المغرب التطواني يفوز على مضيفه اتحاد طنجة (2-1)    المنتخب المغربي يفوز بكأسي البطولة العربية ال43 للغولف بعجمان    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء        التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    أنشيلوتي يدافع عن مبابي.. "التكهن بشأن صحته الذهنية أمر بشع"    دينامية السياسة الخارجية الأمريكية: في نقض الإسقاط والتماثل    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    الشراكة الاستراتيجية بين الصين والمغرب: تعزيز التعاون من أجل مستقبل مشترك    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    وسط حضور بارز..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تخلد الذكرى الستين لتشييد المسجد الكبير بالعاصمة السنغالية داكار    الجزائر تعتقل كاتبا إثر تصريحاته التي اتهم فيها الاستعمار الفرنسي باقتطاع أراض مغربية لصالح الجزائر    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي        اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور    مكتب "بنخضرة" يتوقع إنشاء السلطة العليا لمشروع أنبوب الغاز نيجيريا- المغرب في سنة 2025    استغلال النفوذ يجر شرطيا إلى التحقيق    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    "مرتفع جوي بكتل هواء جافة نحو المغرب" يرفع درجات الحرارة الموسمية    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    موتسيبي "فخور للغاية" بدور المغرب في تطور كرة القدم بإفريقيا    معهد التكنولوجيا التطبيقية المسيرة بالجديدة يحتفل ذكرى المسيرة الخضراء وعيد الاستقلال    انخفاض مفرغات الصيد البحري بميناء الناظور    بوعشرين: أصحاب "كلنا إسرائيليون" مطالبون بالتبرؤ من نتنياهو والاعتذار للمغاربة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    الوزير برّادة يراجع منهجية ومعايير اختيار مؤسسات الريادة ال2500 في الابتدائي والإعدادي لسنة 2025    اختفاء غامض لشاب بلجيكي في المغرب    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    عندما تتطاول الظلال على الأهرام: عبث تنظيم الصحافة الرياضية    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



“الحرباء”
نشر في دنيابريس يوم 04 - 04 - 2011

قال تعالى: (إن المنافقين في الدرك الاسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا) (النساء: 144).
قال القرطبي رحمه الله: “المنافق في الدرك الاسفل وهي الهاوية، لغلظ كفره وكثرة غوائله وتمكنه من أذى المؤمنين” (1).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تجد من شرار الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه” (2).
وفي رواية لأبي داود رحمه الله، عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من كان له وجهان في الدنيا، كان له يوم القيامة لسانان من نار” (3).
أورد ابن حجر رحمه الله –حين شرحه لحديث البخاري- قول القرطبي رحمه الله: “إنما كان ذو الوجهين شر الناس لأن حاله حال المنافق، إذ هو متملق بالباطل وبالكذب، مدخل للفساد بين الناس” (4).
وعن ذي الوجهين قال الإمام الشافعي رحمه الله:
ولاخير في ود امريء متلون إذا الريح مالت مال حيث تميل
وللشاعر الصوفي صالح عبدالقدوس أبيات في هذا المعنى، ومنها:
لاخير في ود امريء متملق حلو اللسان وقلبه يتلهب
يلقاك يحلف أنه بك واثق وإذا توارى منك فهو العقرب
يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب
مناسبة هذا الكلام نموذج لكُتّاب كتاباتهم “حربائية”، يميلون مع ريح السلطة حيث مالت، في تلون غريب قد لاتفي كلمة “الحرباء” وما يُنسَب إليها بالغرض. لسان حالهم قول الشاعر الرافضي مخاطبا المعز الفاطمي:
ماشئت، لاماشاءت الأقدار فاحكم، فأنت الواحد القهار
وقول القائل:
سريع إلى ابن العم يلطم خده وليس إلى داعي الندى بسريع
لقد برزت في منطقتنا العربية- والمغرب منها- ظواهر وأمراض تعجز الكلمات التي تطلق عليها، في بعض الأحيان، عن وصفها. ولعل أبرز مثال على ذلك حالة السفاح الليبي القذافي، الذي وصفه البعض بالأحمق، مع أن كلمة “الحمق” وما في معناها لايمكن أن تبين فظاعة مايقوله ويفعله هذا السفاح. وهذا يعني أنه على المجامع اللغوية العربية أن تقوم بنحت وصف أو اصطلاح آخر يدل على مرض الرجل!(5) .
نفس الشيء يمكن قوله عن أحد الاستئصاليين الوقحين، ممن يتلونون في مواقفهم تلونا لايمكن القول عنه أنه “حربائي”. فقد فاق الاستئصالي الوقح المذكور الحرباء في تلونها الطبيعي بتلونه “الارتزاقي” أو “الاستئصالي”. وبالمثال، كما يقال، يتضح المقال.
فقد نظمت جريدة “العمل الديمقراطي”، وهي جريدة كانت تصدرها منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، قبل أن تصبح المنظمة أحد مكونات اليسار الاشتراكي الموحد، ومنذ سنوات خلت، ندوةً عنوانها “المجال الديني بالمغرب: تنظيمه، آليات اشتغاله وآفاق تجديده”. وقد ساهم في الندوة المعتقلان حاليا فيما يسمى بقضية خلية بليرج، الأخوان محمد أمين الركالة ومصطفى المعتصم، عن جمعية “البديل الحضاري” التي أصبحت حزب البديل الحضاري فيما بعد. كما ساهم شخصان محسوبان على اليسار، لكن يسارهما –في نظري- من نوع “اليسار الأمريكي”، أحدهما سامر أبوالقاسم من قيادات حزب الأصالة والمعاصرة حاليا، وهو حزب فؤاد عالي الهمة الذي يقال أن اعتقال الركالة والمرواني والمعتصم ومن معهم كان “نزوة” من “نزواته” (6).
“المتياسر الأمريكي” الثاني الذي شارك في الندوة هو سعيد لكحل الذي ينصب هذا المقال حول “حربائيته”. ولقد كان مما صرح به لكحل في الندوة المذكورة حول “المجال الديني” أن عبدالسلام ياسين يدعي المهدوية من خلال كتاباته، وهذا أغضب الأخ الركالة الذي رد عليه، غير أن لكحل تدارك الأمر بالتأكيد –فيما يشبه الاعتذار- على أنه يعتبر تيار البديل الحضاري تيارا مستنيرا داخل الحركة الإسلامية.
بعد اختلاق ماسمي ب”خلية بليرج” واعتقال أفراد الخلية المزعومة، وعلى رأسهم السياسيون الستة(7)، ابتداء من 18 فبراير 2008، تحركت الآلة الإعلامية للسلطة محذرة من أي “تشكيك في الرواية الرسمية” التي تتهم أفراد الخلية المزعومة بِ”المس بسلامة أمن الدولة الداخلي، وتكوين عصابة إجرامية لإعداد وارتكاب أعمال إرهابية، في إطار مشروع جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام، بواسطة التخويف والترهيب والعنف والقتل العمد ومحاولة القتل بواسطة أسلحة نارية مع سبق الإصرار والترصد، ونقل وحيازة أسلحة نارية وذخيرة بغرض استعمالها في تنفيذ مخططات إرهابية، وتزييف وتزوير وثائق رسمية، وانتحال هوية وتقديم وجمع أموال وممتلكات وقيم منقولة بنية استغلالها في تنفيذ مشاريع إرهابية، وتعدد السرقات وتبيض الأموال”!!
كما تحركت أيضا أقلام “مغول الصحافة” تنعت المعتقلين، خاصة السياسيين الستة، بنعوت شتى، من خلال مقالات ذات عناوين، في بعض الجرائد، مثيرة ومُدينة، مثل “إرهابيو خمس نجوم” لمصطفى الزارعي (8)، ومثل “خفافيش الرعب” لِ”صحفي” يُدعى محمد البودالي (9)، و”إسلاميون...بسلاح بن غوريون” لعلال محمد الفجري (10)، و”ويل للمشككين”، أي في الرواية الرسمية، لخالد العطاوي(11)، وغير ذلك من المقالات التي قد نعود إليها فيما يأتي بإذن الله تعالى.
غير أن المدعو سعيد لكحل –ويقدَّم للقراء على أنه “باحث في الجماعات الإسلامية”!!- استبعد في البداية أن يكون لدى القيادات السياسية الست المعتقلين فكر انقلابي واتصالات مع القاعدة. فقد صرح لجريدة “الصباح” “أن هذه القيادات أعلنت غير ما مرة أنها أحدثت القطيعة مع الفكر المتشبع بالعنف ومع الخيار الانقلابي تجاه الأنظمة. وأضاف أن القيادات المذكورة قررت عن طواعية أن تعمل في إطار المؤسسات الدستورية القائمة، واختارت النضال الديمقراطي والتصالح مع التيارات السياسية المختلفة”(12). بل إن الرجل أكد “أن القناعات الفكرية والسياسية لهذه القيادات لاتمت بأية صلة إلى الفكر الجهادي. واستبعد أيضا إمكانية تخفي هذه القيادات وراء مبدإ (التقية)” (13). ولذلك فاعتقال السياسيين الستة شكل –حسب هذا “الباحث”- “عنصر مفاجأة بالنسبة إلى المتتبعين لشأن الحركات الإسلامية وللشأن السياسي بصفة عامة” (14).
هذه التصريحات لا أدري متى أخذت من صاحبها، غير أنها نشرت في جريدة “الصباح”، يوم 21 فبراير 2008. وفي نفس اليوم حضر “الباحث”، مع بعض المفكرين والإعلاميين والحقوقيين، لقاءا مع وزير الداخلية آنذاك شكيب بنموسى، ووزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة خالد الناصري، وهو اللقاء الذي يقول عنه “الباحث” نفسه:
“كان اللقاء يوم الخميس 21/02/2008 بمقر وزارة الداخلية الذي حضره، بالإضافة إلى وزارة الداخلية وبعض مساعديه ووزير الاتصال، ثلة من المفكرين والإعلاميين والحقوقيين (15). واللقاء لم يأخذ الطابع الرسمي (16)، وكان بعيدا عن أي بروتوكول. كان لقاءا مفتوحا تشاوريا (17)، ولم يصدر عن أي مسؤول في الداخلية ما يُفهَم منه أي نوع من التوجيه، بل بالعكس، قدم الحاضرون وجهات نظرهم واقتراحاتهم (18) وانتقاداتهم لوزارة الداخلية ووزارة الاتصال. ولهذا فاللقاء كان تواصليا بالأساس تخلله غذاء ومناقشة، مما ينفي عنه كل صفة رسمية. ولا أخفيك أن السادة وزير الداخلية والوالي المدير العام للشؤون الداخلية ووزير الاتصال تلقوا بارتياح الأفكار والمقترحات والانتقادات. وتعد مثل هذه اللقاءات ضرورية لتبادل الآراء، على اعتبار أن خطر الإرهاب لايتهدد وزارة الداخلية وحدها، بل يتهدد الوطن برمته” (19).
بعد هذا اللقاء الذي ” تخلله غذاء ومناقشة”، صرح “الباحث” بما يلي:
“نحن أمام شبكة إرهابية (20) عالية الدقة في التخطيط والتخفي لدرجة أنها أفلحت في أن تظل في منأى عن الرصد الأمني طيلة عقد ونصف، الأمر الذي يستدعي مزيدا من اليقظة ووضع كل الفاعلين والمواطنين أمام مسؤولياتهم” (21).
ثم حذر من خطر الإسلاميين فقال:
“نحن إذن أمام خطر ماحق (يقصد الإسلاميين) يأتي على كل القيم النبيلة التي تميز بيئتنا الاجتماعية وطبيعة العلاقات التي تربط بين الناس والقائمة على التسامح والتضامن والتعايش” (22).
ولايفوته أن يقدم الدروس:
“إن الإعلام مسؤولية قبل أن يكون مهنة، ومتى افتقر بعض العاملين به لروح المواطنة، تحول إلى أداة هدم وتدمير لاتقل خطورة عن الأحزمة الناسفة، بل أشد خطورة” (23).
كم هو جميل أن يتكلم رجل عن “القيم النبيلة” و”مسؤولية الإعلام” و”روح المواطنة”! لكن كم هو قبيح ألا يتمثل الرجل نفسُه تلك القيم النبيلة، وألا يعتبر الإعلام مسؤولية، وأن يفتقر إلى روح المواطنة! خاصة حينما ينساق مع “الرواية الرسمية” فيرمي بالإرهاب من وصفه منذ بضعة أيام أنه أحدث ” القطيعة مع الفكر المتشبع بالعنف ومع الخيار الانقلابي تجاه الأنظمة”، وذلك لما قال: “نحن أمام حقيقة صادمة هي انخراط أطر من النخبة الفكرية والسياسية ضمن الشبكة الإرهابية...”!!(24)، ولما أكد، حينما أجاب عن سؤال حول التباين والحذر في التعاطي مع الحدث، وأرجع ذلك إلى سببين، أحدهما: “يكمن في طبيعة المخطط الإرهابي والعناصر المنخرطة فيه، إذ لم يتوقع أحد أن يكون ضمن المعتقلين قادة في أحزاب سياسية لهم علاقات طبيعية مع الطيف السياسي” (25).
ثم ينتقد “الباحث” أصحاب موقف التشكيك في كل ما يصدر عن الدولة، خاصة في مثل هذه القضية، ثم يقول: “كان الأولى التركيز على خطورة الإرهاب واحترام القضاء” (26).
وتابع الرجل مسيرته في “تأكيد” اتهامات السلطة للمعتقلين مفتخرا:
“لنا أن نفخر بفاعلية الأمن المغربي الذي فكك كل هذه الخلايا وضبط كل هذه الترسانة من الأسلحة والمتفجرات دون أن يترك فرصة للإرهابيين لاستعمالها...”(27).
وقد علق رشيد نيني على هذا الكلام بقوله:
“جلسة واحدة مع وزير الداخلية تركت كل هذا المفعول. قبل أسبوعين قلت كلاما آخر على الجريدة...لكل مقام مقال”(28).
وفي جريدة “المغربية” ليومي 08و09 مارس كتب “الباحث”:
“جاءت مناسبة اكتشاف وتفكيك خلية بلعيرج الإرهابية لتعيد التأكيد على الدور الحيوي لهذه الأجهزة الأمنية ومستوى جاهزيتها للتعامل مع مختلف المخططات الإرهابية. ويحق لنا كمواطنين أن نفخر بهذا الإنجاز الفعال والمهم، الذي لم تستطعه المخابرات وكل الأجهزة الأمنية البلجيكية، ومعها الأوربية، التي كانت وما زالت ضحية الاختراق من طرف التنظيمات الإرهابية، كما هو ثابت مع خلية بلعيرج، التي ظلت عناصرها مدسوسة كمخبرين يتقاضون تعويضات عن خدمات بسيطة...”(29).
ولما صدرت الأحكام الجائرة ضد أفراد الخلية المزعومة، صرح “الباحث” لقناة الجزيرة القطرية، في نشرة “الحصاد المغاربي” ليوم 17/07/2010، أنه “في الواقع، يقول مثل فرنسي:(الحقيقة تجرح لكنها لاتقتل)، وهذا ينطبق على حالة هؤلاء المعتقلين. طبعا، كثير من المغاربة لم يصدقوا في البداية أن يتورط هؤلاء المسؤولين السياسيين (كذا) ضمن هذه الخلية، ولكن ماقدمته الأجهزة الأمنية وماقدمته المحكمة من معطيات دليل كاف تعتمد عليه وتستند إليه المحكمة سواء في المرحلة الابتدائية أو في مرحلة الاستيناف لتوجيه الإدانة لهؤلاء المعتقلين “(30)، وتابع أنه لايعتقد “أن القضية سياسية لأن الدولة ليس لها ربح وفائدة من وراء هذا الملف، من وراء توجيه تهم باطلة إلى عناصر هذه الخلية، بالإضافة أيضا إلى أن ما ضبطته الأجهزة الأمنية من أسلحة ونوعية هذه الأسلحة والمخططات ينفي التهم عن الدولة وعن تسييس هذا الملف وتسييس هذه القضية. فالقضية هي قضية قضائية وليست سياسية “(31).
إذن، انتهى “شيخ مسيلمة” إلى التأكيد على أن أفراد الخلية المزعومة –ومنهم السياسيون الستة- إرهابيون ، وأن مااتهموا به ثابت في حقهم، وأن القضاء الذي أصدر في حقهم أحكاما جائرة قد أنصفهم!! بعدما استبعد من قبل أن يكون السياسيون الستة –على الأقل- إرهابيين.
فهل وقف الرجل هنا؟ لنتابع:
انتشرت هذا الشهر (مارس 2011) شائعات قوية تفيد قرب خروج السياسيين الخمسة الذين لازالوا معتقلين. وقامت أسرهم والمتعاطفون معهم بالاعتصام أمام بوابة سجن سلا في انتظار خروجهم. وكان لافتا للنظر حضور ممثلين عن شباب 20 فبراير لاستقبالهم. لكن لم يخرج أحد من أولئك المعتقلين!!
وعلى الفور بدأ بعض ممن كتبوا سابقا استجابة لاتهامات السلطة، يتراجعون لما سمعوا بالشائعات عما اقترفته أيديهم من مقالات “إجرامية” في حق أولئك المعتقلين وأسرهم. ومن هؤلاء “شيخ مسيلمة” هذا.
فبعد أن كان المعتقلون الستة –والذين أصبحوا خمسة كما سبق- إرهابيين ونالوا جزاءهم من قضاء عادل في نظره، أصبح هذا “الباحث” الآن يرى أن “هؤلاء المعتقلين، وخاصة قياديي البديل الحضاري وحزب الأمة يحظون بتقدير الطبقة السياسية، ليس فقط لما يعرف عن أشخاصهم من اتزان ونضج، بل وأساسا الأدبيات السياسية والفكرية التي ترجمت القناعات والمبادئ التي على أساسها شكلوا هيآتهم السياسية والقطاعات الموازية لها”(32).
بل يقدم شهادة لصالح حزبي البديل الحضاري والأمة –الممنوعين من حقهما في التنظيم السياسي- فيقول: “ليس من شك في أن الأدبيات الصادرة عن هذين التنظيمين البديل الحضاري وحزب الأمة تؤكد انفتاحهما على قيم العصر وثقافة حقوق الإنسان، رغم المرجعية الدينية التي يصدران عنها، الأمر الذي يضعهما على طرفي نقيض مع عقائد التطرف الديني وثقافة الكراهية” (33). ومصيبة هذا الرجل انه ينسى أنه قال مرة أن قضية المعتقلين الستة ” قضية قضائية وليست سياسية ” كما سبق، فيقول الآن، في صفاقة قل نظيرها، أن المظلمة التي لحقتهم إنما لحقتهم جراء اعتقال “هو في جوهره سياسي”(34)!!
وهنا يلزمني توضيح أمر أساسي هو: أن بعض أبناء حركة معينة قد يقدمون أقوال خصومها الشاهدة لها لإظهار قيمة ما تطرحه، وكأنهم يقولون: “انظروا، حتى الخصوم شهدوا لنا، والحق ما شهدت به الأعداء!”.
غير أن غرض هذا المقال ليس هو هذا. فأقوال هذا الرجل لاتزن في نظري جناح بعوضة، وهي من صنف اللغو الذي لاطائل وراءه للأمة: هشاشة في التحليل، سوء نية في الخصم، منهج قائم على الوشاية والكذب والبهتان...والاهتمام بمقالاته إنما يرجع –بالنسبة لي على الأقل-إلى العمل على استخلاص بعض “قواعد المسلكية الاستئصالية” في التعامل مع الحركة الإسلامية. فهو يعتبر، كما ذكرت مرة، مع استئصالي آخر هو “جمال هاشم”، مايمكن أن نسميه “استئصاليا بالأصالة” لا بالتبعية. ولذلك فهو يفيد في معرفة:
-سمات الخطاب العلماني الحقود.
-قواعد المسلكية الاستئصالية في شكلها الوقح.
-خطاب الوشاية والتملق والنذالة الفكرية، وخدمة السلطة دون تكليف ولاطلب رسميين...
بالإضافة إلى أمور أخرى في المجال التربوي سيأتي ذكرها.
فلئن كان من حسنة لمقالات هذا الرجل، فهو هذا. وإلا فإن شهادته للمعتقلين الخمسة أو الستة أو غيرهم عديمة القيمة لسقوط “عدالة” صاحبها وتذبذب أقواله كما سبق.
وعودة إلى مقاله الذي نحن بصدده، كي نشير إلى أنه ذكر أن القضاء يمكن أن يقع في أخطاء، في نظره، بعدما كان يشيد بعدله وإنصافه. ولذلك رجا أن يكون هناك “مخرج مشرف ...لتصحيح الأخطاء التي يقع فيها القضاء، مثلما حصل في عدد كثير من الملفات التي طال أصحابها ظلم كبير، وكان جامع المعتصم آخرهم؛ أو للدولة نفسها تكفيرا عن الأخطاء التي ارتكبها القضاء” (35).
وبالفعل، فقد يقع القضاء –أي قضاء- في أخطاء: روى مالك‏ في الموطإ عن عروة عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذ منه شيئا،فإنما أقطع له قطعة من النار” (36).‏
فهل الحكم على أفراد ماسمي بخلية بليرج هي من هذا النوع من أخطاء القضاء؟
لاأرى ذلك، إذ القضاء لدينا غير مستقل، وشتان بين الأخطاء التي يشير إليها الحديث، وبين التبعية المؤدية حتما إلى الظلم!
غير أنه لاينتظر من “شيخ مسيلمة” أن يشير إلى تجرد القضاء في بلدنا عن الاستقلال، خاصة وأنه كان من المباركين للأحكام التي صدرت ضد السياسيين الستة والإخوة الذين معهم. ولذلك فهو يكتفي بذكر “الأخطاء” و”كل القضايا التي تسيء إلى سمعة المغرب وتنخر مقدراته، وفي مقدمتها الفساد بكل مستوياته وتلاوينه”(37). مع أنه ساهم هو الآخر، بمقالاته التي تسبح بحمد المسؤولين وتدين الأبرياء من أبناء الحركة الإسلامية، في هذا الفساد! أولا يشمل الفساد مباركة الظلم والاعتقال التعسفي وتلفيق التهم الباطلة...؟!
أما كلام الرجل حول أن “الجهود التي يبذلها المغرب في سبيل تحديث منظومته التشريعية والمؤسساتية تكسبه احترام الدول وتقديرها للتجربة المغربية الرائدة على مستوى العالم العربي، خاصة فيما يتعلق بتجربة الإنصاف والمصالحة التي جسدت شجاعة الدولة وجرأة النظام في الإقرار بأخطاء الماضي وطي صفحة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان...” (38). أقول: إن كلامه هذا هو كلام يتكرر في مقالات كثيرة له. ولاقيمة لهذا الكلام، خاصة وأن الواقع في البلد يكذبه، وخاصة أيضا أنه صادر عمن فقد “عدالته”، بالمعنى الاصطلاحي للكلمة في علم الحديث.
وقبل أن نختم، نحب أن نقول:
هذا الرجل درّس، وربما لازال يدرّس، مادة الفلسفة في التعليم الثانوي ببلدنا. فهو يمارس مهنة تربوية في تخصص يحث على استعمال العقل والتأمل، وعلى الحرية الفكرية وعقلية الحوار والسؤال والمناقشة...ومما هو محبذُ التطبيقِ في بلدنا –في مجال التربية والتعليم- “التربية على القيم” وعلى “المواطنة” وترسيخ الكفايات...ولعل تصرفات هذا المدرس “الحربائية” تمدنا بمواضيع للتفكير والبحث من قبيل:
-”الحربائية” والتربية.
-التربية على القيم ودور المدرس “الحربائي” في محاربتها.
-العلاقة بين المقاربة بالكفايات و”حربائية” المدرس: تكامل أم تناقض؟
-مواصفات المدرس “الحربائي”....
وإني لأقترح على الإخوة الطلبة الأساتذة –في مختلف مراكز التكوين- أن تكون مثل هذه المواضيع مجالا لبحوث تخرجهم، دون أن ينسوا بالطبع أن يضيفوا لعنوان البحث، بين قوسين، (شيخ مسيلمة نموذجا)!
ختاما نقول:
إن الاستئصال يقود إلى “العمالة الفكرية”، وإن تلك “العمالة” تقود إلى الفضيحة، ولايزال الرجل يتبنى الاستئصال ويتحراه حتى يُكتَبَ عند أبناء الشعب مفضوحا!
اعتذار ورجاء:
عذرا، سيدتي الحرباء، يامن خلقك الله سبحانه وتعالى أصلا حرباء، فإن مجامع اللغة العربية لم تمدني بعد بوصف آخر ينطبق على “شيخ مسيلمة” سوى اسمك. وإني لأرجو من أي قاريء توصل إلى كلمة يمكن بها وصف مثل هذه الحالة “الحربائية” لِ”شيخ مسيلمة” أن يمدني به، ولأثقلنه حمدا وشكرا!
_______________
1-الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، ص 5/320.
2-أخرجه البخاري في الأدب، باب ما قيل في ذي الوجهين، حديث 6058.
3-أخرجه في الأدب، باب في ذي الوجهين، حديث 4873، وصححه الألباني في الصحيحة 889.
4-فتح الباري لابن حجر رحمه الله، ص 10/582.
5-في مقال ساخر اقترحت كلمة “القُذْف” (بضم القاف) بدل (الحُمق)، و(الأقذف) بدل (الأحمق)، لأن للسفاح مرضا خاصا به ! لذلك أرى، والله أعلم، أنه من الأفضل اشتقاق اسم مرضه من اسمه هو نفسه. والغريب أن أعراض هذا المرض بدأت تظهر أخيرا على الرئيس السوري، في تعامله مع أحرار سوريا.
6-ذكر الصحفي رشيد نيني في عموده اليومي “شوف تشوف”، في حلقة بعنوان: “الكلمة للشعب”، عن المعتقلين السياسيين الستة مايلي: “يعرف الجميع أن محاكمتهم وسجنهم وحل حزبهم كان مجرد نزوة من نزوات الهمة بسبب رفض بعض هؤلاء منحه حزبهم لكي يفعل به ما يريده”.جريدة “المساء” المغربية، عدد 1391، الإثنين 14/03/2011.
7-هم، للتذكير: أستاذنا محمد المرواني، والإخوة: د. العبادلة ماء العينين، ود. محمد الأمين الركالة، وذ. مصطفى المعتصم، والصحفي عبدالحفيظ السريتي، وذ. حميد نجيبي الذي أكمل المدة المحكوم عليه بها.
8-جريدة “الصباح”، عدد 2450 بتاريخ الإثنين 25 فبراير 2008.
9-نفس الجريدة ونفس العدد.
10-جريدة “الأحداث المغربية”، عدد 3305 بتاريخ الإثنين 25 فبراير 2008.
11- جريدة “الصباح”، عدد 2460 بتاريخ الجمعة 07/03/ 2008.
12- جريدة “الصباح”، عدد 2447 بتاريخ الخميس21 فبراير 2008.
13و14-نفسه.
15-صاحب هذا الكلام، وهو مدرس لمادة الفلسفة في التعليم الثانوي، يحشر نفسه ضمن ” المفكرين والإعلاميين والحقوقيين”. والجميع يعرف أنه ليس إعلاميا ولاحقوقيا. فهل يعني هذا أنه “مفكر”؟
لعل الجواب نجده في مقال له ينتقد أحد الصحفيين، رشيد نيني، حيث قال: “لقد كتب صاحبنا في كل المواضيع التي تجعل منه مستأسدا، ليس لأنه صاحب صولة وجولة، ولكن لوجود مناخ ديمقراطي يسمح بالتنطع والاستئساد باسم حرية الصحافة وحقوق الإنسان. وهذا دأب كثير من المستأسدين الذين يبنون مواقع وهمية، وينحتون شخصيات هلامية وعنتريات كارتونية قد يخالها المتتبع أنها دليل شهامة يستنصر بها كل مظلوم أو مغبون...”(من مقال له في جريدة “الأحداث المغربية”، عدد 3314 بتاريخ الإثنين 05مارس 2008، تحت عنوان: “وإذا المستأسدون سئلوا لأي سبب جبنوا”). ونرى أن هذا الكلام ينطبق تمام الانطباق على صاحبه، “الباحث في الجماعات الإسلامية” نفسه.
16-أي طابع أخذ إذن: “أخوي”؟ إخباري أو “تواصلي” كما قال فيما بعد؟ وأي نوع من التواصل؟ فالتواصل “فيه وفيه”!
17-مسؤولو الداخلية “يتشاورون” مع سعيد لكحل! وفي قضية ما سمي ب”خلية بليرج”! شكرا شيخ مسيلمة، فالاعتراف سيد الأدلة!
18-ترى ما الذي اقترحه سعيد لكحل على مسؤولي الداخلية بخصوص الحركة الإسلامية أو “خلية بليرج”؟
19-من حوار مع سعيد لكحل أجرته جريدة “الاتحاد الاشتراكي”، عدد 8808 بتاريخ فاتح مارس 2008. وقد أجرت الحوار الصحفية نجاة بطل، ونعتت هذا “العميل الفكري” بأنه “باحث في الجماعات الإسلامية وقضايا الإسلام السياسي”، وهي شهادة زور لصالح من يحب اللقاء بمسؤولي الداخلية و”تبادل الآراء” معهم حول الحركة الإسلامية !!
20-يقصد ما سمي ب”خلية بليرج”.
21-الحوار في جريدة “الاتحاد الاشتراكي”، عدد 8808 المذكور.
22و23و24و25و26-نفسه.
27-مقال: “وإذا المستأسدون سئلوا...” السابق ذكره.
28- جريدة “المساء” المغربية، عدد 455، الخميس06/03/2008، عمود “نتا بركم وأنا نفهم”.
29-جريدة “المغربية”، عدد 6910، بتاريخ السبت والأحد 8و9 مارس 208، مقال:”لامنزلة وسطى بين الديمقراطية والإرهاب”.
30و31-من تصريحه للقناة. وانظر حول تصريحاته مقالنا “وقاحة الاستئصال”، على الرابط:
hassanla.maktoobblog.com
32و33و34و35-مقاله: ” العفو عن المعتقلين السياسيين تكريس للحكمة والتعقل” المنشور بجريدة الصباح، عدد 3406 بتاريخ الجمعة 25/03/2011.
36- أخرجه في الأقضية، باب في قضاء القاضي إذا أخطا.
37و38-المقال السابق بعنوان: ” العفو عن المعتقلين السياسيين...”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.