وقف المزارع عبد الله يرنو إلى حقله الذي تكسوه نباتات القنب الهندي،إستعدادا لحصاده في فصل الصيف،وهو يوقن أن هذا المحصول سوف يمد أسرته بالغذاء. ويشرح عبد الله منطقه البسيط الذي يجعله مشاركا في زراعة غير مشروعة تقول الحكومة إنها تهدد بتدمير البلاد. وقال عبد الله البالغ من العمر45سنة وله لحية يعلوها الشيب ويرتدي عمامة «إننا في هذه المنطقة(يقصد كتامة /شمال المغرب)فقراء جدا.نزرع القنب الهندي لنطعم أسرنا». و كان طفلاه و أحدهما يبلغ من العمر12سنة و الاخر11 سنة يقفا بالقرب منه، يأخذان قسطا من الراحة بعد أن أعياهم العمل في الحقل. و قال عبد الله إنه يزرع القمح و الشعير و الخضروات،على أنه يحصل على عائد زهيد من تلك المحاصيل مقارنة بالقنب الهندي الذي يبيعه للمهربين. و أضاف «لا يمكننا أن نسد رمق أسرنا بما نحصل عليه من القمح الذي نزرعه،ولكن يمكننا ذلك بالدخل الذي نحصل عليه من الكيف». و تعتبر زراعة القنب الهندي مصدر قوت لحوالي 66في المائة من مزارعيه في العديد من المناطق الممتدة عبر جبال الريف،و يشتغل في زراعة هذه "العشبة السحرية" حوالي200 ألف شخص. و أرجع كل المزارعين الذين إلتقيناهم سبب إقبالهم على زراعة القنب الهندي إلى الفقر،بالإضافة إلى غياب فرص الشغل،إذ يعيش حوالي 70في المائة من سكان كتامة تحت خط الفقر.فيما أرجع آخرون السبب إلى المداخيل الكبيرة التي يذرها الكيف على الأسر. وعن مدا خيل هذه الزراعة،يشير تقرير مكتب الأممالمتحدة لمكافحة الإرهاب و الجريمة منجز سنة 2005إلى أنها تمكن المزارع من الحصول على مدخول يفوق 12 إلى 16مرة من مداخيل إنتاج الشعير بالمساحة نفسها من الأراضي السقوية،ومن 7الى8 مرات من مداخيل الزراعة نفسها بالمجالات غير السقوية. غير أن المزارع عبد الله يرى أن الفلاح البسيط لا يجني من زراعة "الكيف" سوى القليل الذي لا يغني و لا يسمن من جوع بقدر ما يساهم في «دخول المعنيين متاهة الخوف من المتابعة القضائية التي تبقى قائمة رغم تخلي المعني بالأمر عن الزراعة». و أضاف« يبقى أباطرة المخدرات المستفيد الوحيد من ريع الكيف دونا عن المزارعين البسطاء،الذين يجنون غالبا الخوف و التفقير». لكن،إذا كان القنب الهندي لا يذر على مزارعيه مدخولا كبيرا ويعرضهم لمضايقة السلطة فلماذا يستمرون في رزا عته؟«إن عدم تقديم حلول ملموسة و بديلة لزراعة الكيف وفق إستراتيجية محددة الأهداف و المعالم وراء استمرار زراعة العشبة»يقول ناشط جمعوي بمنطقة كتامة. وفي السياق ذاته،أكدت شهادات لمزارعين إستحالة التخلي عن زراعة القنب الهندي،فهي بالنسبة لهم المورد الرئيسي و الوحيد للعيش.«أمام الغلاء الذي تعرفه المواد الغذائية لا يمكن التراجع عن الكيف ما لم تقدم الدولة حلولا بديلة تساعد الفلاحين"»يقول أحدهم. «الإقلاع عن الجريمة ليس مشروطا بالبديل و لا يمكنه أن يكون كذلك نحن نرفض كلمة بديل »إنه الرد السريع و الجاهز لمسؤول أمني. وتقوم السلطات بحملات حرق و إتلاف المزارع الخاصة بهذه النبتة المحظورة،الحبيب حاجي-محامي بتطوان و احد الموقعين على" رسالة إلى التاريخ" - يقول في تصريحات صحافية له «هذه الحملات تفتقر إلى مقاربة شمولية من شأنها ضمان مستقبل مطمئن لمزارعي القنب الهندي». منذ سنوات و فاطمة تتقاضى من عملها في حقول القنب الهندي 30درهما مقابل إزالة الأعشاب من المساحات المزروعة،و حتى في الحالات التي كانت تزرع فيها هي و عائلتها قطعة أرضية،فإنها بالكاد تؤمن تكاليف لقمة العيش،و يقول«أخاف في حال غياب العشبة أن يسرق بعضنا البعض و يقتل نصفنا الآخر،إننا لا نجد ما نطعم به أولادنا».