يعكس التنظيم الإداري الحالي للجماعات الترابية خصوصا بعد صدور القانون المنظم لأدوارها رغبة واضحة من طرف الدولة في تخصيص مساحة واسعة لحرية الجماعات في تقرير أولوياتها التنموية و رسم كل جماعة لمخطط نهضتها دون تدخل مباشر من طرف الإدارة إلا فيما هو مشترك بين الجماعات و الإدارة ۔هذا التوجه الجديد جاء في إطار رؤية شاملة تروم التمكين للجهات و إمداد هيئات القرب بالأدوات القانونية و المادية الكافية للقيام بأدوارها في جو من الحرية التدبيرية التي تركز على معطيات الأولوية للتنمية المحلية القائمة على تقريب مختلف الخدمات للمواطنين بالجودة و الدقة اللازمتين قصد النهوض بالشؤون المحلية وفق الإحتياجات الحقيقية لكل نموذج على حدة و في هذا الصدد ركز الخطاب السياسي منذ عشريتين على مسألة ديمقراطية الجماعات المحلية و على أن المجتمع يستحق أن يمارس مع الدولة سيادته من موقع الجماعات المحلية المنتخبة التي تشكل المختبر الحقيقي لطرح الإنشغالات و مناقشتها و إخراجها ضمن قرارات تنموية حقيقية تفيد المجتمع المحلي و تدفع به في اتجاه التحديث المستمر لأساليب الرؤية و منهج العمل ۔اليوم بعد مرور مدة كافية على صدور القانون الجديد المنظم لأدوار الجماعات المحلية يجب في إطار التقييم العام الوقوف على المنجزات و مدى مسايرة واقع الجماعات المحلية للرؤية الفلسفية و القانونية الشاملة المؤطرة للفعل التدبيري المحلي اليوم و تشخيص الأعطاب التي حالت دون تنزيل أمثل للطروحات النظرية المصاغة من طرف المشرع۔ مقياس أداء الجماعات : يعتبر مقياس أداء الجماعات طريقة إحصائية متبعة و منهج دراسة لتحركات الجماعات وفق مؤشرات معينة تركز على جودة الخدمات و دقتها بالاضافة الى الحيز الزمني و الحكامة في تدبير الموارد المالية للجماعة اذ يعتبر مقياس أداء الجماعات أن أفضل التدابير المحلية هي القائمة على الإبداع و المرونة و دقة التخصص بحيث تفوض الصلاحيات و تنزل وفق معايير شخصية و دراسة قبلية لشخصيات القائمين على تنزيل البرامج مع تطوير مهارات المنتخبين بشكل إجباري و دوري ۔ هذا المقياس العالمي جاء نتيجة للضرورات الضاغطة التي تمر بها الدول و منها المغرب على مستوى السياسة و الاقتصاد و الثقافة و المجتمع و هو ما جعل التأسيس الإداري المحلي ضرورة يتناغم مع الإتجاه العام الذي يتطلب تدخل البلديات في تحقيق التنمية الاقتصادية و الإجتماعية و تقاسم الأعباء مع المركز ۔ إكراهات التنمية بالمجالس البلدية : الحسيمة نموذجا۔ تعيش جماعة الحسيمة منذ إنبثاق مكتبها حالة من غياب الإنسجام بين مكوناته و تعدد الرؤى و التصورات داخله هذا الأمر يبدوا واضحا جدا في استقراء أولي لتشكيلة المكتب التي لا تجسد بالمرة لنموذج المجلس الجماعي القادر على رفع رهان التنمية و التحديث لمدينة الحسيمة و هذا ما تبينه الأرقام و الوقائع عبر العودة الى قراءة ثانية لمخطط عمل المجلس الذي دون إبان تشكيل المجلس و التعهدات التي تم قطعها في ميادين متعددة لم ترى منها النور الى غاية اليوم سوى جوانب محدودة تعد على الرؤوس۔هذه الحصيلة و التي ستعرف نهايتها بعد سنة و نصف من الأن تستلزم منا كساكنة تقييما جديا لحصيلة هذا المجلس و التعامل الانتخابي معه وفقا لها فلا يمكن تكرير العطب مرة ثانية و التمكين للفشل ابان كل دورة انتخابية خصوصا و أن المجالس البلدية هي الخلية التي ينبغي ان تكون نموذجية للتنظيم الإداري للدولة ككل كما أنها تقوم بالإنجازات التي تلبي الحاجيات الأساسية للسكان و التي تتسم بالإستعجالية و الأنية و لا يمكن انتظار هكذا مجالس حتى تلتئم و ترتب بيتها الداخلي لأن هذا ليس في صالح الزمن التنموي الذي هو ملك للمواطن و الدولة و ليس للمنتخبين ۔ أوجه من النقص في تدبير الحسيمة : النقائص التدبيرية لمدينة الحسيمة أصبحت سمة مميزة بل و إجماعا محليا ذلكم أن الاحساس الجماعي بوقع تنموي حقيقي غائب تماما حيث يمر التدبير في جو من السكون المميت و النسق البطئ جدا منذ مدة طويلة و إلا فكيف يعقل أن لا يقوم المجلس البلدي بحصر دقيق لحاجيات التجهيز و الإنعاش الاقتصادي و تحديد الأولويات و الأهداف بين النشاطات الواجب الشروع فيها وفقا لأهداف التنمية الوطنية ككل ووفقا للفلسفة الملكية في التنمية بالاضافة لأهداف التنمية البلدية و تقديم مقترحات للإدارة حول عمليات التجهيز العمومي الواجب انجازها في نطاق البلدية ۔لقد أصبحنا نعاين دينامية حقيقية من طرف الإدارة في بعض الحالات يصادفها تثاقل من طرف المجلس البلدي كأنما هذا المجلس لا يستطيع مجاراة السرعة و الدينامية الكبيرة لعمل الإدارة و هذا ما يعيدنا الى طرح سؤال المنتخب و ضرورة تكوينه ووضع معايير مجتمعية صارمة لانتدابه لأن اللحظة الحالية لم تعد تحتمل أنصاف الحلول أو أنصاف القدرات و المؤهلات ۔ ان الفراغ الذي أصبح مميزا لعمل بعض المجالس يتجلى في استنطاق بسيط لبعض محاور اشتغالها ۔ فكيف سيجيب مجلس الحسيمة عن سؤال التجهيز و الانعاش الاقتصادي و ما الذي تم في هذا الشأن منذ ثلاث سنوات ؟ و كيف سيجيب عن سؤال التنمية التجارية و تنظيم المجال ؟ و كيف سيجيب عن مقترحاته لخلق بنيات انتاجية؟ و ما هي استراتجيته لتنظيم الولوجيات ؟ و الفضاءات الثقافية و المدرسية ؟ كيف تعامل المجلس مع مخططات التنمية السياحية و كيف نزل برامج لنجاعة هذا القطاع الموسمي ؟ كيف سيجيب عن انتظارات النقل و المواقف ؟ كيف سيجيب عن اشكالية التعمير و تجميد شواهد الاصلاح ؟ ما هو مخطط المجلس في مجال الحماية المدنية و هو الذي جمد الدعم المقدم للجمعيات ؟ ها هو تصور المجلس اصلا للنسيج المجتمعي ؟ كيف يقارب المرافق العمومية و بأي صيغة؟ هي أسئلة كثيرة تحتاج الى اجابات و لكنها تحتاج اكثر الى محاسبة انتخابية عبر تغيير الوجوه التي أسست للعطب التنموي بمدينتنا و السعي نحو تحويل اللحظة الانتخابية الى موعد للقطع مع الوعود و الإخلاف لها ۔ ان الحسيمة حمالة بأبنائها البررة القادرين على رفع رهان تنميتها و تقديم بصمة في سيرورة تطويرها و ما علينا سوى تغيير قناعاتنا الانتخابية و تكوين جيل أخر من القناعات الجديدة التي ستفرز لا محالة مجالس بلدية دينامية و فعالة ۔ جمال الدين اجليان