التعديلات المسطرية الجديدة بين منطق الارتباك وهاجس الملائمة سعيد موقوش* عمل المشرع المسطري على إدخال جملة من الرتوشات التشريعية على منظومة القواعد المسطرية، وذلك في إطار إعادة هيكلة البيت الداخلي لمؤسسة القضاء بالمغرب، أو ما يصطلح عليه داخل أدبيات الوزارة الوصية ب "ورش إصلاح القضاء". وقد همت هذه التعديلات كل من ظهير 15 يوليوز 1974 المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة، وقانون المسطرة المدنية، ثم قانون المسطرة الجنائية، إلى جانب إحداث أقسام قضاء القرب بمختلف المحاكم الابتدائية بموجب القانون رقم 42.10. بيد أن الإشكال المطروح يتعلق بمدى ملائمة هذه التعديلات المسطرية الجديدة لمقتضيات الدستور الجديد؟ وبناء عليه فإننا نساءل المشرع عن مدى دستورية هذه القوانين التي صيغت على ضوء مقتضيات الدستور السابق، وتم المصادقة عليها ونشرها دون أدنى عملية تحيين بعد صدور دستور 1 يوليوز 2011. فبالرغم من الصيغة المفاهيمية الجديدة التي تبناها الدستور الحالي، نلاحظ أن المشرع المسطري ما زال يحن ويتوسل أثناء صياغة النصوص القانونية بالمنظومة المفاهيمية القديمة، من ذلك على سبيل المثال لا الحصر، احتفاظ الفصل 24 من القانون رقم 34.10 المعدل والمتمم لظهير التنظيم القضائي الصادر بتاريخ 17 غشت 2011 على عبارة "المجلس الأعلى للقضاء" مع العلم أن الدستور الجديد يتحدث عن "المجلس الأعلى للسلطة القضائية " وذلك من خلال مقتضيات الفصل 113 وما بعده. هذا إلى جانب الإرتباك -الغير مبرر- المتعلق باستعمال القانون الجديد المعدل لظهير التنظيم القضائي لعبارة "المجلس الأعلى" بدل "محكمة النقض". وقد تدخل المشرع لفك هذا الارتباك وذلك بإصدار الظهير الشريف رقم 1.11.170 الصادر بتاريخ 25 أكتوبر 2011 القاضي بإحلال عبارة "محكمة النقض" محل عبارة "المجلس الأعلى". هذه التدخلات لم تقف عند هذا الحد، بل تقدمت الأمانة العامة للحكومة بمذكرتين قصد ملائمة التعديلات الجديدة المتعلقة بقانون المسطرة المدنية لمقتضيات الدستور الجديد. وتهم المذكرة الأولى: مشروع قانون رقم 66.11 يتمم مقتضيات المادة 7 من القانون رقم 42.10 المتعلق بتنظيم قضاء القرب وتحديد اختصاصاته، حيث تنص المادة 7 من القانون المذكور على أن "تكون جلسات أقسام قضاء القرب علنية وتصدر باسم جلالة الملك ..." مخالفة بذلك مقتضيات الفصل 124 من دستور 1 يوليوز 2011 الذي جاء فيه بأنه: " تصدر الأحكام وتنفذ باسم الملك وطبقا للقانون ". ولأجل فك هذا التخبط التشريعي، تقدمت الأمانة العامة للحكومة بهذه المذكرة، وذلك تكريسا لمبدأ الملائمة بجعل الأحكام الصادرة عن أقسام قضاء القرب تصدر حاملة عبارة باسم جلالة الملك وطبقا للقانون". بيد أن المتمعن في هذه الصيغة المتبناة في المذكرة، يلاحظ أنها لا تنسجم بشكل مطلق مع مقتضيات الفصل 124 من الدستور الجديد، بحيث أن هذا الأخير لم يستعمل لفظ "الجلالة"، بل اكتفى فقط بالتنصيص على أن الأحكام تصدر وتنفذ باسم الملك وطبقا للقانون، مستغنيا بذلك عن لفظ "الجلالة ". وعليه، فإن الاستغناء عن هذا اللفظ لا يقلل من شأن الاحترام الواجب للملك بنص الفصل 46 من الدستور الجديد، والقول بخلاف ذلك فيه خرق لقاعدة دستورية على اعتبار أن الفصل 124 المذكور لم يستعمل لفظ "الجلالة"، فهل يريد المشرع بسن هذا المقتضى اللادستوري أن يكون ملكيا أكثر من الملك ؟ وما قيل عن المادة السابعة من القانون رقم 42.10 المتعلق بقضاء القرب، يقال كذلك عن مقتضيات الفصلين 50 (الفقرة الأولى) و 375 (الفقرة الأولى) من قانون المسطرة المدنية، واللذان كانا موضوع المذكرة الثانية الصادرة عن الأمانة العامة للحكومة، والرامية إلى تعديل مقتضيات الفصلين المذكورين عبر مشروع قانون رقم 65.11، ملائمة مع مقتضيات الفصل 124 من الدستور، وذلك بجعل جميع أحكام محاكم الدرجة الأولى وقرارات محاكم الدرجة الثانية ومحكمة النقض تصدر بعبارة "باسم جلالة الملك وطبقا للقانون." وتجدر الإشارة إلى أن المشرع تجنب الوقوع في حالة الارتباك هاته في إطار التعديلات التي طالت قانون المسطرة الجنائية بموجب القانون رقم 53.11، عندما أوجب من خلال الفصل 365 أن يستهل كل حكم أو قرار أو أمر بصيغة "باسم جلالة الملك وطبقا للقانون ". باحث بسلك الماستر كلية الحقوق بمكناس*