البرلماني نبيل الأندلوسي لقد كان مقررا أن تُنظَم يوم الخميس 20 يوليوز مسيرة إحتجاجية سلمية بالحسيمة، تطالب بإطلاق سراح المعتقلين وبتحقيق مطالب ساكنة الريف العادلة والمشروعة، هذه المطالب التي تُرفع في كل قرية نائية أو مدينة مهمشة من مناطق المغرب العميق التي تئن تحت وطأة الظلم والفساد والحكرة. كان يُنتظر أن تمر المسيرة في سلمية ورقي حضاري، كما عودنا الشباب الذي يؤطر هذه الإحتجاجات، وكم كنت أتمنى أن تكون هذه المسيرة عرسا حقوقيا يتباهى به المغرب أمام غيره من البلدان والأمم، مسيرة يحمي فيها الشباب مؤسسات الدولة ومنها مخافر الشرطة ورجال الأمن بسلاسل بشرية، كما فعلوا في كل مرة لم يتدخل فيها الأمن بعنف وقوة. كم كنت أتمنى أن تسمح الدولةُ للشباب بتنظيم مسيرتهم، وتوفر لها الحماية وترسل رسالة للجميع بأنها تحترم حقوق وحريات المواطنين، وأنها تتعامل بمرونة مع المسيرات والوقفات الإحتجاجية السلمية، بعدما قطعت ما إرث ثقيل من الإنتهاكات وجروح سنوات الرصاص. لكن يأبى كابوس التراجعات إلا أن ينهي بصيص الأمل، ويؤكد لي مثل غيري أن الأمور في البلاد لا تسير على ما يرام، وبأن بلادنا تعرف تراجعات حقيقية وانتكاسة ديمقراطية وردة حقوقية تهدد السلم الإجتماعي للوطن. كنت يوم 20 يوليوز أتابع عن كثب كيف تعاملت الدولة مع المحتجين، واستنشقت حقي من الغازات المسيلة للدموع، فآلمني مرة أخرى أن أرى بلادي تضرب عرض الحائط توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، و تهد ما حققته بلادنا على المستوى الحقوقي من مكتسبات، بفضل تضحيات رجال ونساء ضحوا بحياتهم وسنوات من أعمارهم في سبيل الوطن. آلمني أن أرى الأطفال والنساء والشيوخ، بل وحتى الرضع يستنشقون الغازات المسيلة للدموع التي تَقذفُ بها قوات الأمن بشكل عشوائي ومفرط في الأحياء والأزقة والشوارع وعند أبواب المنازل، لتفريق مسيرات سلمية لم تخرب ممتلكات ولم تعرقل سيرا. آلمني أن أسمع الصراخ والعويل، وأن أرى دموع الحرقة تسيل على خدود الأمهات والجدات. آلمني أن تمنع الداخليةُ المسيرة، وأن تستدعى مرة أخرى أحزاب الأغلبية – والمعارضة كذلك – لتوفر لها الغطاء السياسي للمنع، مما يعني أن الوزارة وأصحاب القرار متأكدون من أن قرارهم في حاجة لغطاء تبريري لأنه في الأصل مفتقد للشرعية، متناسين أن الغير شرعي يبقى غير شرعي ولو بررته كل أحزاب الدنيا. آلمني أن أرى بلادي تسير إلى الهاوية، والحقوق تنتهك والحريات تصادر. آلمني أن الغازات المسيلة للدموع لم تستثني حتى المصلين في المساجد(عند باب مسجد غينيا)، ولا المرضى في المستشفيات (قرب باب مستشفى محمد الخامس بالحسيمة). آلمني أن ألتقي أفراداً من جاليتنا المقيمة بالخارج وهم مذعورين، وغير قادرين على إستيعاب ما يحصل في مدينتهم التي كان رمزا للهدوء والسكينة، رافضين ومستنكرين لما وقع ويقع من إعتقالات وتنكيل وقمع. آلمني أن أرى مواطنين يمنعون من الدخول إلى الحسيمة في خرق سافر للقانون، وأساسا للفصل 24 من الدستور الذي نص صراحة وبالحرف أن "حرية التنقل عبر التراب الوطني والاستقرار فيه، والخروج منه، والعودة إليه، مضمونة للجميع وفق القانون"، فمن سيضمن تطبيق القانون إذا كانت الدولة هي من تخرِقُه؟. آلمني أن أرى الغضب في عيون الناس، وأن أرى الهوة تتسعُ ما بين الدولة والمواطنين، وأن المؤسسات تكادُ تفقد كلَّ مصداقيتها. آلمني أن أرى عشرات المعتقلين والمجروحين والمصابين في مواجهات لا تخدم أحدا إلا أعداء الوطن، ومن يريد شرا بهذه البلاد. أيها المسؤولون، لقد منعتم المسيرة، وأطلقتم الغازات المسيلة للدموع، واعتقلتم وقمعتم وخفضتم صبيب الأنترنيت كي لاتصل الحقيقة..فماذا بعد؟ هل وجدتم بهذه الإجراءات حلولا؟ هل منعتم الناس من الخروج؟ هل نجحتم في مقاربتكم الأمنية البئيسة والفاشلة؟ هل أقنعتم الناس بأنكم جادون في إيجاد حلول لمشاكلهم؟ قطعا لا، لأنكم صببتم النار على الزيت بمنهجكم هذا، وتأججون الوضع أكثر، وأخشى أن تؤدي بنا مقاربتكم إلى نقطة اللاعودة، التي طالما نبهتكم إليها. نسأل الله الحفظ والسلامة.