في سابقة خطيرة ونادرة على الصعيد الإقليمي ، أقدمت اللجنة المكلفة بالتنمية البشرية والشؤون الاجتماعية والثقافية والرياضية ببلدية بن طيب في إطار التهيئة الحضرية لابن طيب على تسمية الأحياء بأسماء عربية غريبة غرابة الخيال عن الواقع ، ضاربة بذلك عرض الحائط الحيز التاريخي من المسميات التي اعتاد المجتمع أن يتخذها كأعلام جغرافية لمجموعة من الأماكن في بيئته ، والتي هي وليدة سيرورة سوسيوثقافية منتظمة . مع كون هذه اللجنة تلقت تقريرا من جمعية بويا للثقافة والرياضة والتنمية ، تجيب فيه عن اقتراحات هذه اللجنة بخصوص تسمية الأحياء ، وقدمت تصحيحا موضوعيا ، أبانت في مجمله عن ضرورة الإبقاء على الأعلام الجغرافية المتأصلة تاريخيا في المحيط ، إذ أن استحداثها يعتبر نوع من الطمس للهوية . إن اسم المكان لا يوضع بشكل مصطنع لمجرد معرفة الموضوعات والأشياء فقط لينتهي دوره في حدود وظيفية كما زعم ميرلوبونتي، وإنما يتبلور كدال رمزي خضع لإختبارات الواقع وتشبع بمحمولاته ، وفق صيغة معينة ينتظم بها انتظاما توافقيا مع إحدى موضوعات هذا الواقع التي تشكل مادة مدلوله،من خلال الحس المشترك للمجتمع،فتارة يعكس ظواهرطبيعية وإيكولوجية،كما يعكس وقائع اجتماعية هامة ،وتارة يبين عن عمليات نفسية وإثنوغرافية.لذلك اتخذتها مجموعة من العلوم الإنسانية والإمبريقية كمادة خصبة تستعملها في مجالات اختصاصها لغرض المعرفة/كالجيولوجيا geology / والبيولوجيا biology والأنتروبولوجيا البنيويةstructure anthropology / والتاريخ...الخ بل إن أنساقا قائمة بذاتها أسست لدراسة الإسم: Taxonomyعلى تسمية الأشياء Anthroponymy على تسمية الأشخاص Toponymy علم الأعلام الجغرافية لأن الإسم عنصر جوهري من عناصر الهوية ، لا يقبل التلاعب به أبدا. فلو افترضنا بأن شخصا كان اسمه هو عبد اللطيف ، وتم مناداته ب "يالطيف" أو سميرة ب'أمسمير" أو المختارب"أخنتار" فإن علامات الغضب سوف ترتسم بسرعة على وجوههم ، وقد يهاجمونك أو يحاكمونك ، بدعوى أنك تمس هويتهم الشخصية ، فكيف بعلم جغرافي كامل يشترك المجتمع بأسره في الإنتماء إليه ، ألا يعتبر الحاق الأذى به مساسا بالهوية الجماعية ؟ الجواب نعم ،بعبارة أوضح أسماء الأماكن ليست مثل أي ابتكار تيكنولوجي ، لمخترعه الحق في انتقاء الإسم الذي يشاء له، وتداوله في السوق به، بل إن الإسم هو وليد سيرورة تاريخية كما أشرت سابقا،لا يقبل مكانه أن ينتحل هوية خيالية ، كما فعلت اللجنة التابعة لبلدية بن طيب: إنوناثا الغربية : حي الفرح إنوناثا الشرقية: أيذار إيام عري : حي الزيتون حي إلهام سهب ن واجام شرقا: حي الفتح سهب ن واجام: حي القدس إشطارا: حي الأمل حي النهضة حي المسيرة رفدان ن رمخزن:حي السلام ثزناشت: حي النسيم دونت: حي السعادة فلا علاقة تجمع سكان "تزناشت" ب حي النسيم ، اللهم إذا كانت علاقتهم به كعلاقة الزرافة بنفسها في المرآة إذ أنها لا تدرك بأنها هي. و هذا حال هذه المسميات إن صح هذا المثال ، مع أن المرآة قد تعكس وجه الزرافة لكن لا يبدو للزرافة بأنه وجهها هي تماما فتنطح المرآة ، هذا الجانب الثاني من المثال يجسد أيضا طريقة تعامل أعضاء تلك اللجنة مع أسماء الأماكن الأمازيغية ، إذ أنهم لا يدركون بأنها تعكس جزء من ذات المجتمع فنطحوها بلا شفقة واستعاضوها بأسماء عروبية. إنه لا يمكن للمرء إلا أن يحس بالإندهاش إزاء هذا الإبتكار العجيب الذي ينبغي أن يرشح لجائزة نوبل...؟ فعلى أي اعتبارات أقام أعضاء هذه اللجنة هذه التغييرات؟ لابد من مرجعية أو خلفية إيديولوجية لذلك ، كما أنه لو أخبرونا بأن عملهم الإداري ، والتمثيلية السياسية التي يقيدون أنفسهم إليها هي مجرد "ريفولي" لأتو إلى الصراحة هرعا: فهم يقلبون الرموز والأرقام والآيات ، يعلقون اللافتات في الشوارع ويزيفون الهوية الحقيقية للأماكن في بن طيب بدون خجل ، على غرار من يزور السيارات باستبدال الأرقام الأصلية لإطار السيارة ويعوضها بتلك التي في الأوراق المختارة. ففي الوقت الذي كان حري بهم أن يأخذوا بعين الإعتبار مضامين تقرير المجتمع المدني ليقوموا بالكفارة عن الذنوب المخزية التي ارتكبوها في حق شوارع المدينة ،عندما أتوا على أخضرها ويابسها وعربوا وخربوا أسماءها بالكامل تقريبا ، ما عدا بعض الشوارع التي سميت بأسماء العواصم الإفريقية والغربية. ولم تصبهم خلجات ضمير حي من أجل أن يسموا بعضها بأسماء أمازيغية ، أو المعالم التاريخية ، أو زعماء المقاومة المسلحة ، على اعتبار أن "مجتمعا لا يتميز برجاله العظام ، با بالطريقة التي يكرمهم بها'' (نيتشه)، سوى شارع محمد عبد الكريم الخطابي كاليتيم في مأدبة اللئام. زادوا من جرمهم أضعافا، ووشحوا صدر جسد المجتمع بطعنة حادة وغادرة حتى النخاع ، أصابت قلب الموروث الثقافي ، إصابة أليمة، بعدما لم يقوموا بمراعاة أن أسماء الأماكن هي عناصر مؤسسة لمكون مبدئي من مكونات الهوية الجماعية:اللغة. ولم يحافظوا عليها. فأخذوا ممسحة ودون تردد توجهوا إلى الأحياء بأسماء عربية ، لا تمت إلى التراث المحلي لأيث وريشش بصلة ، فألصقوها دون سبب حدوث ، ليجعلوا الأصلية منها تتشبث بذاكرة المجتمع ، تشبث الناجي بالقشة وسط الماء على حافة الموت،وخلاصة القول لكل هذا أنه إذا نصبوا أنفسهم أعداء للتاريخ فإن التاريخ ينصب لهم عشيقة تأويهم إسمها المزبلة.