شارك أحمد حرزني، رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، صباح يوم الجمعة الماضي، في مراسيم جنازة جماعية لإعادة دفن 16 جثة لضحايا «مقبرة جماعية» أزيل عنها النقاب ب«الصدفة» في 28 أبريل 2008. وبإعادة دفن هذه الجثث في قبور تحمل أسماء الضحايا، فقد أصبح بإمكان عائلاتهم زيارة قبورهم والترحم عليهم. الجنازة الجماعية لصباح يوم الجمعة أنهت «مأساة» عائلات امتدت منذ 19 يناير 1984، وهو التاريخ الذي شهد تدخل كل من جهاز الأمن والدرك والجيش لإخماد احتجاجات شهدتها المنطقة بسبب غلاء المعيشة وتدهور الأوضاع الاجتماعية. واستعملت ترسانة حربية كبيرة لإيقاف هذه الاحتجاجات رافقها إعلان حالة «طوارئ» بالمدينة لما يقرب من أسبوع. واضطر المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان إلى الاحتفاظ بجثث «المقبرة الجماعية» بمستودع الأموات بالمستشفى الإقليمي لمدة قاربت 21 شهرا، في انتظار التوصل بنتائج تحاليل أرسلت إلى المختبر الجيني الفرنسي بتاريخ 20 أبريل الماضي، قبل أن تتقرر إعادة دفن الجثث بشكل فردي بمقبرة «أولاد سالم»، أربعة أيام فقط قبل حلول الذكرى ال26 لهذه الأحداث التي توصف ب«الانتفاضة». وبالرغم من أن أحمد حرزني، رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، قد أشار، على هامش عمليات الدفن، في تصريح صحفي أوردته وكالة المغرب العربي للأنباء، إلى أنه تم طي ملف ضحايا الأحداث الاجتماعية لسنة 1984 بالناظور بصفة نهائية، وذلك طبقا للمعايير الدولية المعمول بها في هذا المجال، فإن جمعيات حقوقية في المنطقة لا تزال تشك في وجود مقابر جماعية أخرى ترجح أنها تضم ما يقرب من 100 ضحية جلها سقطت في الأحداث ذاتها. وتطالب هذه الجمعيات بإجراء عمليات «تنقيب» في مقر الثكنة العسكرية بمنطقة تاويما بالمدينة. ودعا حرزني عائلات الضحايا إلى «الصفح». وأشرف، رفقة عامل الإقليم وممثلي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، والوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف، على حفل ديني وزعت خلاله بطاقات التغطية الصحية على هذه العائلات. فيما طلب من هذه العائلات أن تتقدم بملفات ضحاياها إلى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان حتى يتأتى له «جبر الضرر» الذي لحقهم جراء هذه «المقبرة الجماعية». يذكر أنه في 28 أبريل 2008 انتشر الخبر في الناظور بسرعة البرق: لقد عثر عمال بناء في مقر القيادة الجهوية للوقاية المدنية على جثتين يرجح أن تكون أولى العلامات على مقبرة جماعية لضحايا أحداث 1984. وبسرعة البرق دائما تجاوز الخبر حدود المحلي، وتصدر صفحات الجرائد اليومية. وكانت «المساء» قد أعدت حينها ربورتاجا حول الموضوع، ونشرت صورا لجثث هذه المقبرة مباشرة بعد نقلها إلى مستودع الأموات بالمستشفى الإقليمي. واضطر أحمد حرزني، مرفوقا بطبيبة من الطب الشرعي بمستشفى ابن رشد بالدار البيضاء، إلى التنقل إلى عين المكان لمتابعة استخراج رفات الضحايا وسط حفرة كبيرة تكوموا فيها وجلهم لا يزال بلباسه، ومنهم من عثر بالقرب منه على بطاقة هويته. وتأكد بعد تحريات قام بها الطب الشرعي أن الضحايا لهم علاقة بأحداث 1984، والتي لا تزال أوجاعها تسكن ذاكرة عدد من أبناء الريف. ولإثبات علاقة القرابة بين الضحايا والعائلات، عمد المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، إلى تكليف مختبر فرنسي بإجراء تحاليل على الحمض النووي للضحايا وعائلاتهم. وتنقل وفد من المجلس مرة أخرى إلى الناظور لزيارة هذه العائلات بمقر سكناها وتقديم النتائج. هذا قبل أن يتقرر إجراء مراسيم إعادة الدفن والمنطقة تستعد لاستعادة شريط مؤلم من التدخل العنيف لإخماد احتجاجات بدأها التلاميذ قبل أن تنتقل إلى الشوارع.