يصادف بوم 06 فبراير 2013 الذكرى الخمسينية لرحيل أميرنا المجاهد محمد ابن عبد الكريم الخطابي زعيم الثورة التحررية ليس فقط الريفية المغربية و المغاربية خلال النصف الأول من القرن العشرين والعقد الأول من النصف الثاني ، وملهم العديد من الحركات التحررية العالمية ، هذا القائد الكبير المشهود له بشخصية الكاريزمية القيادية الشجاعة في الميدان و حنكته السياسية والقتالية، ومبادئه غير القابلة للمساومة في ما يتعلق باستقلال الوطن عزته و كرامته و المؤمن في نفس الوقت بالسلام وقيام التسامح والعايش بين مختلف الأديان والأجناس و قيم حقوق الإنسان الكونية وعلى رأسها حق الشعوب في تقرير مصيرها وصيانة سيادتها بالإضافة إلى تكوينيه الفكري الموسوعي وإلمامه بالأوضاع السياسية العالمية التي كانت تميز المرحلة و الخلفيات التي كانت تحكم الغلاقات الدولية تحالفاتها و صراعاتها والأهداف الإستراتيجية التي كانت تحرك الاطماع الإستعمارية. لقد وهب الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي عمر في سبيل حرية الوطن وضمان استقلاله وصيانة كرامته من أجل أن يعيش الشعب المغربي حرا معززا مرفوع الرأس بين الأمم في دولة ديموقراطية يقرر مصيرها بيده ويستفيد من ثرواتها وخيراتها بشكل عادل وعقلاني بين مختلف جهاتها و أفرادها.
وكرس حياته من أجل ذلك في الجهاد واستمات في الدفاع عن حورة الوطن ضد الإستعمار إلى آخر نفس وقاد الريفيين على تحقيق انتصارات كبرى هزت المنطقة والعالم بإسره وأعادت الأمل لدى الشعب المغربي و الشعوب المستضعفة عموما و قدرتها على كسب رهان التحرر بعد أن كانت ثقافة اليأس و التشاؤم هي المخيمة ، بالإضافة إلى التطور النوعي الذي أخذت تعرف الدولة التي أسس نوعها على مستوى الريف الكبير بعد تحرير معظم أراضيه من الإحتلال الإسباني والتقدم السريع الذي عرفته على مختلف المستويات الإقتصادية و الثقافية و المؤسساتية الديموقراطية رغم فتوتها ..قد حضا كل الإدعاءات الإستعمارية التي تصف الشعب المغربي بالتخلف و الفوضى و مختلف نعوت القصور ...
ومن أجل ذالك كانت الضريبة التي أدها الريف الكبير وأهله ثقيلة حيث حيث تحالفت ضده حتى الإمبرياليات و حاصرته أرضا وبحرا وجوا وأمطرته بآلاف الأطنان من الغازات السامة المحضورة دوليا و من مختلف أنواع القنابل المدمرة بالإضافة إلى القصف البري و البحري بالمدفعية الثقيلة ... مما حذى بالأمير بن عبد الكريم الخطابي إلى تسليم نفسه للقوات الفرنسية يوم 26 مايو 1926 رأفة بما يحدث لشعبه ومن أجل وقف الجينوسيد الذي يرتكب في حقه.
بعد 21 سنة من الإقامة الاجبارية قضاها بمنفاه بجزيرة لاريونيون سيتمكن الامير بقدرة قادر من اللجوء السياسي إلى العاصمة المصرية القاهرة سنة 1947 بعد تفتيش الباخرة التي كانت تقله بعد مرورها عبر ميناء بورسعيد من طرف السلطات المصرية حيث كان مقررا تحويل وجهة منفاه إلى مكان اخر بفرنسا ، وكانت فرصة سانحة له ليواصل مسيرة العطاء والنضال حيث سيعمل مباشرة على ربط الإتصال بمختلف الوطنيين البارزين بكل من المغرب و الجزائر و تونس من أجل تنسيق الجهود في إطار تقديم الدعم الفعلي والمعنوي للحركات التحررية على المستوى المغاربي حيث سرعان ما سيصبح المهندس الأساسي لهذه الحركات بعد تكليفه برئاسة لجنة التحرير المغاربة و هيئة جيش التحرير المغاربي والتي كان ميثاقهما التأسيسي ينص على مبدأ الإستقلال التام لكل من تونس و الجزائر و المغرب كقضية غير قابلة للتجزيئ و لا المساومة ، و كان الامير مساندا كفلك لكل الشعوب التي تناضل وتكافح من أجل التحرر و الإنعتاق من الهيمنة و الإضطهاد و داعيا إلى احلال الوئام و إرساء علاقات السلام و الإحترام المتبادل و التعاون البناء بين الشعوب رافضا لأية علاقة قائمة على الخضوع و التبعية و لاي تفاوض حول استقلال مشروط حنما كان دائما يعبر عبر موافقته عن رفضه لأية سلطة او دستور إلا إذا كان مصدرهما الشعب محذرا أن غير ذالك لن ينتج الا كيانا تابعا معاقا و عاجزا ، و يبقى الأمير ثابتا على دينه ومبادئه و على خطه الكفاحي التحرري إلى أخر رمق من حياته حيث سيرحل إلى دار البقاء يوم 06 فبراير 1963 بالعاصمة المصرية القاهرة منفاه الإختياري | الاضطراري حيث لازال يرقد بقبره هناك.
لم تكن الحركة التحررية التي قادها الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي بوازع البطولة أو جنون العظمة من مساس وإهانة، وكان لستحضاره للواجب الوطني فوق كل اعتبار في كل مساعيه ، وتقديره لجسامة المسؤولية في تلك اللحضة التاريخية تتخطى كل الحسابات الضيقة، خاصة بعد نضج الوعي الوطني لديه بما يحاك من مؤامرات ضد الوطن وضرورة حمل مشعل الكفاحي الوطني من أجل الدفاع عن حوزته إيمانا منه أن هذا الواجب يعتبر فرض عين على كل ريفي وعلى كل مغربي بصفة عامة، كما أن التوات الأولية للدولة التي وضعة أسسها الأمير على مستوى الريف الكبير يشكل نموذج لمشروع مجتمعي وطني دموقراطي شعبي يحتدى به يمكن تبنيه على المستوى الوطني بإخراج البلاد من براثين التخلف و وضعه على سكة التقدم الشامل والإرتقاء به إلى مستوى التحديات العالمية الكبرى لا سيما أن هذه التجربة التي دامة ستة سنوات بالريف كانت قد أبانت عن نجاح باهر وحققت طفرة نوعية في جميع المجالات الإقتصادية والإجتماعية و الثقافية ...، لولا التآمر الذي جرى لاجهاضها في مهدها مع العلم ان هذا المشروع يحمل رؤية الشعب و حلمه ويعتمد على إرادته بعيدا عن أية وصاية ، ويستوحي أسسه من الخصوصيات السوسيو ثقافية و المجالية و النظم الإقتصادية التي تميز هذا المجتمع مع استفادة و الاستثناس بالتجارب الإنسانية العالمية في مايتعلق بالنظم و المؤسسات الديمقراطية في تدبير الدولة .
تعد هذه المناسبة إذن من المحطات العظيمة التي ينبغي الوقوف عندها احياء للنضال العظيم الذي خاضه هذا البطل التاريخي الذي وقف العالم شجاعته و بطولته و نبله و افكاره بإعجاب و إكبار و اعترف له بذلك الخصم قبل الصديق و احياء للنضال العظيم الذي خاضه الريفيون و كل المغاربة بقيادته و ماسجلوه من ملاحم بطولية شكلت احداثا كبري هزت العالم و شكلت منعطفات حاسمة في تاريخ المغرب المعاصر والتاريخ العالمي بأسره مازال يتردد صداها إلى يومنا هذا ، مشيدين بذلك صفحات مشرقة تنضاف إلى السجل الذهبي لتاريخ الشعب المغربي و التي يحق أن نفتخر و نعتز بها و يجب أن نستلهم منها العبر و الدروس في الوطنية و التضحية و نكرات الذات خاصة في ظل الاوضاع الراهنة غير المشرفة التي يعيشها الوطن.
إن الاوضاع الراهنة التي يعيشها البلد على جميع المستويات لا تمثل حلم الجيل الذي حمل مشعل الكفاح الوطني و الذي ضحى من أجل وطن يشرف أهله و من أجل قيادة وطنية تشرف وطنها وتكون مثالا يقتدي بها الشعب في النزاهة وتحمل المسؤولية . فشتتان بين قيم الروح الوطنية التي آمن أولائك بها و ماهو سائد حاليا في ظل طغيان الأنانية و المصلحة الخاصة و التهافت السياسي حول المناصب والإمتيازات على حساب تغييب الحس الوطني و عدم تقدير المسؤولية والامانة وما يصاحبها جراء ذلك من تفشي لمظاهر الفساد و اختلاسات بالجملة للأموال العمومية التي تستخلص من عرق هذا الشعب حول مشاريع فاشلة على منوال ما صرف على اصلاحات التعليم من تكلفة صادمة بكل المقاييس آلت نتائجها إلى مزيد من التدهور للتعليم العمومي البرنامج الإستعجالي وحده كلف 3300 مليون سنتيم وتبذيرها حول أشياء كمالية أمثال الحفلات والمهرجانات الباذخة و مناسبات تافهة في الوقت الذي ما أحوج الشعب إلى تلك الموارد شعب تتلاطمه أمواج الفقر و البطالة و الامية و غلاء الاسعار ...وتصل معاناته في العديد من الجهات و المناطق إلى أقصى درجات العزلة و الحرمان على غرار معاناة سكان أنفاكو بالأطلس وسكان شقران بالريف ... و التي تبقى و صمة عار على من سيعود إلى اظهار مظاهر البذخ و الترف و الزينة و الاحتفالية و هم يشاهدون اخوانهم و أخواتهم و أبتائهم وبناتهم يموتون بالبرد والفقر هذه الصورة لا تشكل الا سيلا من فيض من بعض الاوضاع و المظاهر القاتمة و التناقضات الفادحة التي يعيشها الوطن.
إن هذه الاوضاع عير المشرفة التي يعيشها الوطن و تجعله يتخبط في أدنى المراتب في سلم ترتيب الدول على مختلف المستويات رغم ما يتوفر عليه البلد من موقع استراتجي متميز وما يتمتع مه من مؤهلات و خيرات طبيعية لا يمكن إلا أن تكون مطابقة لما كان يحذر إليها الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي غداة المسار الذي اتخذته صيقته إستقلال المغرب وما علينا الا الرجوع إلى مواقفه وتصريحاته أنذاك والتي كانت هي نفس موقف اعضاء جيش التحرير ، وهي مواقف كما يعرف الجميع نال بسببها الريف الكبير ضريبة ثقيلة و المتمثلة في فصول متتالية من الانتهاكات الجسيمة في حق أهله على غرار قمع ثورة الريف سنتي 58|59 والحصار التاريخي المضروب على المنطقة والتعامل الاستثنائي إزائها إلا لأنها وضعت مطالب مشروعة لصياغة مشروع الدولة الوطنية لما بعد 1956 يكون فيها رأي المقاومة حاضرا. هذه تعتبر مجرد لمحة موجزة حاولت اعدادها بهذه المناسبة حلول المسار النضالي للأمير و الذي يبقى حافلا بالعطاءات و المنجزات العظيمة و نسجت حوله الا لاف من الكتب و المؤلفات وعدد لا يحصى ولا يعد من المقالات ولازال يشكل موضوع للبحث يستهوى العديد من الباحثين والمفكرين ، و لكن رغم ذلك لازال يبقى مغيبا في الذاكرة الوطنية الرسمية في البرامج و المقررات الدراسية و الإعلام ماعدا بعض التلميحات السطحية التي تأتي غالبا في سياق نشاز أو توظيف تحتوي للحقائق التاريخية، وهو ما يستدعي من كل الاطارات الحقوقية وكل القوى الحية بالبلاد الحية إلى المضي قدما في الضال من أجل ترسيم الحقائق التاريخية حول الريف الكبير وتدريسها للنشئ المغربي كحق أساسي من حقوق الإنسان. محمد جلول من داخل السجن المحلي بالحسيمة