لم يكن من الهين فك لغز قضية نصب واحتيال، عرضت في الآونة الأخيرة على المصلحة الإقليمية للشرطة القضائية بأمن الجديدة، لكون هذه الجريمة، "الشبه الكاملة"، لم تكن اعتيادية، باعتبار أن بطلها أو بطليها داهيتان في مجال تخصصهما الإجرامي.. لو لا ذكاء ودهاء العميد الممتاز مصطفى رمحان، رئيس مصلحة الشرطة القضائية، الذي صقل، طيلة مساره المهني و"البوليسي"، التجربة التي راكمها في ال"كريمينولوجي" ومحاربة الجريمة. هذا، فإن الجريمة التي تعرض الجريدة تفصيليا وقائعها، كانت بدايتها من وفي مدينة الدارالبيضاء، لتكتمل فصولها الجديرة بأفلام الإثارة الهوليودية، في عاصمة دكالة، على بعد أقل من 100 كيلومتر، جنوب العاصمة الاقتصادية. بعد أن توطدت العلاقة التي تجمع بين رجل وامرأة بالدارالبيضاء، تواعدا على الزواج على سنة الله ورسوله، طلب الخطيب" من "خطيبته" أن تترك لديه، لبضعة أيام، سيارتها الخفيفة من نوع "كليو". الأمر الذي رحبت به لتوها، دون إبداء أدنى اعتراض أو تحفظ. سلمته العربة وأوراقها (البطاقة الرمادية – شهادة التأمين..). ومن ثمة، انقطعت صلته بها، ما عدا بعض الاتصالات على هاتفيهما النقالين. وبعد مرور وقت بغير القصير، أعاد لها سيارتها. هذا، وقد حصل ما لم يكن بالحسبان. فسرعان اتصل بها في محل سكناها بالدارالبيضاء، فريق من المصلحة الإقليمية للشرطة القضائية بأمن الجديدة، أدلى لها رئيسه بصفته المهنية، والغاية من الزيارة. وطلب منها مرافقته إلى مقر أمن الجديدة، بعد أن أطلعها على الأفعال المنسوبة إليها، كونها باعت سيارتها "كليو"، إلى سيدة بمدينة الجديدة، تدعى (ف.)، وذلك بموجب عقد بيع مصادق عليه لدى السلطة المختصة بعاصمة دكالة.. وكونها عمدت مباشرة بعد ذلك، إلى سرقة العربة التي باعتها، مستعملة في ذلك المفتاح الثاني الذي ظل بحوزتها. وقد تسنى الاهتداء إليها من العنوان المدرج في عقد البيع. اعتقدت في بادئ الأمر الفتاة البيضاوية أن الفريق الأمني قد أخطأ العنوان، أو أن ثمة لبسا والتباسا ما .. قبل أن يقنعها رئيس الفريق الشرطي بما لم يكن يدع مجالا للشك، ويطلعها على عقد البيع المصادق عليه، المذيل بتوقيعها الشخصي، متضمنا هويتها وبيانات السيارة، وتاريخ إجراء البيع. وقتها أدركت خطورة الوضع، وأن الأمر "حقيقة.. لا تصدق". فانهارت من هول المفاجأة والصدمة. وعند إخضاعها للبحث القضائي، أنكرت جملة وتفصيلا أن تكون باعت سيارتها إلى أي كان، وأنها كانت أعارتها ل"خطيبها" الذي أفصحت عن هويته، بعد أن طلبها منها لقضاء أغراض شخصية. أجرى المحققون مواجهة بينها وبين السيدة (ف.). الأخيرة أصرت على كون المرأة التي أمامها، هي من باعت لها السيارة، متشبثة بتصريحاتها، التي لم تتزعزع عنها.. فما كان من الضابطة القضائية إلا أن أطلعت على ما توصلت إليه من معطيات، النيابة العامة المختصة، التي أمرت بايداع المالكة الأصلية للسيارة، موضوع الشكاية المرجعية، رهن الاعتقال الاحتياطي بالسجن المحلي بالجديدة. رغم قناعة رئيس المصلحة الإقليمية للشرطة القضائية، العميد الممتاز مصطفى رمحان، ببراءة "المشتبه بها"، وبصدق أقوالها وتصريحاتها، فقد كان كل شيء ضدها، وحتى تنقيط هوية وبيانات"خطيبها"، على الناظمة الإلكترونية، المتصلة بالحاسوب المركزي (ترمينال) لدى (دسيتي) بالمديرية العامة للأمن الوطني، أبان أن لا وجود لأي شخص ذاتي يحمل تلك الهوية. كما أن رقم النداء الذي أدلت به، والذي كان "الخطيب" يتصل بها منه على هاتفها النقال، لم يعد مشغلا. غير أن ذلك لم يمنع العميد رمحان من مواصلة الأبحاث والتحريات، بعد قناعته الراسخة ببراءة "المتهمة". حيث قام بالتنسيق مع أفراد أسرتها، وطلب منهم تعقب خطوات "الخطيب"، الذي تبخر في الطبيعة، والذي يعتبر مفتاح لغز النازلة، وبراءتها من جناية السرقة الموصوفة، باستعمال مفتاح مزور (fausse clé). وقد اقترح عليهم الولوج إلى العالم الأزرق، ومواقع التواصل الاجتماعي وصفحات الفايسبوك، والحصول على تسجيلات حية له (فيديوات)، قد تظهره في أماكن عمومية، كان يتردد عليها بمعية "خطيبته"، التي ظلت حوالي 4 أسابيع، تقبع خلف القضبان، قبل تمتيعها بالسراح المؤقت، مقابل كفالة مالية. وبالفعل هذا ما حصل.. وهذا ما أعطى أكله. حيث انتقل أفراد العائلة إلى "باتسري" بحي من أحياء الدارالبيضاء، كان من الوجهات المفضلة لدى "الخطيب". حيث حصلوا على تسجيل حي بالصورة ل"الخطيب"، ظل جهاز ال"دي في إير" (القرص الصلب)، يحتفظ به في ذاكرته الإلكترونية، بعد أن التقطته عدسة كاميرا مثبتة داخل المحل التجاري. وقد أدلوا لتوهم ب"الفيديو" للعميد الممتاز مصطفى رمحان، الذي استغله في الأبحاث والتحريات الميدانية، التي مكنت من تحديد الهوية الحقيقية ل"الخطيب"، والاهتداء إليه في محل سكناه بالعاصمة الاقتصادية، حيث تبين أنه متزوج، ويحمل هوية وبيانات شخصية، مغايرة لتلك التي كان أدلى بها ل"خطيبته". ومن ثمة، عمد المتدخلون الأمنيون الذين انتقلوا من الجديدة إلى الدارالبيضاء، إلى إيقافه، واقتياده مصفد اليدين، إلى مقر المصلحة الأمنية بالجديدة، حيث وضعوه تحت تدابير الحراسة النظرية. وعندما حاصر رئيس الشرطة القضائية، العميد الممتاز رمحان، بسيل من الأسئلة، خلال البحث الذي أجراه شخصيا، لم يجد بدا من الاعتراف بعملية النصب والاحتيال التي قام بها، والكشف عن ظروفها وملابساتها، وعن هوية شريكته، التي لم تكن سوى زوجته الحقيقية، التي انتحلت هوية "الخطيبة"، بعد تزوير بطاقة تعريفها الوطنية، وقامت بعملية بيع السيارة "كليو"، للمسماة (ف.)، بعد المصادقة على عقد البيع في ملحقة إدارية بعاصمة دكالة. وبالمناسبة، فقد خطط الزوج والزوجة لهذه العملية بعناية فائقة. حيث كان الزوج (الخطيب) عرض السيارة "كليو" للبيع على موقع "أفيتو"، بعد أن أخفى ترقيمها المعدني، وأرفق الإعلان برقم نداء خاص. حيث اتصلت به المسماة (ف.) من مدينة الجديدة، وأبدت رغبتها في اقتناء العربة المعروضة للبيع، بثمن تم تحديده في 14 مليون سنتيم. وفي الموعد المحدد، حضر الزوج وزوجته الحقيقية، إلى الجديدة، وهناك تم البيع (..) وهكذا، بعد اعتراف الفاعل الرئيسي بالجريمة التي ارتكبها، والكشف عن شريكته، أمرت النيابة العامة المختصة بإيداعه رهن الاعتقال الاحتياطي بالسجن المحلي بالجديدة. فيما أصدرت الضابطة القضائية مذكرة بحث وتوقيف في حق الزوجة، التي توجد في حالة فرار. وبالرجوع إلى المواجهة التي أجرتها الضابطة القضائية، فإن المسماة (ف.) ، عندما صرحت أنها اقتنت السيارة "كليو" من عند مالكتها الحقيقية، وتشبثت بتصريحاتها، التي أرسلتها خلف القضبان.. قد تكون الغاية من ذلك، حرصها على استرجاع مبلغها المالي، 14 مليون سنتيم، الذي دفعته لشراء العربة.. فهل تدخل بالمناسبة تصريحاتها تلك التي قد تكون تعلم عند الإدلاء بها، أنها غير صحيحة، في إطار الإدلاء ببيانات كاذبة، وإهانة الضابطة القضائية..؟ هذا من ضمن ما سيجيب عنه التحقيق التفصيلي الذي يجريه قاضي التحقيق لدى قصر العدالة بالجديدة هذا، فإن الأبحاث والتحريات التي قادها رئيس الشرطة القضائية، العميد الممتاز مصطفى رمحان، قد أثمرت، وأفضت إلى إظهار براءة مواطنة، كانت ستقبع حتما لسنوات طويلة في السجن، من أجل أفعال جرمية، لم تقترفها البتة. إلى ذلك، فإن العميد الممتاز مصطفى رمحان، رئيس المصلحة الإقليمية للشرطة القضائية بأمن الجديدة، بات يعرف في أوساط الجديديين، ب"قاهر المجرمين"، و"مفتاح سر القضايا الشائكة والمستعصية".. وكلها ألقاب استحقها عن جدارة. فمجرد ذكر اسم العميد الممتاز "رمحان" (وهو مثنى ل"الرمح"، الذي لا يخطئ الهدف)، المقترن باسم القاضي الذي يحمل لقب "أب الإعدام"، لكثرة عقوبات الإعدام التي أصدرها، أصبح يرعب المجرمين، وبثنيهم عن ارتكاب الجريمة، ويجعلهم يفكرون مرات، قبل الإقدام على ارتكابها. فالقضايا التي عالجها رئيس الشرطة القضائية، العميد رمحان، تتوزع ما بين جرائم القتل والاغتصاب والسرقة الموصوفة.. أحال بموجبها مساطر قضائية، توصف في قاموس الإجرام والمجرمين، ب"المغيزة"، الأحكام والعقوبات التي صدرت بشأنها، قد وصلت حد الإعدام أو المؤبد، وفي أحسن الحالات والأحوال، مابين 30 و20 سنة سجنا. ناهيك عن جرائم النصب والاحتيال، التي تفتق فيها ذكاؤه ودهاؤه.