14 ماي هو اليوم الوطني للمسرح، وهو التاريخ الذي كان الراحل الحسن الثاني قد وجه فيه رسالة ملكية إلى المناظرة الأولى حول المسرح الاحتفالي، ونظرا لما احتوت عليه من مضامين هامة، اعتبرها المسرحيون خريطة طريق لإخراج المسرح المغربي من عنق الزجاج، وتكرس هذا التاريخ كمناسبة وطنية للاحتفال. لكن الآن، وبعد مرور 18 سنة، يحق لأبناء "أبي الفنون" أن يتساءلوا عما تحقق وما لم يتحقق على أرض الواقع. وزارة الثقافة اختارت الاحتفال بالعيد على طريقة "الجلباب والطربوش"، وذلك من خلال تقديم مجموعة من العروض المسرحية ببعض المدن، بتعاون مع المسرح الوطني محمد الخامس وبتنسيق مع مديرياتها الجهوية، كما يذكر بلاغ للوزارة. لكن هذا ليس هو لب القضية، "فالمسرح يجب أن يتم الاعتناء به طيلة السنة، ولا يجب انتظار هذا اليوم للتلويح بمظاهر الاحتفال"، كما يقول عبد المجيد الهواس. أما الطيب الصديقي فيتأسف على وضعية رجال المسرح، في حين يصرخ الطيب العلج: "لم يعطني المسرح أي شيء رغم أني وظفت حياتي لخدمته". أما حسن نفالي، رئيس النقابة المغربية لمحترفي المسرح، فهو يطالب بفتح نقاش حول وضعية المسرح المغربي، حيث ستتقدم النقابة، في الأيام المقبلة، بمشروع خطة وطنية للنهوض بهذا القطاع. وهذه شهادات الأبناء في حق أبيهم وأبي الفنون يوم العيد. الطيب العلج: المسرح لم يعطني شيئا فالناس تمجد الأموات وتغمط حقوق الأحياء أنا سعيد بهذه المناسبة، فهذه اللحظات من أحبها إلى نفسي، وأنا المسرحي الذي أسهم بكل تواضع في تأسيس هوية مسرحية عربية، وهذا ما تدل عليه أعمالي. وما أتمناه هو أن يعمل الجيل الحالي والأجيال القادمة على إثبات هذه الهوية العربية. فالمسرح وافد علينا، وهذا ما يجب أن نقوله بكل صراحة، حقيقة أن العرب عرفوا أشكالا إبداعية مختلفة، من أسطورة وشعر وخرافة وملحمة وغيرها، ولكن المسرح يبقى فنا وافدا علينا، وهذا ما يجب التصريح والاعتراف به بكل شجاعة دون أي مركب نقص، وذلك لن ينتقص منا شيئا. ورغم ذلك، فنحن ندلو بدلونا من أجل خدمة المسرح العالمي. وبهذه المناسبة أشير إلى ما قاله لي أحد المخرجين العالميين الكبار من كون الخزانة المسرحية الكونية قد نضبت، ولن يعود إلى المسرح إشراقه إلا بالعودة إلى منابعه العربية التي لا تزال بكرا. فهذه الينابيع هي من سيعيد إلى المسرح رونقه أمام ما يزاحمه من فنون جديدة أدت، في بعض البلدان، إلى تهميشه. وعما إذا كان راضيا عن وضع المسرح اليوم يقول: "الرضا عن كل عمل، وإن كمل، يعني الموت، ولكني لست متشائما، فالمغرب بلد ولود يعج بالطاقات والكفاءات التي ستستمر جيلا بعد جيل. وأشير إلى أن الحركة المسرحية تقف على رأس التجارب العربية، وظهر لنا ذلك من خلال استلهام مسرحيات عربية لتجاربنا". وعما قدمه المسرح إلى الطيب العلج الذي أفنى عمره فيه قال: "لم يعطني المسرح أي شيء، رغم أني وظفت كل حياتي لخدمته"، ويضيف عن كيفية تحصيل رزقه: "لقد أنعم الله علي بشاعرية مميزة، جعلتني أكتب أجمل القصائد التي تحولت إلى أغان ومنها أكسب رزقي"، وفي هذا الجانب، يستنكر الفنان الطيب العلج ما وقع في دوزيم لما غنت إحدى المغنيات أغنية "ما أنا إلا بشر"، والتي تقاضت عنها الملايين، في حين أنه لم يتقاض ولو فلسا واحدا، بل أكثر من ذلك لم تتم حتى الإشارة إلى كاتبها، وتساءل: "هل يجب أن نكون أجانب حتى يتم الاعتراف بنا؟"، وختم متحسرا: "الناس تمجد الأموات وتغمط حقوق الأموات". عبد الحق الزروالي: 14 ماي لحظة رد الاعتبار وطرح الأسئلة العالقة منذ 50 سنة إذا كان العالم يحتفي، في 27 ماي من كل سنة، باليوم العالمي للمسرح، فمن حقنا نحن كمغاربة أن نحدد يوما ومناسبة لكي نحتفل ونتأمل واقعنا، ولكي نثير الانتباه إلى المسرح كقيمة أدبية وفكرية، سياسية اجتماعية وثقافية. وبهذا فإننا سنصحح كثيرا من المغالطات والتشوهات التي التصقت بصيغة أسميها ب"الوسلسة"، والتي نجمت عن تسرب مجموعة من التشوهات التي نجحت في إفساد نشوة الممارسة المسرحية. 14 ماي هو لحظة للتأمل ولحظة لرد الاعتبار، وأيضا هو مناسبة لطرح الأسئلة العالقة منذ 50 سنة أو أكثر، وذلك لكي نستوعب ما نحن فيه الآن ونستشرف الآفاق المشرقة، لكي نكون جديرين بالانتماء إلى المسرح ولا شيء غير المسرح. حسن نفالي: مضامين الرسالة الملكية بقيت حبيسة الرفوف ولابد من نقاش وطني وعما تمثله له إطلالة 14 ماي على المسرح المغربي، يقول حسن نفالي، رئيس النقابة المغربية لمحترفي المسرح: "يوم 14 ماي هو يوم وطني للمسرح، ومن خلاله فإننا بطبيعة الحال نقف وقفة للتأمل في وضعية مسرحنا المغربي، ففي هذا اليوم صدرت الرسالة الملكية التي تعد بمثابة خارطة طريق للنهوض بالمسرح في المغرب. لكن مع الأسف، فقد ظلت مضامين هذه الرسالة، إلى حد الآن، تقبع في الرفوف ولم تطبق ولو بنسبة قليلة. فقد كانت هناك مبادرات من وزارة الثقافة، تمثلت بالأساس في الدعم والترويج المسرحيين، لكن هذه التجربة استنفدت كل ما جاءت به. والآن فنحن كنقابة مغربية لمحترفي المسرح نطالب بإعادة النظر في الدعم المسرحي والرفع من غلافه المالي، ومن جهة أخرى فإننا نطالب بفتح نقاش حول وضعية المسرح المغربي، وذلك من خلال المقترح الذي ستقدمه النقابة في الأيام القادمة كمشروع لخطة وطنية من أجل تأهيل المسرح المغربي حقا. المسكيني الصغير: تأتي الذكرى ونحن نكرس للفوضى وغياب البنيات التحية.. المكاسب ضاعت هذه المناسبة تذكرنا بإنجازات لم تكتمل مع الأسف. الشيء الذي يجعلنا جميعا نسترجع المواقف القديمة للمسرحيين الذين رحلوا عنا، والذين لا يزالون على قيد الحياة. من أهم هذه الأشياء، الرسالة الملكية للمسرح الاحترافي، ولكن تطبيق منطوق الرسالة الملكية لم يكتمل، فنحن نعرف أنها جاءت بعدة أشياء مهمة، وأهمها: أولا: الجانب المادي، بتخصيص 1 في المائة من ميزانيات الجماعات المحلية. ثانيا: تأسيس فرق جهوية وإقامة مركبات ثقافية ومسابح، بالإضافة إلى الاعتراف بالفنان المسرحي، هذه النقاط المهمة مع الأسف تبخرت، ولم يعمل على تنفيذها المسؤولون، وأيضا لم يعمل على المطالبة بها المسرحيون، الشيء الذي يكرس نوعا من الفوضى وعدم الفهم من طرف المسرحيين الذين انجرفوا وراء ما يسمى بالدعم المسرحي، وتركوا هذه الأشياء التي هي الأساس في ازدهار الحركة المسرحية بالمغرب. تأتي هذه الذكرى أيضا ونحن لازلنا نفتقر إلى البنيات التحتية للمسرح في المدن الكبرى. هذه المناسبة أيضا تذكرنا بغياب العديد من المبادرات التي تعد مكاسب للمسرحيين على جميع المستويات، منها: الاعتراف بالفنان، ودعمه، والاعتراف بدوره التنموي. شيء آخر يجعلنا نتأسف على هذه المكاسب الضائعة أن الحركة المسرحية تعيش ركودا خطيرا جدا بالمقارنة مع السنوات الماضية. فمثلا، الفرجة التلفزيونية أصبحت معدومة بالنسبة إلى المسرح المغربي، وسيطر نوع من المسرح الذي لا يمكن أن يعطي طعما للتجربة المسرحية المغربية التي عرفناها مع مسرح الهواة، كتابة وتأليفا وتشخيصا وإخراجا. هذه الذكرى كان من اللازم أن تكون مناسبة نشاهد فيها أعمالا مسرحية رائدة، ونقرأ في نفس الوقت نصوصا مغربية تشخص واقعنا الاجتماعي. إذن فالمسرح المغربي يعيش نكوصا خطيرا، ونخشى أن تصبح الممارسة المسرحية في خبر كان، خصوصا وأن هذه الصحوة الهوائية وهجمة الأعمال الغربية أثرت على المتلقي، وأصبح مستلبا مشدودا إلى الأعمال الأجنبية، الشيء الذي يجعلنا نفتقد هويتنا وانتماءنا وولاءنا للإنسان المغربي، الذي يعيش مجموعة من التناقضات التي أفرزتها سياسات لم تُدخل في حسبانها الدور الثقافي باعتباره حاجزا وسدا بيننا وبين ما يُستهلك الآن. الطيب الصديقي: أتأسف كثيرا على وضعية رجال المسرح أهنئ وأحيي رجالات المسرح، ممثلين ومخرجين وتقنيين، وأتمنى أن تمر هذه الأيام الصعبة لتجد رجال المسرح دائما مجندين، إلا أنني أتأسف كثيرا على وضعية رجال المسرح، لأنني ألاحظ أن هناك شخصا من الأشخاص عين على رأس إدارة المسرح كمدير، وهو لا ينتمي أصلا إلى المسرح بقدر ما هو إداري ليس إلا. فهل يعقل أن يعين على رأس إدارة مستشفى رجل ليس طبيبا. عبد المجيد الهواس: صيغة الدعم بئيسة والاحتفال الحقيقي هو أعادة النظر فيها إنني أعتبر هذا اليوم كباقي الأيام، وذلك باعتبار أن المسرح يجب أن يتم الاعتناء به والاهتمام به طيلة السنة، وليس انتظار هذا اليوم للتلويح بمظاهر الاحتفال. إن اليوم الوطني للمسرح هو فقط تاريخ في أجندة وزارة الثقافة. إلى حد الآن، هناك تجارب مسرحية جميلة جدا، لكنها تبقى مهمشة. وهكذا، فإن الاحتفال باليوم الوطني يقتضي أن نحتفي بهذه التجارب أساسا، وبعدها يمكننا أن نفكر في صيغة أخرى للمسرح، خارج وجهة النظرة الرسمية. ثم إنه لكي يكون هناك احتفال حقيقي، يجب إعادة النظر في صيغة الدعم المسرحي، باعتبار أن الدعم الأساسي ليس هو دعم لصناعة الفرجة ولكنه دعم لبقاء روح المسرح في التجربة المغربية. لم يبق عندي إيمان حقيقي بهذه الاحتفالات الموسمية والروتينية، طالما أن المسرحيين يعانون، وبحكم أن السياسة الثقافية معتمة. أعتقد أنه يجب إعادة النظر في المسرح كتجربة إنسانية تقود إلى المستقبل، والتي يراهن عليها أشخاص يبدو أن الدولة تصنفهم خارج اعتبارها. صيغة الدعم هي في الواقع بئيسة لا تقدر العمل الفني في جوهره بقدر ما تقدر أو تزكي انتكاسات المسرح المغربي. ويجب إدخال المسرح كمادة للتدريس ضمن البرامج المدرسية من أجل تكريس تربية مسرحية لدى التلاميذ. عبد الكبير الركاكنة: ضرورة تنفيذ 1 في المائة من ميزانيات الجماعات المحلية وصيانة المسارح التي سكنتها البراغيث 14 ماي هي مناسبة غالية على جميع الفنانين الذين يحتفلون بها منذ 92، أي منذ 18 سنة، وهي مناسبة نسترجع فيها الرسالة الملكية للمغفور له الحسن الثاني للمسرحيين، والتي أعطتنا مجموعة من الحقوق التي لم تر النور إلى حد الساعة. وعلى هذا الأساس، فإننا نطالب الجهات المسؤولة والوصية على القطاع بضرورة تنفيذ مضمون هذه الرسالة، والتي تبقى كرمز لكل المسرحيين المغاربة، وسنبقى نعتز بها وسنطالب دائما بتنفيذ 1 في المائة من ميزانيات الجماعات المحلية، وتأسيس فرقتين في كل جهة من جهات المملكة، بالإضافة إلى بناء مسارح ومركبات ثقافية. إننا سنطالب دائما بتنفيذ الرسالة الملكية وإنزالها إلى أرض الواقع، وذلك حتى تدب الحركة المسرحية في كل جهات المغرب÷ بما في ذلك القرى والمداشر. وعن العوائق التي تحول دون تطبيق مضامين الرسالة الملكية، يقول الركاكنة: "إلى حد الآن لا نعرف ما العائق أو العوائق الحقيقية التي تقف حائلا في وجه عدم تطبيقها"، وعن وضعية المسرح المغربي يصرح قائلا إن هناك مبادرات وإبداعات جميلة، ولكنها للأسف لا تأخذ حقها في المشاهدة، مما يجعل هذه التجارب تبقى جد محتشمة، والسبب الحقيقي في ذلك هو غياب مؤسسات حاضنة بمعنى الكلمة، ترعى وتواكب التجربة، حتى لا يبقى الأمر مقصورا على تضحيات الفرقة التي بموتها يموت كل شيء. إننا بحاجة إلى إدارة ومروجين وداعمين للقطاع، وهذه أشياء غائبة، فليس معقولا أن يبدع المسرحي ويقوم بأعمال خارج تخصصه. وعن المطالب التي يطالب الركاكنة بها يقول: "أطالب برفع الغلاف المالي للدعم وعدم اقتصاره على 20 فرقة، والتي طبعا لن تغطي ربوع المغرب، ثم لا بد من تأسيس فرقتين جهويتين بالإضافة إلى الفرق الهاوية". ويضيف في نفس السياق أنه يجب صيانة مجموعة من المسارح والمركبات التي أصبحت وكرا للبراغيث، حيث تعاني من حالة يرثى لها.