منذ الساعات الأولى من فجر الخميس، والحركة تبدو غير عادية بمركز بومالن دادس ونواحيه، حيث كانت مواكب السيارات الخاصة والعمومية تنذر بيوم استثنائي..الكل يتساءل هل وصل موكب الفقيد عمر خالق، الملقب في أوساط الحركة الثقافية الأمازيغية ب"إِزْم"، والتي تعني الأسد. شبان يبحثون عمن يُقِلّهم نحو إِكْنِيونْ لتشييع طالب من صاغرو، قُتل غدرا بمراكش، وجِيء به في موكب مهيب لُيدفن في قريته النائية. ومن غريب الصّدف أن والد عمر يشتغل سائق سيارة إسعاف بمركز إكْنِيوْنْ، قضى جزءًا مهما من حياته في نقل الجرحى، والحوامل وطالبي المساعدات المستعجلة من القرى المجاورة نحو المراكز الصّحية القريبة. لعل طبيبا أو ممرّضا في بومالن، وأحيانا كثيرة في ورزازات، يضع حدا لمعاناة وآلام مريض أو مريضة، لكن والد عمر اليوم وقف مذهولا أمام ابنه، الطّالب الذي رحل عن قريته ليدرس التاريخ في كلية بعيدة، حاملا أحلاما كبيرة في غد مشرق، لكنه عَاد في كفن أبيض، مُسَجّى داخل سيارة لنقل الأموات.. الحُشود وجدت طريقها إلى إكْنِيوْنْ زُرافاتٍ ووحْدانا، والكل يُمنّي النفس بأن يصل إلى منزل عائلة خَالق بالمركز قبل دفن الطالب الذي هُوجم من طرف طلبة ملثمين، انهالوا عليه ضربا بآلات حادة جعلت دماءه تسيل في إسفلت المحيط الجامعي يوم 23 يناير الماضي، ليفارق الحياة بمستشفى ابن طفيل بمراكش.. كل الذين لم يصلوا بعد إلى موطنه خائفون من أن يُدفن سِرّا وهو الذي يستحق جنازة تليق به، خاصة بعد انتشار "التدوينات" على "فيسبوك" مفادها بأن هناك من يحاول دفن الفقيد مبكرا قبل وصول مئات النشطاء القادمين من مختلف المدن البعيدة والقريبة، من أصدقاء الرّاحل وزملائه ومعارفه.. بعد تقديم التعازي للعائلة الكبيرة، التي بقدر ما أحزنها موت ابنها بهذه الطريقة الوحشية وهو بالكاد أكمل سنته الخامسة والعشرين، بقدر ما أفرحتها الأفواج التي حجّت إلى بلدتها من كُل فج عميق، لاسيما أن بلدة "إكْنِيوْنْ" مشهورة بالثبات في المعامع، ففيها عاش المقاوم المغربي الشهير عسو وباسلام ردحا من الزمن، وبها بُنيت أولى المحاكم العرفية، وغير بعيد عنها دارت رحى أشرس معارك التحرير والذود عن الوطن. "لا إله إلا الله وعمر شهيد الله"، بهذه العبارة شيّعت الوفود الفقيد إلى مثواه الأخير، من مقر القيادة نحو مقبرة إكنيون، حيث ترقد جثامين أجداد عمر من الرجال والنساء، في جو يسوده الخشوع والحزن على رحيل "إِزْمٍ" لن يعود. وغير بعيد عن مكان دفن عمر خالق انبرت وفود المعزين من نشطاء الحركة الثقافية الأمازيغية، والطلبة والتلاميذ، وساكنة القرى المجاورة، لتنظيم شكل احتجاجي اختتم أمام قيادة إكنيون بتلاوة بيان للحركة الأمازيغية، من بين ما جاء فيه دعوة الحركة "إلى صياغة ميثاق شرف ضد العنف، كالذي صاغته الحركة ودعت إليه منذ 1999". تفرقت جموع المعزين، لكلٍّ وجهة هو موليها، بعدما تأكدوا أن جسد عمر لن يبرح قبره في تلك القرية البعيدة جدا عن العاصمة، بينما ذكراه لن تغيب عن الذين عرفوه أو سمعوا به أو اعتنقوا بعض أفكاره.