ضريف حذر من تبخيس المجهود الذي بذلته بعض الفصائل الطلابية للقطع مع ثقافة العنف قلل محمد ضريف، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني (المحمدية)، من شأن الأحداث الجارية في الجامعات، محذرا من مغبة تبخيس المجهود الذي بذلته بعض الفصائل الطلابية للقطع مع ثقافة العنف، على اعتبار أن بعض الفصائل تلجأ مضطرة إلى العنف في ظروف معينة، مستدلا على ذلك بأن جزءا مهما منها تمكن من فرض قطيعة معه، كما كان الحال بين الإسلاميين واليساريين، إذ أن البؤر الحالية تقتصر على أصحاب البرنامج المرحلي والأمازيغيين والمتحدرين من الأقاليم الجنوبية. كيف تقرؤون مستجدات الوضع في الجامعات المغربية ، خاصة بعد حادثة مكناس؟ لا ينبغي تفسير أعمال العنف التي تقع في الجامعات من حين لآخر على أنها مؤشرات، على أن الوضع الطلابي خطير إلى الحد الذي يريد أن يصوره البعض، على اعتبار أن بؤر المواجهات معلومة منذ سنين خلت وتتوزع حاليا بين جامعة ابن زهر بأكادير وجامعة القاضي عياض بمراكش وجامعة مولاي عبد الله بفاس وجامعة مولاي إسماعيل بمكناس. هل يعني أن الحياة الجامعية تكذب أطروحة موت الإيديولوجيا؟ تعدد جبهات الصراع الجامعي لا يجب أن يحجب حقيقة مفادها أن ثقافة الفصائل الطلابية تطورت إلى حد ما، خاصة أن العنف لم يعد يمارس إلا من قبل فصيل طلابي واحد، ويتعلق الأمر بطلبة البرنامج المرحلي الذين يعتبرون العنف جزءا لا يتجزأ من إيديولوجيتهم، لكن الصراع الدائر حاليا، خاصة في مراكش وأكادير يختلط الإيديولوجي بالإثني بين تيار أمازيغي وآخر يمكن أن نسميه تيار الطلبة المتحدرين من الأقاليم الجنوبية، بمعنى أنه لن نفهم خارطة العنف داخل الفضاء الجامعي دون استحضار سياقها التاريخي، وتجنب تبخيس المجهود الكبير الذي، بذلته فصائل طلابية أخرى من أجل للقطع مع ثقافة العنف، لذلك وجب التمييز بين العنف العرضي والعنف البنيوي والإيديولوجي، الذي ليس جديدا في الجامعات المغربية، لأن الأطياف التي تعايشت داخل فصيل الطلبة القاعديين تضمنت تيارات تبنت العنف حتى منتصف الثمانينات. هل تقصدون أن العنف يجد مصدره في أشياء أخرى غير الإيديولوجيا؟ هناك فصائل تلجأ مضطرة إلى العنف في ظروف معينة، والدليل أن جزءا مهما منها تمكن من فرض قطيعة معه كما كان الحال بين الإسلاميين واليساريين، على اعتبار أن البؤر الحالية تقتصر على أصحاب البرنامج المرحلي والأمازيغيين والمتحدرين من الأقاليم الجنوبية. وإذا أردنا التأريخ للعنف في الجامعة المغربية يمكن أن نتحدث عن ثلاث موجات، بدأت سنة 1968 بموجة صراع بين اليسار الراديكالي، الذي كان يسمى آنذاك اليسار الجديد أو "اليسار الثوري"، في مواجهة اليسار الإصلاحي، وهي مرحلة كان فيها العنف بين تيارات تنتسب إلى العائلة السياسية نفسها واحتكرت منذ منتصف الستينات إلى نهاية السبعينات التمثيلية الطلابية في إطار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، ونعني بذلك فصيل طلبة الاتحاد الاشتراكي وفصيل طلبة التحرر والاشتراكية، الذي سيسمى بعد ذلك فصيل التقدم والاشتراكية. وبدأت موجة العنف الثانية في الجامعات المغربية نهاية الثمانينات وامتدت طيلة التسعينات بمواجهات بين طلبة الفصائل ذات المرجعية الإسلامية والفصائل ذات المرجعية اليسارية المتشددة، خاصة طلبة البرنامج المرحلي. ثم هناك موجة ثالثة خلال العقد الأخير بين طلبة التيار الأمازيغي وتيار الطلبة المتحدرين من الأقاليم الجنوبية وأغلبهم يتحركون وفق أجندة انفصالية، ولا يعني ذلك أن ما يجري الآن تحركه النزعة الإثنية فقط لأن الأسس الإيديولوجية والحسابات السياسية حاضرة كذلك، لكن حسب سياقات كل مرحلة، والقول بأن الوضع غير مقلق لا يعني أن نطمئن. ألا تعتقدون أن ما يقع في الجامعة سببه اشتداد خطاب المواجهة بين الأحزاب؟ الأكيد أن ما وقع في مكناس أمر مرفوض بكل المقاييس، وهو ما يحتم علينا البحث في الأسباب، وهنا يحضرني كلام لحسن الداودي وزير التعليم العالي في البرلمان وهو يرصد أمام نواب الأمة تفاصيل الأحداث بجامعة مولاي إسماعيل، إذ فاجأ الجميع بردوده، خاصة عندما قال إن الأمر يتعلق بطلبة يصعب تحميلهم المسؤولية لأنهم مازالوا شبابا وأن المسؤولية يتحملها هؤلاء الذين غرسوا فيهم قيم العنف، وبأن تيارات سياسية تحركهم من خارج الحرم الجامعي وتقف خلف ستار المواجهات بين الفصائل المتصارعة وتدعم المحسوبين عليها ماديا ومعنويا، بمعنى أننا نسير في اتجاه حرب تبادل التهم بإعطاء الشرعية القانونية والتورط في مستنقع العنف بين الأحزاب. فإذا كان وزير التعليم العالي يشير بأصابع الاتهام إلى حزب النهج الديمقراطي، على اعتبار أن طلبة البرنامج المرحلي غالبا ما يربطون بالحزب المذكور أو يتم إدخالهم في دائرة الماسكين بزمام الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فإن ذلك دليلا قاطعا على أن هناك إشكالا مرده التردد في إعادة الاعتبار إلى الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، الذي لم يكن مركزية طلابية تدافع عن مصالح ومطالب أعضائها بل كان مدرسة حقيقية للتكوين والتأطير. أجرى الحوار: ياسين قُطيب