بينهم من ينشطون بتطوان والفنيدق.. تفكيك خلية إرهابية بالساحل في عملية أمنية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    جمهورية بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع 'الجمهورية الصحراوية' الوهمية            الولايات المتحدة تجدد دعمها للمبادرة المغربية للحكم الذاتي كحل جدي وموثوق به وواقعي    تعيينات جديدة في المناصب الأمنية بعدد من المدن المغربية منها سلا وسيدي يحيى الغرب    شركة رومانية تفتح بطنجة مصنعا متخصصا في تصنيع المكونات البلاستيكية للسيارات    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    أشرف حكيمي يجدد عقده مع باريس سان جرمان حتى 2029    الرابور مراد يصدر أغنية جديدة إختار تصويرها في أهم شوارع العرائش    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    مواجهات نارية.. نتائج قرعة ربع نهائي دوري الأمم الأوروبية    ولد الرشيد: رهان المساواة يستوجب اعتماد مقاربة متجددة ضامنة لالتقائية الأبعاد التنموية والحقوقية والسياسية    مجلس المنافسة يغرم شركة الأدوية الأمريكية "فياتريس"    المنتخب الليبي ينسحب من نهائيات "شان 2025"    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    أداء سلبي في تداولات بورصة البيضاء        تفكيك شبكة تزوير وثائق السيارات بتطوان    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    بتعليمات من الملك محمد السادس: ولي العهد مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء    زَمَالَة مرتقبة مع رونالدو..النصر السعودي يستهدف نجماً مغربياً    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    التنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب تدعو الزملاء الصحافيين المهنيين والمنتسبين للتوجه إلى ملعب "العربي الزاولي" لأداء واجبهم المهني    لأول مرة في تاريخه.. "البتكوين" يسجل رقماً قياسياً جديداً    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    كيوسك الجمعة | إيطاليا تبسط إجراءات استقدام العمالة من المغرب        تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء    تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القوانين الانتخابية وإعادة إنتاج وضعية "الفلاح المغربي المدافع عن العرش"
نشر في شعب بريس يوم 10 - 09 - 2011


القوانين الانتخابية وإعادة إنتاج وضعية
"الفلاح المغربي المدافع عن العرش"

محمد اقديم
ما أشبه اليوم بالبارحة، يمكن لقارئ تاريخ المغرب السياسي المعاصر، و يستطيع المراقب المتتبع لمشاريع القوانين الانتخابية التي تشتغل عليها وزارة الداخلية و لمقترحاتها في اللقاءات التشاورية مع الأحزاب السياسية، أن يلاحظ بأن المغرب لا زال يراوح مكانه في مجال الإصلاح السياسي، وتغيير الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية، بما يسمح للشعب المغربي لممارسة حقه بالمشاركة في صناعة القرار الذي يهم حياته السياسية و شؤونه الاقتصادية والاجتماعية، رغم أن محيطه الإقليمي مازال تحت تأثير الهزات الارتدادية للزلزال السياسي الذي ضرب المنطقة العربية، بفعل هذه الثورات العربية، التي قامت من أجل الحرية والديمقراطية والكرامة، و العدالة.
و في استطاعة الملاحظ السياسي أن سيستنتج أن هذا البلد مازال بعيدا عن الخروج من هذه الدوامة الإصلاحية السيزيفية ، التي دخلها منذ الاستقلال، حيث لا يكاد المغاربة يصدقون خطابات وتصريحات المسؤلين في الدولة، حول الرغبة في الإصلاح و التغيير، حتى يفاجئوا عند شروع هؤلاء المسؤلين في العمل، بأن الأمر ليس سوى جعجعة تستهدف: بالدرجة الأولى كسب الرأي العام الخارجي و طمأنة القوى الفاعلة على الساحة الدولية، والظهور أمامهما بمظهر الدولة الديمقراطية الإصلاحية، ناسين أن هذه القوى لها من الوسائل المخابراتية و الإمكانات البحثية العلمية ما تستطيع به كشف زيف ذلك الادعاء و تلك الشعارات، و تقصد بالدرجة الثانية الانحناء أمام العواصف السياسية والقواصف الاجتماعية، التي تهب بين الفينة والأخرى وتهز قلاع المخزن، و تهدد مصالحه في السلطة والحكم والثروة و المال، مما يفرض الحاجة إلى إطلاق الوعود بالإصلاحات لكسب الوقت، ريثما تمر تلك العواصف و تهدأ تلك القواصف، لتعود الأمور إلى سابق عهدها في ممارسة الفساد وتكريس الاستبداد ، باستغلال وقمع العباد و نهب ثروات البلاد.

وينسى هؤلاء المسئولين ووعودهم و التزاماتهم، إلى أن تندلع أزمة اجتماعية أخرى أو ينفجر زلزال سياسي أخر، ليستيقظوا و يعيدوا على مسامع الشعب المغلوب على أمره نفس الخطابات وعين الوعود بالإصلاح والديمقراطية و الحرية، ناسين أنهم قد أخلفوا تلك الوعود سالفا، و أن ذاكرة الشعب وقواه الحية قد تتناسى لظروف معينة، ولكنها لا تنسى، و أن الشعب قد يمهلهم، ويمنحهم الفرصة تلوى الأخرى لعلهم يستدركون ما فات، وعساهم يستوعبون دروس تلك الأزمات الاجتماعية ويأخذون العبر من تلك الزلازل و الانفجاريات السياسية، داخلية كانت أو خارجية، و لكن الشعب لن يهملهم إلى ما لا نهاية، و أن صبره وتحمله سينفذ لا محالة في لحظة من اللحظات.
الظروف التاريخية لإعادة إنتاج النخب القروية
مناسبة هذا الحديث هو النقاشات الدائرة حول الترسانة القانونية الانتخابية التي تقوم وزارة الداخلية بإعدادها، و تسعى إلى تمريرها، بداية في لقاءات مغلقة مع الأحزاب السياسية، و نهائيا عبر المصادقة البرلمانية عليها، لتلبسها زي الشرعية والمشروعية. هذه المساطر القانونية لا تختلف في شيء عن تلك التي قد سبق العمل بها منذ الاستقلال، سواء في أهدافها أو حتى في بعض إجراءاتها. تلك القوانين الانتخابية التي هندست منذ ذلك الوقت من أجل إعادة النخبة البدوية (أبناء الأعيان والقياد والباشاوات و الضباط السابقين في الجيش الفرنسي و المقدمين و الشيوخ..) إلى واجهة وساحة الفعل السياسي، تلك النخبة التي شكلت السند الإداري، والرديف الاجتماعي للاستعمار في العالم القروي. و بعدما تمكنت الحركة الوطنية من إزالتها من مسرح الفعل السياسي، من خلال هيكلتها للإدارة المغربية المحلية و الإقليمية، كمقدمة لعزل تلك التركة الاستعمارية اقتصاديا، ثم خنقها اجتماعيا، لتصفيتها نهائيا. إلا أن الحركة لوطنية لم تتمكن من استكمال، هذا المخطط ، حيث وقفت عند مرحلته الأولى، المتمثلة بتقويض سلطة هؤلاء الأعيان إداريا خلال فترة حكم محمد الخامس، ليتدخل النظام لوقف ذلك في شخص المرحوم الحسن الثاني، وذراعه السياسي رضى كديرة، بعد وفاة المرحوم محمد الخامس، الذي كان دائما مؤيدا لكل البرامج التي تسعى الحركة الوطنية إلى انجازها، كما كان غير مرتاح لهذه النخبة القروية من الأعيان، الذين اكتوى بنارهم، حيث كان أغلبهم مؤيدين لعزله و متواطئين على نفيه سنة 1953، ورافضين لعودته سنة 1955.
فهذه النخب التقليدية القروية راكمت في ظل الاستعمار الضيعات الفلاحية الشاسعة على حساب الأملاك الجماعية لجماهير الفلاحين ، الذين كانت تشغلهم كعبيد و خماسة ورباعة و مياومين. وراكمت معها نفوذا كبيرا في أوساط تلك الجماهير الفقيرة. و إعادة هذه النخب السياسية القروية، التي كانت عميلة للاستعمار لتسير في فلك المؤسسة الملكية، بعدما تم فك الارتباط بين الحركة الوطنية من جهة، و النظام الملكي من جهة ثانية، وانشقاق هذه الحركة (حزب الاستقلال)، حيث رفض الشق اليساري منها ( الاتحاد الوطني للقوات الشعبية) أي تعامل مع القصر، و حيث قبل الجناح المحافظ منها ( حزب الاستقلال الحالي) بالسكوت والتواطؤ، حفاظا على مصالح بورجوازيته الاقتصادية في المدن.
تلك العودة أو الإعادة لتك النخب التقليدية إلى المشهد السياسي تم من خلال الأحزاب الإدارية التي ظهرت على المسرح السياسي عبر مراحل ( الحركة الشعبية – الأحرار المستقلون – الفيديك – التجمع الوطني للأحرار – الاتحاد الدستوري – الأصالة والمعاصرة..) . تعدد هذه الأحزاب ومشتقاتها التي يشرف رجال الداخلية على تشكيلها. و تنوعها و اختلاف أسماءها و هياكلها و المراحل التي ظهرت فيها، ليس سوى انعكاسا لتطور تلك النخبة الريفية ، وامتدادها إلى المدن و الحواضر في ما بعد ، ليتم ترييفها سياسيا(la ruralisation politique) بعدما تم ترييفها اجتماعيا وثقافيا، من خلال الهجرة القروية الكبيرة في فترة من الفترات. و راجع كذلك لاختلاف الأدوار المطلوب أداءها من هذه الأحزاب في كل مرحلة. و المتمثلة في الدفاع عن مصالح المخزن و استئثاره بالحكم واستبداده بالسلطة، نخب بطبيعتها و أصولها وبنيتها الاجتماعية وثقافتها السياسية، تقبل بدور الحارس و البواب (الشاوش) في باب القصر، و قنوعة بفتات الامتيازات والريع الذي تتحصله من عرق و قوت الشعب و تناله مقابل خدماتها السياسية في ضمان استمرارية الفساد و تأبيد الاستبداد.
عملية إعادة هذه النخبة القروية إلى مسرح العمل السياسي، ، لتضع نفسها رهن إشارة المؤسسة الملكية دون شروط، مما كانت الحركة الوطنية بكل فصائلها تطالب به من دمقرطة للحياة السياسية و فتح للباب أمام اقتسام السلطة والثروة وإشراك للشعب في ذلك، من خلال مؤسسات منتخبة بنزاهة وديموقراطية، كان المرحوم الحسن الثاني يهدف من خلال هذه الأحزاب إلى تأثيث وتزيين واجهة المغرب السياسية، من خلال ديمقراطية شكلية تغلف الجوهر الاستبدادي لاحتكار الحكم والهيمنة على الحياة السياسية، وفعلا استطاعت هذه النخب أن تنجز هذه المهمة بإخلاص، وأن تؤدي ذلك الدور بامتياز، لذلك أغدق عليها النظام المناصب العليا والامتيازات الكبرى، و أطلق يدها في الاستحواذ على ثروات البلاد و نهبها دون حسيب ولا رقيب، لتنتقل بما راكمته من الثروات المنهوبة إلى المضاربة و الاستثمار في قطاعات العقار والتجارة و التصنيع في المدن والمراكز الحضرية، حيث تحولت إلى مافيات عقارية و لوبيات سياحية و مالية، فأصبحت قادرة على منافسة أو بالأحرى هزم البرجوازية الوطنية بالمدن، التي عرفت نموا مهما بعد الاستقلال بعد استحواذها على المجالات الاقتصادية التي كانت حكرا على الرأسمال الاستعماري الفرنسي. و مقابل ذلك كان النظام يفرض حصارا اقتصاديا على النخب الحضرية من موظفين و تجار و رجال أعمال، عن طريق الضرائب والجبايات المختلفة، كما أحكم عليها الخناق سياسيا و أمنيا.
القوانين الانتخابية وإعادة إنتاج وضعية "الفلاح المغربي المدافع عن العرش"
النظام في سياسته هذه كان ينطلق مما أخذه من خلاصات و استشارات من تلك الدراسات الاقتصادية و الأبحاث الاجتماعية و التقارير السياسية، التي أنجزها مجموعة من الباحثين والضباط والمراقبين المدنيين الاستمراريين السابقين، الذين بقي بعضهم يشتغلون كتقنيين و مستشارين بوزارة الداخلية، بعد الاستقلال، و الذين كانوا بالفعل عقلها المدبر، طيلة فترة الستينات إلى السبعينات من القرن الماضي، من أمثال الكولونيل فيرلي – أوليفيي لانج – كامي سكالابر - ريمي لوفو وغيرهم . وهنا تأتي أطروحة ريمي لوفو "الفلاح المغربي المدافع عن العرش" *وهي بالمناسبة دراسة في غاية الأهمية حول النخب المحلية و الحراك الاجتماعي و السياسي في مغرب ما بعد الاستقلال.
لقد كانت هذه الأطروحة بمثابة التشخيص الميداني للحياة الاجتماعية و السياسية بالمغرب، التي بناء عليها وضع النظام خطة العمل، التي مكنته من تحجيم النخب الحضرية ذات التوجه الوطني و اليساري، وفي نفس الوقت فتح المجال لعودة النخب القروية التقليدية، التي سبق لها أن وضعت نفسها في خدمة الاستعمار. و هذا النوع من الدراسات هي التي نبهت النظام مثلا إلى ما قد تشكله عليه المخططات الاقتصادية التي وضعته حكومة الأستاذ عبد الله إبراهيم سنة 1958، التي نهجت سياسة وطنية تقوم على بناء صناعة وطنية ثقيلة و إصلاح زراعي، و تعميم للتعليم والخدمات الصحية، و تأميم للشركات والمؤسسات الاقتصادية والخدمية، وبناء للبنيات التحتية.
هذه المخططات والبرامج التنموية، هي التي أثارت حفيظة النظام و انتباهه إلى ما قد تشكل عليه من خطر في المستقبل، من خلال إفرازها وتكوينها لأجيال و نخب قد لا تقبل بنظام ملكي يحتكر كل السلطات، ويهيمن على صناعة القرار السياسي بشكل كامل. فسياسة التصنيع مثلا، من شأنها إفراز وتشكيل طبقة عمالية، لا تؤمن إلا بالملموس من الفكر، قد يجعلها أرضا خصبة للفكر الاشتراكي، ومجالا ملائما للتأطير السياسي ذي الأفق الجمهوري، من حيث نمط الحكم المنشود لديها.
و بعد أخذ النظام بخلاصات بعض تلك التقارير والاستشارات والدراسات، قام بإقالة هذه الحكومة الوطنية، ليفسح المجال لحكومات متتالية، أول ما شرعت في القيام به هو نقض و إلغاء ما تم وضع أسسه من طرف حكومة عبد الله إبراهيم، ثم سارت في اتخاذ جميع الإجراءات السياسية والإدارية والقرارات الاقتصادية، التي تسمح بعودة النخب القروية، ذات النفوذ الواسع في البوادي وسط الفلاحين الفقراء والأميين، إلى مجال الفعل السياسي، لان الفلاح بطبعه و أميته وجهله وفقره يعتبر البيئة الملائمة لانتشار الأفكار الخرافية الاستسلامية والسلوكات السلبية، التي لا ترى في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المزرية التي يعيشها حامليها، الا قدرا مقدرا . وبذلك يكون الفلاح المغربي مخلصا لنظام حكمه، مدافعا عن الجالس على عرشه. في هذا الاطار سارت كل الحكومات المتعاقبة، تتبني من المخططات الاقتصادية ما يساهم في استحكام تلك النخب القروية في مقدرات البلاد الاقتصادية، حيث تم الشروع في سياسة بناء السدود، كما تم اعفاء القطاع الفلاحي من الضرائب الى ما لا نهاية، رغم أنه يشكل القطاع الاقتصادي الأول في الناتج الداخلي الخام، و قرار الاعفاء الجبائي هذا، ليس لصالح جماهير الفلاحين الفقراء، الذي لا يملكون أصلا ما يمكن أن يدفعوا عليه الضرائب، بل استفاد و يستفيد منه كبار الاقطاعيين سابقا، و كبار ملاكي الضيعات الفلاحية العصرية الكبرى حاليا، التي توجه منتوجاتها الى الأسواق العالمية مباشرة.

كما أغدتقت وزارة الفلاحة على هؤلاء بالدعم التقني، و بالأموال الطائلة كمساعدات من خزينة الدولة. كما تبنى المخزن ، من خلال هذه الحكومات، من السياسيات الاجتماعية ما يجعل العالم القروي مرتعا للجهل والامية والخرافة و الأمراض. و يتخذ من الاجراءات الادارية ما يقوي قبضته الرقابية و الأمنية على البلاد، و من القرارات السياسية ما يضيق به الخناق على كل من لا يوافق النظام في سياساته، لذلك فتح الباب على مصراعيه للأحزاب الادارية على تأطير العالم القروي، حيث يضمن لها الفوز الساحق بأصواته، لتتحول جماهير الفلاحين الفقراء الى جيش احتياطي لحسم المعارك السياسية ضد المعارضة في الانتخابات والاستفتاءات. فهذه الحكومات والاحزاب الادارية لم تكن و لا مكن أن تكون في يوم من الايام جادة في تعميم التعليم والصحة و البنيات التحتية في العالم القروي، لانها تعلم علم اليقين أن محاربتها للامية والجهل والفقر، هو في الحقيقة محاربة لنفسها، حيث ستحفر قبرها بيدها، فالمواطن القروي اذا تعلم و وعى ، و اشتغل و صح، من المستحيل التحكم فيه و اخضاعه.
العالم القروي كمجال ل"الشرعية الشعبية والديموقراطية " للمخزن
في هذا الاطار السياسي و السياق الاقتصادي والاجتماعي ، صارت القوانين الانتخابية، من تقطيع للدوائر الانتخابية و أنماط للاقتراع و لوائح انتخابية، وقوانين منظمة للمجالس المحلية منذ الاستقلال الى اليوم ، من الأدوات التي يوظفها المخزن من أجل التحكم في الحياة السياسية، و صنع الخرائط السياسية، و ما تفرزه من نخب مدبرة للشأن العام المحلي والوطني، من برلمانات و حكومات ومجالس جماعية: محلية واقليمية و جهوية. وغرف مهنية. انها تهذف الى ضمان استمرار و اعادة انتاج وضعية "الفلاح المغربي المدافع عن العرش". فالدولة المغربية أو بالاحرى المخزن المغربي في سعيه وحرصه الدائم الى احتكار صناعة القرار السياسي ، لم ولن يسمح بتاتا بالتأسيس لحياة سياسية طبيعية قائمة على أحزاب سياسية حقيقية تنبثق من صميم المجتمع و من عمق الشعب، لان هذا المخزن يعاني من عقدة فقدان الشرعية الوطنية و الشعبية، منذ وفاة المرحوم محمد الخامس، الذي لا يجادل مغربي في كونه يملك الشرعية الوطنية والشعبية، لذلك كان دائما قريبا الى الحركة الوطنية في غالبية طروحاتها الاصلاحية. ومع المرحوم الحسن الثاني، و في ظل عدم توفره على الكريزما الشعبية و الشرعية الوطنية التحريرية التي كانت لوالده، عمل على استدعاء الشرعية التاريخية بشكل كبير و توظيف الشرعية الدينية بشكل مكثف، وقام بدسترتها مند 1961، محاولا الاستغناء بها عن الشرعية الشعبية الديموقراطية.
واذا كان فعلا قد تمكن من استعادة الشرعية الوطنية التحريرية، باسترجاع الصحراء من خلال المسيرة الخضراء سنة 1975، لينافس بها أحزاب الحركة الوطنية. ونزع بها هذه الورقة المهمة منها. فان عقدة الشرعية الشعبية الديموقراطية الغائبة، ظلت دائما حاضرة وبقوة في كل خطابات و سلوكات المخزن السياسية، وهذا ما انعكس في مختلف الدساتير التي عرفها المغرب منذ دستور 1961 الى دستور 2011، و تتجسد في مختلف الاجراءات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمخزن، و منها القوانين الانتخابية. لذلك كان المخزن قد جعل العمل السياسي يتمركز حول خدمته، و ليس خدمة الواطنين والجماهير الشعبية، وهذا هو محور الصراع بينه وبين أحزاب الحركة الوطنية واليسار سابقا، والحركة الاسلامية حاليا. فالمخزن لا يقبل بأحزاب و منظمات سياسية، ومجتمع مدني يستمد شرعيته من الشعب ويسعى الى خدمة الشعب، لان المخزن يعتبر نفسه وصيا على الشعب، وبالتالي هو الذي يملك الحق في التأشير والترخيص لممارسة الانشطة السياسية والمدنية. ولما رفضت أحزاب الحركة الوطنية هذا التصور للعمل السياسي، الذي لا غاية له الا ارضاء المخزن وليس الشعب، و رفضت الانصياع للرغبات المخزنية، عمل هذ المخزن على تشكيل أحزابه الادارية بداية من تلك النخب التقليدية من الاعيان العاملين سابقا لصالح الاستعمار، و ثانية من أبناءهم الذين تلقوا تعليمهم في مدارس الاستعمار.
هذه النخب المستعدة للعمل مع المخزن، كما كان الامر قبل الاستعمار، الذي تورطت في التواطؤ معه ضد الملك محمد الخامس ، حيث فقدت اخر شعرة تربطها بالوطن، مما جعلها تعيش مرحلة حارجة مند الاستقلال الى غاية وفاة محمد الخامس، ليقدم لها المرحوم الحسن الثاني قارب النجاة باعادتها للعمل السياسي من جديد لمواجهة أحزاب الحركة الوطنية، وبذلك قبلت بخدمته بكل اخلاص، لكي يغفر لها ذنب تواطؤها مع الاستعمار ضد محمد الخامس، هكذا اعتمد المخزن على نخب تقليدية، و عرقل بها مشروع تحديث المغرب سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. فهذه الاحزاب الادارية المنحدرة من هذه النخب التقليدية لها مهمة واحدة و وحيدة، تتمثل في خدمة النظام المخزني و التصدي لكل مطالب الاحزاب والحركات السياسية المنبثقة من عمق الشعب، المتمثلة في الديموقراطية والكرامة والحرية والعدالة. ولذلك فسح لها المجال في العالم القروي، الذي كان يشكل 80% من مجموع سكان المغرب سنة 1956، حيث تحول الى خزان هائل للأصوات الانتخابية لهزم الاحزاب الوطنية في المدن، الى جانب الدعم اللامحدود لهذه الأحزاب من طرف أعوان وزارة الداخلية من قياد وشيوخ ومقدمين، مستغلة ظروف الفقر والجهل والامية والمرض و المراقبة الامنية الشديدة، حيث تحولت البادية المغربية الى مجال لتثبيت الشرعية الشعبية للمخزن. و أصبح " الفلاح المغربي" خط الدفاع الأول عن العرش، منذ بداية الستينات الى غاية منتصف التسعينات. و اتخذت الدساتير والقوانين الانتخابية منذ الاستقلال متاريس و كوابح في وجه النخب الوطنية الحضرية، كي لا تهيمن على المؤسسات المنتخبة، من برلمان ومجالس جماعية. مما جعل هذه المؤسسات ذات طابع بدوي بالمعنى السلبي للبداوة، حتى بعدما أصبح عدد السكان الحضريين بالمغرب يتجاوز ستين بالمائة.
من"الفلاح المغربي " الى "المواطن المغربي"
والمخزن عندما يسعى اليوم الى اعادة انتاج هذه الوضعية يعلم علم اليقين أن أفات الجهل والامية والفقر و المرض، و ما يترتب عنها من درجة الصفر في الوعي السياسي والسداجة و الخوف واللامبالاة السياسية، وعدم الاهتمام بالشأن العام، هي الظروف و العوامل الرئيسة في جعل "الفلاح المغربي" طيعا وسهل الخضوع لنخب الاعيان التقليديين وسماسرة الانتخابات. لذلك يعمل هذا المخزن على ضمان استمرار تلك الظروف في العالم القروي. بل و يعمل على نقل تلك الشروط ، وخلق نفس الظروف حتى في ضواحي المدن، بعدما اكتسحتها أمواج الهجرة القروية خلال السينيات والسبعينيات والثمانينيات، مادامت تلك الظروف توفر للمخزن شروط انتاج "مواطن مغربي" على نمط "الفلاح المغربي "، فلما لا يتم نقلها واستنساخها في المدن، وبوسائل جديدة . فالمهم هو الحفاظ وضمان نفس النتائج ( غياب الوعي السياسي – الفقر - اللامبالاة – الخوف..). لذلك ف" الفلاح المغربي" الذي تحدث عنه ريمي لوفو ، لم يعد فلاحا فقط، بل تحولت مختلف الفئات الاجتماعية و المهنية بحكم المخططات الاقتصادية والسياسات الاجتماعية والثقافية والادارية المطبقة عليها الى وضعية "الفلاح المغربي" المطلوب منه "الدفاع عن العرش".
فذلك "الفلاح" الذي يصطلح عليه اليوم مجازا "المواطن المغربي" لم يعد مستقرا بالعالم القروي ، بل نزح الى المدن في اطار موجات الهجرة المشار اليها سلفا. و ذلك "الفلاح" لم يعد يشتغل بالفلاحة فقط ، وانما أصبح يمارس مختلف الحرف اليدوية والمهن ، كما يمكن أن يكون موظفا عموميا أو عونا اداريا، دون أن يتمكن من كسب قوت يومه، أو قد تحول الى متسول أو بدون شغل، ولم يعد يقطن الدواوير والمداشر الريفية فقط ، وانما يسكن كذلك الأحياء الصفيحية و شقق السكن الاقتصادي و الاجتماعي، لذلك لم يتوجه المخزن الى محاربة الامية و تعميم التعليم الابتدائي بالعالم القروي الا بعد ضعوطات المؤسسات المالية الدولية والمنظمات الانسانية عليه في منتصف التسعينات، عندما أصبح محاربة الامية و التعليم الاساسي والبنيات التحتية مطلبا للشركات الرأسمالية العالمية، من أجل أهداف تجارية صرفة.

و المخزن في اطار استحضاره لهذه الضغوط الدولية، و من أجل ضمان استمرارية انتاج ظاهرة درجة الصفر من الوعي السياسي و اللامبالاة السياسية، فانه غير من تكتيكه و وسائل عمله، فرغم شروعه في محاربة الامية وتعميم التعليم الاساسي والبنيات التحتية، فانه يعمل كل ما في جهده لضمان اللامبالاة و السداجة السياسية و تأمين سيطرته و هيمنة نخبه السياسية على العالم القروي والحضري على السواء بوسائل جديدة. ومنها الدستور والقوانين الانتخابية. والسيطرة على الاعلام العمومي و المؤسسة التعليمية في حد ذاتها.
القوانين الانتخابية و ضمان الافساد من أجل ادامة الاستبداد.

النظام المخزني انطلاقا من عقدته المزمنة من الشرعية الشعبية التي أصبحت اليوم عنوانا للانظمة الديموقراطية، و بسبب خوفه الدائم من كل المبادرات و المشاريع السياسية التي تنبثق من المجتمع، و انطلاقا من عدم ثقته في ما يتمتع به من قوة قهرية و إمكانيات مالية و لوجيستيكية، فانه يعمل باستمرار على التسييج المحكم لاحتكاره للسلطة بالنصوص الدستورية، وبالشرعية الدينية والتاريخية، بشكل لا يسمح للمبادرات السياسية الشعبية من أن تشاركه و لو في جزء يسير من السلطة والحكم، فالمخزن بطبيعة بنيته السياسية لا يسمح للأحزب السياسية أن تشاركه ولو في فتات من سلطته، الا اذا كانت ضعيفة أو تكاد تفقد قوتها الشعبية، أو في حالة رغبته و سعيه لحرق رصيدها الشعبي، من خلال توريطها في التدبير الشكلي لبعض الملفات الاجتماعية، التي سيجلب عليها فشلها المحتوم في ذلك غضب ونفور الجماهير الشعبية منها. وعندما يضطر الى التنازل على فتات من السلطة من أجل هذا الهدف، فانه يتخذ من الاحتياطات الادارية، و يضع من المتاريس التشريعية ( قانون الاحزاب – مدونة الانتخابات – التقطيع الانتخابي والاداري- أنماط الاقتراع ..) ما لا يسمح للاحزاب ذات النفوذ والعمق الشعبي، حيث النخب الوطنية التحديثية ، من الفوز بأغلبية مقاعد البرلمان أو الاغلبيات في المجالس الجماعية، وفي نفس الوقت يسهل عليه التلاعب بالنتائج لصالح أحزابه الادارية، حيث النخب التقليدية القروية بتزويرها لصالحها و اكتساح لنتائجها ، و تشكيل الأغلبيات بالمؤسسات المنتخبة.
فالمخزن يعمل بكافة السبل على تشتيت المشهد الحزبي و تمزيقه ، أكثر مما يسعى إلى ترشيده وتشكيل التكتلات السياسية الكبيرة. وفي هذا السياق مثلا لا يشترط مستوى تعليميا مهما في الترشح للبرلمان، رغم أن مهمة البرلماني، كمشرع ( مناقشة القوانين – الاتفاقيات الدولية – ميزانية الدولة..) تقتضي على الأقل مستوى البكالوريا، لذك يتم السماح لقطعان من الاميين باكتساح المؤسسة التشريعية. وفي تقسيم الدوائر الانتخابية، يتم تقطيعها على مقاس أشخاص معينين، كما يتم ذلك في اطار اختلال فظيع على المسوى الديموغرافي بين الدوائر القروية و الدوائر الحضرية، و من حيث عدد المقاعد المخصص لكل مجال على حدى، فرغم أن ساكنة العالم القروي لا تشكل حاليا سوى أقل من أربعين بالمائة من ساكنة المغرب، فانها هذه الساكنة تمثل في البرلمان بحوالي ستين بالمائة من المقاعد في مجلس النواب، و حوالي ثمانين بالمائة في مجلس المستشارين،. و نفس الامر ينطبق على المجالس الجماعية، حيث يسمح للاميين بالترشح لرئاسة جماعات تتوفر على ميزانيات بالملايير، وعلى أطر و كفاءات تقنية عالية ( مهندسين – دكاترة- تقنيين – اداريين ..)، وكل ذلك من أجل تشكيل مجالس من الاميين القابلين للخضوع للتعليمات المخزنية من الادارة الترابية. بل الأدهى والامر هو عندما يتم تقطيع المدن الكبرى على شكل دوائر انتخابية عديدة ، حيث يتم الحاق الجماعات القروية بكل جزء من المدن المقطعة أوصالها، حتى يضمن القائمون على هذه السياسة هيمنة الضواحي و الهوامش القروية على المدن، لتكون النتيجة برلمانيين قرويين من هوامش المدن الريفية يمثلون مراكز المدن في البرلمان، أو مجالس بأغلبيات بدوية تسير المدن. لذلك ليس غريبا أن نجد منطقة حضرية حديثة بامتياز مثل كليز بمراكش، يمثلها برلمانيون يفوزن بأغلبية أصواتهم من الجماعات القروية المجاورة لكليز، والتي تم جمعها بها في نفس الدائرة الانتخابية البرلمانية. مع العلم أن ساكنة المدن الحضرية رغم كثرتها العددية، غالبا ما تكون عازفة عن المشاركة في الانتخابات، نظرا لعدم جدوائيتها، في حين تشارك ساكنة المناطق القروية بكثافة رغم قلة عددها، لاستغلال سماسرة الانتخابات لظروف الفقر والامية و الجهل فيها لشراء الاصوات، مما يقلب الموازن في النتائج لصالح الفائزين بأصوات الهوامش القروية. وهذا ما يسمح بتشكيل الأغلبيات بكل سهولة ويسر و بدون عراقيل. مما يترتب عنه مغرب يدار ويسير بنخب قروية و بقرار سياسي بدوي. وهذا ما ينطبق على الاستفتاء الاخير حول الدستور، الذي بدوره يعتبر "دستورا بدويا"، بما تعنيه البداوة من تقليدانية و أمية و رعب مخزني و زبونية ومحسوبية، وليس غيرها من القيم الايجابية.
أما نمطي الاقتراع المعتمد سابقا و حاليا ، فيسيران في تحقيق نفس الاهداف، التي تسمح للمخزن بالتحكم في كل صغيرة وكبيرة في الانتخابات ، فالنمط السابق القائم على الاقتراع الفردي، يعطي الفرصة بفوز الافراد المتعتمدين على نفوذهم القبلي أو المالي أكثر من نزاهتهم و كفائتهم التدبيرية أو مستواهم الثقافي و العلمي، مما يغيب لدى المواطن استحضار برامج الاحزاب السياسية، التي يتقدم المرشحين باسمها. أما نمط الاقتراح اللائحي بأكبر باقية و في دوائر انتخابية ضيقة، فليس في الحقيقة، الا أحد المتاريس القانونية لمنع أي حزب من الفوز بالأغلبية في مجلس النواب أو المجالس الجماعية، كما يطعن في مبدأ المساواة بين المواطين بشكل واضح و صريح، حيث يمكن أن يسوي بين عشرين ألف صوت مثلا بمقعد واحد و ثلاثة الاف صوت كأكبر باقية بقعد واحد كذلك. لتكون النتيجة الرياضية في منطق منهندسي انتخابات المخزن هي عشرين ألف مواطن تساوي ثلاثة الاف مواطن. ونفس الفوارق بين الدوائر الانتخابية على المستوى الوطني ، حيث يمكن لمرشح أن يفوز بمقعد برلماني بالف صوت بالعالم القروي في الجنوب ، في الوقت الذي يستحيل فيه على مرشح أخر في الدار البضاء أو الرباط أو طنجة أو أكادير أن يفوز بالمقعد ولو بخمسة الاف صوت، لتكون العملية الحسابية عند رياضيي وزارة الداخلية هي خمسة مواطنين في المدن الكبرى مقابل مواطن قروي في الجنوب على سبيل المثال، ونفس الشيئ بالنسبة لتضييق الدوائر للانتخابية، التي ليست في الحقيقة سوى تسهيل لعملية البيع والشراء في البورصة الانتخابية و تخفيض للتكلفة المالية للمقعد البرلماني في سوق الاصوات لصالح السماسرة خلال مواسم الانتخابات.

بالنسبة للائحة أو اللوائح النسائية والشبابية، فلما لم يستطع شيوخ الاحزاب السياسية اعمال الديموقراطية في هياكلهم ، بما يسمح لتدفق الاطر الشابة و النسوية في شرايين الاحزاب، لتتبوأ مكانتها المستحقة في الترشح على رأس لوائحها المحلية، و حفاظا من المخزن لماء الوجه لهؤلاء الشيوخ ، اتفق الطرفان على بدعة اللوائح أو اللائحة الوطنية للنساء والشباب، التي ليس في الحقيقة الا ريعا سياسيا جديدا لارشاء النساء وبعض الفئات الشابة المتلهفة و المتهاتفة على الدخول الى البرلمان والمجالس الجماعية، كما أنها تنقيص و نيل من مكانة النساء و الشباب في المجتمع، أكثر مما هي ، كما يقول البعض ، تمييزا ايجابيا، لقد وضعت هذه اللائحة الوطنية النساء والشباب و ربما الجالية المغربية في الخارج في وضعية ذوي الاحتياجات الخاصة، المصابين بعاهات دائمة و مستدامة ، مما يتطلب معها وضعيات و شروط خاصة، حتى يؤدوا دورهم كاملا في المجتمع. كما تشكل هذه اللائحة الوطنية بالنسبة للمخزن احدى الاليات التي تساعده على التحكم في النتائج الانتخابية درءا لكل الاحتمالات السيئة، خاصة أنها تشكل ما يقرب من ربع مقاعد مجلس النواب، و محاضير نتائجها لا تسلم محليا ، ونتائجها تعلن مركزيا، مما يسمح بامكانية كبيرة للتلاعب فيها.
والحصيلة الأخيرة لكل هذا الحصاد المر هي مجالس جماعية كاريكاتورية وبرلمان كاريكاتوري. و ضمان المزيد من الفساد والاستبداد، وضياع الفرص التنموية التي تشكل الديموقراطية احدى رافعاتها. والضحية أولا و أخيرا،و دائما وباستمرار هي التنمية والشعب و المغرب.
* - Rémy Leveau - L e fellah marocain défenseur du trône*
- pressede la fondation Natinale des sciences politiques: Paris 2éme édition 1985
*و قد تمت ترجمة هذا الكتاب مؤخرا في طار منشورات مجلة وجهة نظر: ريمي لوفو - الفلاح المغربي المدافع عن العرش – ترجمة : محمد بن الشيخ – مراجعة عبد اللطيف الحسني – منشورات وجهة نظر – سلسلة بحوث و أطروحات : رقم 2 – الطبعة الأولى 2011 – مطبعة النجاح الجديدة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.