تمكن الثعلب من الاستفراد بحكم الغابة، ومِنْ وِجَارِهِ وزع المهام على باقي الحيوانات، وطلب من كل منها أن تقوم بواجبها كما هو مطلوب، مهددا بإشعال النار في الغابة برمتها إن رأى تقاعسا أو إعراضا عن تنفيذ الأوامر، وأوصى الجميع بالحرص على تحقيق الأمن والاستقرار للخنازير التي جلبها أجداده من أمكنة مختلفة، ومنحوها أرضا، اقتطعوها من حظيرة الأنعام، تحقيقا لوعدٍ قطعوه على أنفسهم بإنشاء حظيرة مستقلة لها تعويضا عن مجزرة زعموا أنها تعرضت لها. استقبل الثعلبُ الكلبَ، وحثه على القيام بواجب حراسة حظيرة الخنازير، أعطاه كل الصلاحيات من أجل تحقيق هذه المهمة، وأمره أن ينبح في وجه كل من ييمم وجهه صوب الحظيرة أو يقترب منها، وشدد عليه في ترك التردد والانقضاض على من يراه قاصدا إياها، وتوعده بالويل والثبور إن أخل بالواجب، أو سمع أن سوءا لحق الخنازير بسبب تفريطه. في اليوم الموالي استفرد الثعلب بالبغل الذي عينه رئيسا على الأنعام، ليكون عينه عليها، وأمره بتقديم المتطاولين على الخنازير قربانا له، وتسجيل أسماء المعادين للجنس الخنزيري وتقديمهم إلى المحكمة، ومعاقبة المطالبين بالعودة إلى الحظيرة، وعد كل فعل بهذا الصدد تجاوزا خطيرا، يمس حقا تاريخيا للخنازير ، ولايحق لأحد التطاول عليه أو التفكير في تنغيص راحة أصحابه. أكد البغل جاهزيته المطلقة لتطبيق كل التعليمات، وزود الثعلب بقائمة أعماله التي أقدم عليها لتحصين هذا الحق، ومن ذلك ركله حملا صغيرا، لأنه تجرأ ورعى في حمى حظيرة الخنازير، وعضه عجلا بعدما أصدر خوارا غريبا، شك في تضمنه سبابا في حق خنازير. بعد أيام استدعى الثعلب الحمار، وأمره بحمل العشب والكلإ إلى حظيرة الأنعام، وأوصاه بالاعتناء بها، وباستقدام قادتها إلى إسطبله، وإكرام وفادتهم، ودون تردد عبر عن استعداده التام لتنفيذ أوامره بحذافيرها. نشبت حرب ضروس بين الكلب والحمار، وجمع الكلب إخوانه الكلاب وحلفاءه من بني آوى والذئاب وواجه الحمار الذي ضاق ذرعا بتصرفاته، ونالت منه ممارسات الكلب وحلفائه، فرفع مظلمته إلى الثعلب، لكن هذا الأخير قابل شكواه بالاستخفاف، وأمره بالاستمرار في تنفيذ أوامره، وتحدي المحاربين. بدوره اشتكى الكلب من عناد الحمار وفعله الإحساني لصالح الأنعام، وعَدَّ سلوكَه معاكسا للحظر المضروب على حظيرتها، والتمس من الثعلب تأديبه ومعاقبته على جسارته، فما كان منه إلا أن نهره بشدة، وتوعده بالضرب المبرح إن كرر هذا الكلام. سيدي الثعلب، سمعا وطاعة لكل أوامرك، لكنني أرى أن الحمار تجاوز حدوده، وأفعاله تضرب جهودنا جميعا وتبطل مفعول الحصار. لا يهمك هذا، قم بواجبك، واترك الباقي لي. على الرحب والسعة. في الجانب الآخر، اجتمعت الأنعام وقررت أن تهاجم حظيرة الخنازير، وفي غفلة من الجميع استطاعت أن تلحق بها أضرارا كبيرة، فضجت الغابة بالجلبة والضجيج، وتوالت ردود الأفعال، واستنكر الكلب والبغل هذا التجاوز اللامقبول الذي هدد سلامة الخنازير وأثار فيها الرعب. وبدوره جاء الحمار منكسرا، وأعلن في حضرة الثعلب استعداده لطرد ضيوفه، ووقف دعمه، فنهره، وطلب منه الاستمرار في تنفيذ أوامره. مرت سنوات، وعاد الأسد إلى الغابة بعد غيبة اضطرارية، وتلقى تقارير عن الوضع الذي آلت إليه بعده، فما كان منه إلا أن أحضر الثعلب وطلب منه أن يخبره عن مغزى فعل واحد، حيره وأثار لديه سيلا من التساؤلات القلقة، وخاطبه قائلا: أيها اللئيم، أدركت جيدا مهمة الكلب والبغل، لكنني لم أستوعب دور الحمار. — سيدي الأسد، استعملت الحمار لأُعَوِّدَ الأنعامَ على النعمة، وأجعلهم يفكرون ألف مرة في ضياع الكلإ إن راودتهم فكرة التمرد… الجائع ليس لديه ما يخسره، بل إن جوعه يتحول إلى قوة مدمرة، أما الشبعان، فبطنته تذهب حماسته وتقعده أرضا، وتزرع فيه الخمول، وتجعله يستأنس بواقعه الجديد، حتى إذا تعرض لهجوم تصفيته وجد نفسه عاجزا عن الحركة وسهل اجتثاته. — من أين أتيت بهذه الفكرة الشيطانية أيها الخبيث؟ — من الواقع، قبل أن نقتلع نبتة، نشبعها ماء، فتصبح التربة رطبة، وتسهل العملية، أما النبتة الجائعة فيصعب فصلها عن تربتها. — لماذا أوعزت للحمار باحتضان قادة الأنعام؟ — راهنت على تليينهم بنقلهم إلى مستوى عيش أفضل لينسوا حظيرتهم، حتى إذا فاوضناهم وجدنا لديهم القابلية للتنازل، لأن تفكيرهم سينصرف إلى المحافظة على امتيازاتهم التي سنهددهم بسلبها منهم وإبعادهم إلى صحراء قاحلة إن ركبوا رؤوسهم. انقض الأسد على الثعلب هائجا من شدة الغيظ، وتركه جثة هامدة، ودون أن يبرح مكانه استدعى مستشاريه وطلب منهم وضع خطة عاجلة لعودة الأنعام إلى الحظيرة، وإرجاع الخنازير من حيث أتت.