لا شك في أن الاحتفال في كل مطلع سنة جديدة سواء ميلادية كانت أم هجرية أم أمازيغية تحمل دلالات رمزية وتؤرخ لحدث تاريخي معين ومن خلال هذا الحدث تستمد كل سنة تقويمها التاريخي، فكما هو معروف فالتقويم السنة الهجرية يؤرخ لحدث ديني ألا وهو هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، نفس الشيء بالنسبة لسنة الميلادية التي تؤرخ لحدث ديني كذلك هو يوم ميلاد المسيح عليه السلام. لكن ماذا عن السنة الأمازيغية التي لا تقل أهمية من حلول السنتين الجديدتين (الهجرية والميلادية) المعترف بهما رسميا، والتي يحتفل بها ويخلدها غالبية سكان شمال إفريقيا دون أن يدركوا حقيقة هذه المحطة التاريخية ودلالاتها الرمزية؟ لهذا ارتأيتنا من خلال هذا المقال أن نبين ونساعد القارئ والإنسان الأمازيغي عامة على فهم هذا الحدث التاريخي الذي يعتبر محطة تاريخية يتطلب منا بالضرورة الوقوف عندها لأنها مفخرة لكل سكان شمال إفريقيا (تامازغا). إذ في يوم 13 من شهر يناير من كل سنة ميلادية تحتفل العديد من الأسر في ربع شمال إفريقيا بحلول السنة الأمازيغة الجديدة الكل حسب طقوسه وتقاليده التي ورثوها عن أبائهم وأجدادهم وإن كان كثير من الناس يجهلون قيمة هذه المحطة التاريخية الموشومة في ذاكرة الإنسان الأمازيغي، وكذا ما تحمله من دلالات رمزية وأنتربولوجية. قد تكون تسمية هذه المحطة التاريخية وهذا الحدث التاريخي محط اختلاف بين سكان شمال إفريقيا نتيجة زيف وتكالب التاريخ الرسمي عن تاريخ شمال إفريقيا عامة، فهناك من يطلق على هذا الحدث إسم "أمغار" في حين نجد من يعتبره "رأس السنة الفلاحية"، حيث يوافق هذا اليوم اختلاف نمطين شمسيين هما الانقلاب الشمسي الشتوي أو الصيفي والاعتدال الربيعي أو الخريفي، وهي الفترات التي ترافق بداية أو انطلاق جملة من الأعمال الفلاحية والزراعية بمنطقة "تامزغا". حيث يعتبر 13 يناير أول يوم يفصل بين زمنين طبيعيين، زمن البرد و زمن الاعتدال الذي يصادف عادة بداية تجديد الطبيعة لدورتها الحياتية، وهكذا يعتقدون أصحاب هذه التسمية أن هذا اليوم مناسبة لتجديد القوى الروحية من خلال ممارسة بعض الطقوس يرجى منها إبعاد شبح الجوع والتماس أسباب الخير والسعادة التي لا تكون بالنسبة للإنسان الأمازيغي إلا بوفرة المحاصيل. إلى جانب آخرون يطلقون علي هذا اليوم ليلة "الناير" أو يناير، وهناك من يطلق عليه "إض – سكاس" أو رأس السنة دون أي إشارة إلى السنة المقصودة ونجد البعض الآخر يسميه "حكوزة"، وهناك من يسمي هذا اليوم ب "ينير" وهي عبارة أمازيغية مركبة من كلمتين وهما "يان" التي تعني الأول ، و"أيور" التي تعني الشهر، بمعنى أن العبارة تعني "الشهر الأول"، ويطلق البعض على هذه المناسبة "تاكورت اوسكاس" وتعني "باب السنة"، لذلك يعتبر"ينير" الشهر الأول في اللغة الأمازيغية أي أول الشهور في التقويم الأمازيغي، لكن رغم هذا الاختلاف في التسمية نجد أن سكان شمال إفريقيا لديهم شبه اتفاق على طبيعة الاحتفال وتشابه بين – في الطقوس والوصفات المعدة لهذا الحدث. يعود تاريخ هذه المحطة التاريخية إلى 950 سنة قبل الميلاد، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن التقويم الأمازيغي يعتبر من بين أقدم التقويمات التي استعملتها الإنسانية على مر العصور، التي تؤرخ لحدث تاريخي وسياسي حينما استطاع الأمازيغ دخول مصر الفرعونية بعد الانتصار عليهم في حروب عمرت طويلا وبالتحديد في عهد الأسرة الواحد والعشرون التي كان يقودها الملك الفرعوني " رمسيس الثالث" وهكذا استطاع الأمازيغ تأسيس الأسرة الثانية والعشرون بعدما تمكنوا من الانتصار على الفراعنة بقيادة الزعيم الأمازيغي "شيشونغ" أو "شاشنق" في معركة دارت رحابها في منطقة "بني سنوس" قرب تلمسانالجزائر، حيث يقام سنويا وإلى حد الآن "كرنفال إيرار" والذي يعني الأسد، مقارنة لقوة ملكهم "شيشونغ" وسلطانه، وتوثق النقوش التاريخية المحفورة على عدد من الأعمدة في معبد "الكرنك" في مدينة الأقصر بمصر لهذا النصر العسكري وتتحدث تلك الآثار بالتفصيل عن الأسرة الأمازيغية الثانية والعشرين، ومن هذا الحدث اعتبر هذا الانتصار تدشينا لتقويم الأمازيغي والذي تناقلته الأجيال عن طريق الاحتفال والتخليد لهذه المحطة التاريخية مع مرور كل سنة، وما السنة الأمازيغية التي نحن مقبلون بالوقوف عندها ليلة 13 يناير 2013 والتي سنستقبل من خلالها بداية السنة الأمازيغية الجديدة 01/01/2963 ما هي إلا استمرارية الاحتفال والتخليد لهذه المحطة التاريخية الموشومة في ذاكرة إماريغن. قبل الحديث عن طبيعة الوصفات والمأكولات التي يقومن سكان شمال إفريقيا تحضيرها خصيصا لهذا اليوم من كل سنة، لا بد منا الوقوف إلى مسألتين أساسيتين: الأولى تتعلق بالأسباب التي جعلت الأمازيغ يدخول في هذه الحروب مع الفراعنة، لكي لا يفهم من البعض أن الأمازيغ غزاة قاموا بالهجوم على مصر الفرعونية من أجل استعمارها بدون سبب، والمسألة الثانية لديها العلاقة مع المسألة الأولى والتي تتجلى في أسباب التي جعلت إمازيغن يخطارون طبيعة هذه الوصفات للاحتفال بها في هذا اليوم وما الدلالات التاريخية والرمزية التي تحملها بالنسبة الإنسان الأمازيغي. تذكرنا مجموعة من الكتب التاريخية التي تتحدث عن هذا الحدث أن الأسباب التي جعلت الأمازيغ يدخلون في صراع مع الفراعنة كان وراءها الهجمات والتمردات التي كان يمارسها الجبروت الفرعوني على إمازيغن وذلك باجتياح أراضيهم التي كان يمارسون عليها أعمالهم الفلاحية وأنشطتهم الزراعية من الحرث الغرس وتربية المواشي...الخ، وهكذا يقوم الفراعنة بإتلاف هذه المحاصيل والأخذ ما يحتاجون منها إلى بلادهم وبالتالي يتركوا إمازيغن بدون الاستفادة من وهذه الغلة التي ينتزعها منهم الفراعنة بقوة جيوشهم الضخمة، وأكثر من ذلك لم يكن الفراعنة يأخذون الغلة التي تنجها هذه الأرض من الحبوب والقطاني والخضر والفواكه وحتى المواشي..الخ وفقط بل كانوا يأخذون معهم حتى البشر لكي يستخدموهم كعبيد لديهم وخير دليل على ذلك ما وصل إليه البحث الأركيولوجي من خلال وجود حروف الأمازيغية "تفيناغ" في النقوش الموجودة في الأهرامات، مما يؤكد هذا أن هؤلاء الأمازيغ الذين كانت تستعبدهم الفراعنة ساهموا في بناء هذه الأهرامات، وهذا ما جعل الأمازيغ يوحدوا صفوفهم بقيادة الزعيم الأمازيغي "شيشونغ" من أجل إعادة الاعتبار لأنفسهم وكرامتهم ولأرضهم وهويتهم. وبالفعل تمكنوا من الانتصار على الفراعنة بعد حروب دامت لسنين، وبالتالي بقي هذا الحدث موشوم في ذاكرة الإنسان الأمازيغي، الذي من خلاله بدأ التقويم الأمازيغي تناقلته الأجيال عن طريق الاحتفال والتخليد لهذه المحطة مع مرور كل سنة، وذلك احتفالا باسترجاع كرامتهم أولا ثم احتفالا باسترجاع أرضهم وكل ما كانت تنتجه من المحاصيل والتي من خلالها تستمد هذه الوصفات والمأكولات التي تقوم الأسر بتحضيرها في هذا اليوم من كل سنة، وتخليدا كذلك لدماء الشهداء الذين سقطوا في أرض المعركة دفاعا عن كرامتهم أرضهم التي تعتبر لدى إمازيغن رمزا للهوية والعطاء والخصوبة. واحتفال الأمازيغ بالسنة الأمازيغية تعبير عن تشبثهم بالأرض وخيراتها، ويتم ذلك بطرق مختلفة ومتنوعة من حيث المأكولات والوجبات التي تحضرها الأسر من داخل بيوتهم أو عن كريق الاحتفالات الجماعية، حيث نجد في منطفة الريف مثلا يقمن العائلات في هذا اليوم بتحضير ما يسمى ب "ثغواوين" أو "ثيموياز" وهي عبارة عن مأكولات جافة تحضر من الحبوب والقطاني...الخ، نفس الشيء بالنسبة للسكان الجهة الشرقية مدينة وجدة مثلا: نجد في أسواقهم قبل أسبوع عن هذا الحدث وجبات مختلفة من المأكولات الجافة تحضر خصيصا لهذا اليوم، أما في الأطلسين الصغير والكبير فيتبادل السكان خلال هذا اليوم التهاني والتحيات وغالبا ما يكون الاحتفال مشتركا بين الأقارب والجيران الذين يمارسون بشكل جماعي فقرات من الرقص والغناء، وتطبخ النساء أطباق من القمح والفول الجاف المطبوخين على شكل حساء وتعرف هذه الوجبة ب "إركمن" أو "أركمين" وهناك من يحضر طبقا من "المحمصة" مع السمن، أما في الجنوب الشرقي نجد أن الأسر يقمن بالإعداد طبق خاص للمناسبة عبارة "كسكس" بعديد من الخضر والقطاني مما يفسر التسمية التي نسمعها (سبع خضار) في الإشارة إلى تنوع الخضر في طبق هذه المناسبة ، وتوضع نواة التمرة "إغس" في الطعام ومن يجد هذه النواة يعتبر شخصا "مباركا" طيلة تلك السنة، كما أن مؤخرا بدأت الأسر يعدن خلال هذه المحطة أطباق من اللحوم والدجاج وغيرها، فهذا الاحتفال يخلده حتى المعربون بالمغرب -الناطقون بالدارجة- وهو ما يدل على أنهم سكان أمازيغ أصليون. وللإشارة فالسنة الفلاحية التي دأب الناس على سماعها وترددها لا تعدو أن تكون نتيجة طبيعية لزيف وتكالب من بعض الأطراف تعمدت تفادي الإشارة إلى كون هذا التأريخ أمازيغيا بشكل صريح، لأن هذا الحدث التاريخي يتعارض مع إيديولوجيتهم القومية ويفضح كل روايتهم التقليدية التي تدعي بأن التاريخي المغربي ينحصر في 12 قرنا وذلك بعد فرار إدريس الأول من المشرق إلى شمال إفريقيا وتأسيس دولة الإدريسية بالمغرب الأقصى، متناسية أو متجاهلة المماليك الأمازيغية التي أقيمت منذ عصور قديمة، تلك المماليك التي أنتجت حضارات أثرت في الفكر الإنساني، وفي الحضارة البشرية، كما أثرت في الشعوب العظمى في التاريخ كالفينيقيين والإغريق والرومان والفراعنة وغيرهم، إذن هو صراع إيديولوجي سياسي في التعامل مع التاريخ بدل التعامل الموضوعي والواقعي. وعندما تطالب الحركة الأمازيغية بإعادة كتابة التاريخ ليس بمنطق المزايدات السياسية، وإنما في الحقيقة تجد أن التاريخ الرسمي لا يعكس بالبث والمطلق ما عاشه وما يعيشه الإنسان في هذه الرقعة الجغرافية التي نطلق عليها (تامزغا) أو شمال إفريقيا، لأن حسب المختصين يرجع تاريخ الدولة المغربية إلى ما يفوق 4000 سنة، أي 2000 سنة قبل الميلاد عكس ما تذهب إليه الجهات الرسمية إلى تقزيم التاريخ المغربي واختزاله في 1000 سنة أو أقل، وهذه المحطة التاريخية التي ترجع إلى 950 سنة قبل الميلاد تؤكد بالفعل أن الأمازيغ كانوا منظمين في إطار كيانات سياسية، وإلا لما كانوا سينتصرون على أكبر الحضارات قوة ألا وهي الحضارة الفرعونية، إذن هي حقيقة تدحض فكرة تقزيم وحصر تاريخ البلاد في 12 قرنا، وأكثر من ذلك ما موقع دولة بورغواطة من التاريخ الرسمي مع العلم أن هذا الكيان السياسي عمر أكثر من 450 سنة؟ إن مطلب إعادة كتابة التاريخ هي ضرورة حتمية ليس من أجل التقاط العبر وفقط بل من أجل معرفة حقيقة انتماءنا كشعب مستقل يختلف عن باقي الشعوب وله خصوصياته اللغوية والتاريخية والثقافية والحضارية والهوياتية، لأن الشعوب العالم اليوم تبحث عن بصيص ضوء من حضاراتها القديمة، لكي تقوم بإحيائها وبناء وطنيتها وتقديمها للعالم، كما يحدث في مصر مع الحضارة الفرعونية، أو في العراق مع الحضارة البابلية، أو في أوربا مع الحضارة الإغريقية والرومانية. ومن خلال هذا ندعو من جديد كأمازيغ وبإلحاح كل "الحكومات" في المغرب وفي شمال إفريقيا عامة إلى اعتماد رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا ويوم عطلة مدفوعة الأجر وذلك من أجل المصالحة مع ذواتنا وتاريخنا وثقافتنا وهويتنا...الخ، واعترافا منا بالجميل لأجدادنا وبمجدهم، وذلك حفاظا على الذاكرة الجماعية من الاندثار والطمس الذي تعرضت له لسنين طويلة، بدل الاحتفال والتبجيل بأعياد متجاوزة والتي تسيء إلى كل ما هو وطني حقيقي وتحمل في طياتها حمولات إيديولوجية ضيقة ومحتقرة للإنسان والتاريخ والثقافة والأرض...الخ. وفي ختامي لهذا المقال المتواضع أتمنى لكم سنة أمازيغية سعيدة مباركة مليئة بكل المسرات والأفراح، وبالأمازيغية نقول لكم: Asaggwas dhamaynu dhaghudan 2963