صدر للباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية، محمد ضريف، كتاب جديد يحمل عنوان "الحقل الديني المغربي"؛ وهو عبارة عن دراسة تحليلية ترصد التحولات التي طالت الحقل الديني منذ استقلال المغرب إلى يومنا هذا، في ظل ثلاثية السياسة والتدين والأمن. ويقع الكتاب في حوالي 300 صفحة من الحجم الكبير، ويتضمن ثلاثة أقسام تعالج مختلف قضايا السياسة الدينية وتطورات الفاعلين الدينيين، كما يرصد التفاعلات التي يشهدها الحقل الديني المغربي جراء تداعيات ما سمي "الربيع العربي". وجاء في توطئة لهذا المؤلف أنه "يرصد جدلية السياسية والتدين والأمن باعتبارها ثلاثية تشغتل داخل نسق سياسي يرفض أن يكون علمانيا، ومن هذه الزاوية فهو حقل ديني مليء بالسياسة، ومن زاوية أخرى فهو حقل منتج للعنف بشكليه الرمزي "التطرف" والمادي "الإرهاب"، خاصة بعد ظهور تيارات دينية أنتجت تأويلات للنص الديني تشدد فيها على ما يتضمنه من شرعنة للعنف تجاه المخالفين في العقيدة". وخلص صاحب الكتاب إلى أن السعي إلى إقامة دولة حديثة في المغرب وإقرار الديمقراطية المواطنة دستوريا يستلزمان تحولا في طبيعة الحقل الديني، أي التحول من حقل ديني شبه مغلق، وهو الموجود حاليا، إلى حقل ديني مفتوح يقتضي إعادة النظر في طبيعة السياسة الدينية المعتمدة. ويرى ضريف أن الوقت حان لإحداث تغييرات في طبيعة الحقل الديني، بحيث تتخلى الدولة عن فرض شكل معين من أشكال التدين وتأمين وظيفة جديدة تتجسد في تدبير الاختلاف الديني، والانتقال من الأحادية الدينية إلى التنوع الديني في ظل ثوابت الدولة المنصوص عليها في دستور سنة 2011. ويعتبر الباحث أن أطروحته تتعزز بكون الأقليات الدينية في المغرب (شيعة، مسيحيون، بهائيون)، تدافع عن وجودها في ظل الثوابت، أي إن ملك البلاد بصفته أميرا للمؤمنين وليس للمسلمين هو الضامن لهذا التعدد الديني، وقال في كتابه: "تستمد وظيفة تدبير الاختلاف الديني مشروعيتها من كون الشيعة المغاربة يدافعون عن شكل تدينهم من خلال توسيع مجال اشتغال إمارة المؤمنين، بحيث لا يقتصر دورها على تمثيل المسلمين السنة فقط، بل تمثيل كافة المنتسبين إلى المنظومة الإسلامية". كما أن المسيحيين المغاربة يقول المصدر ذاته يعتبرون أنفسهم من مشمولات إمارة المؤمنين التي تحمي أتباع الديانات السماوية. وقال محمد ضريف، في تصريح لهسبريس، إن مفهوم أمير المؤمنين لا يعني المغاربة السنة فقط، بل حتى المنتسبين لباقي الديانات، وإن الدستور لا يتحدث عن المذهب السني والعقيدة الأشعرية والمذهب المالكي بقدر ما يتطرق إلى الإسلام بصفة عامة، واعتبر أن تحديد ثوابت الهوية الدينية هو اجتهاد من خارج النص الدستوري. وأضاف المتحدث ذاته أن ديباجة الدستور الملزمة دستوريا تمنع التمييز بين المغاربة على أساس عرقي أو اجتماعي أو المعتقد، وأورد أن السلطات اليوم مقارنة بالماضي باتت تتعامل بنوع من المرونة مع الأقليات الدينية، وأعطى مثال على ذلك بأن الشيعة في المغرب يعرفهم الجميع، وحتى عندما قطعت الرباط علاقاتها مع طهران سنة 2009 قامت السلطات بالاستماع إلى هؤلاء بكونهم شيعة، ولكنها لم تعتقلهم أو تحاكمهم بسبب انتمائهم الديني. وبالإضافة إلى ذلك، يرى الباحث في الحركات الإسلامية أن ما يعزز خلاصاته هو أن المغرب ليس بلدا مغلقا على العالم، بل هناك تأثيرات ترد من الخارج ومن المنتظم الدولي الذي يدافع عن ضمان حرية المعتقد في البلاد، وأكد أن فلسفة الدولة الحديثة تقتضي وجود ضمانات للتنوع الديني دون المساس بالعقيدة السائدة. وحسب الكتاب فإن مرحلة بناء حقل ديني مغربي مغلق تمتد بين سنوات 1956 و1979؛ فمنذ الاستقلال اعتمدت الدولة في علاقاتها مع مكونات الحقل الديني إستراتيجية تروم تكريس الأحادية الدينية، وجعلت في البداية هدفها الوحيد هو الحفاظ على الوحدة الدينية للمغرب. أما مرحلة بناء حقل ديني شبه مغلق فتمتد بين سنوات 1979 و2011. ويعطي الكتاب العديد من الأمثلة حول انفتاح السلطة السياسية مع من كانت تعتبرهم مخالفين لها سواء داخل المنظومة الإسلامية أو من خارجها؛ وذلك من خلال التطبيع مع رموز السلفية، والسماح للشيعة المغاربة بممارسة بعض طقوسهم بشكل جماعي، وأيضا من خلال استقبال المجلس الوطني لحقوق الإنسان لأول مرة لوفد عن تنسيقية المسيحيين المغاربة.