مبدئيا؛ فالذي فرض هاته المقالة ( الاستحضار المعلن) طبيعة الصمت المريب؛ واللامبالاة المقيتة . من لدن من كانوا يملؤون الساحة المسرحية ضجيجا ويناورون هنا وهناك ؛ ويستقطبون هَذا وذاك ؛ لكي ينضم للفصيل ( النقابي) أو (اللوبي) وينظمون لقاءات من أجل التزلف لجهة معينة؛ كل هذا على باسم ( المسرح) ولكن تبين أنه سواء أكان المسرح أم لم يكن؛ فالأمر سيان. أكيد ولا خلاف: فمنذ ظهور فيروس كورونا الذي حول العالم إلى جحيم ؛ وتغَيرت معالم حياتنا ونظام عيشنا ؛ طوال النهار إلى يوم تمظهر سلالة جديدة لهذا الفيروس العجيب ؛ الذي شل إلى حد ما عجلة الاقتصاد الوطني والدولي ؛ وأوقف عدة أنشطة ومهن وحرف. لكن على الأقل ؛ أن يبقى حضور المسرحي في واجهة الأحداث؛ تعبيرا وكتابة وإبداعا؛ مما يطرح السؤال. هل المسرحيون المغاربة أقْبروا؛ ولم يعُد لهم هَسيس حتى ؟ مقابل هذا السؤال؛ هنا وهناك صرخات ونداءات واحتجاجات محلية ووطنية لعمال وأرباب الحمامات وممولي الحفلات وأصحاب القاعات الرياضية وغيرهم . وبالتالي كنا نسمع ضجيجا وهمهمات إبان الدعم الاستثنائي ! هَذا يعني أن الحضور والبلبلة والمساومات والتحركات والمقالب بين هَؤلاء وهَذا ؛ وهؤلاء بالمؤسسات...... له علائق بالجانب المادي؛ ولكن هاهي الوضعية الاحترازية لازالت سارية المفعول: فهل توفي فنان سواء ( أكان ) موسيقيا / مسرحيا / سينمائيا / مطربا / ..../ من جَراء الجوع ؟ هَل تشرد فنان ( ما ) وأمسى عرضة للشارع من جراء عَدم استخلاص سومة الكراء؟ هل تم اعتقال فنان ( ما ) جراء عدم استخلاص النفقة على طليقته إن كان مطلقا( وما أكثرهم) هل توقفت أجرة فناني خريجي المعهد ؟ لا شيء وقع إلا لبعض عفيف النفس؛ والذين يخجلون من السؤال. وهاهُو الوضع الثقافي/ الفني؛ كأنه موجود وهو أصلا غير موجود من خلال أنشطته وحركيته المسرحية ، وتفاعله بالنقد والدراسات والمقالات؛ فحتى المواقع الثقافية ( العربية) لا وجود لكتابة / دراسة / مقالة / خربشات/ تتعلق بالوضع المسرحي في المغرب؛ وكيف يمكن صناعة فرجة بديلة عبر المسرح الرقمي وتفعيل الوسائط الإجتماعية؛ ناهينا عن ثلاث مواقع تعنى بالشأن المسرحي والإبداعي( مساحات مسرحية/ الفنية/ الفرجة) تعيش جفافا أو بالأحرى موتا ملموسا في العطاء والإنتاج الفكري/ الإبداعي. فالمسرح لا يقتصر على إنجاز عرض ( ما ) بل كل المكونات الفكرية والثقافية والعلائقية لها تقاطع بالمسرح كروح فاعلة ومنتجة كنسيج منسوج بشكل تركيبي؛ وبناء عليه فالمسرحي بشكل عام سواء أكان ممارسا أو ناقدا أو متعالما أو مهتما يبقى مسؤولا عن التحنيط الذي يعيشه مسرحنا؛ بحيث المسرحي لا يميز بين الواقع والخيال؛ فحياته الحقيقية متداخلة بين المتخيل بالمحسوس ؛ واليومي بالمستقبلي ؛ ليزيح الغموض عن بؤس الحياة ومعاناة الإنسان. وهكذا كان المسرحي وما يزال وسيبقى. لأن في عرف القضية فالمسرحي مهما كان مستواه يبقى شعلة منيرة فضاءات الثقافة والإبداع . لكن ؛ فالإشكالية التي سقط فيها المسرح ( في المغرب) التهافت الفاضح على المال الذي حول الفن/ الإبداع إلى سمسرة ؛ والمسرحي إلى رقم من أرقام البورصة ! فمن البدهي أن سوق الدلالة حينما يُغلق؛ يخرس ( الدلال) عن تبريحه في السوق. ولم يعُد أحد يقاسمه نفس الحركية والتعامل ، ونفس حالة البيع والشراء ، ونفس الموقف من الثمن المطروح . ربما هانا نبالغ بعض الشيء؛ ولكن إذا أكدنا بأنه خلال أسبوعين من هذا الشهر ( شتنبر2021) مسرحيين سقطوا بين التهميش والموت ؛ والبعض رحل إلى دار البقاء ك [ التهامي الوردي المعْروف ب[ بوشعيب / وجدة ] و [ الحاج محمود مانا / الصويرة ] و [ الشرقاوي البياض/ الرباط ]و[ شامة المودن/ آسفي] و [ نورالدين الشاوني/ فاس] [...] لا أحد اهتم بوفاتهم بشكل فعلي وجاد وذكر مناقبهم الإبداعية وتضحياتهم الجسيمة في المجال المسرحي/ الفني؛ فحتى المواقع المسرحية ( الثلاث) التي ذكرتها؛ لم تفكر حتى في وضع صورة بئيسة لبعض للراحلين ( عجائب) اللهم بعض الشذرات الفايسبوكية؛ التي لا تخدم صاحبها ؛ فبالأحرى المتوفى . ونعي مقتضب من إحدى النقابات في حق ( شامة المودن) ربما سيقول قائل: هاته الأسماء لا نعرفها ولم نسمع بها ؟ طبيعي أن نسمع مثل هذا القول؛ علنا أو هَمسا. لأن الراحلون أساسا من الجيل الثاني؛ والجيل الثاني بعض منهم لازالوا أحياء؛ ويعرفونهم حق المعرفة ؛ ولكنهم ملتزمين الصمت؛ غائبين؛ لكنهم يترقبون من الفصيل السياسي الذي ستسند له حقيقة وزارة الثقافة ؟ بعْد الانتخابات الجهوية والتشريعية ببلادنا؛ لأن لجَن الدعم توقفت ! والتهافت على الدعم كذلك توقف ! توقفت المهرجانات والأنشطة (اللوبية) ! وتوقفت السفريات للخليج ! والمساهمة في أنشطة الهيئة العربية للمسرح ! وتوقف الدعم السري لبعض الأحزاب لبعض النقابات ( الاحترافية) ! وتوقفت التعويضات من بعض المجلات/ الصحف ! وبالتالي فليمت ( أي) كان؛ لأنه من بين المسلمات فالمال مهما كان قَدره واخترق الوسط الفني والإبداعي بشكل سافر وغير مبرر؛ من البدهي ستنعدم الأخلاق وتجف العاطفة ؛ رغم أن الفنان عاطفته جياشة؛ ولكن يتبن عبر الواقع أن (( المسرحي)) الذي يمارس التهميش والإقصاء ضمني في حق رفاقه وأصدقائه، وبتواطؤ ضد مصالحهم؛ رغم التضحيات والعطاء الذي يقدمه ( أي) فنان في المشهد الإبداعي/ الثقافي ، وخاصة ( أولئك) الذين يعملون في الظل وبعيدين عن اللوبيات والسماسرة والانتهازيين , وما أكثر الذين عاشوا الإقصاء والتهميش وهضم حق الاستمرارية أو عرقلتها بشتى الطرق، قبل أن ينزل طير الموت ليخطفهم لدار البقاء ؛ فإذا نظرنا للمتوفين ماذا قدموا للمشهد المسرحي بعجالة ، سنكتشف المفارقات العجيبة في بلاد العجائب أننا نمارس الاقصاء والتهميش فيما بيننا في الوسط الفني والابداعي الى حد الاغتيال الرمزي ؛ فالفنان( بوشعيب/ من المؤسسين الأوائل للمسرح الشعبي بمدينة وجدة رفقة فاروق عطية/ بلعيد أبو يوسف / بنيونس الفيلالي/ ميمون بوطيب/ له أعمال متميزة منذ بداية (1959) ولقد ساهم في تفعيل ودعم المسرح بمدينة [ أوطاط الحاج ] مسقط رأسه ؛ علما أنه يعتبر ذاكرة المسرح الوجدي خاصة والمغربي عامة. وبالمناسبة أصيب بضعْف حاد في البصر؛ فتم إعلان نداء استعجالي" إلى كافة الإخوة المسرحيين والفنانين بمدينة وجدة . وذلك في شهر فبراير 2018 – (من أجل إجراء عملية على مستوى العينين .) هل تحقق النداء؟ نتمنى أن نتلقى جوابا ؛ من لدن أحد المسرحيين الوجديين. رغم أن المعني بالأمر؛ لقد توفي رحمه الله .لأن المعضلة فالذين يدعون التوثيق للمسرح المغربي لا يعرفونه ولم يتصلوا به من أجل ( الاستئناس) به أو دعمه ! لأنه من طينة أهل الظل؛ نفس الطينة عاش فيها ( الشرقاوي البياض) أحد الأطر الفعالة والقوية في وزارة الشبيبة والرياضة ؛ وتحديدا بدار الشباب علال الفاسيبالرباط وقاعة ( سوميه) في زمانها تشهد على ذلك؛ علما أنه من الأوائل الذين اشتغلوا مع الراحل الطيب العلج في فرقته؛ وانسحب ليعانق شق الهواة بمدينته؛ وخاصة جهة يعقوب المنصور. فحتى وجوده كان في الفايس بوك خجولا ؛ يزن الموضع في موضعه؛ والحرف بميزانه ؛ أما قيدوم المسرحيين بمدينة الصويرة الراحل( مانا ) فأول من عَرف للعالم الخارجي مدينة الصويرة مسرحيا؛ رغم أنه كانت هناك (جمعية الرجاء المسرحي) في الأربعينات؛ ورغم أن الراحل الطيب الصديقي من أبنائها لم يعرفها كما عرفها ( الحاج مانا ) قبل أن ينظم أول ملتقى مسرحي بشروطه الموضوعية سنة1978 قبل ملتقى الإتحاد الإقليمي لمسرح الهواة ( أكادير) وغيره ؛ وهو أول من نظم ليالي كناوة ؛ وبحرقته المسرحية؛ وهوسه المطلق؛ والغريب أنه الوحيد الذي ظل منذ سنين وهو يطلب بإنشاء قاعة للمسرح بالمدينة؛ وذلك من خلال جمعية أسوار؛ ومن خلال الإتحاد الإقليمي لمسرح الهواة الذي كان رئيسه قبل وفاته ؛ أما الراحلة (شامة المودن) تعتبر رائدة وأول فتاة اقتحمت المسرح بأسفي؛ مع جمعية هواة المسرح سنة1969 وساهمت بوقتها وجهدها؛ ولقد ظلت وفِيَّة للمسرح حضورا رغم اهتمامها بالرسم والشعر والزجل؛ وعلى ذكرهذا الأخير فشامة تلتقي مع الشرقاوي في صقل الحرف ومعاني الكلمات؛ أما الرسم فالرحل( مانا / يلتقي مع الراحل نورالدين الشاوني)هذا الاسم كان له حضور متميز وذو قيمة إبداعية خلاقة ، في فضاء مدينة فاس منذ (1973 ) مع جمعية التجديد المسرحي؛ ليتطور فيما بعْد بعطائه الفني وصقل موهبته مع الإتحاد الفني/ جمعية الشروق؛ ليستقر على تأسيس جمعية ( النداء المسرحي) التي قدم فيها الشيء الكثير من الأعمال المسرحية؛ للعلم رغم شهادته الجامعية ظل معطلا؛ لا يستعطف أحدا ولا يطرق أبواب المسؤولين ؛ ولا يشتكي من هول أيامه ، بل استعطف آلته التصويرية ( فيديو) التي كانت هي دخله اليومي؛ وكذا لوحاته الفنية الرائعة ؛ التي تزخر بها بعض الدور والمطاعم الفاسية ؛ فلماذا أثرت هذا( ونعلم مسبقا؛ أن بعض القراصنة؛ سيأخذون هاته المعلومات؛ وسينسبونها لأنفسهم) لنكتشف أن هنالك رجالات كانوا مبدعين وأتقياء؛ مقابل هذا هناك قلة مروءة واعتراف بالآخر؛ لأننا ضد أنفسنا ؛ ومن له رأي آخر فليدلي به؛ ولا يتحفظ ؛ لأننا سنعيش سويا في مجتمع رقمي؛ كل شيء سيصبح مفضوحا مكشوفا أكثر مما نحن عليه الآن ..... فاس 20/09/2021