محمد أحداد من جديد يدخل الكيف إلى البرلمان من بوابة مجلس المستشارين، بعدما اقترح حزب الأصالة والمعاصرة سلسلة من مشاريع القوانين تدعو، بالأساس، إلى إنشاء وكالة وطنية لتقنين زراعة القنب الهندي. ولئن كان الموضوع مثار صراع سياسي شديد قبيل موعد الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة لاسيما بين البام والاستقلال والبيجيدي، فإن ملف الكيف لم يعد يحتمل أي قراءة سياسية معزولة عن الاحتقان الاجتماعي السائد في المناطق المعروفة بزراعة الكيف. بطبيعة الحال، مقترح البام ليس جديدا، والصراع حول «النبتة العجيبة» كما وصفها يوما حكيم بنشماس، الرئيس الحالي لمجلس المستشارين، ليس جديدا، لكن الجديد في النقاش، والذي لا يقدر أحد من الفرقاء السياسيين على استحضاره هو أن سوق تجارة الكيف- الذي يتحول إلى حشيش- أصيب بركود غير مسبوق بسبب حملة السلطات وتضييق الخناق على المزارعين، وبالمقابل صار الحشيش تجارة مربحة جدا بالنسبة لمافيات الاتجار الدولي للمخدرات، التي فكك إحداها مؤخرا المكتب الوطني للأبحاث القضائية. والجديد أيضا في الملف، أن الصراع حول مياه سقي الكيف وصل إلى درجة الاقتتال واستعمال الأسلحة النارية، وبذلك تهاوى التماسك الاجتماعي الذي كان يعضد القبائل في جبال الريف. في السابق كان ثمة توافق بين القبائل والفخذات القبلية على توزيع حصص المياه بالتساوي لسقي الكيف، ولم يكن الصراع مطروحا على الإطلاق، بيد أن زراعة أنواع جديدة من النباتات وتأخر سقوط الأمطار- كما هو حاصل الآن- فرضت الضرورة إلى كمية كبيرة من المياه. وإذا كان البعض ينظر إلى التطاحن حول منابع المياه باعتباره مشكلا عاديا، فإن الوقائع والأحداث بينت، بما لا يدع مجالا للشك، أن الأمر لم يعد يتعلق فقط بمشكل بسيط يذوبه شيخ القبيلة أو فقيه المسجد، بقدر ما صار مشكلا اجتماعيا وأمنيا مؤرقا. والجديد/القديم، إذا استقام التعبير، هو انتشار الأسلحة غير المرخص لها في الكثير من المناطق، لأنها أصبحت إحدى وسائل تثبيت «توازن» القوى بين مزارعي القنب الهندي في صراعهم الدائم حول من يمتلك منابع المياه، وإلى حدود اللحظة لا يمكن أن يتكهن أحد بالعدد الحقيقي لبنادق الصيد التقليدية التي يتوفر عليها المزارعون، فرغم أن السلطات أقرت شروطا جديدة للحصول على أسلحة الصيد، منها عدم ممارسة أي نشاط يتعلق بزراعة الكيف إلا أن تجارة هذه البنادق تبقى منتشرة، ولو بشكل محدود في السنوات الأخيرة. والجديد/ القديم أيضا، ذلك العدد الكبير من مزارعي الكيف الهاربين من العدالة منذ سنوات بتهمة بسيطة: زراعة القنب الهندي. إنهم جيش كامل من الهاربين محرومين من أبسط حقوق عيشهم، إذ ليس في مستطاعهم أن يحصلوا على بطائقهم الوطنية أو قضاء مصالحهم الإدارية أو حتى الاستشفاء، بتعبير أدق محرومون من ضروريات الحياة، الشيء الذي يحول هذه المعاناة إلى قنبلة اجتماعية موقوتة. مشكلة المبحوث عنهم في قضايا تتعلق بالكيف أعقد بكثير مما قد يتصور البعض، لسبب بسيط أنه ليس السلطة من تحرك المتابعة في حق المزارعين، إنما تصير الشكايات الكيدية أداة فعالة جدا في يد السياسيين المشغولين بحسابات الانتخابات، بمعنى آخر جزء كبير من هذه الشكايات ليس مرتبطا بالزراعة فقط، بل بتصفية حسابات سياسية وقبلية أيضا في الكثير من الأحيان. أما جوهر النقاش، الذي لا يريد أن يثيره أحد، إما تخوفا أو ترددا، فيكمن في الاتجار الدولي في المخدرات، الذي لا يتحكم فيه المزارعون وحدهم، وهو في نهاية المطاف، يتصل بمافيا دولية عابرة للقارات، لديها نفوذ في كل المواقع، رغم كل الخناق المفروض عليها. وحده الشيخ بيد الله، الرئيس السابق لمجلس المستشارين، أثار الموضوع بجرأة كبيرة حينما قال في اللقاء الدراسي، الذي نظمه الأصالة والمعاصرة داخل مجلس النواب، إن الحديث عن موضوع زراعة القنب الهندي لا يمكن بأي حال من الأحوال تناوله بمعزل عن هاته المافيات التي تتحكم في رقاب الفلاحين الصغار وتتحكم كذلك في الأسعار. لن نصدق أي خطاب سياسي حزبي، إذا لم يكن يتوفر على رؤية حقيقية للهواجس المشار إليها سلفا، ولن نصدق كذلك أي مسؤول سياسي، يطرح حلا لمشكل كبير يتشابك فيه الأمني بالسياسي والاجتماعي، دون أن يتوفر على مشروع بديل لزراعة القنب الهندي. لا نعتقد أن سكانا أنهكتهم الحكرة في أقاصي الجبال سيرفضون أي حل من الحكومة أو الدولة لحل قضيتهم، إذا ما وفروا لهم حلولا جذرية ومستديمة لقضية الكيف، ولن يتحقق ذلك إلا بشرطين أساسيين: أولا: يجب أن يعي الفاعل السياسي أن أي مبادرة مهما كانت، يتوجب أن تأخذ بعين الاعتبار معاناة الفلاح البسيط، وتقرنها بمقاربة تسعى إلى تنمية تلك المناطق على مختلف الأصعدة. ثانيا: أن تتحلى الدولة بالشجاعة الكاملة للاعتراف بأن المقاربة الأمنية في التعاطي مع ملف الحشيش، أخفقت ولم تحقق أي نتيجة، وبعدها الإنصات للسكان والمزارعين والخبراء الأمنيين والاقتصاديين، والاقتداء ببعض التجارب العالمية الناجحة في هذا الميدان. دون هذه الشروط، سيستمر سوء الفهم الكبير بين السكان والدولة، ولن يكسب الخطاب السياسي أي مصداقية، والذين يريدون الاستثمار في خوف المزارعين، سيدركون بعد فوات الأوان، أنهم كانوا يستثمرون في المعاناة وفي المآسي العميقة لسكان بسطاء. تقنين زراعة الكيف.. صراع السياسيين حول الأصوات الانتخابية خديجة عليموسى تجدد الجدل حول تقنين زراعة الكيف داخل البرلمان، بعدما أعاد فريق الأصالة والمعاصرة طرح مقترح قانون خاص به بمجلس المستشارين، وهو الأمر الذي يفتح الباب على جميع الاحتمالات، سواء ببرمجة مقترح القانون ورفض الحكومة له، أو بتركه جانبا كما حصل لمقترحي القانون اللذين تقدم بهما نفس الفريق، أي «البام» والفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب، كل على حدة، ويهمان «تقنين زراعة الكيف عبر استغلاله في مواد طبية وصناعية». الرافضون لمقترح تقنين القنب الهندي يعتبرون أن هذا الموضوع له خلفيات سياسية، إذ تتم إثارته قبيل الانتخابات، إذ سبق لعبد الله بوانو، رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب أن اعتبر أن موضوع القنب الهندي يهم الدولة والمجتمع وليس له علاقة بقرارات حزبية، في إشارة إلى كل من فريقي «البام» والاستقلال»، كما اعتبر أن الأمر لا يعدو أن يكون وراءه البحث عن الأصوات الانتخابية داخل المناطق التي تعرف انتشارا لهذه النبتة. وقد ترتب عن هذا الموضوع أيضا العديد من الخلافات، حيث كانت محط رسالة بعثها إلى عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، على خلفية تصريحات العربي المحرشي، برلماني عن الأصالة والمعاصرة، الداعية السكان إلى الاستمرار في أنشطتهم الخاصة بزراعة الكيف، حيث تساءل فريق «البيجيدي» عن حصيلة الحكومة في المناطق التي تنتشر فيها زراعة الكيف، مذكرين بأن أحد المنتخبين خرج بإقليم وزان بتصريحات يحرض فيها بشكل مباشر المواطنين على زراعة الكيف، ويقايض استقرار المنطقة والتوقف عن زراعة الكيف بتوفير الدولة لعدد من الخدمات». كما تسبب تقدم الفريق الاستقلالي بهذا المقترح أيضا في تقريعه من لدن عبد الواحد الفاسي، زعيم تيار بلا هوادة، الذي هاجم حميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال، بسبب عدد من مواقفه وقراراته التي وصفها ب»الجائرة والخطيرة ومنها إقدام فريقه على التقدم بمقترح قانون من هذا النوع. مقترح القانون حدد مناطق زراعة الكيف الذي يمنع استخدامه لغير الأغراض الطبية، وكذا الموسم الفلاحي لزراعته، مع منح اختصاص منح تراخيص الزراعة لوكالة يطلق عليها اسم «الوكالة الوطنية لإنتاج وتوزيع وتسويق «عشبة الكيف»، وتخضع لوصاية الدولة ويكون الغرض من هذه الوصاية العمل على احترام هذا القانون والحرص على تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالمؤسسات العمومية. ورغم أن مقترح القانون ركز على الاستعمال المتعدد لهذه النبتة في الأمور الإيجابية، غير أن رد الحكومة كان واضحا، إذ أكد محمد حصاد، وزير الداخلية، خلال شهر يوليوز الماضي، أن القانون يمنع زراعة الكيف والاتجار فيه، لذلك فإن السلطات العمومية والقضاء ملزمان بمحاربته، جاء ذلك في رده على سؤال شفوي بمجلس المستشارين حول «مآل المتابعات المتعلقة بزراعة الكيف ضد بعض المواطنين». الأمر ذاته حدث مع عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة خلال الفترة ذاتها، حيث شدد، في جواب على سؤال متعلق بزراعة الكيف قدمه الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، على أن سياسة الدولة الحالية تتمثل في محاربة زراعة الكيف تماشيا مع الالتزامات الدولية، وأنه لا مجال لتقنين صناعته وزراعته، معتبرا أن الذين يخبرون سكان المناطق المعنية بهذه الزراعة بأنهم قادرون على حمايتهم إنما يبيعون لهم الأوهام. وبهذا تكون الحكومة قد وضعت حدا لمطالب بعض أحزاب المعارضة، خاصة «الاستقلال» و«البام» بتقنين زراعة الكيف، عبر تأكيدها أن القانون يمنع منعا كليا الزراعة والتجارة فيه، وأنه بعدما تم بذل عدد من المجهودات لمناهضة هذا النوع من الزراعة، فإنه لا يمكن العودة إلى الوراء وفتح المجال أمام هذه العشبة. القنب الهندي.. بين معركة البحث عن الشرعية والاستغلال الانتخابي للملف بوغالم: إثارة تقنين الكيف قبيل الانتخابات مجرد دغدغة لمشاعر السكن المهدي السجاري على بعد أقل من سنة من تنظيم الانتخابات التشريعية، عاد حزب الأصالة والمعاصرة ليطرح قضية تقنين زراعة القنب الهندي على طاولة النقاش العمومي، وهو الملف الذي سبق أن فجر خلافا قويا خاصة مع حزب العدالة والتنمية الذي لم يتردد في وصف الخطوة بالانتخابية، الغرض منها استغلال مأساة المزارعين. حزب الأصالة والمعاصرة طرح، هذه المرة، من خلال فريقه البرلماني في الغرفة الثانية، مشروعي قانون يحاول من خلالهما معالجة مسألة تقنين زراعة الكيف والعفو عن المزارعين. «البام» يرى في هذه الخطوة وسيلة ناجعة لمحاربة أباطرة المخدرات، وتمكين صغار المزارعين من العمل تحت مراقبة الدولة، عوض أن يبقوا في حالة سراح مؤقت بفعل مذكرات البحث الصادرة في حقهم. ورغم أن رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، سبق أن اعتبر الحديث عن تقنين زراعة الكيف مجرد بيع للأوهام لسكان المناطق التي تنتشر فيها زراعة هذه المادة، فإن فريق «البام» عاد ليحرج بنكيران من خلال مقترح القانون الذي يدعو إلى إحداث وكالة وطنية لزراعة القنب الهندي تابعة للدولة، ويرأس مجلسها الإداري رئيس الحكومة. هذه الوكالة ستختص في عمليات شراء المحاصيل الزراعية للكيف من المزارعين، انطلاقا من نقط بيع متحركة بالقرب من حقول الفلاحين، إلى جانب استيراد وشراء بدور نبتة الكيف وبيعها للمزارعين، على أن تتولى هذه المؤسسة العمومية بيع المحاصيل إلى الشركات الصناعية والمختبرات الطبية والإشراف المباشر على عمليات البيع للشركات الصناعية والمختبرات العلمية التي تستعمل هذه المواد في منتجاتها. «الكيف»، الذي يدخل في دائرة الممنوعات المعاقب على استعمالها في القانون الجنائي، أضحى موضوعا للنقاش العمومي، واخترق المؤسسة التشريعية بحثا عن غطاء الشرعية في مقاربة يعتبرها المدافعون عن تقنين هذه المادة الحل الأنجع للاستفادة من هذه الزراعة في المجال الطبي، ووضع حد لمأساة المزارعين الذين يتم استغلالهم من طرف أباطرة المخدرات، ويصبحون في المقابل موضوع مطاردات من طرف السلطات، دون إيجاد بدائل أخرى في مناطق تعرف مستوى هشاشة مرتفع.ولعل من أبرز ما جاء به فريق «البام» داخل مجلس المستشارين، على غرار ما تقدم به الفريق النيابي للحزب، هو الدعوة إلى عفو عام عن مزارعي الكيف، الذين يقدر عدد الأشخاص الصادرة في حقهم مذكرات بحث واعتقال حوالي 48 ألف مزارع، فيما تعيش حوالي 90 ألف أسرة من مداخيل المحاصيل الزراعية لهذه المادة. بيد أن معارضي هذه الدعوات، خاصة في حزب العدالة والتنمية، لا يرون فيها إلا مزايدات سياسية تسبق كل استحقاقات انتخابية، في محاولة لدغدغة مشاعر عشرات الآلاف من الأسر التي تعيش من عائدات زراعة القنب الهندي. ويرى عباس بوغالم، أستاذ العلوم السياسية بجامعة وجدة، أن دعوات تقنين القنب الهندي تعيد طرح السؤال حول الاتهامات المرتبطة بتمويل حزب الأصالة والمعاصرة، ومنها تصريحات حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، وأيضا رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، التي حملت اتهامات مباشرة للحزب. وأكد بوغالم أن الرهان الانتخابي حاضر بقوة لأن الملف شائك ويشكل طابوها في المنطقة الشمالية، حيث سجل أن «السعي إلى التطبيع مع المزارعين وطرح الملف على طاولة النقاش لإيجاد صيغة تشرعن هذا النوع من الزراعة يطرح أكثر من سؤال سواء من حيث ارتباطه بالاستحقاقات الانتخابية، أو من حيث التطبيع مع جزء من الناس الذين يتعاطون تجارة محرمة تطرح بالنسبة للمغرب مشاكل مع دول أجنبية». وأورد، في هذا السياق، أن إشكالية القنب الهندي تطرح للمغرب مشاكل دبلوماسية في علاقته مع بعض الدول، لافتا إلى أن إعادة طرح الموضوع على ساحة النقاش العمومي قبيل أي انتخابات يؤكد أن هناك نوعا من دغدغة لمشاعر السكان قبل الانتخابات التشريعية التي سيتم تنظيمها خلال أقل من سنة». ويرى الخبير السياسي أنه من الصعب أن تذهب الدولة نحو تقنين مادة الكيف. وأضاف: «ليس هناك رفض تام لتقنين الكيف، بيد أن السياق المغربي يختلف فبعض الدول حاولت أن تقنن هذه المادة على الأقل من حيث الاستهلاك، لكننا في المغرب وإلى الجانب البعد القانوني هناك المعطى الديني الذي سيخلق مجموعة من التوترات». وسجل في هذا السياق أن «هناك إشارات لإيجاد حل جزئي، إلا أن تعقد هذا الملف الشائك قد يفتح الباب على مجموعة من الأمور التي يبقى المغرب في غنى عنها». نورو: الوكالة الوطنية لتقنين الكيف لن تحل الملف والأحزاب السياسية همها الانتخابات قال إن الفلاحين يعتقدون أن التقنين هو بيع الكيف للدولة بنفس ثمن السوق حاوره – محمد أحداد - هل ترى أن إنشاء وكالة وطنية لتقنين الكيف يمكن أن يحل قضية زراعة القنب الهندي؟ لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار أن إنشاء وكالة لتقنين الكيف سيشكل حلا لقضية زراعة القنب الهندي بالمغرب، لأن موضوع الكيف ليس مرتبطا بنبتة الكيف في حد ذاتها ولا بقانونيتها أو عدم قانونيتها، بل إن الإشكاليات التي تعاني منها مناطق زراعة الكيف التاريخية «صنهاجة واغمارة» تتعلق أساسا بانعدام التنمية بكل أصنافها في المناطق المذكورة. بسبب تقاعس الدولة أو بالأحرى عدم قيامها منذ بزوغ فجر الاستقلال إلى حد أيامنا هاته بأي مجهود تنموي ولو بسيط بهذه المناطق، ما تسبب في انتكاسة شاملة في كل القطاعات والمجالات، حتى صار المواطن في جبال إقليمي الحسيمةوشفشاون خارج حسابات الدولة من الناحية التنموية. وقصد التخفيف من الوضع المأساوي المعاش من طرف مزارعي الكيف سبق أن طالبنا في بيان لتنسيقية «أبناء بلاد الكيف» بإنشاء وكالة لتنمية بلاد الكيف تعمل على دعم المشاريع التنموية والمبادرات المدرة للدخل، إيمانا منا باعتبارنا أبناء المنطقة أن المخرج الوحيد لحل كل الإشكالات المرتبطة بالكيف يمر عبر تنمية هذه المناطق، في إطار مصالحة شاملة للدولة مع بلاد الكيف وجبر الضرر الجماعي، الذي لحق بالسكان، بسبب سياسة الدولة المبنية أساسا على المقاربة الأمنية الصرفة. أما بخصوص اقتراح حزب الأصالة والمعاصرة إنشاء وكالة تقنين الكيف في إطار ما سمي بمشروع تقنين هذه النبتة، التي أصبحت تسيل لعاب السياسيين الباحثين عن بناء مجد سياسي سريع دون عناء في مناطق زراعة الكيف، باستغلال بساطة وسطحية تفكير المزارعين، أعتبر أن هذا الأمر ليس إلا مناورة جديدة من حزب التراكتور لاستقطاب الناخبين في مناطق زراعة الكيف بشمال المملكة. - البام اقترح عفوا شاملا عن المزارعين وأثار النقاش من جديد داخل البرلمان، كيف ترى مثل هذه الخطوة؟ حقا قام حزب الأصالة والمعاصرة بخطوة ماكرة عن طريق اقتراح العفو الشامل عن المزارعين، وقد تم استغلال الأمر بمكر في الانتخابات الجماعية السابقة، وكفاعل جمعوي بمنطقة اغمارة المعروفة تاريخيا بزراعة الكيف أعتبر أن عدد المبحوث عنهم لا يمكن أن يصل لعدد 60000 فهذا الرقم مبالغ فيه كثيرا. كما أن قضية المبحوث عنهم في قضايا زراعة الكيف لا تهم بشكل رئيسي المناطق التاريخية لهذه الزراعة بإقليمي شفشاونوالحسيمة، بل تخص المناطق الحديثة الموجودة بأقاليم تطوان، تاونات، وزان والعرائش وبالتالي أي كلام حول العفو عن المبحوث عنهم في هذه القضايا سيتسبب في انتشار أكبر لهذه الزراعة، مما قد يفتح الباب نحو انتقال زراعة القنب الهندي إلى أقاليم أخرى. بصيغة أخرى الكلام عن العفو الشامل عن مزارعي الكيف هو من قبيل تحريض مناطق جديدة على هذه الزراعة الممنوعة، وبالنسبة لحزب البام في نظري، يتعامل مع الموضوع بمنطق مساحة أكبر لهذه الزراعة تعني مباشرة أصواتا أكثر. بينما في المقابل كلما كبرت رقعة زراعة الكيف تدهورت حالة المزارع البسيط من سيء إلى أسوأ في المناطق التاريخية لهذه الزراعة، في هذا الصدد كفاعلين جمعويين بمناطق زراعة الكيف التاريخية «صنهاجة واغمارة» ندق ناقوس الخطر بظهور بوادر مجاعة جماعية تجتاح المنطقة، بسبب الركود التجاري الذي تعرفه هذه المناطق وعدم بيع الفلاحين محصولهم لسنتين متتاليتين، بسبب كثرة العرض لانتشار الكيف في مناطق جديدة . بالتالي ما يجب القيام به على وجه السرعة هو العمل على تقليص المساحات المزروعة بنبتة الكيف وإرجاعها لمناطقها التاريخية بغمارة وصنهاجة، قبل أي حديث عن العفو على المبحوث عنهم أو تقنين هذه الزراعة، علما أن المتابعات في ملفات زراعة الكيف تتمتع بالتقادم بعد أربع سنوات، وكل تساهل أكثر من المعمول به في الموضوع خاصة في المناطق الحديثة لهذه الزراعة ليس من شأنه سوىأن يعمق المشكل، بحيث يبخس الدولة مجهوداتها في محاربة المخدرات، وبالنسبة للمزارعين الذين سيعانون أكثر من الأزمة التجارية، التي تجتاح مناطق الكيف بسبب وفرة العرض وانخفاض الطلب. - في المناطق المعروفة بزراعة الكيف لا نعرف بالتحديد ما مدى استعداد الفلاحين هناك لتقبل فكرة التقنين، في تقديرك هل سيكون هناك صدى لهذا الاقتراح؟ قبل الخوض في تقبل الفلاح فكرة تقنين الكيف أو رفضه يجب أن نشرح له ما معنى التقنين وما المراد منه، فمثلا حين نخبر الفلاح بأن الكيف الصناعي يبلغ ثمنه 6000 درهم للطن، فلا يمكن أن نتوقع منه قبول الموضوع وهو يبيع محصوله ب40000 درهم للطن، كما أن نوع الكيف الموجود المنتج حاليا بالشمال لا يصلح للاستعمالات الطبية، نظرا لارتفاع نسبة المادة الحيوية THC به. لهذا أتوقع أن الفلاحين بشكل جماعي سوف يرفضون فكرة التقنين جملة وتفصيلا، لأن التقنين يعني جعلهم أكثر فقرا ولا تحافظ على وضعهم المادي الهش أصلا. إذن فالمزارعون ينساقون وراء شعار التقنين معتقدين أنه يعني بيع المحصول بنفس الثمن وبنفس الطريقة الحالية مع ترخيص من الدولة بينما الحقيقة غير ذلك. في تقديري ومن خلال عملي الميداني في اغمارة أجزم قطعا أن مشروع تقنين الكيف لا يلقى صدى عند مزارعي القنب الهندي. كما أجزم أن ملف الكيف هو ملف شائك يهم أكثر من مليون نسمة مستقرة بشمال المغرب والتعامل معه يجب أن يتم في إطار مقاربة تشاركية يكون المزارع هو المحور الأساسي فيها، وتتكفل بحله سلطات عليا بالبلاد نظرا لحساسيته، لهذا فإن وضع الملف بين أيدي الأحزاب السياسية من أجل حله سيؤدي إلى فشل ذريع، لأن هم الأحزاب السياسية هو الأصوات الانتخابية. - أنت ناشط جمعوي تشتغل منذ سنوات على موضوع الكيف وخاصة ما له علاقة بالحيف الذي يتعرض له المزارعون، ما الذي تقترحه لإنهاء موضوع شكل دائما بؤرة توتر اجتماعي؟ من خلال التجربة التي راكمتها في العمل الميداني ببلاد الكيف، اقتنعت أن من بين ما يجب القيام به لحل الإشكالات المتعلقة بالموضوع نطالب دائما بوجوب القيام بمصالحة شاملة مع بلاد الكيف (صنهاجة و اغمارة) وجبر الضرر عن التهميش والاستغلال الذي لحقها لعدة عقود، حيث لم تستفد من مسلسل التنمية الذي هم منطقة الشمال، وذلك عن طريق إنجاز مشاريع هيكلية وبنيات تحتية أساسية وعلى رأسها مشروع الطريق السريع على طول الطريق الوطنية رقم 2. وتزويد مراكز مناطق الكيف كباب برد بالماء الصالح للشرب وتحسين البنية التحتية لتحقيق استقرار الأسر بهذه المراكز. كذلك تعديل ظهير 1974 وإلغاء البند الخاص بمعاقبة مزارعي الكيف ومتابعتهم في المناطق التاريخية وامتدادها القبلي المجاور (صنهاجة- اغمارة) وفقط دون تعميم ذلك على باقي المناطق. كما يجب فتح تحقيق حول سبب تعثر إنجاز مشاريع تنموية ببلاد الكيف ومساءلة وكالة تنمية أقاليم الشمال حول الاعتمادات المالية الموجهة لتنمية مدن ومناطق لا علاقة لها بزراعة الكيف بميزانيات موجهة بالأساس لتنمية بلاد الكيف بدعم من الاتحاد الأوروبي في إطار برامج محاربة المخدرات، وذلك في خرق سافر للهدف الرئيسي لإنشائها سنة 1996. أيضا من الضروري اعتبار سكان اغمارة وصنهاجة مواطنين يتمتعون بحقوق مواطنتهم وفق ما جاء في دستور 2011، وليس مدانين إلى حين ثبوت براءتهم كما هو معمول به الآن. - البام ليس وحده من أثار قضية الكيف، بل ثمة أحزاب أخرى مثل الاستقلال والعدالة والتنمية، هل يتعلق الأمر فقط بتدافع سياسي؟ ليس البام وحده من استغل موضوع الكيف، بل سبق لحزب الحركة الشعبية أن اكتسح الانتخابات في مناطق زراعة الكيف، بعدما حضر أمينه العام المحجوبي أحرضان وتحدث في تجمهر خطابي عن الكيف، مما دفع المزارعين حين ذاك إلى الاعتقاد أن حزب السنبلة هو مخلصهم، نفس السيناريو يتكرر مع حزب البام، خاصة أنه جديد على سكان مناطق الكيف بعد لقاء بنشماس في باب برد أيضا. حزب الميزان أيضا يستفيد من النقاش الدائر حول الكيف سياسيا عبر الحفاظ على كتلته الناخبة بإقليم تاونات خاصة بدائرة غفساي. بالنسبة لحزب المصباح تم جره للنقاش القائم حول الكيف باعتبار أنه يترأس الحكومة، وأعتقد أن عدم اقتحامه لمناطق الكيف في الانتخابات السابقة يعود بالأساس إلى تزامن الأزمة الخانقة ببلاد الكيف مع فترة قيادة العدالة والتنمية للحكومة، وكذلك عدم تبني حزب الإسلاميين خطابا واضحا يلقى صدى عند الفلاحين ببلاد الكيف.