مجموعة IGMA SCHOOL بالجديدة تحتفي بالمتخرجين وذكرى 30 سنة على تأسيسها    وصول 30 مهاجرا ينحدرون من الريف الى ألميريا    لقاء يجمع عامل إقليم الحسيمة مع ممثلي قطاع الطاكسيات    اصطدام بين دراجتين ناريتين على الطريق بين امزورن وتماسينت يخلف إصابات    الترتيب ونتائج البطولة الاحترافية الدورة ال16    نتانياهو سيخضع لعملية جراحية لاستئصال البروستاتا جراء عدوى أصابته في المسالك البولية    داخل جمعية!!.. محاولة فتاتين وضع حد لحياتهما بمادة سامة تستنفر السلطات بطنجة    الماص يقلب الطاولة على الوداد في البطولة الاحترافية    منتخب الكراطي يحصد 20 ميدالية في البطولة العربية    بعد لقاء الملك محمد السادس والرئيس الموريتاني.. الرباط ونواكشوط يتجهان لإحياء اللجنة العليا المشتركة بينهما    بوتين يعتذر عن حادثة تحطم الطائرة الأذرية دون تحميل روسيا المسؤولية    إحداث 7912 مقاولة في جهة الرباط    ارتفاع مفرغات الصيد البحري بميناء الحسيمة    الرئاسة المغربية لمجلس حقوق الإنسان تؤدي مهمتها على أكمل وجه    زياش يشترط على غلطة سراي مستحقاته كاملة لفسخ العقد    حيار: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة لا تتعدى حدود الشريعة الإسلامية    بحضور أزولاي.. لقاء ثقافي بالصويرة يبرز أهمية المكان في تشكيل الهوية    خنيفرة تحتضن المهرجان الدولي للقصة القصيرة    وفاة ملاكم بعد أسبوع من فوزه باللقب الذهبي لرابطة الملاكمة العالمية    القضاء يدين محمد أوزال ب3 سنوات ونصف حبسا نافذا    الكعبي ينهي سنة 2024 ضمن أفضل 5 هدافين في الدوريات العالمية الكبرى    عملية أمنية تنتهي بإتلاف كمية مخدرات بوزان    المغرب داخل الاتحاد الإفريقي... عمل متواصل لصالح السلم والأمن والتنمية في القارة    حملة مراقبة تضيق الخناق على لحوم الدواجن الفاسدة في الدار البيضاء    قوات إسرائيلية تقتحم مستشفى بشمال غزة وفقدان الاتصال مع الطاقم الطبي    تأجيل تطبيق معيار "يورو 6" على عدد من أصناف المركبات لسنتين إضافيتين    الداخلة : اجتماع لتتبع تنزيل مشاريع خارطة الطريق السياحية 2023-2026    غزة تحصي 48 قتيلا في 24 ساعة    "العربية لغة جمال وتواصل".. ندوة فكرية بالثانوية التأهيلية المطار    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    ارتفاع ليالي المبيت بالرباط وسط استمرار التعافي في القطاع السياحي    اليابان.. زلزال بقوة 5.1 درجة يضرب شمال شرق البلاد    خبراء "نخرجو ليها ديريكت" يناقشون موضوع مراجعة مدونة الأسرة    حصيلة الرياضة المغربية سنة 2024: ترسيخ لمكانة المملكة على الساحتين القارية والدولية    حجم تدخلات بنك المغرب بلغت 147,5 مليار درهم في المتوسط اليومي خلال أسبوع    مطالب بإنقاذ مغاربة موزمبيق بعد تدهور الأوضاع الأمنية بالبلاد    ترامب يطلب من المحكمة العليا تعليق قانون يهدد بحظر "تيك توك" في الولايات المتحدة    فرح الفاسي تتوج بجائزة الإبداع العربي والدكتوراه الفخرية لسنة 2025    مجلس الأمن يوافق على القوة الأفريقية الجديدة لحفظ السلام في الصومال    عائلة أوليفيا هاسي تنعى نجمة فيلم "روميو وجولييت"    دراسة: أمراض القلب تزيد من خطر اضطراب الخلايا العصبية    مبادرة مدنية للترافع على التراث الثقافي في لقاءات مع الفرق والمجموعة النيابية بمجلس النواب    استثناء.. الخزينة العامة للمملكة توفر ديمومة الخدمات السبت والأحد    وفاة زوج الفنانة المصرية نشوى مصطفى وهي تناشد جمهورها "أبوس إيديكم عايزة ناس كتير تيجي للصلاة عليه"    البرازيل: ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار جسر شمال البلاد إلى 10 قتلى    اقتراب مسبار "باركر" من الشمس يعيد تشكيل فهم البشرية لأسرار الكون    يامال يتعهد بالعودة أقوى بعد الإصابة    المدونة: قريبا من تفاصيل الجوهر!    2024.. عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية بين المغرب وقطر    استهلاك اللحوم الحمراء وعلاقته بمرض السكري النوع الثاني: حقائق جديدة تكشفها دراسة حديثة    الثورة السورية والحكم العطائية..    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رأي : الهويّة الوطنية وإحتفاليّات السّنة الأمازيغيّة الجديدة

أشرف"مركز الديمقراطية المشتركة من أجل الديمقراطية والسّلم" يومي 9 و10 يناير2016 الفارطين بمدينة مكناس على تنظيم إحتفاليات بمناسبة حلول السنة الأمازيغية الجديدة (2966)، أو السنة الفلاحية، الجديدة أو يوم الأرض تخللتها تقديم أشرطة سنيمائية ووثائقية ذات أبعاد تاريخية، وثقافية،وإبداعية ،وإقامة حفلات موسيقية شاركت فيها فرق مغربية، وجزائرية، ومكسيكية ،وإختتمت هذه الإحتفاليات بإطلاق الشّهب الإصطناعية فى الساحة الإدارية الشاسعة بالعاصمة الإسماعيلية الفيحاء.
هذا كما نُظِّمت موازاة مع هذه الإحتفالات ندوة فكرية حول موضوع "الهويّة بين الكونيّة والخصوصّية" (تشرّفتُ بحظوة المشاركة فيها) ، وكانت هذه الندوة عبارة عن لقاء مفتوح تخلله حوار ثريّ بين صفوة من الباحثين الأكاديميين، والأساتتذة الجامعيين، ونخبة من الإعلاميين والفاعلين المدنيين عرفت مداخلات متنوّعة حول المواضيع التي لها صلة من بعيد أو قريب بموضوع " الهويّة" المغربية بين الكونية والخصوصية" على إمتداد التاريخ. ومن أبرز المحاور التي عالجتها هذه الندوة مكونات جذورالهوية ومعطياتها ومقوماتها ، وتجلياتها، فضلا عن العلاقات التي تربط بين هذه المكونات ، وحدود التعايش أو المواجهة بين مرجعياتها القديمة والجديدة، والأدوار التي تضطلع بها مقاربات تعدّد مقوّمات الهوية المغربية الحقوقية، والاجتماعية، والدينية .كما عالجت الندوة وظائف التعدد اللغوي ،وصلة كل هذه المعطيات بوسائل الإعلام ومؤسسات التنشئة الاجتماعية على إختلافها، ودور المتخصّصين من الأكاديميين، والباحثين والفاعلين المدنيين في صياغة مقاربات، بين مختلف القضايا التي تثار حول إشكالية الهويّة والذاكرة المشتركة ،وسبر آفاق المستقبل، والرّؤى الإستشرافية والإنفتاحية والفكرية والمنهجية لهذه الهوية.
السّنة الأمازيغيّة 2966
ترجّح معظمُ المصادر، والمراجع، والمظانّ أنّ كلمة " أمازيغي" تعني الرّجل الحرّ أو النبيل ،ويؤكّد "الحسن بن محمد الوزّان" المعروف ب "ليون الأفريقي" صاحب كتاب "وصف إفريقيا"،وسواه ذات المعنى كذلك ، وبذلك تكون لفظة "الأمازيغ" تعني (الرّجال الأحرار أوالنبلاء )، وهم مجموعات سكنية تقطن المناطق الممتدّة بين واحة سيوة (غربي مصر) شرقاً ،إلى المحيط الأطلسي غرباً، ومن شمال البحر الأبيض المتوسط، إلى جنوب الصّحراء الكبرى ، وقد إحتفل الأمازيغ يوم 13 ينايرالجاري2016، فى مختلف هذه الضّيع ،والأرباض، والمناطق، والنواحي، والجهات، والبقاع، والأصقاع بهذا اليوم الموافق لفاتح السنة الأمازيغية الجديدة التي تصادف هذا العام الذكرى 2966، وحسب جلّ الرّوايات فإنّ هذا االإحتفال يُقرن بانتصار الأمازيغ، بقيادة ملكهم "شيشنق" أو "شيشونغ" على فرعون مصر عام 950 قبل الميلاد. ولطقوس ومظاهر هذه الإحتفالات صلات وثقى،وعلاقات وطيدة بخصوبة الأرض، وتطلّع الأمازيغ بأن تكون السّنة الأمازيغية الجديدة سنة فلاحية،خصبة،خيّرة،جيّدة ،معطاءة حافلة بالمنتوجات،والخيرات التي كا ن لها دائماً إرتباط وثيق بالأرض، ومن ثمّ ينبع حبّهم للأرض،ويتولّد تشبّثهم بها ، ودفاعهم عنها، كباقي السكّان من مختلف الأجناس، والأعراق، والإثنيات فى مختلف أنحاء المعمور.
ويشيرالأستاذ حسن إدبلقاسم، الخبير السابق لدى الأمم المتحدة حول حقوق الشعوب الأصلية:" أنّ طقوس إحتفالات الأمازيغ برأس السنة الأمازيغية لا يزال محتفظا بها في كلّ من المغرب، وبقيّة بلدان شمال أفريقيا وغربها، وفي موريتانيا، ومالي، والساّحل، حيث يوجد الطوارق، إضافة إلى نيجيريا". فى حين يرى الأستاذ محمد حنداين، رئيس كونفدرالية الجمعيات الأمازيغية في المغرب (غير حكومية) :" أنّ الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة يدخل ضمن أساليب النضال الأمازيغي من أجل إقرار الحقوق الأمازيغية، لأنّ الاحتفال بالسنة الأمازيغية هو أحد الرّموز الأساسية التي إستثمرها المناضلون الأمازيغ لإبراز هويّتهم". ويشير الأستاذ سعيد أهمان ضمن تحقيق نشرته جريدة" القدس العربي" اللندنيّة مؤخّراً حول هذا الموضوع أيضاً :"أنّ معظم الباحثين يرجّحون أنّ "شيشنق" تمكّن من الوصول إلى الكرسي الفرعوني بشكل سلمي في ظروف مضطربة بمصر ، حيث إستعان به مصريّون قدماء ضدّ الاضطرابات التي عمّت مصرَ القديمة جرّاء تنامي سلطة العرّافين والكهنة". هذا وتجدر الإشارة فى هذا الصدد أنّ أمازيغ المغرب ما إنفكّوا بالفعل يطالبون الحكومةَ بإلحاح فى مطلع كلّ سنة أمازيغية، و فى كلّ مناسبة لإقرار يوم فاتح السنة الأمازيغية من كلّ حَوْل يومَ عطلة رسمية مُؤدّى عنها وذلك تناغماً، وتماشياً،وإنسجاماً مع إعتراف الدستور المغربي (2011) باللّغة الأمازيغيّة كلغةٍ رسميّةٍ للبلاد إلى جانب اللغة العربيّة.
هويّة المغرب وتراثه
وتمشياً مع هذا السياق يؤكّد الدّارسون أنّ هويّة المغرب وتراثه العريق مستوحيان من ينابيع مغربية أصيلة، وروافد وافدة متداخلة متعدّدة، وإن إختلفت مصادرها، وينابيعها،وتباينت لغاتها وألسنتها بين ،فقد إنبثقت مقوّمات الهويّة الوطنية المغربيّة الموحّدة التي تلاحمت وإنصهرت فى بوتقةٍ فريدةٍ مميّزة متماسكة بكلّ مكوّناتها، الأمازيغيّة ، والعربيّة، والصّحراوية، والحسّانية الإسلاميّة، الغنيّة بروافدها الإفريقية، والأندلسيّة، والعبريّة، والمتوسطيّة وما فتئت العديد من النصوص، والوثائق، والمظانّ، وأمّهات الكتب والمخطوطات، والأشعار، والآداب، والفنون، والعلوم التي أبدعها كتّاب، وفلاسفة، وعلماء، و شعراء، ومؤلفون مغاربة أقاموا واستقرّوا، أو ولدوا وترعرعوا، فى هذا الرّبع القصيّ الجميل الكائن فى الشمال الغربي الإفريقي ، إلى جانب المعالم التاريخية، والمآثر العمرانية، والقلاع الحصينة، والدّور،والقصور،والجوامع والصوامع، والبساتين الفسيحة، والحدائق الغنّاء التي تبهر الناظرين ، فضلا عن العادات والتقاليد المغربية الحميدة التي تأصّلت في أعراف وذاكرة الشعب المغربي في مختلف مناحي الحياة، كلّ ذلك ما زال شاهدا إلى اليوم على مدى الأوج البعيد الذي أدركه الإشعاع الحضاري فى هذا البلد. فهذا الغيث الفيّاض المنهمر والمتنوّع من الإبداعات الرفيعة في مختلف الميادين لا يمكنه أن يحيا وينمو و يزدهر من لا شئ، أو داخل حدود ضيّقة أومنغلقة، بل إنّه ظهر وترعرع وإزدهر ووقف مشرئبّاً إعتماداً على نبعه الأصيل، وإغترافاً من معينه الأوّل وهو تاريخ المغرب التليد، وتراثه العريق ، وموروثاته الحضارية ذات الّرّوافد الثقافية المتعدّدة والمتنوّعة الثريّة التي تكوّن فى آخر المطاف هويّة وطنيّة"مغربية" موحّدة متماسكة بتفاعلها فيما بينها تاريخاً، وثقافة،وتراثاً، ولغة، وتجانساً، وتمازجاً ، بحيث لا نسطيع فصل جانب منها عن الآخر،أو تجاهل مكوّن منها عن باقي مكوّناتها الأخرى التي تفاعلت فيما بينها على إمتداد االحقب التاريخية المتفاوتة والمتعاقبة .
هذه الأعراق، والإثنيات،والجذور البشرية عاشت،وتعايشت، وتمازجت، وتفاعلت فيما بينها فى تكامل وإسجام بعد أن عرفت مزجاً، وتلاحماً فيما بينها فى الوجد والوجدان، واللغة والبيان، والقلب واللسان، الشئ الذي يكوّن الصّورة الأكمل، والوجه الأمثل للهوية الوطنية فى هذا الشقّ من العالم،التي تقوم على التوازن الروحي والفكري والنفسي والثقافي واللغوي فى آن واحد، وكلّ تجزيئ أو تفتيت أو إنتقاص من هذه الهوية هو تشويه، أو إختزال وإختلال لها،قد يزجّ بها فى خطل أو شطط التباهي بالعرقية، والإنتقائية التي لا تفضي سوى إلى التجزيئ، والإنفصام، والضعف، والوهن،والتجنّي، والتيه،والضياع، والإرتماء أوالتمرّغ فى غمر ما أمسى يطلق عليه البعض ب"أزمة هوية" أو" إشكالية هويّة" تجعل أصحابها وذويها يتغنّون بعيداً عن سرب الإجماع بنغمة إنعزالية متفرّدة.
حلقة وصل وملتقى الحضارات
بحكم موقعه الجيوستراتيجي المتميّز كحلقة وصل، وآصرة وثقى، وملتقى الحضارات بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب يعتبر المغرب من البلدان التي حباها الله تعالى موقعا ممتازا على الصعيد الجغرافي، ممّا هيّأ لها أن تقوم بدور تاريخي وحضاري وثقافي مرموق فى الشمال الغربي الإفريقي.،الشئ الذي هيّأ له التميّز بهويّة يطبعها التعدّد والتنوّع والغنى والثراء.
تميّز منذ أقدم العهود السحيقة بتعدّد حضاري و تنوّع ثقافي ثريّ ، حيث تعاقبت عليه،وظهرت على أديمه - مثله مثل سائر جاراته البلدان المغاربية الأخرى- دول، وحضارات، وثقافات قديمة على إمتداد التاريخ ، منها الحضارات الفينيقية، والبونيقية، والموريطانية، والرّومانية،وصولاً إلى الفترة الإسلامية التي تميّزت بإعتناق ساكنة هذه البلدان للإسلام. ويشير العلاّمة الكبير المؤرّخ المرحوم عبد العزيز بنعبد الله - فى حالة المغرب على وجه الخصوص- إستناداً إلى مؤرخين ثقات من أمثال ابن خلدون،وابن الخطيب، والبكري،وسواهم :" أنّ الحِمْيرييّن بقيادة صالح بن منصور الحِمْيَري هم مَنْ نشر الإسلامَ بين الأمازيغ في منطقة الرّيف المغربي وأقاموا إمارة نكور أو إمارة بني صالح ، وكانت بالتالي هي أوّل إمارة إسلامية ظهرت فى المغرب سنة 710م ببلاد الرّيف " . ثم أسّست بعد ذلك أيّ بعد إنصرام 78 سنة من هذا التاريخ دولة الأدارسة سنة 788م. وكان مؤسّس هذه الدّولة - كما هو معروف- هو المولى إدريس الأوّل ابن عبد الله، الذي حلّ بالمغرب الأقصى وإستقرّ بمدينة وليلي الرّومانية المعروفة باللاّتينية : ب (Volubilis) والتي ( تقع بالقرب من مكناس بين فاس والرباط ) حيث إحتضنته قبيلة آوربة الأمازيغية، ودعمته حتى أنشأ دولته. ومعروف كذلك أنّ دولاً أخرى تأسّست قبل وصول الإسلام إلى هذه الرّبوع من أمثال (نوميديا ،موريتانيا، تنجيس )،وتعاقبت على المغرب بعد كلٍّ من إمارة بني صالح بالنكور،بالريف ، والأدارسة بوليلي بالتوالي دولُ المُرابطين، والمُوحّدين، والمَرينييّن، والسّعديين، وصولاً إلى الدولة العلوية الحالية.
الهويّة وتعدّد الإثنيات
المغرب بلد متعدّد الأعراق والإثنيات،ولكنه صاحب (هويّة) موحّدة، وهو يزخر بثقافة متنوّعة، وحضارة ثريّة. تمتدّ جذورها فى عمق تاريخه الطويل، بالإضافة إلى سكّانه الأصليين من الأمازيغ ، فقد توافدت عليه العديد من الهجرات المتوالية القادمة من المشرق، ومن جنوب صحراء إفريقيا، ومن الشّمال، وكان لكلّ هذه المجموعات والفئات البشرية أثر كبيرعلى التركيبة الإجتماعية للمغرب التي عرفت معتقدات سماوية منذ أقدم العهود ، كاليهودية، والمسيحية، وأخيرا الإسلام. ولكلّ منطقة من المناطق المغربية خصوصيّاتها التي تتميّز بها عن سواها من المناطق الأخرى، وقد أسهمت هذه الخصوصيّات في صنع فسيفساء الثقافة المغربية، ووضع الإطار المتميّز والمتنوّع للإرث الحضاري المغربي،الذي أصبح ذا طابع معروف فى العالم أجمع.
للتنوّع الثقافي والحضاري المغربي خصوصيّات ، وعناصر متعدّدة مكوّنة لنسيجه الإجتماعي على إختلاف مناطقه وجهاته، ومن أبرز هذه المكوّنات والعناصرالتي تطبع هذه الأنسجة الحضارية الثريّة ذات الألوان الفسيفسائية المتنوّعة العنصر البشري ،واللغوي، والثقافي ،حيث تنطوي تحت هذه العناصر برمّتها مكوّنات فى العديد من المظاهر الثقافية والحضارية التي تطبع المغرب بطابع خاص ومميّز.
ويرى البعض أنّ المغرب يُعتبر دولة أمازيغية- عربية . ويصرّ آخرون بإلحاح على الهويّة الأمازيغية - الإفريقية للمملكة المغربية ،وهم محقّون فى ذلك، ويعترف المغاربة بالهويّة الأمازيغية للبلاد، بإعتبارهم السكّان الأصليّون فى بلدان الشمال الإفريقي بما فيه المغرب، إنطلاقاً وتأسيساً على التاريخ، والثقافة، واللغة،والعرق،والجنس، والعادات، والتقاليد، والموروثات المتعاقبة فى مختلف المجالات، كلّ أولئك يكوّنون الهويّة التي تميّز كلّ منطقة عن أخرى .فعلى الرّغم من أنّ الأمازيغ قد إعتنقوا الإسلام،وتعلّموا اللغة االعربية وأجادوا وألّفوا وأبدعوا فيها إبداعاً عظيماً، إلاّ أنهم متشبّتون بهويّتهم ، ومتمسّكون بتاريخهم الزّاخر،وذاكرتهم الجماعية المتواترة، وفخورون بإرثهم الثقافي المتنوّع ،ومحافظون على تقاليدهم ،ولغتهم وعاداتهم، وأمثالهم، وأشعارهم، وأغانيهم، وحِكَمهم، وفنونهم، وعوائدهم التي يتباهون بها، ويتغنّون فيها بالحياة الكريمة،والحريّة، والكرامة. ولذلك يُعتبر الأمازيغ عنصراً أساسيّاً، ومكوّناً رئيسيّاً للبلاد على إمتداد القرون ، ويعترف الدستور المغربي فى الوقت الرّاهن بالعربية والأمازيغية كلغتتين رسميتين للمغرب، ولقد إستعملت لغة الضّاد بدون إنقطاع فى مختلف مناطق المغرب وأرجائه فى الفقه،والتشريع،والأحوال الشخصية، والتدريس، والتأليف، والتدوين، والتصنيف، وفى مختلف فروع وحقول العلوم على تباينها ، فضلاً عن إستعمالها فى الإدارات،والبلاطات على إمتداد العهود التي تعاقبت على تاريخ المغرب منذ الفتح الإسلامي إلى اليوم .
العربيّة واللغات الأخرى
الدّفاع عن اللغة العربية لا ينبغي أن يثنينا أو يبعدنا عن العناية، والإهتمام، والنّهوض، والدّفاع كذلك بشكلٍ متوازٍ عن عناصر هامّة، وأساسيّة أخرى فى المكوّنات الرئيسية للهويّة الوطنية فى هذا البلد وهي اللغة الأمازيغية، وفى حالة البلدان المغاربية على سبيل المثال ، فإنّ اللغات الأمازيغية الأصليّة فيها قد تعايشت مع لغة الضّاد منذ وصول أو دخول الإسلام إلى هذه الرّبوع والأصقاع،فى مجتمعات تتّسم بالعدّد، والتنوّع، والإنفتاح ،ليس بين لغاتها ولهجاتها الأصلية المتوارثة، بل وحتى على اللغات الأجنبية الأخرى كالفرنسية، والإسبانية ،والإنجليزية،والبرتغالية، والإيطالية وسواها،كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وحسبي أن أشير فى هذا الصّدد إلى التعايش المتناغم الذي كان قائماً بين هذه اللغات برمّتها،والذي لم يمنع أبداً فى أن يكون هناك علماء أجلاّء فى هذه اللغة أو تلك من مختلف جهات ومناطق هذه البلدان، وكان الإنسان "العربيّ" فى هذا السياق يفتخر، ويتباهى ،ويتغنّى بأمجاد إخوانه من البربرالأمازيغ ، والعكس صحيح، قال قائلهم :
(وأصْبَحَ البِرّ مِنْ تِكْرَارِهِ عَلَماً / عَلىَ الخَيْرِ وَالنُّبْلِ والمَكْرُمَات).
فالبِرّ(بكسر الباء) الذي يعني الخيرَ والإحسان والنّعمة والبركة إذا كُرّر أصبح (برّبرّ). ولم يتورّع شيخ علماء الإجتماع والتاريخ فى العالم عبد الرحمن ابن خلدون من أن يدبّج بهذه الكلمة كتابَه الكبير الذي ضربت شهرته الأطناب وهو المعروف ب " المقدّمة" فأسماه : " كتاب العبر، وديوان المبتدأ والخبر، في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر" .
التاريخ لا يُقرأ في هنيهة
الحديث عن الهوية الوطنية والتعدّد الثقافي والتوّع الحضاري فى المغرب يحلو و يطول، والتاريخ لا يقرأ في هنيهة، إنّ الزّائر الذي يأتي لبلادنا يلمس التاريخ حيّا نابضا قائما في كل مظهر من مظاهر الحياة ، دراسة هذا التاريخ، و التعمّق فيه و إستخراج العناصر الصالحة منه أمر لا مندوحة لنا عنه،وهو أمر ينبغي ان يولى أهميّة قصوى ،وعناية فائقة ،وتتبّعا متواصلا من طرف الدّولة والخواصّ ، ومن لدن مختلف الجهات العلمية والتاريخيىة التي تُعنى بهذه المواضيع للتعريف بهذه الذخائر، ونشر الوعي وتأصيله بشأنها لدى أبناء جلدتهم ليكون المستقبل الذي يتوقون إليه مستقبل رقيّ وأوجٍ،وإشراقٍ وتلاقٍ بين ماض عريق، وحاضر واعد ، ولعمري إنّ لفي ذلك تجسيدا وتجسيما للعهود الزاهرة التي عاشها أجدادنا على إمتداد العصور الحافلة بالعطاء الثرّ ، والتعايش والتسامح، والإشعاع الثقافي والعلمي الباهر الذي شكّل وما يزال جسرا حضاريا متواصلا بين الشرق والغرب، وبين مختلف الأجناس، والإثنيات ،والملل، والنحل، والديانات فى هذا الصّقع القصيّ الجميل من العالم الذي نطلق عليه "المغرب" .
ومن العلامات المضيئة لهذا الإنفتاح والتنوّع الحضاري، والتبادل الثقافي والتثاقفي العديد من العلماء والمفكرين والفلاسفة والشعراء والفنانين والموسيقيّين الذين عاشوا فى الأندلس ثم إنتقلوا إلى المغرب و العكس صحيح ، والأمثلة كثيرة وافرة، والأسماء لا حصر لها فى هذا القبيل، وحسبنا أن نشير فى هذا المقام إلى إسمين بارزين فى التاريخ المشترك للمغرب والأندلس، وهما الفيلسوف الجهبذ، الفقيه العلاّمة إبن طفيل صاحب " حيّ ابن يقظان"، وتلميذه النجيب قاضي إشبيلية ،وعالمها، وطبيبها، وفيلسوفها الذائع الصّيت أبو الوليد محمّد بن رشد اللذين إستقبلتهما مراكش بحفاوة منقطعة النظير ، وبوّأتهما أعلى الأرائك، وأرقى المراتب، وملكتهما من أعنتها وقيادتها فاستطاب لهما العيش فيها واسترغداه، وأصبحا صاحب الأمر فى البلاد، ولقد وافتهما المنية فى هذه المدينة الحمراء .
والخلاصة، فإنّه فى بلدٍ مثل االمغرب، لا يمكن تقوية الحوار ، وإحترام التنوّع الثقافي، والتعدّد الإثني،كما لا يمكن لهما أن يصبحا واقعاً حقيقياً ملموساً على الصعيدين المحلّي،والعالمي إلاّ إذا أمكن تبنّي مبدئيهما، وترسيخهما، وفسح المجال لتحقيق أهدافهما،ومراميهما النبيلة من طرف كلّ مواطن،ومواطنة. و ذلك إنطلاقاً من الموروثات التاريخية المتعدّدة العريقة والأصيلة فيه، وَصَوْن هويّته العريقة القائمة على تواصل التفاعل الإيجابي، وتجدّده بين مقوّمات الوحدة والتنوّع، والمزج والتآلف بين روافد،ومنابع ،ومناهل هذه الهويّة ، والتشبّث بالقيم الإنسانية والكونية.وترسيخ ميثاق حقيقي لضمان وتأكيد الحقوق،وتبيان الواجبات، وتأصيل الحريّات الأساسية،والتشبّث بقيم،ومبادئ الإنفتاح، والإعتدال،والتسامح،وتأصيل الإحترام المتبادل بين الأفراد والجماعات، ونشر الحوار، والتفاهم المتبادل بين مختلف الثقافات، والحضارات الإنسانية، فضلاّ عن تلاحم وتنوّع مقوّمات الهويّة الوطنية الموحّدة،وانصهار،وتمازج كلّ مكوّناتها، الإسلامية الغربية،والأمازيغية الأصيلة، والصّحراوية الحسّانية، الثريّة بروافدها، ومنابعها الأفريقية، والأندلسية ، ومن فيض مختلف روافد ،وينابيع حضارات، وثقافات حوض البحر الأبيض المتوسّط.
يحتّم علينا واقعنا المُعاش فى الوقت الرّاهن المزيد من التعارف، والتآلف، والتقارب، والتداني، والتصالح، والتصافح، والتكتّل والإندماج،وإقصاء،ونبذ،وتجاوز كلّ منظور فكري ضّيق،ومعتم يعتبر المجتمعات مجرّد دول،وشعوب، وجماعات، وأجناس، وإثنيات،متفرّقة، مشتّتة، متباعدة، متنابذة، تتعايش، وتتبارى، وتتنافس فيما بينها، والتّوْق إلى تبنّي،وإقرار،وتأصيل،وتأثيل،وترسيخ،وتأكيد مفهوم أوسع فضاءً، وأنجع ثراءً،وأفسح معنىً ،وأكثرشمولية،وأجدى إيجابية يجعل من هذه الشعوب ،والمجتمعات، والجماعات، لبناتٍ ثابتة،وجذوراً راسخةً، ومتنوّعة لكيانٍ واحدٍ مشتركٍ، ومتماسكٍ، قائمِ الذّات،تتجلّى، وتتبلور،وتتجسّم فيه أحلى، وأجلى،وأرقى،وأنقى، وأبهى،وأروع معاني الإنسانية، والتوحّد،والشمول،دون التهميش،أوالتناسي،أوالتفريط قيد أنملة فى الحقوق المُصانة.. والمطالب المشروعة لأيِّ مكوّنٍ من هذه المكوّنات الأساسيّة برمّتها لهويّتنا الوطنية التي بدونها، ولولاها لأنفرط العِقدُ، وتناثرتْ حبّاتُه، ولتهاوىَ الصَّرْحُ، وإنشرخت لبناتُه.
محمد محمد للخطابي / عضو الأكاديمية الإسبانية - الأمريكية للآداب والعلوم - بوغوطا- (كولومبيا) .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.