مرة حكى لنا معلم ونحن أطفال صغار في قسم الابتدائي، حكاية قال لنا إنكم ستدركون مغزاها حين تكبرون. تذكرت هذه الحكاية وأنا أتابع ما جرى في الجمع العام لجامعة كرة القدم، وكيف وصلت المصاريف إلى 85 مليار، وتذكرتها أيضا بعد إصرار الجامعة على التعاقد مع «الثعلب» الفرنسي هيرفي رونار في توقيت سيء للغاية، وهو ما حصل تماما عندما أصرت جامعة الجنرال حسني بنسليمان على التعاقد مع هنري ميشيل للمرة الثانية، ليقودها للإقصاء، وهو ما حصل أيضا مع جامعة الفهري التي أصرت على جلب البلجيكي إيريك غيريتس. وتذكرت هذه الحكاية أمس عندما سقط أبرياء وداديون، فارقوا الحياة عقب مباراة فريقهم أمام الجيش الملكي، مخلفين أسى كبيرا وسط عائلاتهم التي ستعيش ألم الفراق، ووسط أحبائهم وأصدقائهم. تذكرت هذه الحكاية، واخترت أن أتقاسمها وإياكم، وأي تشابه في الأحداث أو الشخوص أو الوقائع فهو مجرد صدفة لاغير ! يُحكَى أن الأسد ملك الغابة كان جائعاً، وكان معه ثعلب لا يفارقه في حله وترحاله وكأنه وزيره. قال الأسد: يا ثعلب، أنا جائع، أحضِر لي طعاماً وإلاّ أكلتك !! قال الثعلب: تأكلني؟ لا، الحمار موجود ، الآن أُجَرجره لك لتأكله. قال الأسد: حسنا، لا تتأخر .. ذهب الثعلب في زيارة مكوكية إلى الحمار.. وقال له: أيها الحمار، أريد أن أُسِرّ لك بأمر .. إنّ الأسد يبحث عن ملك جديد للغابة بمواصفاتك. ليعُمّ السلام على جميع الحيوانات في الغابة. فتعال معي نذهب إليه لتتقرّب منه ، عسى أن يختارك .. قال الحمار: هل أنت متأكد يا ثعلب ؟ قال الثعلب: بالطبع ! هيا بنا .. ذهب الحمار مع الثعلب وهو يفكر بالمنصب الذي ينتظره ويحلم بفرصة عمره التي أتته، وبدأ يتخيل شكله وهيئة مملكته وحاشيته، وحلّقت به أحلامه فوق السحاب. وما أن وصل الحمار إلى الأسد ، وقبل أن يتكلم ، قام الأسد وضربه على رأسه ضربة أطارت آذنيه ، ففر الحمار على الفور!.. وهكذا فشلت الخدعة الأولى! قال الأسد: يا ثعلب، أعِدهُ لي وإلا أكلتك .. قال الثعلب: سأعيده لك، ولكن أرجوك.. اقضِ عليه بسرعة هذه المرة ! قال الأسد: هيا، ولا تبطئ . ذهب الثعلب للحمار مرة ثانية وقال له: ماذا جرى لك ؟ صحيح أن الحمير لا تفهم ولا تعرف الإتيكيت !.. كيف تترك مجلس ملك الغابة وتضيّع على نفسك فرصة المنصب ؟! ألا تريد أن تصبح ملكاً ؟!.. قال الحمار: اسمع يا ثعلب، إلعب غيرها .. تضحك علَىّ وتقول لي أنه يريد أن يُنَصِّبني ملكاً، وهو في الواقع يريد أن يأكلني ! قال الثعلب: يا حمار ، هذا غير صحيح، هو يريد حقاً أن ينصّبك ملكاً، لكن تمهل ولا تستعجل .. قال الحمار: إذَن بماذا تفسر ضربته على رأسي حتى طارت أذناي ؟ قال الثعلب: يا غشيم ، كيف ستُتَوَّج وتلبس التاج على رأسك ؟ كان يجب أن تطير أذناك حتى يركب التاج على رأسك يا حمار ! قال الحمار : هااااااااااااااا .. صدقت يا ثعلب ! هيا إذَن، سأذهب معك إلى الأسد الطيّب الذي يريد السلام لعالمنا .. وهكذا رجع الحمار برفقة الثعلب إلى عرين الأسد مرة أخرى .. قال الحمار: أنا آسف أيها الأسد الطيّب، لقد أسأتُ الظن بك ! قال الأسد: لا بأس، لا عليك .. قام الأسد من مكانه مقترباً من الحمار ، ثم ضربه مرة ثانية ولكن هذه المرة على مؤخرته فقطع ذيله ، ففرّ الحمار مرة أخرى !! وهكذا فشلت الخدعة الثانية.. قال الثعلب: أتعبْتَني يا أسد !!! قال الأسد متذمراً: يبدو أنني سآكلك أنت أيها ثعلب .. فقال الثعلب: بل سأعيد لك الحمار يا ملك الغابة ، انتظرني . رجع الثعلب للحمار مرة ثالثة وقال له: أخبرني ما مشكلتك أيها الحمار؟!.. قال الحمار: أنت كاذب وتضحك علَيّ وهذا واضح ، فقدتُ أذنَيّ ثم فقدتُ ذيلي ، وأنت لا زلت تقول يريد أن ينصبني ملكاً ، أنت نصّاب يا ثعلب!!. قال الثعلب: شَغِّل عقلك يا حمار، قل لي بالله عليك كيف تجلس على كرسي الملك وذيلك تحتك؟ قال الحمار: لم أفكر في هذه ولم تخطر لي على بال !! قال الثعلب: لهذا ارتأى الأسد ضرورة قطعه . قال الحمار: صدقت، أرجوك خذني إليه لأعتذر منه ونرتب الأمور .. أخذ الثعلب الحمار للمرة الثالثة إلى الأسد .. قال الحمار: أنا آسف يا أسد ، ومستعد لكل ما تطلبه مني . قال الأسد: لا تهتم ، إنها مجرد اختلافات في وجهات النظر . قام الأسد وانقض على الحمار من رقبته والحمار يصيح: أين أضع التاج ؟!.. أين أضع التاج ؟!.. ثم لفظ الحمار أنفاسه الأخيرة.. قال الأسد: يا ثعلب ، خذ اسلخ الحمار وأعطِني المخ والرئة والكلى والكبد. قال الثعلب : أمْرك يا ملك الغابة .. سلخ الثعلب الحمار، وأكل المخ ، ثم رجع للأسد ومعه الرئة والكلى والكبد. فقال الأسد: أين المخ أيها الثعلب ؟ قال الثعلب: يا ملك الغابة، لم أجد له مخاً !! قال الأسد: كيف ذلك ؟!! قال الثعلب : لو كان للحمار مُخ ما رجع لك بعد قطع أذنيه وذيله . قال الأسد: صدقت يا ثعلب .. أنت خير وزير .. وهكذا .. نجحت الخدعة الثالثة..