يعتبر الإعلام من أهم الوسائل الأكثر تأثيرا في تكوين شخصية الإنسان وبلورة ثقافته، وتعتبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة أكثر تأثيرا لقدرتها على توصيل الرسالة المرغوبة لجميع طبقات المجتمع سواء المتعلمين وغير المتعلمين. وتبرز أهمية الإعلام في التنشئة السياسية في المكانة التي يحتلها في توجيه الفعل السياسي والتأثير على توجهات الأفراد ومواقفهم السياسية. هذه الأهمية التي يحتلها الإعلام دفعت معظم الأنظمة السياسية للسيطرة عليه وتسخير أكبر عدد من المتخصصين لضمان الهيمنة على أفكار الناس وعواطفهم 1. ويشكل البحث في كيفية تقديم صورة المرأة وتناول قضاياها في وسائل الإعلام آلية للكشف عن ماهية الأهداف التي تسعى هذه الوسائل بشكل قصدي أو غير قصدي لتثبيته في الواقع، لمعرفة درجة تميزه وصور وأساليب ما تنتجه كثير من أدواتنا الإعلامية في معالجة قضايا المرأة المختلفة. والحديث عن علاقة الإعلام بموضوع المرأة، لا يمكن أن يكون مجرد حديث عن تقنية للتواصل وارتباطها بمسألة إدماج النوع في التنمية، بقدر ما هو مسألة شائكة تتعلق بنسق فكري وسياسي تحمله وسائل الإعلام وتعمل على ترويجه داخل المجتمع انطلاقا من قيم ثقافية وتصور للنظام الاجتماعي. والإعلام من أكثر الوسائل التي تستخدم في تسويق الأفكار، وفي تعبئة الرأي العام، والتأثير فيه وغرس القيم والمبادئ؛ فدقيقة واحدة على شاشة التلفزيون كافية لتغير سلوكنا والتأثير على ثقافتنا وقيمنا ومبادئنا 2، وثلاثون ثانية أخرى كافية لترويج الصورة السلبية للمرأة وإظهارها في صور دونية لا في الأعمال الدرامية أو من خلال الوصلات الإشهارية التي تكرس المرأة كسلعة. ويتم تكريس هذا الموقع للمرأة من خلال الإعلام 3 الذي يعكس الثقافة السائدة في المجتمع. وإذا تأملنا تعاطي وسائل الإعلام المكتوبة والسمعية والبصرية مع المرأة، فإننا نجد أن هذه الوسائل لا تزال تمرر خطابات تكرس النظرة الدونية للمرأة 4 ولا تراعي المكانة التي بدأت المرأة تشغلها كفاعل أساسي في المجتمع؛ إذ لا تزال تقدم في صور ترمز للمرأة الماكرة او الضحية، المرأة المشيّئة والمرأة الجسد، تصور ككائن مستهلك غير منتج، ينحصر سلوكها في الاستهلاك والزينة، تحتاج للحماية، وقاصرة لا تستطيع اتخاذ القرارات المهمة، أنثى جميلة مغرية وعاطفية وانفعالية. عمل الإعلام من خلال البرامج المقدمة على الانتقاص من مكانة المرأة وإمكاناتها وعدها في أحيان عديدة فى إطار سلعة للترفيه والتدبير المنزلي، وفرض عليها قسرا واجب التعايش مع أنماط عيش لا إرادة لها فيها، وهو ما تتناوله وتكشف عنه وسائل الإعلام بواسطة برامجها المتنوعة كما في مثال صور الإعلانات التي تستخدم فيها المرأة للترويج لبضاعة ما، الأمر الذي أدى إلى تشييء المرأة والتعامل معها كسلعة تجارية معدة للتسويق، من أجل تحقيق أهداف سياسية واقتصادية، في إطار محاولات تثبيت النظم الاستغلالية وفلسفاتها وخلفياتها، وأغفلت حقيقة أن المرأة لها أدوار سياسية واقتصادية وثقافية وعلمية وتنويرية ملموسة ومعترف بها، وأنها شريك أساسي في صناعة الحياة، الأمر الذي لم يبرزه الإعلام بجلاء حيث المرأة العالمة والعاملة والمسؤولة وربة المنزل صانعة الأجيال المبتكرة، ولا يختلف الأمر بالنسبة لوسائل الإعلام المكتوبة، والتي تخصص صفحات للمرأة تتناول في معظمها موضوعات لها علاقة بأنشطة المرأة في المجالات الاجتماعية بالإضافة إلى مواضيع تتعلق بالتسوق والتجميل ووصفات الطبخ والزينة. وفي استقراء وضع المرأة في الخطاب الإعلامي، لا تزال الصورة المقدمة عن المرأة صورة نمطية تقليدية 5. ولا تختلف في ذلك معظم الدول العربية، وأهم الاختلالات التي يعرفها مجال الإعلام فيما يتعلق بالمرأة: – غلبة الطابع السلبي على صورة المرأة في الإعلام، وذلك من حيث خصائصها التعليمية أو الثقافية ومن حيث قدرتها على التصرف المستقل واتخاذ القرار. – غلبة التركيز على الأدوار التقليدية للمرأة في الرسالة الإعلامية وعدم مواكبة التنوع في أدوار المرأة واقعيا. – عدم كفاية المواد الإعلامية من حيث الكم والكيف التي تعرف بالحقوق المختلفة للمرأة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا. – ضعف وعدم كفاية المواد الإعلامية التي تحاول التصدي للمفاهيم والعادات الخاطئة الظالمة للمرأة والمميزة ضدها. – غلبة الطابع التجاري على الممارسة الإعلامية ما يؤدي إلى تقديم صورة سلبية للمرأة كمستهلك أو كجسد بما لا يتفق مع واقع المرأة والقيم الاجتماعية. – ضعف مراعاة البعد الإنساني للمرأة في الرسالة الإعلامية، سواء من حيث الوعي بأهميته، أو من حيث القدرة على تنفيذه. – حصر دور المرأة الإعلامية على ملفات إعلامية بعينها تتسم بطابع فئوي (ما يتعلق بالموضة والجمال وقضايا الأسرة) دون أخرى (الملفات السياسية والاقتصادية التي تهم جميع فئات المجتمع). – استحداث بعض المواد والبرامج الإعلامية المترجمة عن أصل أجنبي دون مراعاة الخصوصيات الثقافية الوطنية. – ضعف التنسيق بين المؤسسات الإعلامية فيما يتعلق بالإنصاف في قضايا المرأة. – ضعف الوعي لدى المؤسسة الإعلامية بأهمية الحركة من أجل تقديم صورة إيجابية للمرأة أمام الرأي العام الأجنبي. أما فيما يتعلق بالمرأة العاملة في المجال الإعلامي؛ فالمرأة الصحفية تظل، حتى داخل قطاع الأخبار، محصورة في التقديم، وغائبة عن البرامج الحوارية مثلا. ويعمل التلفزيون كذلك على إعادة الإنتاج اللاواعي للصور النمطية السائدة في المجتمع، وذلك بتكرارها (من خلال الخطاب الإشهاري خاصة)؛ فهي تظهر صحفيات معترف بهن في الأوساط المهنية، ومن جانب آخر، ربات بيوت محقرات وخاضعات، دون الربط بين معيش المرأة خارج البيت وداخله. ورغم مشاركة المرأة بدينامية وفعالية في التحولات التي شهدتها معظم بلدان المنطقة العربية في مرحلة “الربيع العربي”، والذي لم تكن المرأة المغربية استثناءا فيه بمشاركتها ضمن حركة 20 فبراير، ورغم تنصيص الدستور الجديد على مجموعة من المقتضيات والبنود التي تؤكد مبدأ المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمدنية، بل وذهب الدستور أبعد من ذلك بالتنصيص على سعي الدولة لتحقيق مبدإ المناصفة في الفصل 19 من الدستور، كما تكرر في فصول الدستور أكثر من مرة مصطلح “المواطنات والمواطنين” 6. كيف انعكس هذا التطور على صورة المرأة في مجال الإعلام؟ رغم اتخاذ مجموعة من التدابير بعد دستور 2011 لتحسين صورة المرأة في الإعلام وتبويئها المكانة اللائقة بها من خلال بعض الاستراتيجيات، إلا ان الدراسات والتقارير المنجزة في هذا المجال تكشف أن واقع الإعلام المغربي لم يستطع بعد الابتعاد عن الصورة النمطية للمرأة كما أنه لا يواكب القضايا الحقيقية والعميقة التي تعاني منها المرأة (النساء السلاليات، التجهيل والتفقير، إشكالية العنف بكل أنواعه ضد المرأة، الاستغلال الاقتصادي للمرأة في الشركات والضيعات الفلاحية، زواج الكونطرا …). إذن، يمكن ملاحظة أن التطور الذي يعرفه حضور المرأة في الوسط والمحتوى الإعلامي لا يزال محتشما بالنظر إلى التحولات التي عرفتها قضايا المرأة. فالإعلام لا يزال يروج لفكرة مفادها أن البناء الاجتماعي للأنوثة ينطوي تحت شعار الجسد في حين أن البناء الاجتماعي للرجولة ينبني على شعار العمل. كما يمكن ملاحظة توجه إعلامي في القنوات العمومية نحو الدبلجة في معظم المسلسلات والأفلام المقدمة (التركية، الكورية، المكسيكية والهندية…)، والتي تستورد قيما وصورا تختلف عن واقع وخصوصية المجتمع المغربي، والأخطر فيها أنها تنقل باللغة العامية “الدارجة المغربية”، ويظهر فيها تقديم صور نمطية تسيء إلى المرأة ومكانتها ودورها في العملية التنموية والتربوية. يعتبر مطلب تحسين صورة المرأة في الإعلام مدخلا أساسيا ومحوريا لترسيخ قيم الإنصاف، وذلك بتوعية المرأة وإشراكها في مجالات اهتمامها حسب الحيثيات والفئات، والتخصصات والمهام والوظائف، وكسبيل لمقاومة وتغيير موجة التمييع والتسطيح والاستهتار بكرامة المرأة وبالتالي كرامة المجتمع. مطلب تلزمه جرأة وإرادة سياسية، تساندها برامج مؤسسات المجتمع المدني والنسيج الجمعوي. هذه الإرادة السياسية تتطلب إجراءات مواكبة: تربوية، قانونية، ومؤسساتية. [1] أظهرت الأحداث الأخيرة في دول الربيع العربي دور الإعلام في توجيه الرأي العام وتوجيه الأحداث. في مصر، مثلا، ساهم الإعلام بشكل قوي في تأليب المصريين على حكم الإخوان المسلمين. وتم استغلال كل المؤسسات الإعلامية من قنوات تلفزية وصحف وممثلين، لتضمن هذه القوى استقطاب كل الشرائح. وعملت منذ اليوم الأول على إغلاق كل القنوات التي تساند أو تتعاطف مع حكم الإخوان. [2] يعتبر الدكتور ابراهيم ابراش أن التلفزيون من أهم وسائل الإعلام من حيث التأثير على توجهات الناس السياسية نظرا لاقتران الصوت بالصورة وكذا للأسلوب الشيق الذي تقدم به البرامج. انظر ابراهيم ابراش: مدخل لدراسة علم الاجتماع السياسي، مرجع سابق. الصفحة 197. [3] تعتبر المؤسسات الإعلامية من القنوات المباشرة للتنشئة السياسية، فهي مؤسسات سياسية ذات وظيفة سياسية عكس الأسرة والمدرسة اللتين تعتبران مؤسسات اجتماعية ذات وظيفة اجتماعية تربوية. انظر ابراهيم ابراش: مدخل لدراسة علم السياسة. مرجع سابق. الصفحة: 196. [4] سكينة بوراوي وآخرون: “الإعلام العربي من منظور النوع الاجتماعي: اتجاهات وأدوات تفعيل” صادر عن مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث “كوثر” تونس، سنة 2009. الصفحة 31. [5] المرجع أعلاه: الصفحة 4. [6] نص في الفصل 14 منه أنه: “للمواطنات والمواطنين ضمن شروط وكيفيات يحددها قانون تنظيمي، الحق في تقديم ملتمسات في مجال التشريع”.