أكد مصدر مطلع في وزارة الصيد البحري أن ميناء الحسيمة يعرف منتوجه السمكي تأرجحا بين الصعود والهبوط. وأضاف أنه رغم الدينامية التجارية والاقتصادية، التي يعرفها الميناء فإن ثمة مؤشرات تدفع للتفكير في تدبير أفضل للموارد البحرية لخلق استدامة تنبني على الحفاظ على الثروات وحماية البيئة البحرية، التي عرفت استنزافا كبيرا خلال السنوات القليلة الماضية. نفس الوضع المقلق عبر عنه أحد البحارة الذي أكد أنه على مرور الأسابيع الماضية لم تتعد مداخله 150 درهما في الأسبوع، التي لا تكفي حتى لسد رمقه أثناء ركوبه البحر، مؤكدا على أن حياة العديد من البحارة أصبحت على حافة الإفلاس. وأكد بحار آخر أن الموارد السمكية المحصل عليها بمشقة الأنفس في البحر لم تعد وفيرة. وعلى خلاف السنوات الماضية أصبحت العديد من المراكب لا تأتي بما يكفي من الأسماك لضمان مداخيل كافية للبحارة توفر لهم ولأسرهم حياة كريمة. العديد من البحارة صرحوا لجريدة «الأحداث المغربية» عن معاناتهم جراء أزمتهم الاقتصادية الناتجة عن قلة المنتوج السمكي، ومرور العمال بالكثير من المناسبات الدينية التي أنهكت جيوبهم، والتي من ضمنها الدخول المدرسي وعيد الأضحى، في ما أكد آخرون على تخوفهم مما تخفيه الأيام المقبلة من مآسي للعاملين بالقطاع، إذا استمر المنتوج السمكي في الانهيار والتراجع. ومن جهة أخرى أكدت مصادر من داخل المكتب الوطني للصيد البحري للجريدة أن ميناء الحسيمة، رغم إنتاجه لكميات مهمة من الأسماك، فإنه يستورد الكثير منها من مينائي العرائشوالدارالبيضاء، خاصة خلال السنوات القليلة الماضية، التي عرفت تراجعا في صيد سمك الأنشوبة، وباقي الأنواع السطحية التي يدخل ضمنها السردين، الشرال وتغزالت، وهو ما أدى إلى ارتفاع أثمان السمك بكل أسواق الريف، وأصبحت كل المؤشرات تدل على تدهور الموارد البحرية بميناء الحسيمة، الذي يشكل الشريان الاقتصادي والقلب النابض للمنطقة، حيث يشغل أزيد من 3000 عامل. فرغم العديد من الاحتياطات والإجراءات التدبيرية التي اتخذها المعنيون، فإنها لم تمنع من استمرار تقهقر الإنتاج السمكي لعدة أسباب لم تعد تخفى على أحد بالميناء كما بالحسيمة. أثمان السمك قفزت بشكل مريع، هذا ما أكده أحد تجار السمك بالتقسيط، وأضاف أن ثمن السردين ارتفع خلال الثلاث السنوات الأخيرة من 5 دراهم لأزيد من 15 درهم، ومن 40 درهم لأزيد من 70 درهم بالنسبة للأسماك البيضاء، أما بالنسبة للإربيان أو ما يسمى بفواكه البحر فقد قفز ثمنها من 50 درهم ل 100 درهم للكيلوغرام الواحد. وأضاف نفس المصدر أن مرد هذه الزيادات في أثمان الأسماك فيعود بالأساس إلى عدم وفرة الأسماك، وذلك بالرغم من اعتبار الحسيمة منتجة لها. المهنيون بدورهم دقوا ناقوس الخطر في رسالة سابقة أسموها بالإنذارية، بعثوا بها لوزير الفلاحة والصيد البحري، حيث اعتبروا فيها أن ميناء الحسيمة أصبح يحتضر بسبب تراجع الإنتاج السمكي، وبسبب المشاكل التي يعرفها القطاع، والتي أجملتها الرسالة التي توصلت الجريدة بنسخة منها، في استعمال أساليب غير مشروعة في الصيد ( الشباك الممنوعة، المتفجرات…)، بالإضافة إلى قلة الموارد البحرية وغلاء المحروقات، وهو ما أصبح يتهدد استثماراتهم بالقطاع، إذ طالبوا بالمقابل من الوزارة الوصية بالتدخل العاجل لإنقاذهم من الاختلالات التي يعرفها الصيد بالمنطقة. كما أكدوا بالمقابل على أن كل محاولاتهم لتصحيح هذه الوضعية تصطدم بغياب أي إجراءات من المعنيين لإنقاذ المجهزين والبحارة من هذه الحالة، التي تهدد مستقبلهم بالإفلاس. نفس الوضعية سبق وأن عبرت عنها الجمعيات البيئية العاملة بالمنطقة، حيث سبق لها أن نبهت أكثر من مرة للحالة المتردية التي تعرفها المصايد التقليدية للأسماك، التي تتعرض للتخريب من طرف مراكب الصيد بالجر، التي تستعمل شباكا محظورة، بالإضافة إلى عدم احترامها للمعايير القانونية المنظمة للصيد من خلال صيدها في المياه الضحلة والقليلة العمق. زيادة على كل هذه الخروقات، تضيف المصادر ذاتها، أن خليج الحسيمة الذي يعتبر أهم مجال حيوي لتكاثر الكائنات البحرية، يعرف صيد الأسماك أثناء فترة توالدها، وذلك على طول السواحل والشواطئ المشكلة للخليج المذكور، ويتم ذلك في واضحة النهار باستعمال شباك ذات فتحات جد صغيرة محظورة وطنيا ودوليا، وهو ما يتسبب في تخريب احتياطات المنطقة من الأسماك، كما يهدد الأمن الغذائي للمنطقة. ورغم بيع المخربين للمنتجات البحرية، والأسماك الصغيرة الحجم المحصل عليها داخل أسواق المدينة والنواحي، فإن السلطات والمعنيين لا يبدون أي صرامة في محاربة الأشكال غير القانونية في الصيد، وهو ما ينعكس سلبا على احتياطات المنطقة من الأسماك. التي تعرف تراجعا يوما بعد آخر وسنة وراء أخرى. المعهد الوطني للبحث في الثروة السمكية اعتبر تراجع المخزون السمكي بميناء الحسيمة، يعود في جزء منه للتدبير العشوائي للموارد السمكية بسبب تفشي الصيد الجائر وغير القانوني، كما نفى المعهد ذاته أن يكون تراجع إنتاج ميناء الحسيمة من الأسماك يعود لتناقصها في البحر. فحسب دراسة للمعهد ذاته أكد على وفرة الثروات البحرية بسواحل الحسيمة، إلا أن «أسراب» الأسماك غيرت سلوكها والتجأت للمياه العميقة، بشكل يصعب معه اصطيادها من طرف مراكب صيد السردين غير المجهزة بالعتاد الكافي، لممارسة الصيد في أعالي البحار والمياه العميقة. المندوب الجهوي للصيد البحري بالحسيمة، اعتبر في تصريح سابق خص به «الأحداث المغربية»، أن تراجع إنتاج ميناء الحسيمة من الأسماك يعود للتدمير الممنهج، الذي تتعرض له الثروة السمكية بسواحل الحسيمة، واعتبر أن الصيد الجائر، يعتبر العامل الرئيسي الذي يقف وراء تدني مخزون الصيد، علاوة على استعمال المتفجرات، والصيد في المياه القليلة العمق من طرف مراكب الصيد بالجر، والتلوث. العديد من اللقاءات العلمية المنعقدة مؤخرا بالحسيمة، أكدت أن المجال البحري يعاني مشاكل لا حصر لها بسبب الصيد المفرط واستمرار صيد أسماك غير تامة النمو، والتي لم تصل إلى مرحلة التوالد، علاوة على الصيد بالجر في الأماكن الممنوعة، رغم أن القانون صريح في منع مراكب الصيد بالجر في ممارسة نشاطها في أعماق تقل عن 80 متر، في المنطقة المتواجدة بين رأس كاب سبارتيل بطنجة ورأس سيدي عابد بالحسيمة، وأقل من ثلاث أميال بعيدا عن الشاطئ، ما بين رأس سيدي عابد والسعيدية، حيث يتم تدمير الأعماق البحرية المحاذية للشواطئ، التي تختارها جميع أنواع الأسماك أماكن للتوالد والنمو. ورغم أن القانون واضحا في منع صيد وبيع الأسماك دون القامة التجارية بالأسواق التابعة للمكتب الوطني للصيد البحري، إلا أن العديد من مراكب الصيد لازالت تصطاد الأسماك الصغيرة من خليج نكور، الذي يعتبر أحد أهم مجالات تكاثر الأسماك بالبحر الأبيض المتوسط. ويطالب العديد من المواطنين ومعهم البحارة والمجهزين بحماية ما تبقى من مخزون الأسماك عن طريق تفعيل المادة الثامنة الواردة في الجريدة الرسمية عدد 5682- 14 ذو القعدة 1429 ( 13 نوفمبر 2008 )، والتي تنص على أن «يتم فورا توقيف كل رخصة صيد الأسماك السطحية الصغيرة من طرف الوزير المكلف بالصيد البحري، أو الشخص المفوض من لدنه لهذا الغرض، لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر». وأكدت فعاليات بيئية للجريدة أن المجال البحري يعاني مشاكل لا حصر لها بسبب الصيد المفرط واستمرار صيد أسماك غير تامة النمو، والتي لم تصل إلى مرحلة التوالد، علاوة على الصيد بالجر في الأماكن الممنوعة. ونبهت ذات المصادر إلى ارتفاع عدد ضحايا الصيد بالمتفجرات، ( 3 ضحايا خلال السنة الأخيرة ) علاوة على ما تسببه من دمار لكافة أشكال الحياة داخل الوسط البحري، الذي أصبح مؤخرا يلوث بمواد مختلفة كسولفات النحاس ” التوثيا “، التي تستعمل لصيد الأخطبوط، والصيد بشباك ممنوعة تشبه القماش وذات فتحات جد صغيرة، ضدا على القوانين الدولية. وأضافت ذات المصادر أن الصيد بالغوص لا يراعي القوانين المنظمة له، مطالبين من الجهات المسؤولة التدخل لفرض احترام القانون الخاص في هذا الشأن. خالد الزيتوني / الاحداث المغربية