لقد كانت فكرة »الحكومة الإسلامية« دوما في قلب مطالب الحركات الإسلامية. بيد أن التعريف المضبوط لهذا النوع من الحكومة و طرق الحكامة نادرا ما يتم التطرق إليها و تفسيرها بصورة واضحة غير ماضوية. و مع صعود القوى و الأحزاب الإسلامية للسلطة ، بفضل »الربيع العربي« الذي بتحريره ألسنة مختلف الفاعلين، سمح بإعطاء فكرة أكثر دقة عما يكتنفه هذا المطلب السياسي بالدرجة الأولى. فالحكومة الإسلامية تتميز أولا برفضها الفصل بين الديني و السياسي في ممارسة السلطة، بزعم أن الإسلام »دين و دولة«. هذا المفهوم الثيوقراطي للحكم يجد نموذجه المعاصر في كل من إيران ب»«جمهوريتها الإسلامية»« و في التجربة التركية ب « »الدمقراطية الإسلامية»«. و لكن تاريخيا فإن دعاة »الحكومة الإسلامية« يجدون مرجعيتهم في طريقة الحكم التي مارسها الرسول (ص) كقائد روحي و سياسي في بداية الإسلام و في طريقة الخلفاء الراشدين (حتى العام 661 م). غير أنه ينبغي التمييز، في هذا المجال، بين المفهوم السني و المفهوم الشيعي ل« «الحكومة الإسلامية»«. فالشيعة، بسبب وجود فئة منظمة من رجال الدين لديهم، ترى أن الحكومة ينبغي أن يقودها رجل دين يسمى »الإمام« أو »آية الله« و هو رجل دين تخضع له جميع السلطات الأخرى.و المثال الحي على ذلك هو إيرانالتي يرأسها رجل دين »آية الله خامنئي« خليفة »آية الله خميني«،الذي تسمو قراراته على الجميع بمن فيهم رئيس الجمهورية، محمد أحمدي نجاد، المنتخب بواسطة الاقتراع العام. بينما يعتبر السنة مثل هذا الوضع مستحيلا نظريا لأنه لا وجود لمؤسسة رجال الدين لديها و لأن الديني، تاريخيا و عقديا كان دائما تابعا للسياسي. فلا يمكن بالتالي وجود »إمام« أو »مُفت« على رأس الدولة ، بل رئيس الدولة ينبغي أن يكون زعيما سياسيا أو عسكريا له ارتباطات أو تحالفات دينية. و هذه حالة العربية السعودية مثلا، التي لا يعتبر فيها الملوك أبناء الزعيم القبلي إبن سعود ، رجال دين لكنهم يستمدون سلطتهم مع ذلك من تحالفهم الثابت مع أبناء الزعيم الديني محمد بن عبد الوهاب. ففي حالة (الشيعة) يهيمن الديني على السياسي في إطار »ثيوقراطية برلمانية«؛ و في الحالة الأخرى (السُنة) فإن السياسي هو من يستخدم الديني في إطار نوع من »الملكية الثيوقراطية«. و لكن في الحالتين معا، فإن التداخل بين السياسي و الديني يجعل أي محاولة للفصل بين الشؤون الزمنية و الشؤون الروحية أمرا مستحيلا، إلا بتفجير النظام السوسيو سياسي في مُجمله. و مع ذلك فهناك طريق وسط من »الحكومة الإسلامية«، قد رأى النور بعد »الربيع العربي«، حيث تكتفي فيه كل من السلطتين، الدينية و السياسية، باختصاصاتها دون محاولة من إحداهما وطأ مجال السلطة الأخرى. في هذا الشكل الجديد من الحكومة، يقبل رجال الدين القواعد الديمقراطية للحكم لكنهم يعملون انطلاقا من مبادئ دينية و مسلمات ثيولوجية؛ و في المقابل، يمتنع الساسة عن التدخل في التعبير عن الإيمان أو الممارسة الدينية، مع مواصلتهم التأكيد بشكل قوي على هويتهم الإسلامية. و هكذا يكون »الربيع العربي« قد أتاح الانتقال من أدلجة للدين إلى ممارسة هوياتية للحكم. فليس هناك أي شعب عربي يقبل إعادة النظر في هويته الإسلامية، لكن لا أحد منها يتمنى دكتاتورية دينية.فمع تأكيد انتسابها للإسلام، ترفض هذه الشعوب أي سيطرة سياسية باسم الله. و يبقى السؤال هو ما إذا كانت هذه الرغبة المتناقضة في الحرية و في الدين قد تؤدي إلى ميلاد »إسلام ليبرالي«، يسمح بتفتح الجميع مع احترام كل واحد. المطالبة بالشريعة لا يمكن وصف أي حكومة ب »الإسلامية«، في المخيال الجمعي و في الممارسة التاريخية للحكم، إذا لم تطبق الشريعة في الحياة العامة كما في الحياة الخاصة.هذا التأكيد على تطبيق الشريعة يأتي أولا من القرآن : »ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها و لا تتبع أهواء الذين لا يعلمون« أو » إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله و لا تكن للخائنين خصيما«. الشريعة و غير المسلمين: في مصر وسوريا والعراق عرف موضوع العلاقة مع غير المسلمين عودة قوية في العالم العربي انطلاقا من اللحظة التي جعلت فيها منظمة »القاعدة« و المجموعات المتناسلة منها، من محاربة الأجانب »اليهود و الصليبيين« رأس حربتها و محور دعايتها ضد الغرب. و هكذا رأينا رجوع التقسيم الإسلامي المنتمي للعصور الوسطى و المتعلق بتحديد الهويات الطائفية و علاقة المسلمين مع غير المسلمين. فالقانون الإسلامي الكلاسيكي يميز بين خمس فئات من الأشخاص: المسلمون الذين يكونون كذلك عن طريق الولادة أو اعتناق الإسلام؛ الكتابيون أو »أهل الكتاب« أي اليهود و المسيحيون أساسا، و أيضا الصابئة و الزرادشتيون ؛ المشركون أي الذين يؤمنون بآلهة متعددة؛ الكفار الذين لا يؤمنون بأي إلاه (الملحدون) ؛و أخيرا المرتدون أي المسلمون الذين ارتدوا عن الإسلام و أنكروا دينهم. هذا التمييز في الوضعيات له آثاره القانونية الهامة، سواء على الصعيد المدني أو الأخلاقي. فالرجل المسلم، مثلا بإمكانه التزوج بامرأة يهودية أو مسيحية، لأنها من أهل الكتاب، لكن الرجل اليهودي أو المسيحي لا يمكنه الزواج ، قانونا، بالمرأة المسلمة، إلا إذا اعتنق الإسلام من قبل. و في المقابل فإن الزواج من الفئات الأخرى (المشركون أو الكفار أو المرتدون)محرم بتاتا. فليس من حق المرتد، نظريا، أن يتزوج ، و إذا تبينت ردته بعد الزواج فإن هذا الزواج ينحل فورا إلا إذا تاب و عاد إلى حظيرة الإسلام. أما إذا أمعن في ردته و رفض التوبة، فإنه قد يتعرض للقتل و تعود أملاكه إلى ورثته المسلمين أو إلى فائدة الدولة. وضعية الذمي تُقدم وضعية الذمي تارة كمثال على حماية الأجانب من غير المسلمين الذين يعيشون على أرض الإسلام ، و تارة أخرى كمأسسة لمواطنة دُنيا تحت غطاء النصوص الدينية. فمن الناحية التاريخية، تدل كلمة ذمي في القانون الإسلامي على العقد الذي توافق بمقتضاه السلطة الإسلامية على استضافة و حماية أعضاء الديانات السماوية الأخرى (اليهودية و المسيحية و... ) شريطة اعترافهم واحترامهم لقوانين الإسلام. فالذمي هو المستفيد من هذه الحماية، و الجماعة منهم تسمى في النصوص الكلاسيكية أهل الذمة. فهو وضع كان سائدا بالخصوص أثناء قوة و هيمنة الخلافة الإسلامية في العصر الوسيط. و قد تم تحديد هذا الوضع من طرف الفقهاء المسلمين انطلاقا من مصدرين أساسيين. أولهما القرآن الذي يستشهد فيه الفقهاء بالآية :«قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله و لا باليوم الآخر و لا يُحرمون ما حرم الله و رسوله و لا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يُعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون« (سورة التوبة). فمن خلال هذه الآية القرآنية، يعتبر الفقهاء أن على غير المسلمين أن يؤدوا الجزية و يخضعوا للسلطة الإسلامية، و إلا فتنبغي محاربتهم. أما المصدر الثاني فهو السنة أي اتباع تصرفات النبي محمد (ص) حُيال المجموعات الدينية في بدء الإسلام. و قد حارب النبي (ص) بعضها و أبرم عقود حماية مع بعضها الآخر ، خاصة مع يهود خيبر و نصارى نجران. ثم تمت مأسسة النصوص الأولية للقرآن و السنة و استخدامها في مختلف الغزوات الإسلامية من أجل فرض أنظمة خضوع قاسية جدا أو تمييزية مثل ضرورة تزويد الجيوش الإسلامية بالعتاد و المعلومات أو منع الذميين من ارتداء ملابس مشابهة للعرب.و في بعض مناطق الامبراطورية الإسلامية (الأمصار) تم تسجيل بعض الممارسات الخطيرة في حق أهل الذمة لكنها لم تكن مماثلة لما يتعرض له اليهود من عسف في الامبراطورية البيزنطية المجاورة. و لهذا فإن الأقليات الدينية في ذلك العصر كانت تفضل الخضوع لنظام الذمة الإسلامي عوض العيش في الأنظمة الأخرى لأنها لم تكن محمية فيها نهائيا, ففي أرض الإسلام كان الذميون يحتفظون باستقلالية قوانينهم ، و بحق التقاضي حسب قوانينهم الخاصة أمام قضاة ينتمون لطائفتهم و دينهم. لكن »حرية الضمير« بمعناها الحديث لم تكن متواجدة نهائيا . فالسلطات الإسلامية آنذاك كانت تتسامح مع الديانات السماوية الأخرى، لكن الردة كانت ممنوعة ، مثلها مثل السعي لتحويل المسلم عن دينه أو شتم الإسلام، و كلها أفعال عقوبتها الإعدام. و في المدينتين المقدستين في الإسلام (مكة و المدينة) كانت الإقامة الطويلة للذمي فيهما محرمة. كما كان ممنوعا تشييد بنايات دينية جديدة. و أخيرا، حسب الماوردي مُنظر الخلافة (المتوفى سنة 1058) فإن من حق الذمي (نصرانيا أو يهوديا) ممارسة وظيفة إدارية أو حكومية شريطة أن تكون وظيفة تنفيذية و ليست قيادية. لكن النص المحوري و الدائم، كيفما كان النظام الإسلامي، فهو أداء الجزية ، التي يتغير معدلها حسب العهود. و قد كانت هذه الضريبة تمس الأشخاص باعتبارهم ذميين (الجزية) كما تمس عقاراتهم (الخراج). و كان من الممكن إلغاء الجزية إذا اعتنق الذمي الإسلام، بيد أن الخراج يبقى قارا لأنه كان يُلزم جميع الملاك العقاريين. و هكذا، كانت قيمة الجزية في مصر مثلا في عهد صلاح الدين الأيوبي (توفي سنة 1193) تصل إلى دينارين (قطعتين ذهبيتين) للرأس وكان مبلغ الخراج ديناران أيضا عن كل هكتار تقريبا. و قد اختفت هذه الضرائب الدينية التمييزية تدريجيا من الدول الإسلامية الحديثة مع انتشار الأنظمة الجبائية المستلهمة من الغرب. الرجم من وجهة نظر إسلامية فإن الزنا يعتبر غير مقبول لأن المسلم له الحق، نظريا، في ما يشاء من النساء ? زوجات و عشيقات ? في إطار القواعد المنصوص عليها طبعا. و لذلك تبدو عقوبة الرجم مبررة رغم أنها جذرية. فالمصدر الأول للتشريع الإسلامي، أي القرآن، لا ينص على الرجم في الزنا بل فقط على الجلد. و مع ذلك فإن المصدر الثاني للتشريع، يتحدث عن الرجم في عدة مواقع، و يبدو أن النبي (ص) طبقه في حالة زنا بين يهوديين اثنين سُلما له. كما أن الخليفة الثاني من الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب (634-644)، كان يعتبر أن الآية القرآنية التي تنص على الرجم قد تم نسخها كتابة لكنها بقيت قابلة للتطبيق روحا. و في المُقابل، فإن المؤكد هو أن القرآن ينص صراحة على جلد الزانية و الزاني : »الزانية و الزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة و لا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر و ليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين« (سورة النور ? الآية 2). غير أن الفقه ينص على شروط شبه مستحيلة لإثبات واقعة الزنا: فهو ينص على شهادة أربعة رجال رأوا »القلم في المحبرة« و هي استعارة تقليدية لدى العرب للإشارة إلى حصول الفعل الجنسي. بل إن القرآن ينص على 80 جلدة عقابا للذي يتهم آخر بالزنا دون أن يتمكن من الإتيان بأربعة شهود ذكور يؤكدون الواقعة : »و الذين يرمون المُحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة و لا تقبلوا لهم شهادة أبدا و أولئك هم الفاسقون« (سورة النور ? الآية 4) و إذا تم تأكيد واقعة الزنا مع احترام كافة هذه الشروط (التلبس و الشهود ، فإن العقوبة تختلف حسب وضع الزاني ، فإن كان متزوجا (مُحصنا) يتم رجمه و إن لم يكن فيعاقب بمائة جلدة. و إذا كان أحد الزانيين مُحصنا و الآخر غير محصن فإن المُحصن يعاقب بالرجم و غير المحصن بالجلد. و في دول المغرب العربي، يقدم القانون الموريتاني، الذي تم سنه سنة 1983،الاقتباس المخلص للشريعة في المجال الجنائي. ففي ما يخص جريمة الزنا يقول النص الموريتاني : »كل مسلم بالغ، من أحد الجنسين، يقترف جريمة الزنا طواعية و ملحوظة، سواء من طرف أربعة شهود، أو باعتراف المعني بالأمر، أو فيما يخص المرأة من خلال حمل، تتم معاقبته علنا، إذا كان أعزبا، بعقوبة مائة جلدة و سنة سجنا. و إذا كان الجاني ذكرا فإن عقوبة السجن تتم خارج المكان الذي تمت فيه الجريمة, و إذا كان الجاني مريضا، يؤجل تنفيذ العقوبة إلى حين شفائه.و إذا كان الجاني متزوجا أو مطلقا فإن عقوبته هي الإعدام رجما. فإذا كانت المرأة حاملا فإن عقوبة الجلد أو الرجم تؤجل إلى حين وضع حملها« (الفصل 307 من القانون الجنائي الموريتاني). عقوبة الإعدام يحرم القرآن تحريما باتا، في وقت السلم القتل أو الانتحار (أما أثناء الحرب فللقانون الإسلامي قواعد مختلفة شريطة إعلان الجهاد رسميا - م). » و لا تقتلوا أنفسكم، إن الله كان بكم رحيما« (النساء ?آية 29) و » و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة و أحسنوا إن الله يحب المحسنين« (البقرة ? آية 195). و هذا صحيح إلى درجة أن اللجوء إلى التقية من أجل إنقاذ حياته أو حياة الآخرين أمر مُباح للمسلم. و عقوبة الإعدام مرتبطة في القرآن مع مفهوم »الحق« »و لا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق« (الأنعام ? 151). و القرآن يلوم اليهود لأنهم قتلوا أنبياءهم »بغير الحق« »ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله و يقتلون النبيين بغير الحق ...«(البقرة ? آية 61). بيد أن القرآن يأخذ في نفس الوقت القواعد الواردة في التوراة فيما يخص الإعدام (القصاص): »من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا و من أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا« (المائدة ? 32). و بهذا فإن عقوبة الإعدام منصوص عليها في حالة القتل العمد. و يعطي القرآن في هذه الحالة لورثة القتيل إمكانية تطبيق القصاص » و لكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون« (البقرة ? آية 179) لكنه يدعو في نفس الوقت إلى العفو » يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ » (البقرة ? آية 178). و في المقابل فإن القتل الخطأ عقوبته هي التعويض أو »الدية« : » وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا » (النساء ? آية 92). و تبعا للنصوص القرآنية، فإن عقوبة العصيان المسلح و التمرد هي الإعدام: » إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ . إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ » (المائدة ? آية 33 و 34 ). و يمكن تفسير قسوة القرآن حُيال المتمردين و العصاة، من وجهة نظر إسلامية، بكون وحدة الأمة تشكل هدفا أوليا. و من الناحية القانونية، فإن هذا يعني أن على المسلمين أن يتفادوا زرع الفتنة و الانقسام بينهم. و هذا النص لا يقبل أي سبب مقبول للتمرد، باستثناء ? حسب العلماء ? إذا ما ارتد الحاكم المسلم عن الإسلام. في هذه الحالة، لا يصبح هو نفسه خطرا على وحدة الأمة بل إن ردته تسمح بمقاتلته حتى الموت. هذه الشروط جعلت حركات التمرد في أرض الإسلام لا تحظى بتأييد السلطات الدينية إلا في ما ندر. و هذا صحيح حتى يومنا هذا حيث أن الانتفاضات الشعبية التي ميزت سنة 2011، شكلت مناسبة لمعركة قانونية و فقهية حقيقية بين حراس الأورثودوكسية، المؤيدين للانضباط و الوحدة كيفما كانت طبيعة هذا النظام السياسي، و بين مؤيدي التغيير السريع ? و لو كان عنيفا ? من أجل إنقاذ الوحدة المهددة للأمة. فمن جهة، نجد العلماء السلفيين الذين يشكلون امتدادا للأيديولوجيا الوهابية التي تدعمها السعودية؛ و من الجهة الثانية، نجد العلماء الإخوانيين، المدعومين من طرف قطر. و في العمق يبقى المبرر المركزي لدى الطرفين معا هو الحفاظ على وحدة الأمة، سواء »بالصبر أمام الامتحان الإلهي« ? و هذا ما يوصي به العلماء السلفيون - ، و إما بالتحرك لنصرة إخواننا المسلمين المضطهدين ? و هذا هو الخيار الذي يدعو له الإخوانيون ? و من هذا التقسيم التكتيكي لا الأيديولوجي، ينبغي قراءة سلسلة الآراء الفقهية و الفتاوي الصادرة من الجانبين طيلة هذا »الربيع العربي«. عقوبة الردة الردة أو الزندقة هي إنكار الديانة الإسلامية ، سواء بالتحول إلى الإلحاد أو باعتناق دين آخر. و ينص المصدران الأساسيان للقانون الإسلامي، القرآن و السنة، على عقوبة القتل في حالة هذا الفعل الجرمي. و حسب الفقه، فإن المرتد يُستتاب فيتوب و إلا فيُقتل، لكنهم يشجعون التوبة و يسهلونها. و الواقع أن توبة المرتد يتم قبولها ولو كان دافعها هو الخوف من الموت و ليس تراجعا عن قناعاته السابقة. بل إنه يمكن للمرتد أن يُستتاب مرتين، و في حالة العود الثالثة يتم إعدامه. و نحن نجد هذه المقتضيات حول الردة في بعض التشريعات المعاصرة. و هكذا ينص القانون الجنائي الموريتاني المنشور سنة 1983 في فصله 306 على أن : »كل مسلم اقترف جريمة الردة، سواء بالقول أو بالعمل بصورة واضحة و ظاهرة، تتم استتابته لمدة أجل ثلاثة أيام.فإذا لم يتُب خلال هذا الأجل، يُحكم عليه بالقتل باعتباره مرتدا و تتم مصادرة أملاكه لفائدة الخزينة.و إذا تاب قبل تنفيذ الحكم، فإن النيابة العامة تتقدم إلى المحكمة العليا بغرض إعادة أهليته الكاملة ... و يُعاقب كل شخص اقترف جريمة الزندقة،إلا إذا تاب قبل ذلك، بالإعدام«. و توضح المدونة السودانية لسنة 1991 في فصلها 126 : »1 - يعد مرتكبا لجريمة الردة كل شخص يقوم بالدعاية للخروج عن ملة الإسلام أو يعبر بوضوح عن خروجه بواسطة كلام صريح أو بفعل واضح تماما. 2- تتم دعوة مرتكب جريمة الردة إلى التوبة خلال فترة محددة من طرف المحكمة. و إذا استمر في ردته و لم يكن معتنقا جديدا للإسلام، يتم الحكم عليه بالإعدام. 3 ? تسقط عقوبة الردة إذا تراجع المرتد قبل التنفيذ«. و ينص القانون الجنائي المغربي في فصله 220 الفقرة الثانية على التالي : »يعاقب كل من استعمل وسائل الإغراء بهدف زعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى دين آخر، سواء باستغلال ضعفه أو حاجته، أو باستعمال مؤسسات تعليمية أو صحية أو ملاجئ أو خيريات لهذا الغرض.في حالة صدور الحكم فإنه بالإمكان الأمر بإغلاق المؤسسة التي استعملت للقيام بهذه الجريمة، إما بشكل نهائي أو لمدة لا يمكن أن تتعدى ثلاث سنين.« و في مصر، يتحول كثير من المسيحيين إلى الإسلام من أجل الاستفادة من المقتضيات الأكثر ليبرالية فيما يخص الطلاق، لكنهم يتعرضون لتهمة الردة حينما يحاولون العودة إلى حظيرة الكنيسة القبطية. و على العكس، فإن عددا من المسلمين يتحولون إلى ديانات أخرى، خاصة المسيحية، رغم حكم الردة القرآني، لأسباب متعددة و مركبة (عقائدية،جيو-سياسية أو سوسيو-اقتصادية...). و نعرف حاليا أن تشويه الإسلام و المسلمين في إطار »الحرب ضد الإرهاب«، بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، و نشاط الإنجيليين الأمريكيين، قد لعبا دورا أساسيا في تحول بعض المسلمين إلى المسيحية. و في الجزائر، فإن ظاهرة المتنصرين، قد أخذت خلال العقد الأول من الألفية الثالثة،مدى واسعا لدرجة دفعت الحكومة إلى الاعتقاد بضرورة تقنين الموضوع. و في هذا الإطار أصدرت في 28 فبراير 2006 أمرا يحدد شروط ممارسة العبادات غير الإسلامية، ينص الفصل 11 من هذا الأمر على غرامة و عقوبة حبسية من سنتين إلى 5 سنوات بالنسبة لكل من »حث أو أجبر أو استعمل وسائل إغراء تسعى إلى اعتناق مسلم لدين آخر. و نفس الأمر ينطبق على كل من استعمل لهذا الغرض مؤسسات تعليمية أو صحية ذات طابع اجتماعي أو ثقافي ? مؤسسات تكوين ? أو أي وسيلة مالية...« تحريم الكحول يُدين القرآن استهلاك الخمر و الكحول لأنه يعتبر مضارهما أكثر من نفعهما : »?يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ...? (البقرة ? آية 219).فالمبرر الأساسي لهذا المنع هو أن الخمر و الكحول تُبعدان عن عبادة الله و تزرعان الفتنة بين المسلمين : ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ??90?إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ??(المائدة ? آية 90 ? 91 ). و في كافة الأحوال فإنه يمنع منعا باتا على المسلم أن يؤدي الصلاة و هو سكران؛ إذ ينبغي أن يكون واعيا بما يقول و يفعل:« ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى? حَتَّى? تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ...? (النساء ? آية 43). و مع ذلك فإن التاريخ الإسلامي قد عرف، بما في ذلك خلال فترات أكبر الخلفاء و أمراء المؤمنين، شعراء مشهورين بحبهم للخمر و الذين لم يشربوها فقط بل و أشادوا بها في قصائدهم. و من صؤلاء الشاعر أبو نواس، الذي اشتهرت خمرياته في الأدب العربي. و أخيرا، فإن المنع الذي طال الخمر ، قد مده الفقهاء المسلمون المعاصرون أيضا إلى المخدرات. و لتبرير هذا التوسيع يستشهد هؤلاء الفقهاء بالآية التالية : »... وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ...« (البقرة ? آية 195). و هم يعتبرون المخدرات تضر بالصحة و لها نفس التأثير الذي للخمر المحرمة من طرف القرآن،إن لم يكن أخطر. و بعض هؤلاء الفقهاء يمدون المنع إلى التبغ لكن رأيهم هذا قليل الانتشار. الجنس ليس للإسلام أي مشكل مع الجنس و لا مع المتعة. ففكرة الذنب و الفداء شبه غائبة عن روح المسلمين.فطالما أن الإطار حلال، فكل شيء داخله مُباح.فالإسلام حقا يسمح للرجال باتخاذ عدة نساء، لكن خارج هذا الإطار فكل علاقة جنسية تعتبر حراما و يُعاقب عليها بقسوة. فمن المفروض أن النساء يبقين رهن إشارة الرجال و العلاقة الجنسية بين الأزواج تُعد حقا و واجبا مفروضا من طرف الله.غير أن القرآن يوضح بشكل صريح طبيعة هذه العلاقة حين يقول : »تُرجئ من تشاء منهن و تُؤوي من تشاء، و من ابتغيت ممن عزلت فلا جُناح عليك، ذلك أدنى أن تقر أعيُنُهن و لا يحزن و يرضين بما آتيتهن كلهن، و الله يعلم ما في قلوبكم و كان الله عليما حليما« (الأحزاب ? آية51). و أكثر من هذا فإن الرسول (ص) المقصود بهذه الآية، قال حسب حديث وارد في صحيح البخاري أنه ما من امرأة توفيت و زوجها راض عنها إلا و ذهبت إلى الجنة. كما أن الرجال الفضلاء سيجدون في الجنة ليس فقط زوجاتهم، العزيزات على قلوبهم، بل يجدون هناك حورا عين يصفهن القرآن كالتالي : »و حور عين.كأمثال اللؤلؤ المكنون.جزاء بما كانوا يعملون....إنا أنشأناهن إنشاء.فجعلناهن أبكارا.عُرُبا أترابا. (الواقعة ? آيات 22و24 ? 35 و37 ).أما وصف المُتع الحسية في الجنة فلا زالت إلى يومنا هذا مصدر إثارة لخيال الشباب المسلم: »إن للمُتقين مفازا .حدائق و أعنابا.و كواعب أترابا. و كأسا دهاقا« (النبأ ? آية 31 إلى 34).و يتحدث رجال الدين من العصر الوسيط عن 72 حورية لكل مسلم يدخل الجنة. حيث يمكنه أن يقيم علاقة جنسية مع من يشاء من هاته الحوريات العذراوات اللواتي يسترجعن عذريتهن فورا بعد كل ممارسة. و في انتظار ذلك، في الحياة الدنيا فإن القرآن يحرم العلاقات الجنسية خلال فترة الحيض للنساء : »و يسألونك عن المحيض. قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض، و لا تقربوهن حتى يطهُرن، فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين و يحب المتطهرين« (البقرة ? آية 222). و خلال هذه الفترة فإن المرأة المسلمة لا تؤدي الصلاة و لا تصوم و لا تذهب إلى المسجد و لا تلمس المصحف لأنها تُعتبر غير طاهرة من وجهة نظر الفقهاء. أما بخصوص باقي أنواع العلاقات الجنسية فإن القرآن واضح فيها: »نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم...« (البقرة ? آية 223). غير أن الفقهاء اختلفوا حول تفسير هذه الآية خاصة ما يتعلق بالإتيان من الدبر لأن الرسول (ص) قال بهذا الخصوص »إن الله لا ينظر يوم القيامة إلى رجل يأتي زوجته من دبرها« و فيما يخص اللواط فإن القرآن لا ينص بشكل صريح على معاقبته، و لو أنه يدينه بقوة.و في الأحاديث غالبا ما يتم تشبيه اللواط بالزنا، غير أن الفقهاء يختلفون حول حد اللواط. فمنهم من يدعو إلى القتل حرقا على غرار العقاب الذي خصصه الله لقوم لوط (الأعراف ? من الآية 80 إلى 84). أما الفقهاء الحنفيون فيدعون إلى الحبس حتى التوبة أو الموت ، بينما يدعو الفقهاء المالكيون و الحنابلة إلى الرجم. و أخيرا فإن الشافعيين يدعون إلى رجم مرتكب اللواط إن كان مُحصنا أو جلده إن لم يكن كذلك. و كل هؤلاء الفقهاء يستندون إلى أحاديث نبوية تدعو إلى قتل الفاعل و المفعول به. ارتداء الحجاب نميز في الثقافة الإسلامية عدة أنواع من الحجاب، فهناك »الحجاب« الذي يغطي الشعر ما فوق الحاجب، وهناك »الخمار« الذي يغطي الرأس و هناك »البرقع« الذي يغطي الوجه و العينين. و يتوقف نوع الحجاب أيضا على التقاليد المحلية و كذا على التأثيرات الدينية المُحافظة أو الأقل مُحافظة حسب البلدان و المناطق.ففي بعض الدول، يشكل الحجاب جزءا لا يتجزأ من اللباس التقليدي للمرأة منذ قرون و كثير من النساء فيها يؤكدن بأنهن يشعرن بأنهن »عاريات« بدون الحجاب.فالحجاب إذن مسألة حساسة و مركبة ... ففي البدء ، أمر الله بالحجاب كعلامة مميزة لنساء عائلة النبي محمد (ص): »يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما » (الأحزاب ? آية 59). لكن هذا الإلزام سرعان ما امتد إلى باقي النساء المسلمات كعلامة على العفة و حسن الخلق: »و قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن و يحفظن فروجهن و لا يُبدين زينتهن إلا ما ظهر منها و يضربن بخمرهن على جيوبهن...« (النور ?آية 31).و رغم أن كلمة »جيوب« و مفردها »جيب« قد حظيت بكثير من التفسيرات من طرف المفكرين الإسلاميين القدامى و المعاصرين،إلا أن الممارسة الشعبية هي التي انتصرت في النهاية و فرضت ارتداء الحجاب.و يثير بعض الفقهاء بداية الآية كي يطالب المرأة بتغطية وجهها خارج بيت الزوجية أو بحضور أشخاص غرباء عن العائلة. و القرآن يقدم لائحة تفصيلية للأشخاص المسموح للمرأة بمقابلتهم دون حجاب : »... ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أوالطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ...« (النور ? آية 31) و الاستثناء الوحيد هو النساء اللواتي بلغن سن اليأس حيث تخف عنهن قيود اللباس على أن لا يبدين زينة : »والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم« (النور ? آية 60). و »التبرج« يُقصد به جسد المرأة و كذا الحلي التي تتزين بها : »وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ...« (النور ? آية 31).و انطلاقا من هذه الآية وضع الفقهاء القدامى و المحدثون لائحة بالحلي المحرمة بما في ذلك الوشم أو التفليج...كما يمتد المنع إلى عدد من أساليب التجميل الجديدة باعتبارها عملا من أعمال الشيطان حسب الفقهاء :« وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا » (النساء ? آية 119). و كما في التوراة، فإن المرأة تعتبر أداة فتنة و إغواء : »زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ« (آل عمران ? آية 14). و يخضع هذا التصور في الإسلام أساسا لتأثير سورة يوسف التي يستشهد بها كافة الفقهاء لإظهار الطبع الماكر للنساء ، »فلما رأى قميصه قُد من دُبُر قال إته من كيدكن إن كيدكن عظيم« (يوسف ? آية 28) أو »...إن ربي بكيدهن عليم« (يوسف ? آية50). و امتدادا لهذا التصور عن المرأة باعتبارها شيطانية الإغواء حرم بعض الفقهاء المسلمين الغناء، مستندين في ذلك إلى آية قرآنية تشبه الغناء بعمل الشيطان : »و استفزز من استطعت منهم بصوتك و أجلب عليهم بخيلك و رجلك و شاركهم في الأموال و الأولاد و عدهم و ما يعدهم الشيطانُ إلا غُرورا« (الإسراء ? آية 64). وحسب جميع الفقهاء فإن على المسلمين و المسلمات أن يتفرغوا لعبادة الله عوض تضييع الوقت في الملاهي: »و تضحكون و لا تبكون. و أنتم سامدون.فاسجُدوا لله و اعبُدوا« (النجم ? آية 61 ? 62). الممنوعات الغذائية كما في الدين اليهودي، هناك بعض المحرمات الغذائية في الإسلام، لكن المبدأ الأصلي هو التحليل. و هذا المبدأ يتم التذكير به في عدة مواضع في القرآن : »يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ« (البقرة ? آية 172) أو » يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً ...« (البقرة ? آية 168 ). و يعطي القرآن علاوة على ذلك أمثلة لهذا الطعام الحل و الطيب : »يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرعَ وَالزَّيتونَ وَالنَّخيلَ وَالأَعنابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً لِقَومٍ يَتَفَكَّرونَ« (النحل ? آية11). و هكذا فإن أكل السمك حلال في كافة الظروف: »أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ...« (المائدة ? 96) و لكنه يصبح حراما إن وُجد ميتا : »وَهُوَ الَّذي سَخَّرَ البَحرَ لِتَأكُلوا مِنهُ لَحمًا طَرِيًّا...« (النحل ? آية 14). كما أنه من المسموح ألأكل مما يُعده غير المسلمين إذا كانوا مؤمنين، و خاصة من أهل الكتاب خصوصا منهم اليهود و النصارى : »الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ...« (المائدة ? آية 5). بل إن القرآن يُحذر المتطرفين من أي محاولة لتحريم ما لم يُحرمه الله : » ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ?? (المائدة ? آية 87). و هكذا فإن الأغذية المحرمة يذكرها القرآن بوضوح و هي مكررة في عدد من السور و الآيات : ?حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ...« (المائدة ? آية 3). كما أن القرآن حرم أكل لحم الحيوانات النافقة أو التي أكلتها الوحوش : »إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ...« (البقرة ? آية 173 ). و أخيرا فإن الخيول و البغال و الحمير محرمة بنص القرآن لأن لها فائدة أخرى : »وَالخَيلَ وَالبِغالَ وَالحَميرَ لِتَركَبوها وَزينَةً وَيَخلُقُ ما لا تَعلَمونَ?? (النحل ? آية 8 ). و إضافة لكل هذا فإن الفقه المستند على سنة النبي محمد (ص) قد حرم لحم ?كل ذات ناب? يستخدمها لافتراس غيره من الحيوانات ? مثل الأسد و النمر و الذئب -. و هناك من الفقهاء المالكيين من يعتبر لحومها حلالا إلا أنها مكروهة، لأن القرآن لم يحرمها بشكل قاطع و لأن النبي كرهها فقط. قطع الأطراف ينص القرآن على قطع يد السارق : » السارق و السارقة، فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله و الله عزيز حكيم« (المائدة ? آية 38).غير أن الفقه الإسلامي ، في الممارسة يضع قيودا مهمة من أجل تنفيذ هذا الحكم، مما يضيق في الواقع من قطع يد السارق. و القرآن ينص كذلك على بتر أحد الأعضاء بمقتضى القصاص : العين بالعين و السن بالسن. غير أن الفقهاء يوضحون أنه إذا كان العضو المعني لا يوجد لدى الجاني (مثلا، في حالة المرأة التي تبتر خصية رجل) في هذه الحالة إذن فإن القصاص لا يطبق و على الجاني أن يقدم دية مالية للشخص المتضرر, و يقدم القانون الجنائي الموريتاني تحويلا مفصلا للنصوص القرآنية: »الفصل 351 ? كل من سرق شيئا ليس في ملكيته يُحكم ببتر يده إذا اكتملت جميع الشروط التالية: 1 ?إذا كان السارق عاقلا بالغا؛ 2 ? إذا كانت السرقة احتيالية؛ 3 ? إذا كان المسروق قابلا للتملك؛ 4 ? إذا لم يكن للسارق أي حق في المطالبة المشروعة تجاه ضحية السرقة؛ 5 ? إذا كانت قيمة المسروق مساوية أو تفوق ربع دينار ذهبي؛ 6 ? إذا لم يكن الدافع الفوري للسرقة هو الحاجة الفعلية؛ 7 ? إذا تمت السرقة في مكان معتاد لحراسة أو حفظ الشئ المسروق؛ 8 ? إذا لم يكن مرخصا للجاني بدخول المكان الذي تمت فيه السرقة؛ 9 ? إذا لم يكن الجاني من نسل ضحية السرقة ؛ 10 ? إذا أُخرج الشئ المسروق من مكان سرقته؛ 11 ? إذا لم يكن هناك أي رابط زوجية بين مرتكب السرقة و الضحية... و في كافة الأحوال فإن الحكم بقطع اليد اليمنى للجاني لا يصدر إلا حينما تجتمع كافة الشروط المذكورة أعلاه. و إذا كان الجاني في حالة عود أول، يتم بتر قدمه الأيسر. و إذا عاد ثالثة يتم قطع يده اليسرى و إذا عاد للمرة الرابعة تُبتر قدمه الأيمن، و إذا عاد للمرة الخامسة يُجلد و يُحبس«. تحريم الخنزير و من بين المحرمات الغذائية، فإن اللاوعي المسلم قد احتفظ خصوصا بتحريم الخنزير و الدم كعلامة فاصلة بينه و بين الطوائف المسيحية الموجودة حينها في أرض الإسلام فالتحريم الوارد في الآية التالية :?إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ...«(البقرة ? 173) و الذي تكرر في عدة مواضع أخرى من القرآن : » ?قُل لا أَجِدُ في ما أوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلى طاعِمٍ يَطعَمُهُ إِلّا أَن يَكونَ مَيتَةً أَو دَمًا مَسفوحًا أَو لَحمَ خِنزيرٍ فَإِنَّهُ رِجسٌ أَو فِسقًا أُهِلَّ لِغَيرِ اللَّهِ بِهِ ...? (الأنعام ? آية 145). و من بين الحيوانات الأخرى التي لم يرد تحريمها في القرآن لكن استكرهها أغلب فقهاء السنة : الثعبان، الغراب، الفأر، الكلب، القط، الضفدعة، النمل، النحل، الهدهد، الحجلة، الوطواط و الدلفين. بينما يرخص الفقهاء الشيعة أكل السمك ذي القشور فقط و هكذا فإن فواكه البحر محرمة بالنسبة لهم. و مع ذلك فمن الجدير بالإشارة إلى أن كل هذه التحريمات تسقط إذا ما اضطر المسلم لأكلها اضطرارا، كأن لا يجد غيرها أو كأن يتم إجباره على أكلها من طرف شخص ثالث: ?إِنَّما حَرَّمَ عَلَيكُمُ المَيتَةَ وَالدَّمَ وَلَحمَ الخِنزيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضطُرَّ غَيرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفورٌ رَحيمٌ?? (النحل ? آية 115). هذا الترخيص في حالة القوة القاهرة يتم تأكيده و تدقيقه في عدة مواضع من القرآن : ?إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ?» (البقرة - 173). و خارج الظروف القاهرة، فإن على المسلم أن ينضبط للنصوص القرآنية كي يكون الطعام مطابقا لقواعد الذكاة الإسلامية: »وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ...« (الحج ? آية 34). و هكذا فإن عملية الذبح ينبغي أن تتم بالضرورة حسب طقس محدد كي تكون حلالا، إذ ينبغي توجيه البهيمة اتجاه مكة (القبلة) و أن يتم ذكر اسم الله عليها أثناء عملية الذبح: » ... فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ« (الحج ?آية 36) و هذا يعني أنه من غير الجائز أكل لحم حيوان لم يتم ذكر إسم الله عليه، أو ذُكر اسم آخر عليه، كما أن أكل لحم البهيمة المنخنقة أو المتردية إلا إذا تم ذبحها قبل نفوقها.