أشد الحيف وأفظعه أن يغتال شخص ما أو تنتهك حياته – من أي جهة كانت – في هذا الوطن المهدور بسبب أفكاره وآرائه ومواقفه ومبادئه، وقمة الحيف والغدر أن يتم ذلك تحت أعين السلطة -الدولة – التي من واجبها حماية حياة المواطنين من أي خطر أو ظلم قد ينتهك حقهما المقدس في الحياة الذي هو حق العيش وحق الجسد والروح، الحق الذي تقر حمايته جميع المواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان. أفظع جريمة في هذا الوطن أن يغتال شاب في عز شبابه أرسل من عائلته بإمكانياتها البسيطة إلى الجامعة من أجل التحصيل العلمي والمعرفة آملة أن يعود إبنها يوما وفي حوزته شهادة جامعية تؤهله الولوج إلى الوظيفة العمومية هذه الأخيرة التي ستمكنه من إعالة أسرته الصغيرة التي نخرها البؤس والفقر والحرمان في ذلك الهامش المهمش من جبال صاغرو. وفي الأخير يسقط قتيلا في جريمة سياسية وفي فضاء الفكر والحوار من أيادي الغدر والظلام ويعود في التابوت إلى قريته المعزولة في موكب جنائزي رهيب كله بكاء وحزن وضياع مشاعر الحاضرين في وداعهم الأخير لصديقهم وأخيهم وولدهم ومناضلهم وتلميذهم المجتهد الذي شرّف قريته الصغيرة “إكنيون” وكل إمازيغن في كثير من المحطات النضالية ضد الإقصاء والتهميش ومن أجل الكرامة والعدالة والتحرر شعبه ووطنه من جل نظم الميز والتسلط والاستلاب. فماذا سنقول لو أغتيل مواطن – مهما كانت توجهاته السياسية – سبب دفاعه المستميت من أجل إحقاق حقوق المواطنة دون ميز وتمييز بين المواطنين على أساس مناطقي أو سياسي أو عرقي كما حدث مع الطالب الجامعي عمر خالق يوم 27 يناير 2016 في جامعة القاضي عياض بمراكش من جهات تخول لها السلطة كل الإمتيازات وتحت أعينها تعبث في الجامعة التي هي فضاء بناء قيم المساواة والمواطنة لتحوله في الأخير إلى فضاء الزبونية والمحسوبية والريع الإقتصادي والإداري بمبرر واحد هو إدعائها “بناء جمهورية إنفصالية عربية وهمية” فوق أرض يشهد التاريخ بأمازيغيتها جنوب الصحراء. ينهج النظام المخزني هذه السياسة مع هؤلاء “الإنفصالين” بهدف إسكاتهم وثنيهم عن تغيير أفكارهم ضاربا بعرض الحائط قيم وحقوق المواطنة الحقة التي يجب أن تجمع وتتمتع بها جميع شرائح هذا الشعب ومغذيا في الآن قيم وحقوق المواطنة الزائفة التي نخرت الوطن وشتتت قيم الإنتماء إليه بسبب التمييز بين المواطنين بالدرجات على أساس الإنتماء المناطقي. ناسيا أو متناسيا أن “من يهادن التمساح يؤجل أكله للأخير” كما قال تشرشل. أغتيل “إزم” بسبب أفكار ومبادئه، وهو الذي كان ينادي بكل جرأة بأمازيغية الصحراء في الفضاء الطلابي الجامعي، وتوعية الطلاب بالأفكار والحجج العلمية التاريخية بذلك لا بالهروات والسيوف، أغتيل عمر خالق بعدما حمل مشعل المدرسة النضالية التي ولجت الجامعة بهدف تعرية الفكر الإستلابي العروبي وتصحيح مسار التاريخ المؤدلج بتوعية ضحايا هذا الأخير بهوية الأرض للمغاربة وبقيم الوطنية الحقيقية التي قاوم من أجلها الأجداد في جبال صاغرو والريف وكل ربوع هذا الوطن.. نعم، اغتيل وهو ينادي بكل جرأة وبصوت عالي “لا لتأسيس كيان عروبي إنفصالي فوق أرض أمازيغية”، إلاّ أن أيادي الغدر صاحبة لغة السيوف والهروات كان لها رأي آخر، ففي الفضاء العام وتحت أعين السلطة أسقطت جسمه النحيل أرضا بعدما إنهالت عليه بالسيوف “والمزابر”.. آه يا وطني، الوطنية الزائفة تقتل أبناءك الأبرار، أبناء مقاوميك الأبطال. سقط إزم شهيدا وتقوت الأمازيغية وكبرت في أمورن اوكوش (المغرب). وما أكثره ظلما عندما يغتال عمر خالق بسبب جل ما سبق وذكرته، لكن دون أن تنصفه العدالة بعد، ودون أن يعاد الحق لصاحبه ورد الإعتبار له ولقضيته العادلة، ولعائلته المكلومة التي تنتظر بكل حرقة وحزن إنصاف إبنها المظلوم. فها نحن نودع سنة بعد رحيل عمر خالق و”عدالة المغربية” ما زالت تتوارى عن معاقبة جل المتورطين في هذه الجريمة السياسية ودون رفع الحيف عن الضحية. وما لم يتم ذلك فالمسؤولية كل المسؤولية في هذه الجريمة تتحملها السلطة -الدولة- ومؤسساتها القضائية، السلطة التي لم تتحرك لحماية حياة عمر خالق من أيادي الغدر أعداء الحياة رغم تحركات مرتكبي الجريمة في الفضاء العام حاملين السلاح، ويتحملها “القضاء” باعتباره المؤسسة التي تقر إحقاق العدالة ورفع الظلم. إزم.. بعد مضي عام من الحزن المخيم على قلوب عائلتك الصغير والكبيرة وصدمة قريتك “إكنيون” وجل الشعب الأمازيغي في فقدانك، ها نحن نقف اليوم لنستقبل الذكرى الأولى لرحيلك بكل فخر وإعتزاز وأمل لنجدد عهد مواصلة طريق النضال على دربك ودرب شهداء هذا الشعب المكوي بنار العروبة والوطنية الإستئصالية الزائفة كما عهدناك يا شهيدنا يوم ودعنا جسدك ولم ولن نودع روحك الطاهرة ومبادئك وقيمك النضالية. وها أنت اليوم أضحيت ملهم نضالات آلاف الشباب الأمازيغي في كل بقع “تامزغا” الذين صنعوا من إسمك رمزا من رموز الفكر التحرري الديمقراطى لهذا الوطن… أنت الشهيد وإمازيغن على نهجك سائرون فارتاح في سلام. إزم.. في ذكرى رحيلك نجدد الوفاء لنهج شهداء هذا الوطن، ونأكد من جديد على ضرورة تحقيق إنصاف فعلي حقيقي بالمصالحة مع الشعب الأمازيغي وتاريخه ولغته وهويته… إزم.. مهما حدث .. نحبك جميعا.