محمد بندريس: قال باحثون مغاربة إن حركة “20 فبراير”، وهي بمثابة ” النسخة المغربية” من الربيع العربي، انتهت تنظيميا، لكن الفكرة ما تزال حية وتظهر في أشكال متعددة ومناطق متفرقة. في عام 2011، تجمع شباب مغاربة من تنظيمات سياسية ومستقلين عبر منصات التواصل الاجتماعي، فأطلقوا حركة “20 فبراير”، وخرجوا إلى شوارع المملكة، مطالبين بإصلاحات سياسية ودستورية وقضائية، في سياق ثورات “الربيع العربي”، التي بدأت في تونس أواخر 2010، وأطاحت بأنظمة عربية حاكمة. ومع حلول الذكرى الثامنة لتأسيس “20 فبراير”، يرى باحثون أن الحركة وإن “ماتت” تنظيميا فإن فكرتها ما زالت “حية” ومستمرة على المستوى الرمزي والمادي، وهي التي حركت الشارع في محطات عديدة، حاملة أسماء غيرها. بفضل تلك الحركة الشبابية، التي انضمت إليها قوى سياسية وحقوقية، خرج عشرات الآلاف من المغاربة، يوم 20 فبراير/ شباط 2011، في مظاهرات بعدد من المدن؛ للمطالبة بدستور جديد، وحل الحكومة والبرلمان، وقضاء مستقل ونزيه، ومحاكمة من قال المحتجون إنهم ضالعين في قضايا فساد واستغلال نفوذ ونهب ثروات المملكة. آنذاك، تجاوب العاهل المغربي، الملك محمد السادس، مع مطالب المحتجين، وألقى خطابا في 9 مارس/ آذار من العام نفسه، وعد فيه بإصلاحات دستورية، لتتشكل بالفعل لجنة لمراجعة الدستور. وتراجعت حدة الاحتجاجات، إثر إقرار دستور جديد، مطلع يوليو/ تموز 2011، وتنظيم انتخابات مبكرة، فى نوفمبر/ تشرين ثاني من العام ذاته، وتشكيل حكومة جديدة، بقيادة حزب “العدالة والتنمية” (لأول مرة في تاريخه)، بعد أن تصدر الانتخابات، إضافة إلى انسحاب جماعة “العدل والإحسان”، أكبر جماعة معارضة في المملكة، من “20 فبراير”. احتجاجات متفرقة بحسب أحمد شراك، الخبير المغربي في علم الاجتماع والأستاذ بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس (حكومية)، فإن “مرور ثماني سنوات على تأسيس حركة 20 فبراير هو مسافة زمنية طويلة بالنسبة للأفراد، لكنها قليلة جدا في تاريخ الشعوب”. “شراك”، مؤلف كتاب “سوسيولوجيا الربيع العربي أو الثورات التأسيساتية”، أضاف أنه “في هذه القلة (يقصد مرور ثماني سنوات) ما زالت الحركة حية في وجدان الشعب، خاصة شعاراتها التي تهم الواقع السياسي والاجتماعي”. واعتبر أن “حركة 20 فبراير لم تحقق بعد أغراضها، والدليل هو استمراريتها على المستوى الرمزي والمادي وامتدادها في احتجاجات جهوية ومجالية، مثل احتجاجات الريف وجرادة”. وبين أكتوبر/ تشرين أول 2016 ومنتصف 2017، شهدت مدينة الحسيمة وعدد من مدن وقرى منطقة الريف (شمال) احتجاجات شعبية للمطالبة بتنمية المنطقة وإنهاء التهميش ومحاربة الفساد، بحسب المحتجين. وعلى مدار أشهر، شهدت جرادة (شرق)، منذ 22 ديسمبر/ كانون أول 2017، احتجاجات متقطعة، عقب مصرع شابين شقيقين في منجم للفحم الحجري، فيما لقي شاب ثالث مصرعه، في فبراير/ شباط 2018، بمنجم آخر. وطالب النشطاء المحتجون بتوفير فرص عمل لشباب المدينة، والعمل على تنميتها اقتصاديا واجتماعيا، وتحقيق مطالب المواطنين الاجتماعية والاقتصادية وإطلاق مشاريع بالمدينة. وعرفت مناطق أخرى في المغرب احتجاجات في فترات متقطعة، مثل زاكورة (جنوب)، للمطالبة بتوفير الماء الصالح للشرب. متفقا مع “شراك”، قال محمد مصباح، مدير المعهد المغربي لتحليل السياسات (غير حكومي)، إن “الحركة وإن لم تعد الإطار الناظم للاحتجاجات الشعبية في المغرب، إلا أن روحها هي من أطرت الحركات الاحتجاجية في عدد من مناطق المغرب، كحراك الريف وجرادة”. وأردف “مصباح” أن “عددا من النشطاء الذين خرجوا في 20 فبراير 2011 هم من بين من خرجوا في الاحتجاجات الأخيرة”. مقاطعة اقتصادية اعتبر “شراك” أن “استمرارية 20 فبراير واردة ومتجددة بأشكال وأوجه وصلت إلى إبداع المقاطعة الاقتصادية لبعض المنتوجات الغذائية”. ورأى أن “المقاطعة الاقتصادية هي أحد أشكال روح 20 فبراير الممتدة في الزمن”. ولمدة أشهر، منذ 20 أبريل/ نيسان الماضي، تواصلت في المغرب حملة شعبية، لمقاطعة منتجات ثلاث شركات في السوق المحلية، تبيع الحليب والماء والوقود. بدوره، اعتبر “مصباح” أن “20 فبراير انتهت كحركة، لكن فكرتها مازالت حية”. لكنه شدد على أن “الأسباب العميقة التي دفعت الناس إلى الاحتجاج في الشارع ما زالت قائمة، وتتمثل في المطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية”. وزاد بأن “هذه المطالب لم يحصل أي تقدم بشأنها في العالم العربي كله”. ورأى أن “حركة 20 فبراير ستبقى معلما في تاريخ المغرب المعاصر”. أشكال متعددة ضمن القراءة التحليلية ذاتها، اعتبر سلمان بونعمان، باحث في العلوم السياسية، أن “20 فبراير حركة احتجاجية تتخذ أشكالا متعددة من التعبير والاحتجاج حسب السياق والظروف والتراجعات، وهي عابرة للأحزاب والتنظيمات”. وتابع أن “التطلعات ما زالت حاضرة وكامنة في اللاشعور السياسي والاجتماعي للنشطاء المغاربة”. ومضى قائلا إن “حركة 20 فبراير ستبقى تكتلا جماعيا للمطالبة بالإصلاحات والعدالة الاجتماعية والحرية والكرامة”.