... مِثْلُ مَطَرٍ خَفيفٍ في ليلة مُقْمِرَةٍ ودافئة، باغَتَت الحَقيقةُ هُدوءَ الصَّحْوِ، تمازجتْ ألواني بفيضِكَ مولايَ في وَهَجٍ أزَلي، فكان لي وكنْتُ له. لم أعُدْ ماءً تَتَسَكَّعُ فيه شِفاهُ اللَّيل. المدى عَيْنايَ، وأنا في بوْح مِنْ وَهْمٍ وهَمٍّ ..وأَنْتَ مولايَ لا حُدود لَك .. عَبَرْتُها آفاقَ العَذابِ وحيدًا، حتى بَكَتْني الكَلِماتُ،وعُدْتُ وحروفي قوائلُ لي : ويْلَكْ ..اُنثر فُؤادَك حَبًّا في خَيْمَةِ الرُّوحِ... وانْتَظِرْ أن ينْفَتِحَ لَكَ دَرْجُ الحقيقة، ويبدأَكَ الحالُ. ضُمَّ الأشْياءَ كُلَّها في قَلْبِ الإشْراقِ..وامْشِ بعكاكيزِ المعنى في أَقْبيةِ الذاكرة، وانْس أنَّكَ هُناك . أنتَ مُنْذُ ذاك صديقي، ابْنُ جوابٍ يَعْبُر ضِفافَ السُّؤالِ، وابنُ هذا البَياض. لَسْتَ شَتاتا ولا ظِلاًّ يَسْعى. رَوْضَة مِسْكٍ عالِيَّة أنتَ ، ظلالٌ وماءُ وتراتيلُ. اِرْمِ عصا التَّرحالِ هناكَ في قَلْبِ العِشْق الرَّباني، إنَّني قادِمَةٌ إليكَ بَعْد حين. ليس عِشْقُا مِنْك، أن تكتُبَني بالصَّمْت في ظِلال روحكَ، ليْتكَ فَعَلْت أوَّلا، فقد عَرفتُك مَلاكا يغْتَسِلُ في أريج العارفين، يَنْتَعِل استعارات الوَجْد، يَصْعَد جذوعَها أَعْزلَ، وقَدْ اسْتَهْوَتْهُ الشَّماريخ وحَفيفُ السَّعف، فيعود بِحلاوة المعنى يُضيءُ بها الجَبين ..يا وَيلك تأخرتَ.. لغةُ خيمتي لا تهُزُّها اليومَ رياحُ الغِياب، أقمتُها على سَلْسَبيلِ الفُؤاد، وأَشْعَلْتُ ما بين أثافيه ليَعْرف كل عابر لَيْلٍ أنِّي هناك. هذه أمواجي وأنا سيِّدها ..شقَّاق الَألواحِ بروح المِداد، الرَّابِطُ حِبالَ الشَّدِّ إلى أَرْديَّة العِبارات في كل ناد.. فلا تَتأمل ظِلَّكَ المَسكونَ بالأَشْباح، ولا تُقطِّر البَحْرَ من كَفِّك إلاَّ في كؤوسِ العارفين. نَأَتْ بِكَ الخُطى وا أَسَفاهُ! وبَيْنَ الجَوانِحِ فَرْخٌ مُبَلَّلٌ، يَنْتَظِرُ الصَّحْوَ ليمدَّ الجناح، في توسُّلاتِك يَشْحَذُ المِنْقار ..تُرى من عُشِّ عينيك يطلع يوما مِثْلُ البَهار؟ لقد رَأَيْتُكَ ، وقد أحاطَتْ بِكَ جَلابيبُ الذُّنوبِ، وأضْحى الطَّريقُ مِنْجَلا مَنْهوكا يَشْحَذُ أسْنانَه في القَدَمين. كُنْتَ تَقول: مالَها المعاصي تَجُرُّ صَهْوتَها وتَتْركُ في الكفَّينِ لِجامًا من دخّانْ...؟! أُكْتُب ذلك أيُّها المُريدُ الغافي في أَقْبيةِ الرُّوحِ الباردة، اِعترف في سبورةِ طَلْسَمِ السَّبْعِ المثاني أنَّكَ اغْتَرَبْتَ ثُمَّ عُدْتَ. اِعْتَرفْ..اعترف أنَّهم غيَّبوك في المادة، و ألحُّوا عليكَ فعبدْتَها مِثْلَهُم.. هذه-الآن- لِبْدة الصوف البيضاء تولِّيكَ رِيَّاسَة الكَلامِ، كُلْ منْ تَمْر السِّرِّ المَعْنَويِّ الَأوَّلاني واشْرَبْ ماءَ التَّرْبيَّة ..وهاتِ دُرَََرَ الأصْداف من بُحور أَنْوارِك...أَخْبِرهُم كيْفَ دثَّروك في خَيْمة دُنْيا مَحْروثَةٍ مُجَرَّبة ..قل يا أبا الأَنوار اللَّدُنِّية: لماذا مسحوا عن وَجْهِكَ طُهْرَ المراتِبِ الكَمالية؟ قُل وقد جرَّبت كيمْياءَ التُّقى: اللَّهُمَّ إنِّي عّبْدُك المَحْزومُ بِحِبالِ عِنايَتِك، الناشُرُ صحُفَه أمام أقْلامِ ملائكتِك. اُكتب اللهم بحِبركَ المكنونِ ما هو نوراني في مَيامِينِ ألواحي، واُمْحُ حِبْر الأَنينِ عن شكوك صَدري العاري، فلا طاقة لي بخِزْيِ الخطايا، وأَشْواكِ الألم. اللهم وقد عرفتُ بابَكَ في لوائِحِ الَأسْرارِ، اِسْقِ بداياتي ونهايتي من جمال أنوار أسرارك. أَحْمَدُكَ مولانا عَدَد ذرَّاتِ الرَّمْلِِ، وما يعلم عدَدَها إلاَّ أَنْتَ، وعَدَد الثَّمَراتِ والشَّجَرات الكائِنَةِ، والتِّي كانَتْ، وما يقدر على عدِّها سِواك ..وعدَدَ قطرات الماء في أرضِكَ وسَمائك، ما ظَهَر وما بَطن، ما نَزَلَ وزالَ، وما لم يَزَلْ في عِلْمَكَ له أوانٌ وحال. وعَدد ما لم تَخْلُق، وما خَلَقْتَ ولَه في الخَلْقِ وجْهُ حَقٍّ وكَمال. بِبابِكَ أسْفاري في قوارِبَ بَيْضاء، وهذا نوْرسُ التَّأويلِ شاخَتْ فيه الحَقائِقُ، فولَّى أخيرًا على مَوْجَةِ بَلاغَتِها إلى ظِلِّكْ... أَنْتَ أَوْحَيْتَ له بِهذا الإشْراقِ وما فيهْ، و في كل ما أرى وأَسْمَع نَطَقَ جَلالُك، وحيث تَسْرَحُ الرّوح ولْهى بِكْ، أنت معها هناك..فَسُبْحانَك...