تمت في مدينة الناظور إعادة دفن الستة عشر جثة التي تم اكتشافها في المقبرة الجماعية بثكنة الناظور يوم 28 فبراير 2008 وسط تعتيم إعلامي وسياسي، ودون استحضار الفعاليات الحقوقية والجمعوية والسياسية الريفية، وبذلك أعلن المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان عن طيه لملف أحداث الريف لسنة 1984 بشكل نهائي، إلا أن المشكل والجدال لا زال قائما حول العدد الحقيقي للضحايا المصرح به، وحول الطريقة التي تدار بها عملية جبر الضرر الجماعي التي ليست سوى ذر للرماد في عيون الريف والريفيين، فجبر الضرر في نظرنا لا يمكن أن يكون إلا باعتذار رسمي للدولة عما حدث، وكشف كامل الحقيقة، ومحاكمة الجلادين المتورطين في الأحداث الدامية التي شهدها الريف، وحفظ الذاكرة، وتقديم ضمانات دستورية وقانونية للريفيين لأجل عدم تكرار ما جرى، وتنمية الإنسان ذاتا وهوية..... ولتسليط بعض الأضواء حول أحداث الريف نعيد نشر المقال أسفله الذي نشرته أسبوعية الرقيب منذ حوالي سنة الريف بعد نصف قرن من انتفاضة 1958/59 وربع قرن من انتفاضة 1984 ضحايا كثيرة في الانتفاضتين والعدد الحقيقي لا زال مجهولا !!! عملت الدولة المغربية بمختلف أجهزتها الأمنية والاستخباراتية ، وبتنسيق مع الهيئات المدنية التي لا تتردد في الولاء الأعمى للدولة منذ استقلال المغرب الى حدود اليوم على احتكار كل المعلومات المتعلقة بقضية الريف في علاقته مع المخزن، وأدى هذا الإحتكار المزدوج إلى عدم فهم الانسان الريفي لتاريخه خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار الأحداث التاريخية التي واجه فيها أبناء الريف الدولة في صراع غير متكافئ بين الجيش النظامي المسلح والريفيين العزل، فالدولة المخزنية لا زالت تعتبر أن الشعب ليس إلا رعية لا حق له في المعلومة ولا الخبر – باستثناء تمرير خطاباتاتها المملة- ، ولا تعتبره مواطن له الحق في المعلومة والإخبار والمشاركة في الشأن العام باعتباره المعني الأول والأخير، وهذا ما أدى إلى عدم فهم مجريات الأحداث التاريخية الريفية في المغرب المعاصر بدءا بأحداث 1958-1959 مرورا بسنوات الرصاص في الستينات والسبعينات وصولا إلى انتفاضة الخبز في يناير 1984، حيث ظل المواطن الريفي بمنأى عن القرارات التي تتخذها الدولة وإن كانت تهم الريف. لذلك لا نستغرب من وجود ريفيين ينكرون ما حدث لأجدادهم من قتل واغتصاب واختطاف، بل يباركون سياسة الدولة المخزنية التي تعيد الريف إلى الوراء ويبطبلون ويغيطون لأية مبادرة مخزنية تخلط الحابل بالنابل لأجل عدم فهم ما جرى... السياق العام لأحداث 1958-1959 بالريف مباشرة بعد الاستقلال الشكلي للمغرب بعد مفاوضات "إيكس ليبان" التي دارت بين من كانوا يسموا أنفسهم بالحركة الوطنية وأنهم الممثلون الشرعيون للشعب المغربي، وفرنسا الاستعمارية التي مرغ الريفيون كرامتها في التراب، وكانت على مرمى حجر من الانسحاب نتيجة المقاومة الشرسة التي قام بها رجال جيش التحرير المستجيبون لنداء الأمير مولاي موحند بن عبد الكريم الخطابي الذي دعا إلى ضرورة مواصلة العمل المسلح إلى غاية الاستقلال التام، مما دفع بالفرنسين إلى البحث عن طرق أخرى للانسحاب الفوري مع ضمان الحفاظ على مصالحهم بالمغرب. يحكي المهدي المنجرة في إحدى محاضراته عن استعداد هؤلاء الانتهازيين للعمالة مع الفرنسيين حين ذكر بقصة ذلك الفقيه الذي اعتصم مطالبا مقابلة المقيم العام الفرنسي ليقول له ما معناه :"ارحلوا مرتاحين ...فقد وجدتم هنا جيلا هو أكثر استعدادا للحفاظ على مصالحكم أكثر مما تفعلون بأنفسكم". وهنا وجدت القوى الاستعمارية من يفهم لعقليتها ومن يحافظ على مصالحها بفن السياسة الذي ليس للريفيين فيه من نصيب لعدم استيفائهم لشرط سوء النية اللازم لممارسة الاستيلاب والبغي ، وضمن مراسيم تسليم "المهام القذرة" كان الريفيين يعيشون أسوأ فترات تاريخهم، حيث كانت منطقة الريف تعاني من الفقر والمآسي الشيء الذي دفع بآلاف المواطنين إلى الهجرة إما لأقصى الشمال الغربي (طنجة) وإما في اتجاه الجزائر، وعوض أن يأتي الاستقلال الذي ناضلت الجماهير لأجله بانفراج ما في الوضعية أتى ليعمق الأزمة أكثر ، كان الاستقلال يعني من ضمن ما يعنيه غلق الحدود مع الجزائر وتقنين هجرة العمال، وبعد رحيل المستعمر وبعد سنتين من الجفاف كانت العاصفة في هذه المنطقة حيث كان الاقتصاد مرهونا إلى حد بعيد بعائدات الهجرة إلى الجزائر (أنظر في هذا السياق : دوغلاش أشفورد "التطورات السياسية في المملكة المغربية" – الطبعة العربية-) وكانت الدولة قد فرضت رسوم ثقيلة على الفلاحين الصغار وضرائب على الممتلكات الشيء الذي خلق استياءا عميقا في نفوس الريفيين، وما زاد الطين بلة هو اتخاذ الدولة من اللغة الفرنسية لغة الإدارة والمدرسة إلى جانب العربية،مما أثر على مناصب العديد من الريفيين حيث تم طردهم من مهامهم مباشرة بعد الاستقلال لا لشيء إلا لأنهم يتكلمون العربية أوالأمازيغية والاسبانية، ولا يتكلمون الفرنسية، وهذا ما عمق الأزمة والإحساس ب"الحكرة" أكثر، وعدم الرضا عن زمن الاستقلال. فقد خاب ضنهم في الأحزاب السياسية وفي الحكومة المغربية التي لم يحصل فيها الريفيون ولو على منصب عامل الإقليم، ويؤكد "محمد نرحاج سلام أمزيان" أنه حينما غادر السجن ووصل إلى الريف، وجد الريفيين على وشك الانفجار بسبب إجحاف الإدارة وسياسة الإقصاء المتعمدة من طرف الحكام الجدد. ويقول واصفا تلك الظروف الحرجة: " لقد وجدنا أن كل الملابسات تدعونا للقيام بهذه الحركة لإنقاذ الريف،وإلا فسوف لن يرحمنا التاريخ والأجيال الصاعدة". كان القيام بالحركة معناه رسم طريقها وتقديم مطالب الريفيين الى القصر، وهي المطالب المستعجلة التي لخصها الأنتروبولوجي الأمريكي الشهير "دافيد مونتغومري هارت" الذي عاين كل مراحل الانتفاضة عن قرب إبان تواجده في الريف في تلك الفترة، في ثمانية عشر مطلبا من بينها تأسيس حكومة وحدة وطنية تمثل كل الجهات المغربية وضرورة عودة محمد بن عبد الكريم الخطابي وعائلته إلى أرض الوطن، وإقامة نظام ديمقراطي يحقق رغبات الشعب في ميادين الاقتصاد والسياسة والتعليم وغير ذلك، وقد رفعت هذه المطالب التي سميت آنذاك بالمطالب المستعجلة إلى السلطان في الأسبوع الثاني من شهر نوفمبر سنة 1958،لكن الحكومة المركزية عوض أن تعمل على إيجاد حل لتلك القضايا السياسية ذات البعد الوطني السيادي، وعدت بإرسال كميات من الطحين إلى السكان وكأن المطالب كانت "بطنية" وليست "سياسية"، كانت عريضة المطالب واسعة ولائحة الأهداف أوسع غير أن الضغط العسكري والتسرع الداخلي أديا إلى النتيجة المعروفة. فبعد استمرار الريفيين في اتخاذ أسلوب العصيان المدني كأسلوب راق في الاحتجاج في الوقت الذي كانت فيه السلطات المحلية تمطر القصر بالتقارير المحرضة، حاصر الجيش النظامي منطقة الريف جوا وبرا وبحرا مستخدما مختلف الآليات العسكرية والمعدات الحربية المتوفرة آنذاك ومارس أبشع أنواع القتل والتعذيب والاختطاف في حق الريفيين العزل، وعرفت المواجهات بين الجيش والمدنيين مقتل المئات من الريفيين. ومباشرة بعد هذا القمع الهمجي اضطرت الدولة إلى الانتقام من الريف عن طريق الحصار والتهميش والتهجير القسري لإفراغ المنطقة من طاقاتها المزعجة للنظام المخزني. أحداث يناير 1984 : قتل واغتصاب واعتقالات بالجملة عرف المغرب في بداية الثمانينات من القرن الماضي أزمة خطيرة شملت مختلف الميادين، خاصة في الميدان الاجتماعي والاقتصادي، حيث كان معظم سكان البلاد يعيشون في البوادي دون أدنى شروط العيش الكريم، وارتفعت نسبة البطالة بشكل مهول، وفي نفس الفترة انخفضت أسعار الفوسفاط في السوق الدولية، وسياسة الحسن الثاني التبذيرية في الصحراء أرهقت كاهل الدولة بسبب الانفاق الضخم على التسليح لأجل حرب الصحراء حيث كلفت مليون دولار يوميا، كما وصلت ديون المغرب الخارجية آنذاك 7.000 مليون دولار، كل هذه الأسباب جعلت البلاد تعيش أزمة اقتصادية لم يسبق لها مثيل مما دفع بالنظام إلى البحث عن سبل إعادة التوازن في الاقتصاد الوطني، فعمل على الرفع من أسعار المواد الغذائية الاستهلاكية التي بلغت لأول مرة في تاريخ المغرب زيادة 18% بالنسبة للسكر و 67%بالنسبة للزبدة، أما بالنسبة للغاز و الوقود فقد ارتفعت أثمنتهما بنسبة .20% أما بالنسبة لقطاع التعليم، فقد أضيفت رسوم جديدة للتسجيل، تمثلت في دفع 50 درهما بالنسبة للتلاميذ الراغبين في التسجيل بالبكالوريا، و 100 درهم بالنسبة للطلبة الجامعيين. هذا ما ألم بالشعب المغربي برمته،إلا أن إقليمالناظور أضيفت إليه أزمة أخرى، فاقتصاد هذا الإقليم مرتبط أساسا بالتهريب الذي يمر عبر مليلية، و الذي تستفيد منه جل العائلات الريفية بالناظور، إلى أن النظام فرض في سنة 1983 على الراغبين في الدخول لمليلية دفع مبلغ 100درهم بالنسبة للراجلين و 500 درهم بالنسبة لأصحاب السيارات، ثم حدث تغيير سنة 1984حيث تم تعميم مبلغ 100 درهم، و هو ما أدى إلى تطور سوء الوضع الاقتصادي بالإقليم. هذا الوضع هو الذي أدى في النهاية إلى تفجير الانتفاضة، بعد أن اتحد جميع المواطنين ضد هذه السياسة، حيث نزلت الجماهير الشعبية إلى الشوارع في مسيرات ألفية في مجموعة من أهم المدن منها الحسيمة و الناظور و تطوان و القصر الكبير و مراكش و وجدة، والتي كانت في البداية مظاهرات تلاميذية داخل أسوار المؤسسات التعليمية بالحسيمة احتجاجا على الزيادة الغير مبررة في رسوم التسجيل‘ إلا أن هجوم السلطات على هذه الحركات التلاميذية وقمعها واعتقال العديد من التلاميذ بدون أسباب منطقية جعل السكان يتضامنون مع التلاميذ فخرج الكل إلى الشوارع في مظاهرات ألفية ضد سياسة الحسن الثاني التي أرغمت الشعب على تحمل التبعات الاقتصادية لحرب الصحراء في ما يعرف ب سياسة التقويم الهيكلي، وقد شاركت كل فئات المجتمع في هذه المظاهرات تنديدا بالوضع الاقتصادي المزري، وعوض أن يعمل النظام آنذاك على البحث عن سبل إمتصاص الغضب الشعبي الذي بلغ أوجه في تلك الفترة فضل مواجهة الإحتجاجات بقوة الحديد والنار. و هذا ما أدى بتلاميذ ثانويات الناظور لأن يتظاهروا هم كذلك داخل مؤسساتهم منذ يوم17 يناير إلى غاية يوم الخميس 19 يناير ، و ذلك تضامنا مع ما تعرض له أبناء الحسيمة من قمع مخزني، إلى أن انتقلت المظاهرات إلى الشوارع حيث شارك فيها التلاميذ و الشغيلة وعرفت مشاركة ما يقارب 12.000 مواطن، وهو ما خلق تخوفات كبيرة لكل الأجهزة المخزنية، وااحتمالات أن تتحول كل الاحتجاجات إلى أعمال مسلحة خاصة وأن ملف انتفاضة الريف في نهاية الخمسينات كان لا زال ساخا. ولا بد من الاشارة في هذا المضمار إلى أن المنصوري بنعلي -حسب العديد من الشهادات- قدم للحسن الثاني تقريرا مما جاء فيه، أن هؤلاء المحتجون قاموا بإحراق العلم المغربي و رفعوا شعارات انفصالية و شعارات ضد النظام، و بأنها ستتحول لحركة مسلحة، و إذا ما ترك الأمر بدون تدخل رادع فإن الأمور ستنفلت إلى وضع محرج للدولة. وهذا ماجعل نظام الحسن الثاني الذي لم يكن يعرف سوى لغة الحديد والنار يشن حربا شرسة على سكان الريف العزل في الحسيمةوالناظور ومناطق أخرى، حيث عرف الريف انزال عدد كبير من القوات العسكرية وقامت بمحاصرة الريف من كل الجوانب فشرعت في إطلاق الرصاص بشكل عشوائي على المواطنين في الشوارع والأماكن العمومية بل إطلاق الرصاص على منازل المواطنين حسب ما ترويه الألسن لحد الآن. وسقط في تلك الأحداث أعدادا كثيرة من القتلى ، اعترف النظام ب 16 قتيل إلا أن جهات أخرى تتحدث عن ما يفوق ذلك العدد بكثير خاصة وأن ستين عائلة باتت تبحث عن ذويها الذين لم يظهر لهم أي أثر مباشرة بعد هذه الأحداث الدموية. ولا بد من التذكير أن القوات النظامية التي حاصرت الريف ارتكبت مختلف أنواع الجرائم في حق الساكنة من اغتصاب للنساء وبقر لبطون الحوامل منهن، وممارسة شتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي في حق العزل الذين تم اقتيادهم الى مختلف مراكز السلطة بالريف وهي مراكز كانت مخصصة للتعذيب كشف عنها المغتقلين السابقين الذين أفرج عنهم فيما بعد نذكر منها : كوميسارية الحسيمة كوميسارية الناظور مكان خاص للتعذيب أقيم قرب مطار الشريف الإدريسي بالحسيمة ثكنة القوات المسلحة بالحسيمة ثكنة القوات المسلحة بالناظور ثانوية الإمام مالك بالحسيمة (المعهد الديني سابقا) السجن المدني بالحسيمة السجن المدني بالناظور بعد القمع الذي تعرضت له المنطقة فرضت السلطات حضرا للتجوال على المواطنين، حيث كان يصعب على أي مواطن أن يخرج من مقر سكناه و إلا كان مصيره القتل، بقي الوضع على هذا الحال منذ انطلاق الانتفاضة إلى غاية 2 فبراير حيث قلت حدة الحضر إلى أن ارتفعت تدريجيا عن المنطقة. و فيما بين هاتين المدتين، قامت السلطات باعتقلات واسعة في صفوف المواطنين تميزت بالعشوائية أحيانا و بالانتقائية أحيانا أخرى، حيث كانت تقتاد هؤلاء إلى المراكز و يمارس عليهم مختلف أصناف التعذيب الجسدي و النفسي، و منهم من تجاوزت مدة احتجازه في هذه المراكز عدة شهور قبل أن يلتحقوا بالسجون بلا محاكمات أحيانا وبمحاكمات صورية أحيانا أخرى. تداعيات أحداث يناير 1984 مباشرة بعد ارتكاب النظام لهذه المجزرة الشرسة في حق الريف التي لا يبررها شيء ، خرج الحسن الثاني لاستكمال ما تبقى حين ألقى خطابا يوم 22 يناير 1984 يصف فيه سكان الريف بالأوباش والمهربين والفوضويين وما جاور ذلك، بل ويذكر الريفيين بما قام به في نهاية الخمسينات رفقة أوفقير في حقهم بقوله : " و سكان الشمال يعرفون ولي العهد، و من الأحسن أن لا يعرفوا الحسن الثاني في هذا الباب ". وبرر ما حدث بالريف ومناطق أخرى بالمؤامرة الخارجية حين قال : " لما كنت سنة 1981 على أهبة السفر إلى نيروبي وقعت أحداث الدارالبيضاء، فهل سمعتني أقول أنها مؤامرة و مؤامرة متعددة الأطراف ؟ و لكنني اليوم أقول أنها مؤامرة و مؤامرة متعددة الأطراف ". تعددت الأطراف هنا و لكن في تصريحات الحسن الثاني فقط، بل الغريب أن هذه الأطراف التي يزعم وجدناها لأول مرة تلتقي حول هدف واحد، و هو إفشال المؤتمر الإسلامي الذي تم انعقاده حينها بالدارالبيضاء - حسب زعم الحسن الثاني - ، و ذلك رغم أن هذه الأطراف المتآمرة تعادي بعضها البعض، و قد حددها في ثلاث، و هي : 1. الماركسيين اللينينيين : و يقصد بهم " منظمة إلى الأمام " يرغبون في فشل المؤتمر لأن أفغانستان حاضرة، حيث ستشرح للمؤتمرين الحالة التي يوجد عليها " الحكم الغاصب في أفغانستان " كما قال الحسن الثاني في خطابه. و قد اتهمهما لأنها وزعت بمراكش يوم الجمعة 6 يناير 1984 على نطاق واسع منشورا مما جاء فيه :" ليكن في علمنا أن الوضعية الراهنة المريرة ليست نتيجة لحرب الصحراء التي يشنها النظام الملكي المهزوم على الشعب الصحراوي البطل، و التي ذهب ضحيتها الآلاف من أبنائنا، و ليست نتيجة الجفاف كما يدعي الحسن السفاك، بل راجع إلى نهب خيراتنا من طرف الأمريكان و الأعداء ". 2.المخابرات الصهيونية : أرادت إفشال المؤتمر تخوفا من القوة التي يمكن أن تكون للدول الإسلامية المؤتمرة بعد انضمام مصر إليها. 3. إيران : لأنها قاطعت المؤتمر الإسلامي و ترغب في فشله، و قد صرح الخميني إبانها قائلا :" في هذه الأيام المصيرية التي يمر بها العالم الإسلامي حيث يعيش مخاضا صعبا يجتمع أناس يدعون تمثيل الشعوب الإسلامية و يطلقون على جمعهم هذا المؤتمر الإسلامي، و الأجدر أن يسمى قمة التآمر و الجهل، هؤلاء هم الحكام المتسلطون على رقاب شعوبنا الإسلامية، و الذين لا يكاد ينجوا واحد منهم من ارتباطه بعمالته لأحد الشيطانين الأكبرين أمريكا وروسيا ". و قد اتهم الحسن الثاني هذه الأطراف، ليس إيمانا منه بأنها هي المتسبب الحقيقي في الانتفاضة، و لكن لكي يقدم تبريرا للدول المشاركة في المؤتمر الإسلامي و باقي دول العالم، لأن الانتفاضة تم تفجيرها و هو في قاعة المؤتمر، و قد قام في خطابه بالتصريح بما يناقض تبريره هذا و ذلك حين قال :" الزيادات لن تكون " و من ثم فالحسن الثاني أوقف الزيادات لأنها كانت فعلا هي المشكلة. ضحايا كثيرة في الانتفاضتين والعدد الحقيقي لا زال مجهولا !!! سقطت العديد من الأرواح في هذه المجزرة الرهيبة وعملت الدولة منذ تلك الفترة إلى حدود اليوم على تغليط الرأي العام المحلي والوطني والدولي عبر اعترافها بعدد ضئيل من القتلى محدد في 16 قتيل، مع العلم أن عدة جهات لا تنتتمي الى الدولة تحدثت آنذاك عن ما يفوق ذلك بكثير، وكانت حوالي ستين عائلة تبحث عن ذويها، وجاء في الجرائد الاسبانية التي كتبت تقارير عن الأحداث وقدرت عدد القتلى اعتمادا على مصادرها، فقد قالت جريدة "التيليكراما دي مليلية " في عددها الصادر يوم 21 يناير 1984 أن عدد القتلى بالناظور يتجاوز 40، وتحدثت جرائد اسبانية أخرى عن ما يفوق 400 قتيل على المستوى الوطني، وكانت انتفاضة الريف الأولى في نهاية الخمسينات من القرن الماضي قد خلفت أيضا ضحايا عديدة لم يتم الكشف عنها لحد الآن، كما تحدث عن ذلك بوضوح المجاهد الكبير مولاي موحند بن عبد الكريم الخطابي في مختلف رسائله الموجهة إلى القادة السياسيين المغاربة ومنها هذا المقتطف من رسالة وجهها الأمير إلى الأمين العام لحزب الشورى والاستقلال "محمد حسن الوزاني" بتاريخ 27 يوليوز ، 1960 (( زوع الرعب وسط المدنيين والنساء والشيوخ... لقد كان تدخل الجيش وحشيا وحدث ما لا يمكن تصوره من المآسي والفواجع والأهوال... حدث ما يثير عواطف "الجمادات" وبالأحرى البشر، قَنْبلَتِ الطائرات التي كان يقودها طيارون فرنسيون وقصفوا الأسواق والتجمعات السكانية، وأحرقَ الجيش المحاصيل الفلاحية وخرّب المنازل وغيرها من الممتلكات، اغتصبَ النساء وبَقَر بُطونَ الحوامل وقتلَ المئات وخلّف آلاف الجرحى والمعطوبين واعتقل الآلاف وأبْعدَ المئات ... وبلغ عدد المعتقلين إبان انتفاضة الريف 8420 بينهم 110 امرأة، أطلق سراح 5431 بينهم95امرأة، وحكم على 323 فيما ظل الآخرون أي 2664 دون محاكمة ولا إطلاق سراح، وتم إبعاد542 مواطنا إلى كل من إسبانيا وإيطاليا وألمانيا والجزائر... و جل الضحايا كانوا من المساهمين في حرب التحرير من الاستعمار ... وأنشأت مراكز سرية للتعذيب... جل المعتقلين ما زالوا مشوهين ومبتورين من الأعضاء التناسلية أو الأرجل أو العيون أو الأذن، أما الباقي فما زال في غياهب السجون والمعتقلات المجهولة، على أن جلهم قد لاقوا حتفهم من جراء التعذيب )) (كتاب دار بريشة، قصة مختطف للتجكاني الذي يتضمن رسالة عبد الكريم الخطابي الموجهة إلى الأمين العام لحزب الشورى والاستقلال محمد حسن الوزاني بتاريخ 27 يوليوز 1960.) وهذا ما يطرح إشكالات كثيرة حول العدد الحقيقي للضحايا في كلا الانتفاضتين مع العلم أن هيئة الإنصاف والمصالحة لم تتمكن من الكشف عن الضحايا المجهولي المصير في انتفاضة 1958/1959، رغم كثرتهم ورغم الأصوات الكثيرة التي تنادي بذلك. سيناريو هيئة الإنصاف والمصالحة لإنهاء ملف الريف عملت هيئة الإنصاف والمصالحة منذ تأسيسها على التقليص من حجم الضحايا الحقيقيين الذين سقطوا في كلا الانتفاضتين، وهكذا اعترفت ب 16 ضحية وأوردت أسماء 12 منهم في تقريرها النهائي متجاهلة الأربعة الآخرين الذين سقطوا في انتفاضة يناير والذين اعترف بهم رئيس الوزراء في تصريحه يوم الأربعاء 25 يناير 1984، فإذا كان وقوع قتلى و جرحى في هذا القمع الدموي أمرا واقعا باعتراف الدولة نفسها، فإن العدد الحقيقي لهؤلاء الضحايا ظل دوما مستحيل التحديد، و ذلك لسببين اثنين، أولهما، لأنه أثناء القمع لم تبقى جثث القتلى ملقاة لمدة تكفي لحسابها كافة من قبل أطراف منتمية للمحتجين أو أية جهة أخرى مستقلة عن الدولة، هذا ولم تعلن أي جهة كانت - غير الدولة - أنها تملك العدد الحقيقي للقتلى أو حتى تقديرا له، ثانيهما، كان في تلك الفترة كل من يذهب إلى المستشفى للعلاج من الجروح يتم اعتقاله من داخل المستشفى لو تم الاشتباه في تورطه في الاحتجاجات و لهذا فإن عددا كبيرا من المصابين اجتنبوا الذهاب إلى المستشفى، و من ثم يستحيل معرفة العدد الحقيقي للقتلى والجرحى، ولا زال الكل يتحدث إلى حدود اليوم عن مقبرة جماعية من المرجح أن تكون بثكنة القوات المسلحة بتاويمة، رغم سيناريو هيئة الإنصاف والمصالحة الذي حاول إنهاء ملف الريف بعد اكتشاف المقبرة الجماعية بثكنة الوقاية المدنية بالناظور يوم 28 أبريل 2008،والتي استخرجت منها 16 جثة وقالت الهيئة بأن المقبرة تعود لضحايا أحداث 1984 وهي المقبرة التي يتحدث عنها الرأي العام على أساس أنها موجودة بتاويمة، وكان رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان قد تحدث قبل ذلك عن اللا علم له بوجود مقابر جماعية، وقال في إحدى تصريحاته الصحفية أن "ما يسمى بأحداث الريف صندوق أسود في تاريخ المغرب المعاصر" مما يبين بشكل واضح أن الدولة لا زالت تنهج سياسة الهروب إلى الأمام ومحاولة إنهاء الملف كاملا دون الكشف عن الحقيقة عملا بمقولة : "كم من حاجة قضيناها بتركها"، خاصة إذا علمنا أن الجرائم المرتكبة في الريف كانت من طرف الدولة وعدم تمكن هذه الأخيرة من كشف هوية الضحايا الستة عشر الذين تمت استخراج جثثهم من ثكنة الوقاية المدنية، وما يتولد عن ذلك من المعاناة النفسية عائلات الضحايا وذويهم، حيث لا زالت رفات الجثث الستة عشر في المستشفى الحسني ولم تسلمهم الدولة بعد لذويهم للقيام بمراسيم الدفن التي تعد تكريما للميت، وهذا ما يبين أن الدولة انتهكت حقوق الضحايا أحياءا وأمواتا. ولا بد من التوضيح في هذا المضمار أن الفرقة العلمية التابعة لجهاز الدرك الملكي عاجزة عن فرز نتائج إيجابية لتحليل الحمض النووي، رغم مدها بأحدث التجهيزات الخاصة بعملية التحليل لتحديد هوية الضحايا، و أن الدولة منحت مهمة الكشف عن هوية الضحايا لجهات فرنسية بهدف تمطيط الوقت وترك الموضوع جانبا كما أوردنا أعلاه. لائحة ضحايا أحداث يناير 1984 بالناظور: عن أحداث زايو: كريم الرتبي أحداث الناظور : عبد الخالق الهواري الفايدة يحيى المرابط نجيم بوعرورو صالح الترحيب حكيم عبد العزيز الجراري خليفة الوكيلي زهير فارس أحداث بني أنصار : عوجة مصطفى أحداث أزغنغان : ميمون المجاهدي عبد الرزاق المسعودي وقد جاءت الأسماء المذكورة في التقرير الختامي لهيئة الانصاف والمصالحة، صفحة : 99 100. علما أن العدد المصرح به من طرف الهيئة هو 16 حالة، في حين صرحت الهيئة أنها لم تتوصل إلى التأكد من هوية جثث أربعة ضحايا ذكرهم التقرير. ومن جانب آخر أكد المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والانصاف ، فرع الناظور توفره على لائحة إضافية تضم أسماء خمسة ضحايا وهم كالتالي : عامر عبد الحميد برو امحمد نجيم أزدي أحمد عبسلامة مصطفى كنوف الحسن وهنا يتضح الاشكال حول الجدال القائم عن العدد الحقيقي لضحايا 1984، علما أن المنتدى يؤكد توفره على معطيات تفيد أن عدد الضحايا يفوق بكثير العدد المصرح به بناءا على شهادات حية تؤكد وجود مقبرة أخرى مرجح أن تكون بثكنة تاويمة.