تعتمد بعض العائلات في الريف المغربي على زراعة القنب الهندي (الحشيش) الممنوعة في البلاد. بالنسبة إلى المزارعين، ما من بديل بسبب طبيعة المناطق الجغرافية، إلا أنهم يعانون الفقر بسبب الملاحقات الأمنية. حياة قاسية تعيشها عائلات عدة في الريف المغربي، التي تقتات من نبتة الكيف (القنب الهندي)، باعتبارها الزراعة الوحيدة المتوفّرة نظراً لمعطيات جغرافية خاصة في المنطقة، بسبب مذكرات البحث والتوقيف والاعتقال الصادرة بحق آلاف المزارعين البسطاء. وتتلخّص معاناة آلاف العائلات في الشمال المغربي، التي تعيش من عائدات زراعة الكيف المحظورة قانوناً في البلاد، بأمرين: الأول يتمثّل في الشعور بالخوف الدائم بسبب اعتقال المزارعين أو البحث عنهم لمخالفتهم القانون باستمرار من خلال زراعة النبتة، والثاني عدم توفر زراعة بديلة. ويطالب سياسيّون وأحزاب وفاعلون وناشطون بعفو عام عن المزارعين الملاحقين، والذين يقدّر عددهم بحسب أرقام شبه رسمية بنحو 48 ألفاً، بهدف تحقيق مصالحة مع شمال البلاد. والمشكلة الثانية تتمثّل في اقتصار معيشة آلاف العائلات في الشمال على نبتة القنب الهندي. في هذا الإطار، صاغ ناشطون مشروع قانون للحد من الاستعمال الطبي والصناعي لنبتة القنب الهندي. غير أن هذه المقترحات والمبادرات لم تجد لها بعد طريقاً للتنفيذ. خوف وتقول عائلات تزرع نبتة الكيف إنّها تعيش في خوف مستمرّ من اعتقال أبنائها، لافتة إلى أن الاجتماع بهم على مائدة واحدة بات حلماً لا تستطيع تحقيقه. كما أدت المطاردات إلى تخلي كثيرين عن الزراعة التي تقتات منها، وقد انخفضت زراعة القنب الهندي بنسبة 60 في المائة خلال السنوات الأخيرة. ويقول ناشطون في المنطقة إن مزارعين لنبتة الكيف لا يلجأون إلى هذا النشاط إلا لأنهم مضطرون، كونهم لا يجدون معيلاً أو عملاً آخر. كما أن هذه العائلات باتت تعيش مآسي اجتماعية ونفسية كبيرة كونها ملاحقة، ويرفض الكثير من المزارعين الظهور في الأماكن العامة خشية الاعتقال. في هذا الإطار، يقول الناشط منير أكزناي ل "العربي الجديد": "زراعة الكيف مورد رزق رئيسي لآلاف العائلات التي لم تجد بديلاً يضمن لها لقمة العيش بين سفوح جبال الريف الوعرة في منطقة تعيش أزمة اقتصادية خانقة وتفتقر لمشاريع تنموية ووحدات صناعية، ولم تحظ بنصيبها من التنمية، وتعيش تهميشاً على كافة المستويات". يتابع أن المزارع يعد حلقة أساسية في اقتصاد منطقة الريف. لكن على الرغم من دور المزارع في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي وحتى الوطني، يعتبر الحلقة الأضعف والأقل استفادة من عائداته التي بالكاد تكفي لتسديد ديون العام وتوفير بعض متطلبات الحياة". يتابع أن عائدات مزارعي الكيف البسطاء، الذين يبلغ عددهم 100 ألف أسرة، تصل إلى خمسة مليارات درهم فقط، أي بمتوسط دخل سنوي لا يتجاوز 50 ألف درهم للأسرة الواحدة، ما يؤكد أن المستفيد الأول من هذه الزراعة هو تجار المخدرات وشبكات التهريب الدولي وليس المزارعين. كما يلفت إلى أن المنطقة تشهد غياباً تاماً للاستثمارات، وقد رصدت الميزانية الموجهة لإقليم الحسيمة إلى مشروع مدينة الحسيمة منارة المتوسط، فيما يبقى نصيب منطقة صنهاجة التي تزرع الكيف هزيلاً وضعيفاً مقارنةً بحجم الاستثمارات المرصودة. يضيف أنّ "أكثر من 40 ألف مزارع يعيشون في سراح مؤقت، لأن قانون عام 1974 يجرم زراعة نبتة الكيف في البلاد، ما يجعل المئات منهم يعيشون بلا هوية بعد إصدار مذكرات بحث في حقهم تتعلق إما باجتثات أشجار الغابة أو زراعة القنب الهندي". وثائق رسمية ويشرح أن المزارعين يتفادون استصدار الوثائق الرسمية خوفاً من الاعتقال، الأمر الذي ينعكس سلباً على أبنائهم الذين لا يسجلون في الإدارات الرسمية، فضلاً عن مشكلة أخرى تتعلق بتوثيق الزواج لدى محاكم المملكة. ويلفت الناشط إلى أنّ فئة واسعة من المزارعين لا تستطيع ممارسة حقوقها الدستورية، وتستغل من قبل العديد من الجهات لرسم الخريطة السياسية في المنطقة. مزارعون كثر يعيشون في انتظار مذكرات البحث والشكاوى المجهولة والكيدية التي تستغلها مجموعة من الأطراف لتصفية حساباتها مع المزارعين. كما يتحدّت عن استغلال بعض العصابات خوف المزارعين وعدم قدرتهم على إبلاغ الأمن، فيقتحمون منازلهم ويسرقون محصول الكيف بالقوة. يتابع أن فئة كبيرة من المزارعين تعاني أزمة مالية خانقة وفقراً مدقعاً، إما بسبب مشكلة تسويق المحصول، أو ندرة المياه، ما يهدّد بأزمة حقيقية.