في مثل هذا اليوم قبل أربعة أعوام، أطلقنا موقع العربي الجديد، وسط ساحة إعلامية مزدحمة بالمواقع الإلكترونية والصحف والقنوات الفضائية. وكان من بين أهدافنا التميز وتقديم الجديد، وليس إضافة رقم جديد إلى وسائل الإعلام العربية. وأدركنا أن هذه المهمة تحتاج، قبل كل شيء، إلى المصداقية واحترام القارئ، والدخول في صلب القضايا التي تهم حياته، وتحدّد مصيره، سياسيا واقتصاديا وثقافيا. أطلقنا هذا الموقع، ولم يكن يشغلنا سوى سؤال الحرية الذي حرّك الشارع العربي في سلسلة من الثورات التي بدأت في تونس، وامتدت إلى مصر واليمن وسورية والبحرين، لكنها لم تأخذ مداها وتكمل طريقها، بل تعرّضت لقمع بالحديد والنار، كما حصل في سورية وليبيا واليمن والبحرين، وواجهت في طريقها ثورة مضادة لمنعها من أن تفتح الأفق نحو مستقبل عربي جديد، كما حصل في مصر عبر الانقلاب العسكري الذي قاده الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، بدعم من السعودية والإمارات. لم تكن المهمة سهلة بالنسبة لنا، فقد تعرّضنا إلى حرب مفتوحة من قلاع الثورة المضادة في مصر والسعودية والإمارات. وبالإضافة إلى حملات التشنيع والتشويه والافتراء، جرى حظر موقع العربي الجديد، وتم توظيف جيوش إلكترونية للحيلولة دون وصولنا إلى القراء في هذه البلدان التي لا تزال تفرض على مواطنيها إعلاما موجها، وتحارب المنابر التي تعلي حرية الرأي، وتحترم حق الاختلاف والحوار. كان أحد شروط دول الحصار على قطر في 23 يونيو/ حزيران الماضي إغلاق "العربي الجديد" بين منابر أخرى منها قناة الجزيرة، وهذا دليل على أننا استطعنا إصابة الهدف الذي كنا نطمح إليه، وهو تحريك البركة الراكدة. وإذا كنا قد أزعجنا دول الحصار، فليس لأننا تعرّضنا لهذا البلد أو ذاك على نحو يتجاوز الحدود المألوفة، بل لأن "العربي الجديد" منبر ينتصر للديمقراطية وحقوق الإنسان ومقاومة الاحتلال والفساد والإرهاب والتطرّف وفتح المجال واسعاً أمام حرية التعبير. على الرغم من المنع الرسمي المدجج بكل الوسائل التقنية، وصرف موازناتٍ باهظة على الرقابة ومطاردة وسائل الاتصال، لم تنجح دول الحصار في قطع الطريق، كليا، على "العربي الجديد"، ومنعها من الوصول إلى شرائح متعدّدة في مصر والسعودية والإمارات على وجه الخصوص، وبات لدينا قراء وكتّاب نعتز بهم، ونحن حاضرون في وعي الرأي العام واهتماماته في هذا البلدان، وفي كل يوم يزداد رصيدنا، وتتسع دائرة متابعينا، ويكبر تأثيرنا. ونحن نشعل شمعة جديدة في بداية عامنا الخامس، نشعر بالاعتزاز الكبير لما حققناه من انتشار وحضور ومكانة في العالم العربي في فترة زمنية قصيرة، وتم ذلك بفضل المصداقية والمهنية. وإزاء ذلك، نحن نعي تماما أن العملية الإعلامية تفرض شروطا مختلفة عن السابق، وبرز خلال أزمة حصار قطر استهتار دول الحصار بالإعلام واستخدامه وسيلة بروباغندا رخيصة، ومن النتائج أن بعض الصحف التي كانت تحظى بالاحترام لتاريخها المهني سقطت نهائيا، وباتت معرّضة للإغلاق، في حين تحولت صحف وفضائيات إلى ملكية ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وصار دورها يتركز على التبخير له وشن حملات على خصومه. يؤشر هذا الوضع الجديد إلى تراجع مساحة الحرية، وإلى أن الإعلام في المنطقة العربية مرشح لأن يعيش تراجعا وتدهورا يعكس إغلاق صحف وتسريح صحافيين. وفي الوقت ذاته تكوين إمبراطوريات هدفها تشكيل رأي عام عربي جديد ضمن توجهات السعودية ومصر والإمارات، ليس على مستوى تعميم خطاب معادٍ للحرية فحسب، وإنما ترويج ما يعرف بصفقة القرن التي طرحتها الإدارة الأميركية لتصفية قضية فلسطين، وكلفت ولي العهد السعودي تسويقها، وهذا ما نلحظه بشكل متسارع الوتيرة في مقابلات بن سلمان نفسه. سنة خامسة.. و"العربي الجديد" على طريق صحافة التفاعل، من الواحد إلى المتعدّد.