدمت تفاصيل خاصة بجوازات سفر ثلاثة ايرلنديين، من قبل المجموعة التي نفذت عملية القتل.