تعتبر المجزرة الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت أسطول الحرية آخر مستجد، يطفو على سطح الواقع السياسي والإعلامي الدولي، إذ قام الجيش الصهيوني، يوم الإثنين المنصرم 31 ماي 2010، بالاعتداء على قافلة الحرية التي كانت تتشكل من مجموعة من السفن تقل أكثر من 650 متضامنا ومتعاطفا مع سكان قطاع غزة، وتحمل نحو عشرة آلاف طن من المساعدات الإنسانية، وقد سعى أولئك النشطاء الذين ينحدرون من 40 دولة، بينهم العديد من الشخصيات السياسية والبرلمانية المسلمة والأوروبية، إلى كسر الحصار الغاشم الذي يضربه الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ حوالي ثلاث سنوات. وترتب عن ذلك الهجوم اللا إنساني الظالم، الذي تم عبر الجو والبحر، بالرصاص والغازات، استشهاد 19 شخصا، وإصابة أكثر من 26 آخرين من بينهم الشيخ رائد صلاح، وأغلب أولئك الضحايا من الأتراك. وعلى إثر هذه المجزرة الشنيعة تحركت مختلف الجهات الرسمية والشعبية، سواء في العالم العربي والإسلامي، أم في العالم الغربي، وهي تندد بهذا الفعل اللا إنساني الهمجي، الذي عبر بواسطته الكيان الصهيوني عن تجبره واستهتاره بالمواثيق والقوانين الدولية، وقد تجلت تلك التحركات الدولية الشاجبة والمستنكرة من خلال مختلف التظاهرات والأنشطة والفعاليات، كإصدار بيانات الشجب والإدانة، وعقد التجمعات الرسمية المغلقة، وتنظيم مظاهرات الرفض والاحتجاج، وغير ذلك. ويندرج في هذا السياق التجمع الاحتجاجي الذي نظمته مختلف الجمعيات التركية والفلسطينية والمغربية والهولندية المساندة للقضية الفلسطينية، يوم الجمعة 4 يونيو 2010 بساحة (موزييم بلاين) بقلب مدينة أمستردام، على الساعة السادسة مساءً. وقد حجت إلى مكان التجمع جماهير غفيرة قاربت الألف شخص، من بينهم الرجال والنسوة والأطفال والشيوخ وحتى ذوو الاحتياجات الخاصة، تفرقهم الأرومة والثقافة والمعتقد والبشرة، غير أنه توحد بينهم المشاعر الإنسانية تجاه القضية الفلسطينية المهضومة والمظلومة، وقد جاءوا اليوم للتعبير عن موقفهم الجريء والشجاع في جو مكهرب، تحاصره دوريات رجال الأمن الهولندية، وهم يحملون مختلف الأعلام (التركية والمغربية والفلسطينية...)، ويرفعون شتى الشعارات واللوحات والصور المنددة بهذا العدوان الغاشم، وقد خطت عليها عبارات وكلمات الشجب والتنديد (أوقفوا الحصار، أطلقوا السجناء، حاكموا إسرائيل، يحيا الزعيم التركي أردوغان...)، بل ويطلقون بأعلى أصواتهم صرخات تعبر عن تذمرهم من الصمت الدولي والتآمر العالمي (سحقا لإسرائيل، الله أكبر...). وقد ورد في البيان الخاص بهذا التجمع، الذي يحمل عنوان: (نداء من أجل وقف التواطؤ إزاء جرائم إسرائيل)، ما يلي: "واليوم نوجه نداءنا لهؤلاء من أجل كسر الصمت. إننا ككل الديمقراطيين من كل بقاع العالم، ومن مختلف المعتقدات دون أدنى خلط بين الديانات، ندين هذا الهجوم الوحشي ونؤكد ضرورة: الرفع الفوري للحصار على غزة، تمكين الناجين من الدخول إلى غزة للقيام بواجبهم الإنساني، اتخاذ إجراءات للرد على الكيان الصهيوني، وقف كل العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع الكيان الصهيوني، وقف مفعول اتفاقية الشراكة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي بموجب المادة2، تحمل هيئة الأممالمتحدة لمسؤوليتها في حماية المدنيين وفي فرض احترام الحق الإنساني الدولي، ضرورة فتح تحقيق دولي حول جرائم إسرائيل بهدف وقف إفلات المسؤولين الإسرائيليين من العقاب". وقد تخللت برنامج هذا التجمع الاحتجاجي ضد المجزرة الإسرائيلية الأخيرة على قافلة الحرية جملة من المواد، استهلت بكلمة المنظمين، ثم مقاطع موسيقية لفرقة كولسيسي التركية، وبعد ذلك تتابعت كلمات بعض الشخصيات النضالية النشيطة المعروفة على الصعيد الهولندي، التي أثرت بعمق في كل من حضر هذه التظاهرة، ككلمة ممثل الجمعيات والمنظمات التركية السيد إمري أونفير، الذي ندد بشدة بهذه المجزرة الوحشية، ودعا المجتمع الدولي إلى اتخاذ مواقف منصفة وجريئة من العدوان الصهيوني. وكلمة السيد محمد الرباع ممثل الجمعيات والمنظمات المغربية، الذي ركز على ازدواجية الخطاب الرسمي الهولندي، الذي استنكر في البداية ما وقع، ثم تراجع فيما بعد عن ذلك الموقف، ودعا الجماهير إلى الانتخاب بكثافة في الاستحقاقات البرلمانية القادمة (الأربعاء 9 يونيو)، حتى تتمكن من إسقاط النخبة السياسية الحالية المتواطئة مع الكيان الصهيوني عبر الاتفاقيات العسكرية وإمدادات السلاح السرية. وكلمة السيد كيس فاختن دونك، المناضل الهولندي الشيخ؛ ممثل المنظمة الفلسطينية، الذي عبر بصدق تام عن معاناة الشعب الفلسطيني، واعتبر تلك المجزرة فعلا لا يمت إلى الإنسانية في شيء، كما دعا المجتمع الدولي إلى رفع الحصار على قطاع غزة، وعقد محاكمة عادلة للمجرمين الذين تسببوا في تلك الغارة على أسطول الحرية. وكلمة الخبير الهولندي في شؤون الشرق الأوسط، السيد روبرت سوتريك، الذي بدوره شجب بشدة هذا الجرم الصهيوني الشنيع، ودعا الجماهير إلى المقاطعة الاقتصادية للمنتوجات والسلع الإسرائيلية، ليس المعروضة في المحلات التجارية الهولندية فحسب، وإنما في المحلات التجارية المغربية والتركية كذلك. وعقب هذه الكلمات المعبرة والساخنة، تم الاتصال مباشرة بتركيا للحديث مع أحد الناجين من الغارة الصهيونية، ليصف للحاضرين بعض تفاصيل ذلك الحدث الإجرامي. هكذا مر هذا التجمع الاحتجاجي الذي نظمته مختلف الجمعيات والمنظمات المغربية والتركية والفلسطينية، في جو من التعاطف والتآزر مع ضحايا المجزرة الإسرائيلية بصفة عامة، والقضية الفلسطينية بصفة خاصة، إذ أبان الحاضرون الذين ينتمون إلى أجيال الهجرة الثلاثة كلها، عن نضج تام في التعامل مع مثل هذه القضية الحساسة والحرجة، لتنتهي هذه التظاهرة التضامنية بدقيقتي صمت على أرواح الشهداء، دون تسجيل أي سلوك سيء أو رد فعل منحرف.