محسن الشركي بالعودة إلى كرونولوجية التصريحات الرسمية لمسؤولي فريق المغرب التطواني، سنجدهم قد تعاقدوا مع الجمهور التطواني والرأي العام المتابع في بداية الموسم على احتلال المراتب الخمس الأولى في البطولة وعلى الرهان على الفوز بكأس العرش، وتعاهدوا مع مكونات المدينة خاصة على القطع مع صورة فريق يعاني من أزمة هيكلية تقنيا وتدبيريا وماليا مما ينعكس على قدراته التنافسية ويجعل الغيورين عليه كل نهاية موسم في حالة استنفار، بعد أن كان الماط قبل أربع سنوات خلت ناديا ضمن صالون كبار البطولة الاحترافية التي أحرز منها لقبين من بين ثمانية على عهد الاحتراف. وتفاديا لتكرار الإخفاق، اختارت إدارة النادي – على غرار طريقة إعداد الأكلات السريعة- العودة إلى نموذج الفريق الذي ينفق قسطا وفيرا من ميزانيته المرهقة أصلا على الانتدابات، حيث وقعت ل15 لاعبا مغاربة وأجانب بسومات عالية تحت ذريعة البحث عن الألقاب والنتائج التي ترضي الجمهور، وتتجاوب مع تطلعات مدينة تعشق فرجة الكرة التي تحقق المتعة والتطهير. وعليه انزاح النادي بذلك عن ملامح الفريق الذي قطع أشواطا وسنوات مع التجريب على مرحلة التسيير السابق، ليقتنع بأن الاعتماد على أغلبية منتوج مدارس تكوينه وفئاته الصغرى وعلى وصفات التأطير القاعدي والمحلي هو السبيل الوحيد العقلاني والواقعي في أمد متوسّط، لتحقيق الألقاب وللتحكم في توازنه المالي ولتسويق سمعته الراسخة في مشهد الكرة الوطنية، كناد أيقوناته أصبحت جواهرعابرة للمدن والفرق والمنتخبات العمرية ولبقاع دولية. فما أضيق نادي الانتدابات والإنفاق وما أوسع وما أمتع فريق التكوين والصادرات، لأن تطوان ببساطة جذور وهوية وليست مدينة مال وأعمال رغم قيمتها الجيواستراتيجية. ملامح تقنية سقطت اتباعا وفي غفلة من كبار البطولة، وفي خضم انشغال أندية وسط الترتيب وذيله بأزماتها المالية والتدبيرية قبل بداية الموسم، وبالنظر إلى طبيعة الخصوم التي واجهها الماط خاصة في الأدوار الأولى لإقصائيات كأس العرش، دخل الأحمر والأبيض مبكرا في إيقاع المنافسات الرسمية، وأتاحت له انتصاراته المتتالية فرصة تكريس منظومة لعب واضحة على الأقل بنكهة إسبانية، وإن كانت محدودة التطور، فقذ حققت له ارتقاء ذهنيا وروحا جماعية وانسجاما نسبيا ، فيما كانت خلفية النادي الظاهرة والحاسمة دوما جماهيره المتحمسة إلى التجديد، التي سئمت خطاب الأزمة ونتائج الانتكاسة. وأصبحت عن غير وعي أحيانا تجهض تجارب المدى المتوسط وتبحث عن آخر العلاج " الكي". المغرب التطواني وهو يتخبط في عشوائية الاختيارات المفصلة على مقاس ماليته استقرارا تقنيا هذا الموسم، لم يعرف أولى التغييرات الراديكالية إلا بعد أن ساءت النتائج وانهار حلم الفوز بكأس العرش، وقائع عدة وفظاعات قطفت رأس العقل التقني "المدبّر" الإسباني بدرو بنعلي الحائر بين ممارسة اختياري المدير الرياضي وبروفيل المدرب الذي طالما حلم أن يكونه بالماط. واتّباعا سقط الرّهان على مدرب الدرجة الثانية باء الإسبانية ابن الدار الوفيّ لفئات نادي سنطاندير أنخيل بياديرو، كما انتهى مشوار مواطنه المعد البدني أدولفو مايور دومو. رحل بياديرو وترك نهجا تكتيكيا وأوطوماتيزمات لعب مهضومة على الأقل لدى تشكيلته المفضلة من اللاعبين، كما خلف وراء ظهره حديثا تواصليا أنيقا في مشهد الكرة المغربية بلسان إسباني، وبنهجه وكتيبته المفضلة، حقّق الماط فوزين متتالين قبل أن تصيب البلد والفريق معا لعنة جائحة كورونا، التي قطعت مع النتائج الإيجابية التي تمنحها أحيانا " نفسيّا" مصادفة تغيير المدربين دون المساس بثوابت الأسلوب وبعناصر التشكيلة الاعتيادية. خاصّة وأنّ الجماهير العريضة طالبت بحتف القائد المدرب وساندت بشكل لا مشروط اللاعبين وإن كان منهم من لا يستحق اللعب للماط لضعف مستواه، أو لأنه قضى نحبه ولا يستطيع مجاراة كثرة المباريات لكبر سنه، ولإمكانية تعرّضه في أية لحظة للإصابات المتكررة كما تؤكده الوقائع. العودة المشؤومة للماط تثير عودة الماط للمنافسات بعد استئناف البطولة الاحترافية سخطا واستياء عارمين في صفوف الجماهير، وتطلق في الوقت ذاته توقّعات مغايرة لمستقبل فريق تحوم حول قدرات مسيريه أكثر من علامة استفهام لدى المتتبعين . ليس على مستوى النتائج فقط، حيث لم يحصل الفريق سوى على نقطتين من مجموع اثنتي عشرة نقطة بعد العودة المشؤومة، بل لظهوره إلى حدود الساعة بصورة الفريق الأضعف ضمن قائمة الأندية المتبارية. فبعد لقاء الرجاء وانفلات الفريق من هزيمة شنعاء، نظرا لسيل فرص التسجيل التي أتيحت للبطل، فجأة اختار الطاقم التقني الموسع إرادويا للماط، اللعب بخطة 3/5 /2 المتحولة دفاعيا إلى 5/3/2 أو 5/4/1 والمتغيّرة هجوميا إلى 3/4/3 أو 3 /4/3 . وعموما لا يهمّ النهج بقدرما تهمّ طريقة تنشيطه. والأكيد أن فهم وهضم نهج ما والتمكّن من أطوماتيزمات اللعب التي تترسخ بالوعي والتكرار أثناء التداريب يحتاج إلى وقت كاف. وما بين مباراة الرجاء وأسفي بل حتّى أكادير وسريع وادزم زمن لا يكفي حتى للاسترجاع البدني، فما بالك لتغيير أسلوب اللعب وتفصيله فقط من أجل إرضاء الخواطر. هي فوضى تكتيكية لا عارف ينكر أن الفريق في سديم فوضى تكتيكية. لقد بدا سيء التنظيم في الملعب، محاصرا في دفاع متأخر بكثافة عددية مربكة داخل منطقة الجزاء، دفاعه أخطأ كثيرا التموضع الخطي والحراسة الفردية رغم أن البعض يبالغ في الثناء عليه. أصبح الفريق بلغة الكرة لا يجيد ثنائية الانكماش في وضعية الدفاع والانتشار في حالة الهجوم. فحين يسترجع الكرة كمن يسترجع النار، يصعب عليه بناء الانتقالات بطريقة جماعية واعية لأن لاعبيه كلهم يوجدون بعيدين طيلة الأطوار على مسافات من مرمى الخصم. فيستعصى عليهم حتى إطلاق الهجمات المضادة عبر كرات طويلة في اتجاه الجناحين المتقوقعين في مهمات دفاعية إلى جانب الظهيرين، ليبقى المهاجم الوحيد منعزلا دائما لا تتاح له أية فرصة للتسجيل. ويبدو للمتفرج وكأن الفريق يلعب بخطين دفاعيين فقط قريبا من منطقة جزائه، عوض ثلاثة خطوط، تتقدم في تناغم وتربح مساحات في انتقالها نحو الهجوم، وتحافظ على توازنها أثناء التراجع إلى الوراء. هي فوضى تكتيكية إذن، حيث اللاعبون ليست لهم مهمات محددة في مساحات معينة بأطوماتيزمات مهضومة تتكرر وتشكّل نهجا واضحا يعبّر عن لمسة ورؤية للطاقم التقني. (طبعا غائبة) وضد قاعدة (نلعب كما نتدرب والنهد يبنى على مؤهلان اللاعبين). ومما يعمّق من بؤس كرة الماط في اللقاءات الأخيرة، هي القراءة الشاردة للطاقم التقني الموسّع للأطوار، والتغييرات التعييرات العشوائية التي لا تمس التكتيك، والتي تكاد تأتي دفعة واحدة أو متقاربة الزمن، حيث تزيد من عدم الانسجام بما أن اللاعبين وخاصة الشباب عادة ما يحتاجون وقتا كافيا للدخول في أجواء اللقاء فرادى أودفعة. عموما تبقى كل الإحصائيات مثيرة للصدمة والحيرة، على مستوى الفرص السانحة للتسجيل، أو على مستوى عدد التمريرات الصحيحة بين اللاعبين، أو على مستوى العرضيات والتمريرات التي يفترض ان يقوم بها ظهيران متحرران وبنفس هجومي في ظل اختيار اللعب بخمسة مدافعين، أو على مستوى الانتقالات والتحولات والقذفات من بعيد، أو على مستوى مشاركة لاعبي الارتكاز أحيانا في الهجمات عوض التصاقهما بخط الدفاع ليصبح بسبعة مدافعين، أو حتى في التفوق في النزالات الثنائية الهةائية والأرضية.. وعموما "هي فعلا فوضى"، وقد تنهي تماما هدف احتلال المراتب الخمس الأولى المعلن للجمهور، خاصّة وأن مواعيد الفتح والدفاع الحسني الجديدي وبعدهما الوداد الرياضي قبل توقف البطولة في الجولة 26 قد تجعل النادي في مهب السخط والتعاقد سراب.