رحل محسن، أو تم ترحيله من هذا العالم بفعل فاعل مع سبق الإصرار والترصد، ليس قتلا غير عمد كما سمته الجهة المكلفة بتتبع المسار القضائي والتحقيق في القضية التي مازال صداها قوي في منطقة الريف وإقليم الحسيمة بالخصوص، فرحيل شهيد لقمة العيش، خلف سخطا قديما تجدد في نفوس أبناء الريف ليتحول لغضب عارم على سياسة "الطحن" التي تنتهجها البلاد بطرق وأساليب مختلفة. ومن هذا المنطلق خرجت المسيرات الحاشدة والتظاهرات الغاضبة تنديدا ب "طحن" محسن، وتوجيها لمسار التحقيق نحو معاقبة المتورطين بغض النظر عن صفتهم، ولكي لا تتكرر المأساة، فالاحتجاجات طالبت بأكثر من ذلك، ملف بمطالب اجتماعية مستعجلة وضع بشكل ديمقراطي تشاركي من طرف لجنة شعبية، ومن هنا كانت الانطلاقة لمسيرة احتجاجات لا يبدوا أنها ستنتهي قريبا، فرد فعل السلطات المعنية كان متوقعا وهي الآذان الصماء واللعب على عامل الوقت، في انتظار أن تخف حدة الاحتجاجات للإجهاز على الحراك وملفه المطلبي وإنهاء الصداع المزمن الذي تتسبب فيه حناجر المحتجين منذ ثلاثة أشهر ومازالت بنفس الزخم والحدة. إن ما يثير الانتباه في قضية الشهيد محسن فكري والاحتجاجات التي تلت حادثة "طحنه" هو توظيف وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل خاص، فالفايسبوك خلق الحدث في الحراك سواء من خلال الدعوة إلى المسيرات والتظاهرات أو توثيقها بالصور والأكثر من ذلك نقل أحداثها بشكل مباشر عبر خدمة "اللايف" التي استحدثها الموقع الأزرق، وانتشر استعمالها بشكل كبير أو من خلال ردود وإضافات على هامش الاحتجاجات من طرف مهتمين أو أعضاء ضمن لجنة التسيير المنبثقة عن الحراك. ولأول مرة ربما نعيش تجربة فريدة لصحافة حرة لا ترجوا مقابلا ماديا لقاء جهودها في نقل الأحداث كما هي من موقع الحدث، فقد وفر هؤلاء المعلومة لآلاف المتتبعين عبر خدمة "اللايف" بشكل مباشر، دون أن نغفل دور المواقع الالكترونية المحلية التي تعطي زخما للاحتجاجات وتحسن من صورتها التي تحاول مواقع أخرى وطنية تقزيمها وتبخيس قيمة ما يقوم به أبناء الريف، فمنذ اندلاع الاحتجاجات لاحظنا كيفية تعاطي مواقع معروفة مع الموضوع، فقد تحول تعاطيها مع الموضوع بشكل تدريجي صاحبه تغير في الخطاب، بما يوحي بوخز إبرة تحثها على التريث بعد أن خرجت المسيرات بمطالب اجتماعية بحّت حناجر المحتجين بها منذ زمن، وهنا تحول اسم الشهيد محسن فكري بقدرة قادر إلى "سماك الحسيمة" و "مول الحوت" وغيرها من التسميات التي ليست بريئة على الإطلاق وتحمل بين طياتها حقدا دفينا على الحراك ورغبة في إقباره على غرار الاحتجاجات التي سبقته، رغم رقي الاحتجاج وتحضره وسلميته، قبل أن تختفي أخبار الاحتجاجات بشكل كلي، فهذه السلمية والتنظيم المحكم جعل البعض لا يسعهم مرقدهم ولا يغمض لهم جفن، فقاموا بتوجيه أبواقهم بالشكل الذي يضعف موجة الغضب التي اجتاحت الريف، حتى وصل بهم الأمر إلى إرسال بلطجية من ذوي السوابق مسلحة بالسيوف والسكاكين والهراوات للهجوم على تظاهرة حضارية سلمية بمدينة الناظور علهم يروعون من لا يخاف ويكممون أفواها تصرخ بأعلى صوتها: "غير طحنونا كاملين"، ومرة أخرى كان الإعلام البديل في الموعد لتوثيق همجية هؤلاء بالصور ومقاطع "الفيديو".. أخطأ من راهن على عامل الزمن لتنتهي هذه الزوبعة، فزمن الزوابع قد ولى وهذا الذي أمامهم اليوم إعصار غاضب لن يخمد ولن يستكين إلا بعد الاستجابة لمطالب المحتجين ومعاقبة المتورطين في "طحن" محسن فكري شهيد لقمة العيش، وأخطأ من راهن على الحرب الإعلامية لتشويه سمعة الحراك فشباب في رأسمالهم هاتف ذكي يستطيعون نقل الحقيقة ونقض الادعاءات الواهية وتلفيق التهم والأكاذيب، اليوم يمكن أن نتحدث فعلا عن إعلام بديل وتوظيف سليم للتقنية ومواقع التواصل الاجتماعي التي كانت سببا في سقوط أنظمة بكاملها عبر دعوات انطلقت من وراء شاشات الهواتف والحواسيب.