في مشهد يعكس ازدواجية مقلقة في تطبيق القوانين، تتكشف فصول جديدة حول صفقة تحلية مياه البحر بجهة الدارالبيضاء-سطات التي يقف وراءها رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش. الصفقة التي بلغت قيمتها 650 مليار سنتيم، أثارت جدلاً واسعاً حول تنازع المصالح، خاصة مع ارتباط شركات أخنوش المباشر بها، مما يعيد طرح سؤال جوهري: هل القوانين وُجدت لتطبق فقط على الصغار؟ بينما يُمنع رؤساء الجماعات بموجب المادة 65 من القانون التنظيمي 14-113 من عقد أي صفقات مع الجماعات الترابية التي يشرفون عليها، تظهر وقائع صفقة تحلية المياه كيف تم تفصيل القوانين لتناسب مصالح أخنوش بشكل مذهل. التفاصيل الزمنية تكشف مراحل دقيقة تم إعدادها بعناية، بدءاً من إطلاق طلب العروض في مارس 2022، وصولاً إلى توقيع العقد مع التحالف الذي يضم شركته "أفريقيا غاز" في نوفمبر 2023، وإطلاق أشغال البناء في يونيو 2024. أحد أبرز المحطات في هذه الطبخة التشريعية كان في ديسمبر 2022، عندما قُدم تعديل على قانون المالية لسنة 2023 بمجلس المستشارين. التعديل منح تخفيضاً ضريبياً يصل إلى 20% بدلاً من 35% على أرباح الشركات المحدثة بعد يناير 2023، بشرط استثمار ما لا يقل عن 1.5 مليار درهم. هذا الشرط الذي يبدو عاماً، يظهر بوضوح أنه فُصل ليناسب المشروع الذي قاده التحالف الفائز لاحقاً، حيث تأسست الشركة الحاملة للمشروع في يناير 2024. القانون الإطار المتعلق بميثاق الاستثمار، الذي نشر في ديسمبر 2022، والمرسوم الخاص بتفعيل نظام الدعم للمشاريع الاستراتيجية، الصادر في فبراير 2023، شكلا الإطار التشريعي لتمهيد الطريق للصفقة. كل هذه الخطوات جاءت لتصب في مصلحة مشروع حاز عليه أخنوش وشركاؤه، في تناقض صارخ مع المبادئ التي ينادي بها الخطاب الرسمي حول الشفافية ومحاربة الفساد. ما يثير السخرية في هذا السياق هو الصرامة التي تُطبق بها القوانين على رؤساء الجماعات الذين يتجرؤون على كراء محل صغير أو إدارة مرفق بسيط تابع للجماعة، في حين يُسمح لرئيس الحكومة بالتورط في صفقة بهذا الحجم دون أن ترف عين. وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، لم يتردد في مارس 2022 في توجيه مذكرة صارمة لعزل المنتخبين المتورطين في مثل هذه الممارسات. لكن هذه الصرامة يبدو أنها تتبخر تماماً عند مواجهة "الكبار". في 16 ديسمبر 2024، أعلن أخنوش أمام مجلس النواب بكل وضوح عن حصول شركاته على الصفقة، مدافعاً عنها بشراسة، ومؤكداً أنها تستوفي كل الشروط القانونية. هذا التصريح الذي جاء كاعتراف ضمني بتداخل المصالح، أثار موجة غضب وانتقادات واسعة، وفتح الباب للتساؤل حول مصداقية الحكومة في التزامها بالمحاسبة والشفافية. صفقة تحلية المياه ليست مجرد مشروع استثماري، بل هي رمز لنهج خطير يضرب في العمق مبادئ العدالة وتكافؤ الفرص. عندما تُفصل القوانين لخدمة مصالح النخب على حساب المال العام، تصبح الثقة الشعبية في المؤسسات مجرد وهم. لا يمكن لبلد يسعى لتحقيق التنمية العادلة أن يقبل بازدواجية المعايير هذه، حيث تُطبق القوانين بصرامة على الضعفاء، بينما تُترك الأبواب مفتوحة أمام الأقوياء ليعيثوا في المال العام كما يشاؤون. في نظام يسعى لمحاربة الفساد وتخليق الحياة العامة، يصبح تجاوز رئيس الحكومة للقوانين التي يُفترض أن يحميها عنواناً صارخاً لازدواجية قاتلة.