اتهام السفارة الإيرانية بنشر التشيع، هناك من يراه أمرا مبالغا فيه. وحسب مصدر مطلع، فإن السفير الإيراني وحيد حمدي. كان يمتعض من أي خبر تنشره الصحافة المغربية حول التشيع، سواء كان الخبر لصالح التشيع أو ضده. ويضيف المصدر ذاته أن السفارة كانت تقوم بمهامها الديبلوماسية، لكن في الوقت نفسه حاولت مرة الحصول على أحد المسؤولين المغاربة على التعاون في المجال الثقافي من أجل ضرب التيار السلفي، غير أن المسؤول المغربي رفض ذلك وكان حازما في رده عبر إبلاغ السفير بطريقة غير مباشرة بأن الأمر مستحيل لأن المغاربة سنة والإيرانيين شيعة. وفي هذا السياق، يرى محمد ضريف، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، أن ربط تشيع المغاربة دائما بإيران هو رأي غير صائب، لأن الشيعة المغاربة محسوبون على تيار المرجع الشيعي محمد حسين فضل الله، الذي يركز على التشيع الثقافي، والذي كفرته العديد من المدارس الإيرانية. واعتبر ضريف أن هناك تناقضا ما بين بيان وزارة الشؤون الخارجية الذي اتهم السفارة الإيرانية بإقامة أنشطة خاصة بالتشيع، وبين إشارة الطيب الفاسي الفهري، وزير الشؤون الخارجية والتعاون أثناء لقائه مع الصحافة، إلى دور الملحق الثقافي بسفارة إيران في تشيع المغاربة في أوربا. وقال ضريف: «ما علاقة سفارة إيران بتشيع المغاربة بأوربا»، متسائلا لماذا لا تتم الإشارة إلى دور الفضائيات في نشر التشيع، خاصة منها القنوات العراقية. ومن جهة أخرى، تكون المحطة الأولى للشيعة المغاربة تكون هي الحوزة الزينبية بسوريا، فكل من عبر عن رغبته في التحول نحو المذهب الشيعي يسافر إلى هناك ويقضي سنة كاملة في التكوين، ليعود إلى المغرب لممارسة دعوته الفردية، يؤكد مصدرنا. وعندما يعلن المغاربة عن تشيعهم بسوريا، فإن مقر الإعلان عن التشيع هو مكتب الاستشارية الإيرانية للشؤون الثقافية في دمشق. وبإيران يستقبل الطلبة الأجانب بكثير من الحفاوة من قبل السلطات الإيرانية، غير أنهم يحرمون من الدراسة بالحوزة العلمية، إلا من تشيع منهم. وينحدر جل الطلبة الذين تشيعوا بإيران من مدن الشمال، خاصة تطوان والعرائش وطنجة والدار البيضاء، ويعملون داخل مراكز البحث العلمي عبر تأليف كتب بأسماء مستعارة. أما السفارة المغربية بإيران فإنها لا تلقي بالا للوافدين الجدد على إيران، حسب ما أكده طالب سابق بإيران. كما تعتبر دولة بلجيكا المعقل الرئيسي للشيعة المغاربة. ومن أبرز الفاعلين إمام مغربي هناك ينحدر من مدينة طنجة أصبح يحمل لقب آية الله، وله ابن يملك مكتبة ببروكسيل لكتب وأشرطة الشيعة، وكلما عاد إلى المغرب شرع في توزيع الكتب بالمجان، وهو ما ساهم في نشر مذهبه بمدينة طنجة خاصة في صفوف التجار الذين بدؤوا يلبسون العمائم السود، حسب ما أكده مصدر من المدينة. وتقام ببروكسيل العديد من الأنشطة ينظمها مغاربة بمقر مركز الرضى الإسلامي، حيث غالبا ما يعتمد عليه لمعرفة عدد المغاربة المتشيعين، إذ حضر ما يقارب 5000 مغربي عند إحياء ذكرى مقتل الحسين، وفق ما ذكره ضريف. وفشلت بعض المحاولات لتوطين التشيع بالمغرب، عبر سعي مراجع دينية بإيران إلى تأسيس مراكز ثقافية شيعية عبر الاتصال بمغاربة سبق أن درسوا بإيران لتنفيذ مطلبهم بعد تخصيص ميزانية مهمة لذلك، غير أن المغاربة رفضوا الاقتراح، حسب ما أكده مصدر مطلع. لكن بقيت الدعوة الفردية هي السبيل الوحيد إلى نشر التشيع وبعض اللقاءات القليلة التي تحاط بسرية تامة، كما هو شأن لقاء عقد سنة 2007 بمراكش لأسر متشيعة نظمه سوري يحمل الجنسية الأمريكية، زار المغرب قصد السياحة، فدام اللقاء ثلاث ساعات قدمت فيه للأسر مبالغ مالية هامة. وقدم ضريف، في تصريح ل«المساء»، لمحة تاريخية حول التشيع بالمغرب، أكد فيها أن انتشار التشيع بالمغرب بدأ منذ الستينيات من القرن الماضي، على أيدي العراقيين الذين استقروا بالمغرب وكانوا يمارسون مهنة التعليم سواء داخل الثانويات أو الجامعات، وكان هؤلاء يركزون على العقيدة لاستقطاب المغاربة بشكل فردي، وكل من تشيع كان لا يثير الانتباه لاعتماده على مبدأ التقية.. ومن العراقيين من أسس مدارس خاصة لتصبح رافدا من روافد نشر الفكر الشيعي، حيث يعملون فيها على إقناع المغاربة بأن مذهبهم هو المذهب الصادق، حسب ضريف.. وبعد سنة 1979 بدأ منحى آخر من التداخل ما بين العقدي والسياسي، وأصبح من الصعب رسم الحدود الفاصلة ما بين السياسي والعقدي، بل إن أول مجلة صدرت عن جماعة العدل والإحسان، يقول المتحدث كتبت مقالات تعرف بالحكومة الإسلامية لآيات الله الخميني، وهو ما فسر حينها بالإعجاب الثورة الإيرانية. كما أن الشبيبة الإسلامية في بداية الثمانينيات ارتبطت إلى حد ما بالثورة الإيرانية. وشهدت التسعينيات ظهور التشيع في الأوساط الطلابية، إذ أعلن بعض الطلبة تشيعهم في الحوزات العلمية، سواء في إيران أو سوريا أو لبنان. رسائل سياسية في خطاب ديني لقد تزامن إحياء ذكرى المولد النبوي، قبل أربعة أيام، مع قطع العلاقات الديبلوماسية بين المغرب وإيران، وهو الأمر الذي استدعى أن تركز كلمة وزير الأوقاف أحمد التوفيق أمام الملك، خلال ترؤسه حفلا دينياً بمسجد حسان بالرباط، على التذكير ببديهيات خطة الدولة التي دخلت فيها منذ أربع سنوات، مذكرا في نفس الوقت على بالثوابت الدينية التي ظلت المملكة تعتمد عليها في تدبير مجالها الديني، حيث أوضح بأن التاريخ في المغرب يشهد بأن المملكة المغربية لم تترك في يوم من الأيام الشأن الديني «لأي عابث في الداخل أو أي متربص من الخارج» ولذلك جاء التنظيم الهيكلي المؤسساتي الحالي للعلماء مبنيا على نفس المحتوى الرمزي والشروط الاعتبارية لمشيخة العلماء، وجاءت كلمة «الخارج» لكي لا يخطئ المراقبون في ما تعنيه في هذا التوقيت بالذات. فبيان وزارة الخارجية المغربية حول قطع العلاقات الديبلوماسية مع طهران لم يتردد في توجيه أصبع الاتهام مباشرة إلى السلطات الإيرانية وبعثتها الديبلوماسية بالرباط ب«الإساءة للمقومات الدينية الجوهرية للمملكة، والمس بالهوية الراسخة للشعب المغربي ووحدة عقيدته ومذهبه السني المالكي». وأبرز التوفيق أن مشيخة علماء المغرب المتمثلة اليوم في المجالس العلمية مشيخة ذات مجد عريق في النضال عبر القرون، وذلك «بفضل التزامها وتلاحمها مع إمارة المؤمنين تلاحما تحققت به خصوصية المغرب، وهي أمانة الحرص على البلد الخالص لمذهب السنة والجماعة المتمسك دون أي خلط أو شائبة بالمذهب المالكي داخل مذهب السنة والجماعة. إنه انتماء راسخ ازدانت المشاعر بالالتزام به والنضال من أجل صيانته عبر القرون بهذا الحب الشريف الذي يعبر عنه المغاربة لبيتكم الطاهر، بيت آل النبي الكريم«. كما أكد على أن العلماء يشتغلون «لأداء أمانتهم وهم مدركون أنهم ينخرطون في نموذج متأصل تنزل إلينا التوافق حوله من أعماق التاريخ، وصدقت نجاعته مقتضيات الاختصاص بعصرنا هذا، نموذج مبني على أن الدين تحميه الأمة كلها متمثلة في أمير المؤمنين، تحميه من الجمود المفضي إلى التطرف، كما تحميه من الجحود المفضي إلى التحلل من القيم التي انبنت عليها حياة الأمة ويحميها الدستور».