كلما كانت هناك كارثة طبيعية نجد أنفسنا في مواجهة نظام سياسي كارثي عرف كيف يتحالف مع غضب الطبيعة، كأن هناك اتفاقية موقعة بينهما بغرض تركيع الرفيين و دفعهم للإستسلام، بعد كل كارثة طبيعة تصاحبها كارثة سياسية تنم عن نويا النظام و تعيد إلى الأذهان تلك الصور التراجيديا التي مازالت حية في الذكرة الجماعية للرفيين، صور تجعل من المواطن العادي و البسيط يطرح أسئلة جارحة في محاولة إيقاظ ضمير النخبة و المجتمع المدني الغارق في سبات عميق، الذي يكتفي فقط بمراقبة الوضع، دون أن يرقى لتقديم إجابات على الأقل لإحراج من هم متحكمون بزمام الأمور. لكن في المقابل لماذا بدت علامات الإستغراب علينا و كأن النظام كان في الموعد عندما ضربنا زلزال 2004؟ دعونا نلقي نظرة خاطفة على التاريخ و ننبش فيه قليلا، دعونا ننفض الغبار عن أرشيف 2004 إنها خطوة ضرورية و أساسية لفهم ما يجري الآن، دعونا نستعين بالتاريخ إنه القاضي العادل الذي لا يظلم أحد، نعم قد تغير الزمان و لم يتغير المكان الريف و لم تتغير سياسة النظام مع هذا المكان الذي كان و لا يزال يشكل له عقدة نفسية، سياسة عنوانها الإستهتار، الإستفزاز، الإستحمار و الإستخفاف هكذا تعاملت الدولة مع منكوبي زلزال 2004 بإعلامها و مسؤوليها، لكن بالمقابل جندت كل قوتها بمختلف أشكالها لقمع المواطنين الذين كانوا يناضلون من أجل تحمل الدولة لمسؤوليتها، كما كان متوقعا و من نظام له باع طويل في قمع الحركات الإحتجاجية استطاع احتواء الإحتجاج بذكاء خبيث معلنا بعد ذلك إنشاء ” الفريق المدني المتعدد الإختصاصات ” الذي أُوكلت له مهمة تقسيم الكعكة…بدل إعادة بإعمار الحسيمة و اليوم و كأن التاريخ يعيد نفسه حيث تم تسجيل غياب تام للدولة بكل أجهزاتها ما عدا المخابرات التي تقوم بإعداد تقارير حول الوضع تحسبا لأي إنفجار شعبي في أية لحظة. غياب لا يمكن تفسيره إلا إذا استحضرنا طبيعة النظام الذي يتحرك وفق التعليمات السامية، رأينا و تابعنا في 2004 كيف كانت المساعدات التي كانت تتوافد على الحسيمة لكن لا أحد يستطيع توزيعها ما لم تكن هناك تعليمات لذالك؛ الفرق هنا واضح بين إعلام يمارس التظليل و ينتظر التعليمات و إعلام كمؤسسة تقوم بمهامها، و بين حكومة تنتظر التعليمات و تلتزم الصمت و تعتبر أن الأمر لا يستدعي إعلان حالة الطوارئ، و حكومة تحترم مواطنيها، إذن فالفرق واضح جدا بين المواطنين و الرعايا. ففي ظل الصمت الذي كان سائدا من الجهات الرسمية فشأنه شأن الطحالب التي تنموا في الماء العاكر إستغل إلياس العماري غضب الطبيعة و هذه المرة بصفة رسمية ليقوم بزيارة المصابين في خطوة إستفزازية ليتامى و منكوبي زلزال 2004 الذين مازالو يعانون حتى الآن من ويلات حرمانهم من المساعدة، معلنا في نفس الوقت تشكيل ” خلية أزمة ” لتتبع أوضاع المدن التي طالها الزلزال، و النتيجة أن هذه الخلية لا وجود لها في الواقع و لم تقدم أي شيئ للسكان الذين ما زالوا يفترشون الأرض، و هذا الأمر كان منتظرا على اعتبار أن الخلية هي نسخة طبقة للأصل ل ” الفريق المدني المتعد الإختصاصات “، و لعل الشيئ الوحيد الذي قدمته هذه الخلية هو تقديم تقرير مخبراتي حول الأوضاع و الذي عجل بزيارة ممثل وزارة الداخلية إلى مدينة الحسيمة والنواحي الشرقي الضريس في خطوة استباقية للتحكم في الوضع تفاديا لأي إحتقان شعبي محتمل مرة أخرى و بشكل واضح نستشف أن النظام فاشل في تعامله مع الكوارث الطبيعية و ليست لديه أي نية لتصحيح تلك الأخطاء القاتلة التي ارتكبها في 2004، و لا يتوفر على أي استراتيجية لمواجهة الكوارث غير المقاربة الأمنية.