بدأ ربيع 2016 أكثر إحتراقا مما كان متوقعا، فالجائع ملتهب، والمعطل ملتهب، والأجساد صارت أقرب إلى الحطب أكثر من أي وقت مضى. بائعة الرغايف إحترقت، والمعطل إكتوى، ومسلوب أرضه فالعرائش يقبل "صباط مخازني" تعبيرا عن إستسلامه لجبروت المخزن الدموي. أسباب الوفاة عديدة، وأسباب الوجع كثيرة، و عوامل الإحتقان متعددة تكاد تفيض الكأس مرة أخرى. ولعل ما يثر الإنتباه هي تصريحات المسؤولين الحكومين الذي يطلون علينا كعادتهم من قبة البرلمان المكيفة يتغنون ويزمجرون أن بلاد أمير المؤمنين بخير وعلى خير وأن كل من خرج على هذا السرب فهو من الحساد. وآخر مثال على ذلك هو تصريح الوزيرة بسيمة الحقاوي ردا على سؤال أحد النواب البرلمانيين الذي تساءل عن وفاة "مي فتيحة" إحتراقا. وكان جواب السيدة الوزيرة هو أن " لم يبقى في المغرب فقر.. وأن _مي فتيحة_ حالة إستثنائية'' . صحيح أن "مي فتيحة" إستثنائية. لكن الإستثناء هو نتاج القاعدة. و"مي فتيحة" أعتبرها إستثناءا أيضا. لكن ليس بتعبير الوزيرة "المبجدة" بل هي إستثناء في الجرأة والتعبير عن الرفض للإحتقار والإقصاء الإجتماعي الذي يعانيه ملايين المغاربة في صمت. حسب نفس تصريح الوزيرة المثير للسخرية والضحك الذي تقول فيه أن الحكومة الحالية قد خفضت عتبة الفقر في المغرب لأنها "وفرت 350 درهم شهريا للأرامل". ووفرت بطاقة "راميد" للمعوزين. هل هذه هي الحلول التي يمكن القول بأنها ستساهم في إعادة توزيع الثورة بشكل عادل وهذه هي الحلول الناجعة للقضاء على الفقر. إذا كان الأمر كذلك فليذهب ماركس ونظرته فيما يخص التفاوت الطبقي إلى الجحيم!! هكذا سنكون إتفقنا مع السيدة الوزيرة. لكن عليها أن توضح لنا وبشكل دقيق الأسباب التي جعلت مئات الناس الذين نصادفهم يوميا في الشوارع والمقاهي والمحطات يتوسلون أن يمنح لهم درهما لشراء رغيف خبز. من أين خرج هؤلاء هل هم أيضا من حساد البلاد. أم أنهم من شعب زمن الخبز الحافي الذي مازالت لعنته تلاحقنا. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الحديث عن الفقر في بلد ما يفرض علينا الحديث عن النظام السياسي وكيفية توزيع الثروة وغيرها من المعطيات الضرورية للتحليل. بالإضافة إلى أمر مهم إذا أردنا الإنتقاد في ظل الوضع الراهن لابد من إستحضار القيادة السياسية للبد وكيفية إشتغالها. والحمد لله في بلدنا كل القادة السياسيين يملكون فيلات مطلة على نهر أبي رقراق أو حي الليلمون أو قرب حسان، وأولادهم يدرسون في الخارج، وما أكثر أولائك الذين يملكون شركات التعليم الخاص، ومشفيات خاصة، وشركات العقار التي تسطو على أراضي المواطنين بمباركة المحزن وهذا ما أخرج المواطنين للإحتجاج في العرائش حيث سيعبر رجل كهل عن سخطه وإستسلامه وملله بتقبيل "سباط مخازني". وحتى لا نقتله ثانية يجب إستحضار إسم الشهيد "صاكا" الذي مات حرقة بعد إضراب بطولي عن الطعام في المعتقل وذنبه الوحيد أنه حصل على ماستر في علم الإجتماع وظل يقاوم زرواطة البوليس في الشوارع. في حين أن إن عدد الموظفين الأشباح ما بين 70 و90 ألف شبح بالمغرب حسب تصريح الوزير "بوليف''. لهذا فكان الحل عند المخزن عوض توظيفه هو إعتقاله ليستمر الأشباح في إستخلاص "مانضات" من أموال الشعب المغربي. بالإضافة إلى ذلك فيجب ألا ننسى المصيبة "البانامية" .حيث صمت القضاء في بلدنا وحده في التعبير عن رأيه وفتح التحقيق في ما يعرف "بأوراق بناما" التي تشير إلى تهريب ملايير الدولارات من طرف السكرتير الخاص للملك كما أشارت إلى ذلك الأوراق المسربة والأخبار المتناقلة التي على إثرها إستقال رئيس وزراء أيسلندا بعد ورود إسمه في تلك الأوراق المسربة. وفي الأخير يمكن القول أن ما يزيد هذا الواقع إلتهابا، هو الهجوم المستمر للنظام على الحريات الفردية والجماعية وعلى الحقوق المكتسبة للشعب المغربي، وتزايد التضييق على نضالات المعطلين والطلبة، والزج بكل من طالب بالحرية في غياهب السجون. وهذا ما يدل على أن المغاربة غارقين في مستنقع البؤس حتى "العظم". وهو ما يؤكد على أن لعنة "الخبز الحافي" مازالت تلاحقنا.