قصة اليوم حدثت أمس الخميس 7 مارس 2019 قرب المحطة الطرقية لمدينة الحسيمة، حين كانت امرأة تجاوزت الستين بقليل، تهم بالاتجاه صوب وسط المدينة، التقطتها امرأة أخرى كانت تتصيد ضحاياها مستعملة أسلوب الضحية كمتسولة، تطلب صدقة من ضحاياها، اتجهت صوب الضحية، واستوقفتها طالبة منها صدقة، بعد ان سردت عليها قصتها المأساوية في صراعها مع الفقر المذقع وفي صراع أمها المزعوم مع السرطان وأنها في حاجة ماسة إلى مبلغ من المال لتشتري الدواء لتساعد أمها على تكاليف العلاج الباهضة.. توقفت المرأة وهي تستمع للقصة التي صدقتها، ولم تتمالك نفسها، وهي تنصت باهتمام بالغ لما ترويه المحترفة وبطريقة تتقنها وتتصيد بها ضحاياها، حين همت لتدخل يدها في حقيبتها اليدوية التي كانت تحوي محفظة نقودها وهاتفها النقال ووثائقها الشخصية وبعض حاجياتها الأخرى البسيطة، طلبت منها المتسولة مبلغ مئة درهم، ثم التفتت إليها قائلة: سيدتي لا أملك مبلغ المئة درهم، وفي حقيبة نقودي أقل من ذلك، وكل ما يمكن لي أن أساعدك به هو عشرون درهما.. لم تتردد المتسولة في قبول المبلغ، وبمجرد أن قبضت العشرين درهما، اختفت كأنها شعاع برق ظهر ثم اختفى في رمشة عين، ركبت المتسولة سيارة أجرة صغيرة، ثم همت المرأة المسنة لتستكمل طريقها صعودا نحو وسط المدينة.. بعد خطوات قليلة، أخبرها حدسها بان تتفقد محتويات حقيبة يدها.. توقفت، ثم مدت يدها داخل الحقيبة، ثم أصيبت بدهشة بعد أن تأكدت بأن هاتفها النقال الذكي قد اختفى، بل قد سرق منها.. بدأت تلتفت يمسنا ويسارا بحثا عن تلك المرأة التي استوقفتها، لم تصدق ما حدث لها، لم تصدق أن من تصدقت عليها بكل ما تملك قد سرقت منها أغلى ما تملك في تلك الحقيبة.. تساءلت في همس وصمت واستنكار: أهذا حقيقة، امرأة ريفية تتقن الريفية، ومتسولة في نفس الوقت تسرقني بهذه الطريقة، هل أسقطت هاتفي في مكان آخر، هل نسيته في البيت،؟؟؟؟ تكاثرت الأسئلة في ذهنها بدون أجوبة، وفي زحمة التساؤلات تلك قررت العودة من حيث أتت باحثة عن المتسولة التي تحولت إلى متهمة بالسرقة.. أول من التحقت به هو شرطي المرور الذي وجهها إلى مكتب الطاكسيات في المحطة لتسجل شكايتها، وأخبرها بأن تلتحق فورا بمخفر الشرطة لتسجل محضرا لما حدث لها.. اتجهت صوب محطة الطاكسيات حيث وجهها الشرطي، هناك حكت ما حدث لهالشرطي آخر و لسائقي الطاكسيات الذين أخبروها بأن تلك المرأة التي تتحدث عنها بالمواصفات التي اشارت إليها، يعرفونها جيدا وهي معتادة أن تسقط ضحاياها بنفس الطريقة التي روت لهم..وأخبروها بأن تمدهم برقم هاتفها للاتصال به عسى أن يتمكنوا من معرفة مكان الهاتف، بعد أن عرضوا عليها خدمة تطبيق يتكفل بذلك، لكن لسوء حظها أنها لم تكن تحفظ رقم هاتفها، ثم قرر الالتحاق بأقرب من تعرف للحصول على الرقم على الأقل، وكان لها ذلك. ثم قررت العودة إلى مكتب سيارات الأجرة لتتمم ما بدأته قبل أن تلتحق بمخفر الشرطة لتحرير المحضر. فبمجرد أن ظهرت في محيط المحطة، سمعت ضجة وشباب اتجهوا نحوها، توقفت عن السير وانتظرت لتفهم مايحدث، قال لها أحد الشباب: لقد قبضنا على اللصة وعليك أن ترافقينا إلى غرفة هناك خفية لتقي نظرة على من اعتقلنا وتتأكدي إن كانت هي من قامت بسرقتك.. كان سائقو الطاكسيات قد رأوا المشتبه بها قد عادت وفي حوزتها مبلغ من المال، انقضوا عليها واتجهوا بها نحو الشرطي الكائن مكتب الطاكسيات.. توجهت السيدة الضحية نحو الغرفة وألقت نظرها من نافذة صغيرة على المرأة التي توجد بالداخل، ثم صدمت من جديد وصاحت: إنها السارقة، إنها هي التي سرقت مني هاتفي.. كان الزمن الفاصل بين هاته الأحداث هو ساعة ونصف تقريبا بكثير أو بقليل، بعد مدة قصيرة التحقت سيارة شرطة بعين المكان ليقتاد عناصر الشرطة المتهمة والضحية معا إلى مخفر الشرطة، لتحرير محضر في النازلة، ولتعميق البحث مع المتهمة، التي كما بدا فيما بعد أنها ذات سوابق. أنكرت المتهمة في البداية ما حدث، ثم توجهت نحو السيدة الضحية قائلة: اسمحي لي يا خالتي.. اقتنص الفرصة شرطي كان يسمع تحاورهما، وقال لها: بالطبع ستسمح لك إن قمت بإخبارنا بالحقيقة كاملة.. ثم اعترفت بكل شيء، لقد استقلت سيارة أجرة بمبلغ العشرين درهما الذي تصدقت به السيدة المباركة، وأنها قامت ببيع الهاتف لشخص آخر بمبلغ 150 درهما ثم عادت إلى المحطة لتبحث عن ضحية أخرى.. تحركت عناصر الشرطة إلى مكان تواجد الشخص الذي اشترى من السارقة الهاتف المسروق، ليتم اعتقاله أيضا.. حرر المحضر في النازلة.. ثم غادرت السيدة مخفر الشرطة، وهي تحمل هاتفها النقال بين يديها، في انتصار رمزي للحق على الباطل، بعد أن قضت فترة المساء كلها بين المحطة والكرميسارية، تاركة وراءها أبناءها وذويها في بحث عنها، بحث كان مرفوقا بخوف على مصيرها بعد أن علم الجميع ما حدث لها.. سرد القصة هاته، ليس للتضامن مع سيدة مباركة تعرضت للسرقة، ولكن الغرض منها هو الإشارة إلى أن نية السيدة الضحية تصدقت بكل ما تملك في محفظة نقودها، وكانت نيتها التصدق وابتغاء مرضاة الله، ثم أنصفها العدل الإلاهي في زمن قياسي، بعد ساهم في ذلك تكافل سائقي الطاكسيات ومن معهم من مواطني المدينة وسرعة تحرك الشرطة التي قامت بواجبها على أكمل وجه.. قليلتقط النبهاء الإشارات في هذا اليوم المبارك.. طاب يومكم وأبعد الله عنكم كل شر..