اكتست دراسة التراث العربي الإسلامي مكانة مهمة لدى الباحثين العرب ؛ لكن اختلفت الأهداف والخلفيات فمنهم من دعا إلى القطيعة معه ( نموذج العروي) وآخرون دعوا إلى عقلنة التراث ( نموذج الجابري) والبقية الباقية دعت إلى تصفية التراث وكشف تناقضاته ( خليل عبد الكريم). ما يهنا المجال في هذا المقال هو الحديث عن الاتجاه الثالث : الذي نظر في التراث فوجده ملئا بالمغالطات والأكاذيب والخرافة خاصة في مجال التفسير والتاريخ والحديث والفقه .... مثلا على سبيل المثال نجد التفاسير تركز فقط على ابن كثير فأين باقي التفاسير ؟ ( الزمخشري والرازي والباقلاني...) فالباحث في تلك التفاسير يجدها أكثر أهمية من تفسير ابن كثير الملئ بالاسرائيليات ؛ فلماذا يتم الترويج له في حين أن باقي التفاسير تقصى من الترويج ولا توجد في المكتبات ؟ فالجواب يكمن في طبيعة تلك التفاسير ، حيث نجد أصحابها معروفون بالنزعة العقلية . فما أحوجنا اليوم إلى تلك التفاسير للدخول في عصر أنوار عربي اسلامي يعيد لعقل مكانته وللمعرفة سلطتها . أما في الفقه فنجد هم يركزون كثيرا على ابن تيمية وابن القيم , أما العلماء الآخرون فلإمكان لهم بالرغم من علمهم الكبير واجتهادهم المعروف ومكانتهم المرموقة وما أكثرهم على سيل المثال لماذا لايتم ذكر الفقيه اللامع نجم الدين الطوفي الحنبلي الذي تجرا على كسر أهم القواعد الفقهية : لااجتهاد مع النص فأباح الاجتهاد حتى مع النصوص الواضحة الدلالة ، استنادا إلى اجتهادات الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب ( تعطيل حد السرقة وفريضة المؤلفة قلوبهم...)لاختلاف المصالح بدوران الأزمان ومن ثم قدر الطوفي ان رعاية مصالح الناس تعلو على النص و الإجماع. ولماذا لا يعرجون على اجتهادات الإمام الباقلاني ؟ لا لشيء إلا لاشتراطه للاجتهاد التضلع من الفلسفة أو بالذات علم الكلام واعتماده على المنطق الارسطي في الاستنتاجات الصحيحة. وحتى الإمام الجويني لانجد له مكانا عند علمائنا الأجلاء ، فالجدير بالذكر أن هذا الإمام في القرن الثاني عشر ميلادي يؤكد على أن المعرفة بمقاصد الشريعة كافية وحدها كأساس في الاجتهاد بتنزيلها على واقع الزمان ومستجداته ومشكلاته التي لم تكن معلومة من قبل و الغرض من هذا التنزيل هو مصلحة الناس أولا وأخيرا ، وهو كله ما يقوم على مدركات عقلية بالأساس وليست نقلية ولا نصية. أما في مجال التاريخ الإسلامي فحدث ولا حرج ؛ فلازالت الكثير من الأحداث التاريخية كقتل عثمان والفتنة بين علي ومعاوية بالإضافة إلى تجاوزات الصحابة وأخطائهم تحتاج إلى الكثير من التمحيص والتدقيق البعيد كل البعد عن الاديوبوجيا . فالكثير من الكتب التاريخية القديمة مليئة بالتناقضات والايدولوجيا فما أحوجنا اليوم إلى كتابات تاريخية موضوعية تستفيد من كثرة المناهج التاريخية والاجتماعية الألسنية . وأخيرا في مجال الحديث النبوي ، الذي احتدم الصراع حول ورايته بين الشيعة والسنة وبين باقي الفرق الإسلامية الخوارج مثلا .فكثرت الأحاديث الموضوعة والضعيفة ، فحتى صحيح البخاري الذي يعتبر اصح الكتب بعد القران الكريم لم يسلم من بعض الأحاديث البعيدة كل البعد عن جوهر الإسلام فمثلا في كتاب الجنائز في صحيح البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اتاني آت من ربي فاخبرني انه من قال من أمتي لااشرك بالله شيئا دخل الجنة قلت وان زنى وان سرق؟ قال وان زنى زان سرق ، قال وان زنى وان سرق رغم انف أبي ذر /الحديث 1237 لقد توافقت المجتمعات كلها ، والبشرية جميعا على أن فعل السرقة وفعل الزنا هما من الأفعال الفاضحة والمشينة وهي شؤون لاتحتاج توجيها ولا تعليما كي ندركها ، لأنها تدرك بالحس الإنساني الخالص لذلك كان الحس الإنساني وراء تكرار أبي ذر لسؤاله المندهش المستنكر 3 مرات تعبيرا عن عدم قبول روحه لفكرة أن يكون مصير الزاني والسارق إلى الجنة بدلا من جهنم. والغريب أن هذا الحديث يعتبر من عمدة الاحاديث المكررة التي يعمل بها المسلمون ومشايخهم ثم يحدثوننا عن القيم وعن الأخلاق ؟؟ وهم يبررون السرقة والزنا مقابل الاعتراف للاه بأنه اله!! الا يحق لنا في القرن الواحد والعشرين مراجعة الأحاديث وإعادة تصنيفها من قبل لجنة علمية مختلطة بين السنة والشيعة ؛ لتصفية الأحاديث المخالفة لجوهر الإسلام ولقيمه الداعية إلى المعرفة والحرية والعقل والمساواة...؟ عودا على بدء فلماذا لايتم توظيف كل الثورات المعرفية والمنهجية التي عرفتها أوروبا للقيام بقراءة نقدية جذرية لتراثنا المكتوب .؟ ، انتصارا للعقل ودحضا للخرافة وتتمينا لقيم البشرية . أما ان الاوان للدخول في عصر انوار عربي اسلامي ؟ اما ان الاوان لتفجير التناقضات ؟