تنفق على ميزانية الدفاع أكثر من دول العالم مجتمعة بديون داخلية وخارجية عاد الرئيس الأمريكي باراك أوباما من رحلة آسيوية استغرقت عشرة أيام، أبعدته قليلا عن الأجواء المشحونة في العاصمة، دون أن تحقق الرحلة أيا من أهدافها المعلنة، خاصة بشأن فتح أسواق جديدة أمام الصادرات الأمريكية لتحسين أداء الاقتصاد وتحسين فرص إعادة انتخابه بعد عامين. في واشنطن بدأ الكونغرس جلسة «البطة العرجاء»، وهو تعبير يطلق على الكونغرس في أسابيعه الأخيرة قبل وصول الفائزين الجدد في يناير، كما يطلق على الرئيس في الأسابيع الأخيرة من حكمه حينما يصبح بدون فاعلية. الواقع أن باراك أوباما وجد نفسه، ربما قبل أي رئيس آخر، بطة عرجاء في النصف الأول من ولايته الأولى وأمامه عامان كاملان لتعزيز فرصه الضئيلة حاليا للحصول على ولاية ثانية. لكن صفة البطة العرجاء يمكن أن تطلق على الناخب الأمريكي أكثر من مؤسساته لأنه أصبح كالمشتكي من الأرق يحاول الاستراحة على اليمين، ثم ما يبلث أن ينقلب على اليسار دون أن يجد الراحة المطلوبة التي قد تساعده على الخلود إلى النوم. القضايا الخلافية بين اليمين واليسار كما أفرزتها الانتخابات الأخيرة والتي ستحدد واقع العمل السياسي في أمريكا خلال العامين القادمين تبدو بسيطة في ظاهرها، من جدل حول الميزانية وقلق بشأن الديون الخارجية وتخفيض أو رفع نسب الضرائب، لكنها تخفي أزمة أعمق تواجه أمريكا هذه الأيام كمشروع مجتمعي باهتمامات دولية ومسؤوليات إمبراطورية. من أبرز القضايا التي تواجه الكونغرس هذه الأيام بتشكيلته القديمة، قبل أن يؤدي «ثوار» حركة الشاي القسم الدستورية مطلع العام القادم، هو ما يتعين فعله بشأن ما يعرف بضرائب جورج بوش وهي تخفيضات هائلة – ساهمت في الأزمة الحالية - سنها جورج بوش لفائدة قبيلته من الأغنياء، ومن المنتظر أن تنتهي صلاحيتها مع مطلع العام الجديد. الديمقراطيون يجادلون بأن الأوضاع المالية للبلد لا تحتمل تمديد التخفيض خاصة للأغنياء وبالتالي يتعين تقليص صلاحيات التخفيض ليقتصر على الطبقة المتوسطة، في حين يجادل الجمهوريون بأن «رفع» الضرائب في وقت الأزمة الاقتصادية خطأ كبير سيعمق متاعب أمريكا خاصة المقاولات الصغيرة. لكن الجمهوريين، وعلى يمينهم حركة الشاي التي رفعت شعار تخفيض الديون والعجز في الميزانية وتخفيض الضرائب وتقليص حجم الحكومة كأفضل سبيل للخروج من النفق المظلم، لا يطرحون بديلا عن مصدر تلك الأموال التي ستذهب إلى جيوب الأغنياء. الخلاف السياسي المالي يخفي في الحقيقة صراعا طبقيا بدأت حدته تشتد في السنين الأخيرة، ومن المرجح أن يرتفع سعاره في السنين القادمة لأن مشاكل أمريكا مرشحة للاستمرار في المستقبل القريب على الأقل. انتقال الاقتصاد الأمريكي من المرحلة الصناعية إلى الأفق المعلوماتي والخدماتي أوجد رابحين وخاسرين قبل فترة طويلة من انفجار أزمة البيوت والقروض وارتفاع نسب البطالة. - الدراسات تلو الأخرى أكدت أن النظام الاقتصادي والقانوني الأمريكي برمته صمم على مر السنين لفائدة نخبة متنفذة تفهم النظام جيدا وتمتص رحيقه حتى آخر قطرة على حساب الطبقات الفقيرة والمتوسطة. في كتاب بمثابة الإدانة للنظام الطبقي الأمريكي ألفه أستاذان جامعيان من ييل وكاليفورنيا بعنوان «الكاسب يحصد كل شيء» تساءل الكاتبان:«كيف يعقل أن يدفع الرئيس المدير العام لشركة مالية في الوول ستريت، يربح الملايير من الدولارات، نسبة من الضرائب أقل مما تدفعه سكرتيرته؟» قائمة الأربعمائة شخصية الأغنى في أمريكا لم تحو مؤخرا سوى ستة عشر اسما جديدا، على خلاف نسبة الستين أو السبعين في السنوات الأخيرة، مما يؤكد أن أقل من واحد في المائة من الأمريكيين يملكون ربع ثروة البلاد تقريبا ويوصدون الباب تدريجيا أمام أي مزاحم. الغريب أن هذا الوضع لم يؤد إلى «انتفاضات اجتماعية» وإن كان ذلك الاحتمال قائما، لأن المواطن الأمريكي العادي صدق لسنين، خاصة أيام الرخاء، أنه الأفضل وأنه يعيش في أحسن بلد في العالم في ظل أفضل نظام سياسي في العالم. الأمريكي يتعلم منذ نعومة أظافره، تقريبا، عدم التذمر من الفوارق الطبقية بسبب ما يسمى الحلم الأمريكي، أي أن أمريكا لا تكره أغنياءها، لكنها تساعد فقراءها والدليل على ذلك أن أي شخص مهما واجه من عراقيل يستطيع في أمريكا أن يبدأ من الصفر ويمكن أن يحقق أي شيء. هذا الاعتداد والثقة بالنفس وبالعدالة الكامنة في طيات النظام نفسه خلق نوعا من الطمأنينة المزيفة لدى فقراء البلاد والذين يزداد عددهم يوميا، في حين ازداد الأغنياء جشعا واستغلالا للنظام السياسي المفتوح والدعاية المؤثرة على بيع الوهم للناخبين. بالنسبة للجمهوريين الذين لا يجدون مشكلة في تبني مصالح ومواقف الأغنياء والشركات متعددة الجنسيات لا يجدون صعوبة في إقناع بعض الفقراء في التصويت عليهم والاستماتة في الدفاع عن مواقفهم وشعاراتهم حتى وإن كانت في نهاية المطاف ضدا على مصالحهم الذاتية. بالاضافة إلى القيم والأخلاق ومناهضة الإجهاض والمثلية الجنسية، تجد شعارات الجمهوريين صدى لدى الناخبين الفقراء الذين تغريهم مسألة خفض الضرائب وتقليص حجم الحكومة حتى «نبعدها عن ظهورنا» حتى وإن كان تقليص حجم الحكومة يعني في جملة ما يعنيه وقف المساعدات المقدمة للفقراء والأحياء المهمشة وأي قضية لها صلة مما نسميه في المغرب مثلا التنمية البشرية. كنت في مدينة ديتوريت، مؤخرا، أعد بعض التقارير عن الأزمة الاقتصادية وأثرها على الانتخابات الأخيرة في مدينة كانت المحرك الفعلي للصناعة الأمريكية أيام جبروتها وأصبحت الآن لا تختلف كثيرا عن أي مدينة مملة من مدن العالم الثالث. كنت أجري مقابلة مع أحد المواطنين الفقراء البيض، والذي كان عاطلا عن العمل وأصر خلال المقابلة كلها على كونه سيصوت على الجمهوريين ليعاقب الديموقراطيين على ما فعلوه أو لم يفعلوه، وحينما سألته عما ينتظر من الناحية العملية من الجمهوريين قال: «تمديد التخفيضات الضرائبية لجورج بوش» أثارني ذلك الرد وتجاهلته لمرتين لكنني لم أستطع تجاهله للمرة الثالثة فسألته: «هل لك أن تشرح لي كيف ستستفيد أنت شخصيا من زيادة عمر التخفيضات الضريبية إن كنت عاطلا عن العمل أصلا؟» فرد علي بعد أن فكر لبرهة ليست بالقصيرة وهو ينظر في عيني:«إنه سؤال جيد» على اليسار لا تبدو الأمور أفضل حالا خاصة بعد الحملة الانتخابية الأخيرة حيث أدى تضافر مشاعر الإحباط وخيبة الأمل من عجز اليسار التقدمي –بالمقاييس الأمريكية طبعا- عن إحداث التغييرات الموعودة انتخابيا وبعد إنفاق ذلك اليسار عامين كاملين ورأس مال سياسي على قدر كبير من الأهمية في قضايا مساعدة البنوك في الأزمة المالية والرضوخ لضغط شركات الأدوية العملاقة في إعداد نظام الرعاية الصحية. الناخبون اليساريون، المناهضون تقليديا للحروب والمؤيديون لدور فعال للحكومة في التخفيف من معاناة الفقراء ويفضلون توظيف جزء من ميزانية الدفاع المتضخمة لمحاربة الهشاشة وإصلاح نظام التعليم الآخذ في التدهور والاستثمار في البنيات التحتية المتآكلة، فقدوا حماسهم بعد انهيار صورة باراك أوباما المخلص. كل هذه المعطيات ستجعل العامين القادمين جديرين بالتتبع لمظاهر التراجع السريع لما كان يسمى الحلم الأمريكي، مع تراجع مستوى الخطاب العام داخليا وتراجع دور أمريكا نفسها على الساحة الدولية. على المستوى الدولي كان ذلك واضحا من جولة أوباما الأسيوية، حيث اقتصر «النجاح» على الأمور الرمزية والشكلية، كإغراء نيودلهي بوعد مقعد في مجلس الأمن الدولي - قد لايتحقق أبدا- مقابل استخدام ورقة هندية ضد خصم صيني متزايد القوة والنفوذ. لكن الزيارة أخفقت في تخفيض التوتر بين الهند وباكستان اللتين تتعامل معهما واشنطن كضرتين متخاصمتين إلى الأبد في شبه القارة، كما أن أوباما لم ينجح في عقد اتفاقية التبادل التجاري مع كوريا الجنوبية، وأخفق في حمل الصين على إعادة النظر في صرف عملتها. وأثناء جولته نجح رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين ناتانياهو في الإمعان في إهانة «زعيم العالم الحر» بالتردد في قبول رشوة ضخمة من الأسلحة والوعود الدبلوماسية الأمريكية، بما فيها عدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية إن أعلنت من جانب واحد مقابل تجميد متواضع لثلاثة أشهر فقط في الضفة الغربية. هذا الاخفاق بالجملة «تحقق» على الرغم من أن أمريكا مازالت تعتبر نفسها القوة الوحيدة والضرورية للعالم، وعلى الرغم من مشاعر الارتياح التي أثارها ومازال يثيرها وصول باراك أوباما إلى الحكم، إذ كان يكفيه على المسرح الدولي كونه ليس جورج بوش ولكن مع ذلك لايبدو أن ذلك أصبح كافيا. أمريكا تعاني هذه الأيام من أعراض المرض نفسه الذي يصيب الإمبراطوريات مع بداية ترهلها حينما تبدأ في الإنفاق على مسؤوليات غير ضرورية أعطتها لنفسها على المستوى الدولي دون أن تكون آلتها الصناعية والجبائية في مستوى ذلك الإنفاق. أمريكا تنفق حاليا على ميزانيتها الدفاعية أكثر من جميع دول العالم مجتمعة، لكنها ميزانية مقترضة بالكامل من الداخل أو الخارج- سندات وقروض مباشرة- وهي وضعية كما يعرف رب كل أسرة «تخرج أكثر مما تدخل» يستحيل استمرارها دون إعادة النظر في الميزانية نفسها أو في الأدوار التي تنفق عليها تلك الأموال الباهظة. الخطاب السياسي الداخلي جعل أي حديث عن تخفيض ميزانية الدفاع أقرب إلى الخيانة العظمى لأن الجمهوريين سوقوا ماركتهم التجارية على أنهم حماة البلد وأي تخفيض يعني تعريض «أمننا للخطر» في حين يخاف الديمقراطيون حتى درجة التبول في ملابسهم الداخلية من إثارة الموضوع تجنبا لتهمة الرخاوة وعدم الحسم في مجال الأمن القومي. لكن وراء شعارات الأمن القومي يرقد عمالقة صناعة التسلح أو المركب الصناعي العسكري، حسب تعبير الرئيس الأمريكي الجمهوري دوايت ازينهاور بطل الحرب العالمية الثانية الذي دق ناقوس الخطر قبل أكثر من نصف قرن من هذا الأخطبوط القاتل. وحينما يواجه الجمهوريون بعبث الإنفاق على أنظمة تسليحية من الخيال العلمي في وقت لا تواجه أمريكا سوى رجال ملثمين يسكنون الحفر والمغارات في العراق وأفغانستان، يبررون ذلك الانفاق بكونه يوفر مناصب الشغل في مقاطعاتهم المختلفة وتصبح بذلك الصناعات العسكرية جزءا من الضمان الاجتماعي. لكن تلك الصناعات العسكرية، سواء استخدمت ضد أعداء حقيقيين أو محتملين لأمريكا أو قدمت لإسرائيل «كمساعدات» أو بيعت بعض خرذتها للدول العربية بعشرات الملايير من الدولارات، تبقى بالإضافة إلى صناعة الطائرات المدنية آخر قلاع الصناعة الأمريكية التي صنعت مجدها في المقام الأول. في مدينة ديترويت، وأثناء إعداد تقارير الانتخابات، كنت أقيم في واحد من أفخم فنادق المدينة لكنه كان فندقا شبه فارغ تحكي ضخامته أيام عز قد ولت أو أوشكت على الانتهاء. في أحد مطاعم الفندق وأثناء وجبة الفطور تعطلت آلات تسخين الخبز، وقلت مازحا لنادلة المطعم «كيف يحدث هذا في ديترويت المدينة –المحرك؟». هكذا كانت تعرف ديترويت في معظم القرن العشرين، المدينة التي عرفت شوارعها تحرك أول سيارة في العالم، وبها خلق هنري فورد سيارته الشعبية التي أصبحت في متناول قطاعات واسعة من الطبقة الوسطى، آنذاك، قبل أن تنتقل إلى معظم أنحاء العالم. ديترويت لم تكن تصنع السيارات فحسب بل جميع أنواع المعدات المنزلية من أجهزة تلفزيون وثلاجات وتحولت الآن إلى شبح ممسوخ من ماضيها العريق، حتى إن معظم العرب الذين جاؤوا إليها من اليمن وبلاد الشام والعراق للعمل في مصانعها المتعددة انتهى بهم المطاف في محطات الوقود ودكاكين الحمص والفلافل. في ديتوريت، أيضا، أعدمت قبل حوالي أسبوعين، رسميا، سيارة بونتياك بعد عمر ناهز أربعة وثمانين عاما، والتي كانت مفخرة جينيرال موتورز وكانت مضرب المثل في القوة والصلابة وخلدتها أفلام هولييود كرمز للقوة الأمريكية التي لا تقهر. عام 2008 بيع في العالم مليار ومائتي تليفون محمول لم يصنع واحد منها في أمريكا، في حين خرج آخر جهاز تلفزيون من المصانع الأمريكية عام 2004، وفي 1959 كانت أمريكا تصنع حوالي 28 في المائة من إنتاجها الاقتصادي في حين تراجع ذلك الرقم إلى 11 في المائة فقط عام 2008. ولم يعد مستغربا أن تسمع في البيوت الأمريكية هذه الأيام أن الآلات والسيارات والبضائع لم تعد كما كانت أيام زمان، وأصبحت تتعطل قبل أن تكمل عامها الأول في ظاهرة تعودنا عليها في العالم الثالث، لكنها أصبحت الآن ظاهرة شبه مألوفة في الخطاب الأمريكي اليومي. حتى الحروب لم تعد أمريكا تخوضها كما كانت تفعل في السابق، صحيح أنها مازالت تملك ترسانة مخيفة ويمكنها تدمير العالم عدة مرات لكنها تقف حائرة أمام أمثال أيمن الظواهري والملا عمر، بل انتهى أيضا حتى مفعول نظرية «الحرب جيدة للاقتصاد» لأن سبع سنين في الحرب ضد العراق وتسعا أخرى في أفغانستان لم تزد الاقتصاد الأمريكي إلا انكماشا وتراجعا. حالة الإحباط العامة أعرب عنها أكثر من تسعة وسبعين في المائة من الأمريكيين الذين استطلعت آراؤهم عشية الانتخابات الأخيرة حينما أعربوا عن الاعتقاد بأن البلاد تسير في الاتجاه الخطأ الأمر الذي يفسر «انقلابهم» على الديمقراطيين وارتماءهم في أحضان الحزب الآخر على الرغم من إدراكهم أن الحزبين معا قد أفلسا على مستوى الأفكار والبدائل. قد تكون أعمار الدول والإمبراطوريات تختلف في قياسها عن أعمار الأفراد لكن عقدا واحدا من الزمن يبدو فارقا في حياة التجربة الأمريكية على الرغم من كونه لايعني الشيء الكثير في عمر الأمم والحضارات. قبل أكثر من عقد بقليل كان المحافظون الجدد يبشرون، في بيانهم رقم واحد، بقرب استقبال العالم للقرن الأمريكي الجديد تسود فيه قيم أمريكا الاقتصادية والفكرية بالجزرة أو بقوة السلاح، لكن المفارقة الكبرى أنهم لم يدركوا أن الرصاصات الأولى التي ستطلق لنشر الرسالة الجديدة ستدميهم قبل خصومهم. لكن نخب أمريكا تتصرف في العلن على الأقل وكأن شيئا لم يكن أو وكأن شيئا لا يستدعي إعادة نظر شاملة في طريقة تسيير البلاد وشؤونها ومركزها في العالم، بما في ذلك نخبة الإعلام التي تركز على التافه من أخبار المشاهير وزيجاتهم وطلاقهم على حساب المصالح القومية الكبرى. في أوكلاهوما صوت الناخبون على منع القضاة من استخدام الشريعة في قضايا الأحوال الشخصية – رغم أنهم لا يستعينون بها أصلا- وفي ولاية كاليفورنيا صوت الناخبون بأقلية ضئيلة ضد مشروع قانون كان سيسمح بالاستخدام الترفيهي للماريخوانا وكأن أمريكا لا تخوض حربين متزامنتين ولا تقترض ثلث ميزانيتها السنوية. لكن بعض الساسة المخضرمين بدؤوا يشعرون بالقلق من الطريق الذي تسكله أمريكا داخليا وخارجيا، دفعت باثنين منهم مؤخرا لتقديم نصيحة مكتوبة ومجانية لباراك أوباما يقترحان عليه الإعلان أنه لن يقدم نفسه لولاية ثانية، والتركيز بدلا عن ذلك على التصدي لمشاكل أمريكا الحقيقية دون انشغال بالاعتبارات الانتخابية والسياسوية. المؤلفان، وهما دوغلاس شوين وباتريك كاديل من الناشطين الديمقراطيين، وعملا في حكومتي كارتر وكلينتون، جادلا في مقال في الواشنطن بوست مؤخرا بكون حساسية الظروف التي تعيشها أمريكا وعجزها التجاري ومتاعبها الخارجية ومشاعر الإحباط العامة تحتم اتخاذ قرارات حاسمة لا يمكن أن تتخذ في أجواء انتخابية ومزايدات سياسية. الكاتبان خلصا إلى أن الانتخابات الماضية كانت استفتاء على شعبية أوباما والديمقراطيين أسفرت عن تصويت بعدم الثقة فيهما معا، وأن أفضل ما يمكن أن يفعله أوباما حاليا هو أن يعلن أنه رئيس لولاية واحدة ويحاول استعادة بعض من الزخم الذي أوصله إلى السلطة قبل عامين. الكاتبان ذكرا باراك اوباما بتصريح أدلى به قبل حوالي عام لمحطة اي بي سي قال فيه إنه يفضل أن يكون رئيسا من ولاية واحدة على أن يكون رئيسا ضعيفا بولايتين، مؤكدين على أن القرار ليس سهلا لكن انقسام الأمريكيين والتحديات الجسيمة التي يواجهها البلد تحتم زعامة تاريخية من شاكلة ما تعهد به في الانتخابات الرئاسية قبل عامين. لكن أوباما، الحيوان السياسي الطموح، قد لا يسمع بتلك النصيحة مما يضمن حملة انتخابية رئاسية هي الأطول في تاريخ الولاياتالمتحدة قد تبدأ مع مطلع العام القادم بين جمهوريين فرحين بغضب الشارع وديمقراطيين غاضبين على فقدان الشارع. المؤشرات في واشنطن وقبل أن يصل المخلصون الجدد لا تبعث على الارتياح، إذ أشارت بعض المصادر إلى استعداد البيت الأبيض لتجنيد جيش من المحامين للدفاع عن الرئيس في «تحقيقات الفساد» التي يزعم أن حكومة باراك أوباما قد ارتكبتها خلال العامين الماضيين، لكن زعامة الجمهوريين الجدد لم تستطع الإشارة إلى نموذج واحد لتلك الجرائم المزعومة، ويبدو أن أسمى هدف يريد الجمهوريون تحقيقه هو ما أعرب عنه زعيمهم في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، وهو «جعل الرئيس باراك اوباما رئيسا من ولاية واحدة» وحسب استطلاع ل«النيويورك تايمز» فإن نسبة كبيرة من الوجوه الجمهورية الجديدة لاتؤمن بظاهرة الاحتباس الحراري-لأن كبريات الشركات لايعجبها ذلك العلم المشاغب- كما أنها تريد تعديل الدستور لحرمان الأطفال المولودين على التراب الأمريكي من الجنسية الأمريكية التلقائية. أولويات الجمهوريين التي تتعارض مع أولويات الحزب الديمقراطي- وإن كان القاسم المشترك هو العودة إلى السلطة والبقاء فيها أطول فترة ممكنة لمص رحيق الخزينة- سيعمق أرق الناخب الأمريكي العادي خاصة الفقير منه الذي يراقب بلده يتحول أمام عينيه المجردتين وفي الزمن الطبيعي من قوة عظمى إلى رجل مريض.