استلم الجمهوريون، رسميا، مقاليد مجلس النواب هذا الأسبوع، لتدخل واشنطن أطول حملة انتخابية رئاسية في تاريخها بين أقلية جمهورية نشطة تسيطر على مجلس النواب وأغلبية ديمقراطية محبطة، رغم سيطرتها على مجلس الشيوخ والبيت الأبيض. وليس تصريف واشنطن لقضاياها الداخلية، وحتى العالمية، بحكومة منقسمة بالأمر الغريب أو الجديد، لكن التركيبة الغريبة للانقسام الجديد تبعث على الاعتقاد أن الناخب الأمريكي المستقل سيكون أكبر المحبطين من حروب واشنطن الداخلية، حتى إشعار آخر. «قطف» الجمهوريون، الذين استغلوا حالة الإحباط تلك، نتائج واحدة من أسهل الحملات الانتخابية، لم يطلب فيها الناخبون الراغبون في الانتقام من باراك أوباما وحزبه الديمقراطي أي بدائل منطقية من الجمهوريين، تماما كما جنى الديمقراطيون، قبل ذلك، تمار النقمة الشعبية واسعة النطاق على جورج بوش. لكن الحزب الجمهوري يعود إلى السيطرة على نصف السلطة التشريعية، مصطحبا معه «ربيبا» سياسيا اسمه «حركة الشاي»، الغاضب من واشنطن ومن أوباما، غضبا شديدا، بسبب الإنفاق الخارج عن السيطرة. ساعد ناشطو حزب الشاي -لو تركنا عنصرية بعضهم جانبا- الحزب الجمهوري، بنجاحهم الإعلامي، في توظيف حالة الإحباط العام من الأداء الحكومي، لحمل مؤيديهم على التصويت، في الوقت الذي دفع الإحباط الناشطين الليبراليين إلى العزوف عن مراكز الاقتراع. ظروف يوم الاقتراع أصبحت، طبعا، في ذمة التاريخ، لكن نتائجها ستحكم واشنطن خلال عامين كاملين، كما ستطال نتائجها -حتما- السياسة الخارجية خلال الفترة نفسها.
إشكالية الديون.. إنفاق أم تقتير؟ اختزال «حركة الشاي»، ومعها الحزب الجمهوري، مشاكل أمريكا في الإنفاق والدَّين الخارجي سيمهد الطريق، منذ الأسبوع الأول لاشتعال الشرارة الأولى في الجبهات المتعددة التي ستشغل الإعلام الأمريكي في المستقبل القريب، دون أن يتوقع أحد نجاح المتحاربين في الاتفاق على رأي. بلغت ديون الولاياتالمتحدة، بالفعل، أرقاما فلكية، وقبل تسلم الجمهوريين مطرقة مجلس النواب بأربعة أيام فقط، تجاوز الدَّين الخارجي حاجز 14 تريليون دولار، كما أنه يكبر بأربعة ملايير دولار مع مطلع شمس كل يوم. تستدين واشنطن، سنويا، أكثر من ثلث ميزانيتها، لتغطية العجز المزمن في الميزانية الفدرالية، دون الحديث عن الميزانيات المحلية لخمسين ولاية يعاني معظمها من عجز غير مسبوق. ولمواجهة المعضلة المالية غير المسبوقة، هناك خلاف فلسفي عميق الهوة بين الجانبين على المستوى الأكاديمي، لكن الخلاف يصبح أكثر عمقا بسبب الاعتبارات السياسوية. الخطاب الشعوبي ل»حركة الشاي» بشأن الوضع المالي السيئ ساعدها في السيطرة على مجلس النواب، في حين يريد الديمقراطيون استخدام الخزينة الفارغة ل«إرشاء» قواعدهم قبل انتخابات العام القادم. وعلى الرغم من تعقيد المشكلة وجسامتها غير المسبوقة، اعتمدت «حركة الشاي» خطابا بسيطا ومؤثرا، بساطةَ الحلول المقترَحة، التي تدعو -بكل بساطة- إلى التقليل من الإنفاق الحكومي، بإلغاء بعض البرامج الحكومية، بهدف السيطرة على العجز وعلى ارتفاع وتيرة الديون. قد يبدو الحل منطقيان لكن الخطاب الجمهوري يتحاشى «شيطان التفاصيل»، حينما يستبعد من تلك التخفيضات قطاعَي الدفاع والأمن الداخلي، اللذين يلتهمان ملايير الدولارات سنويا، بسبب الرغبة في الحفاظ على صورة الحزب الجمهوري كأفضل «مدافع» عن الأمريكيين. يواجه واضعو الميزانية الفدرالية مشكلة ذهاب جزء كبير منها -قبل الدفاع والأمن- إلى حسابات التقاعد والرعاية الصحية للمسنين، في وقت اختل التوازن بين المساهمين والمنتفعين من ذلك الصندوق، لكنْ لا يستطيع أحد من الحزبين الاقتراب من المسنين، ليس احتراما لشيخوختهم، وإنما خوفا أو تقربا من «أصواتهم»!... وباستثناء الدفاع والأمن ومنافع المتقاعدين -وهي القطاعات التي تلتهم أكثر من ثلثي الميزانية الفدرالية- يبقى هامش الحركة أمام المشرعين ضئيلا للغاية، لكنه هامش يستعرض فيه الطرفان -وبعنف أحيانا- خلافاتها الإيديولوجية والانتخابوية. يكره الجمهوريون، الذين لا يجدون مشكلة في وصفهم بحزب الأغنياء، كل البرامج الاجتماعية، بل منهم من دعا إلى إلغاء وزارة التربية على المستوى الفدرالي، بهدف توفير مبالغ هزيلة نسبيا، إذا قورنت بباقي الوزارات، كما يدعون إلى تخفيض ضرائب الأغنياء، بدعوى أنهم يحدثون مناصب شغل. ويؤمن الديمقراطيون، من جهتهم، بدور الحكومة في التدخل والإنفاق على المشاريع الكبرى، خاصة في أيام الأزمات الاقتصادية، لإيجاد مناصب العمل وأيضا لإرضاء النقابات وما تبقّى من الطبقة الوسطى وباقي القواعد المحسوبة، تقليديا، على الحزب...
الهجرة والإرهاب في هذه القضية، أيضا، يجد كينغ وبعض زملائه شبح الإرهاب مع كل متحدث باللغة الإسبانية، رغم تحول المهاجرين اللاتينيين إلى أكبر أقلية في البلاد أظهرت، تاريخيا، أنها قادرة على التصويت للجمهوريين، كما حدث مع جورج بوش -الابن نفسه، سواء كحاكم لتكساس أو كرئيس للولايات المتحدة. ويرى كينغ وبعض زملائه الآن مؤامرات تحاك في كوبا وفنزويلا مع أعداء الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط، لنقل وإدخال الإرهابيين إلى الولاياتالمتحدة، عبر حدودها مع المكسيك. دفع الخوف من مواجهة تهمة العنصرية إزاء أقلية اللاتينيين الجمهوريين -على ما يبدو- إلى تبنى «مبرِّر» الإرهاب كأنجع وسيلة للقضاء نهائيا على تعهد انتخابي من باراك أوباما بتسوية الوضعية الشاذة لأكثر من 11 مليون مهاجر غير شرعيين في الولاياتالمتحدة. نجح الجمهوريون، في الأيام الأخيرة من الدورة التشريعية السابقة، في «وأد» مشروع قانون كان سيسوي وضعية عشرات الآلاف من الشبان الذين دخلوا الولاياتالمتحدة مع أسرهم، وهم أطفال، بطريقة غير شرعية، لكنهم شبّوا وترعرعوا في الولاياتالمتحدة وتعلموا في مدارسها، لكنهم وجدوا أنفسهم في وضعية هم غير مسؤولين عنها في المقام الأول. تريد الأغلبية الجديدة، أيضا، تعديل الدستور، حتى يحرم المواليد فوق التراب الأمريكي من الجنسية التلقائية، بدعوى حرمان نساء «حماس» من إنجاب «إرهابيين» صغار تسهل عودتهم كمجندين في المستقبل!... والهدف من مشروع التعديل الدستوري المقترح، طبعا، هُم المهاجرون من المكسيك ومن باقي دول أمريكا اللاتينية. «حرب» الرعاية الصحية قضى الجمهوريون العامين الماضيين في معارضة جميع الاقتراحات، تقريبا، التي تَقدَّم بها باراك أوباما، وفي مقدمتها تعهده الانتخابي بتعميم نظام الرعاية الصحية، ليشمل أكثر من خمسين مليون أمريكي يفتقرون إليها حاليا. كانت المعارضة الصاخبة لبرنامج الرعاية الصحية من أسباب ميلاد «حركة الشاي»، التي غلّفته بغلاف الإنفاق الحكومي غير الضروري، ووجدت تلك المعارضة «صدى» لدى بعض الفئات المحبطة من اليمين، إما بسبب البطالة أو بسبب وجود رئيس أسود أو لأن الرعاية الصحية ستغطّي الفقراء والمهاجرين. كانت الحملة القوية والمنظمة التي شنها الجمهوريون على برنامج الرعاية الصحية في صيف عام 2009، والممولة بسخاء من شركات التأمين والأدوية والمستشفيات، أولَ «صفعة» يتلقاها باراك أوباما وساهمت، إلى حد كبير، في بداية ضعفه السياسي، بعد «شهور العسل»، التي كان يتمتع بها في بداية حكمه. فوجئ الرئيس الديمقراطي بحدة المعارضة وبلغتها الصاخبة، بل العنصرية أحيانا، فاضطر لتقديم تنازلات كبيرة للجمهوريين، أفقدته في نهاية المطاف دعم الأجنحة الليبرالية من حزبه، والتي وجدت في النسخة الأخيرة من القانون نسخة أضعف مما كانت تتطلع إليه. لم ينسى ناشطو «حركة الشاي»، طبعا، القضية الرئيسية التي أعطت شهادة الميلاد لحركتهم، فتعهدوا بأن يكون إلغاء القانون على رأس أجندة الكونغرس الثاني عشر بعد المائة، بدعوى أنه تبذير غير ضروري للمال العامّ وتدخّل غير ضروري للحكومة في حياة المواطنين. يواجه تحقيق ذلك الهدف المعلن مشكلة عملية بسيطة، لكنها أساسية وتتمثل في وجود أغلبية ديمقراطية في مجلس الشيوخ، وإنْ تراجع عددها إلى ثلاثة وخمسين مقعدا مقابل ثلاثة وأربعين للجمهوريين. يستطيع الجمهوريون في مجلس النواب، حاليا، المصادقة على أي مشروع قانون يريدونه، بسبب أغلبيتهم المريحة في المجلس، لكن تلك المشاريع تحتاج أيضا إلى مصادقة مجلس الشيوخ، حيث من المتوقَّع أن «يموت» معظمها هناك، بسبب الإهمال. وحتى إذا افترضنا، جدلا، أن الجمهوريين نجحوا في إقناع بعض الديمقراطيين في مجلس الشيوخ بدعمهم في بعض تلك المشاريع، فإن الرئيس الديمقراطي يملك حق النقض ولا يمكن تصور أن يوقع الرئيس أوباما على مشروع قانون يلغي به إبراز إنجازاته خلال العامين الماضيين. إصرار الجمهوريين، بأغلبيتهم الجديدة، على التركيز على قضية خاسرة يعرفون مسبقا أنها لن تذهب بعيدا، هو محاولة «مسرحية» للتقرب من قواعدهم التقليدية، لإقناعها بأنهم «يفعلون شيئا»، حتى لو كان مضيعة للوقت، فإنه أكبر مؤشر على ما سيقع في الكونغرس خلال العامين القادمين. وانأ اكتب هذه الفقرة، وصلتني رسالة إلكترونية من باراك أوباما، تبلغني بالخطر المحدق ببرنامج الرعاية الصحية من طرف الجمهوريين وتنصحني بالانضمام إلى الجماعات التي ستواجه «حملة الجمهوريين لوقف التقدم الذي أحرزناه». وقد وجّه الرسالة، طبعا، القائمون على الحملة الانتخابية الدائمة لباراك أوباما لعشرات الملايين من مؤيديه المسجلين في بنك الأسماء، الموروث عن الحملة الانتخابية الرئاسية الماضية، حيث «أبدعت» حملة أوباما في توظيف تقنية التواصل الحديثة في حشد التأييد بين أوساط مستخدَمي الأنترنت. لكن بعض التقدميين والناشطين في الجناح اليساري من الحزب الديمقراطي يريدون من باراك أوباما نفسه أن يُظهِر بعض القتالية في وجه الجمهوريين، لأن «هستريا تخفيض الإنفاق وتخفيض الضرائب أمر عبثي»، حسب تعبير مشرع ديمقراطي من نيويورك. وقد حذّر المشرع الليبرالي جيرولد نادلر، أيضا، من مغبة التعاون مع حزب لا يريد التعاون «وعليك رسم خط في الرمال لا يمكن تجاوزه، كما عليك أيضا أن ترفع من وعي الرأي العام»، على حد تعبير المشرع الديمقراطي، مخاطبا الرئيس أوباما. كان الرئيس الديمقراطي عاجزا خلال العامين الماضين على رسم ذلك الخط في الرمال مع الجمهوريين، مما أضعفه إزاءهم، قبل أن يُضعِفه داخل حزبه وعلى المسرح الدولي. وهناك من يعتقد أن إصراره على عدم تغيير اللهجة مع خصومه الجمهوريين في المستقبل سيضمن كونه رئيسا لولاية واحدة. لا تشكل الرعاية الصحية الهدفَ الوحيد للأغلبية الجديدة، لأنها تريد، أيضا، إلغاء قانون إصلاح النظام المالي، الذي قد يبدو عنوانا بريئا، لكن خطورته تتعدى الشأن الداخلي إلى مجال الاقتصاد العالمي. القانون الجديد الذي سُنّ في أعقاب الأزمة المالية وكان الغرض منه الحيلولة دون تكرار الكارثة التي عصفت بالاقتصادين الأمريكي والعالمي لم يعجب كبريات الشركات والمصارف في «وول ستريت»، التي تعودت الاعتماد على الجمهوريين في إلغاء القوانين والقيود من مجالات نشاطها. هنا، أيضا، لا يملك الجمهوريون أملا حقيقيا في إلغاء القانون، لكن ذلك لا يمنعهم من ممارسة بعض «المسرح» السياسي وتضييع الوقت...
السياسة الخارجية ستؤثر مضاعفات هذا الحراك الداخلي، حتما، على الأداء الخارجي للسياسة الأمريكية على المسرح الدولي، والتي من المنتظَر أن يتسرب إليها نوع من «الشلل» الداخلي رغم أن السياسة الخارجية تعد، دستوريا، من مجالات واختصاص الرئيس. لكن الكونغرس نجح، في العقود الأخيرة، في تجاوز صلاحياته على المسرح الدولي، إلى درجة دفعت أحد الدبلوماسيين الأمريكيين السابقين إلى وصف أمريكا بأنها «البلد الوحيد في العالم الذي يملك 536 وزيرا للخارجية»، بعد أن أضاف عدد المشرعين الأمريكيين من غرفتي الكونغرس إلى وزير أو وزيرة الخارجية. تنبع قوة مجلس النواب وتأثيره في الدبلوماسية الأمريكية، أيضا، من كونه المصدر الدستوري للنفقات الحكومية، بما فيها وزارة الخارجية. وقد دأب الأعضاء على توظيف قوة المال، للتأثير على أداء الدبلوماسية، عن طريق التهديد بتقليص الميزانية أو إلغاء بعض بنودها. يؤشر تعيين الرئيس باراك أوباما عددا من كبار موظفي الحكومة أثناء عطلة نهاية العام، دون موافقة مجلس الشيوخ، مستغلا بذلك حقا دستوريا يسمح له باستغلال عطلة المجلس التشريعي، على طبيعة العلاقة المتأزمة التي ستربطه بالمشرعين، حتى في المجال الذي يملك فيه حقا دستوريا. انتقدت النائبة روس ليثينين، الرئيسة الجديدة للجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، تعيين سفير في دمشق من مقر عطلتها في ولاية فلوريدا واعتبرتها «مكافأة» لسوريا، قبل أن تستعرض قائمة «مآخذ» اليمين الإسرائيلي على الحكومة السورية، من تدخلها في شؤون لبنان إلى تسهيل مرور المقاتلين العرب إلى العراق، إلى دعمها لما يعتبرونها منظمات إرهابية من قبيل حماس وحزب الله. تعتبر المشرعة الجمهورية، والتي ستمثل المعارضة الدبلوماسية للحكومة الأمريكية خلال العامين القادمين، مجرد فتح سفارة في بلد أجنبي مكافأة لتلك الدولة وليس أداة لفتح الحوار وتبليغ «الرسائل»، حتى لو كانت سلبية. علّق أحد الخبراء على الموقف السخيف بأن واشنطن ستجد نفسها بسفارات قليلة في العالم، إن قررت حصر تمثليها الدبلوماسي على العواصم الطيّعة والحليفة. السيدة ليثنان هي، أيضا، من أقوى حلفاء اليمين الإسرائيلي المتطرف في الولاياتالمتحدة، بل تبدو أحيانا أكثر تطرفا ويمينية من أرييل شارون ونتانياهو، مجتمعَيْن. أطلق تأثير هذه المشرعة على قرارات الخارجية الأمريكية، بالفعل، «رصاصة الرحمة» على أي أمل -إن وجد أصلا- في إعادة الحياة إلى أي مفاوضات سلام، مباشِرة أو غير مباشِرة، خلال العامين القادمين. ستدخل مزايدات الجمهوريين على الديمقراطيين في جلب أصوات وتبرعات اليهود الأمريكيين موسما غير مسبوق خلال فترة مجلس النواب الجديد، مما سيعطى مرتعا لرئيس الوزراء الإسرائيلي ويساعده على تحدى البيت الأبيض وإهانته، أكثر مما فعل حتى الآن. كما أن وصول هذه المشرعة مع القادمين الجدد إلى رئاسة لجن مجلس النواب سيقضي على أمل آخر كان يراود بعض الليبراليين ويرمي إلى إنهاء السياسة الأمريكية تجاه كوبا، المستمرة منذ أكثر من نصف قرن، ولم يعد لها أي معنى مع انتهاء الحرب الباردة. لكن السيدة ليثينان، المتحدرة من أصول كوبية، تنضمّ إلى الجيل الأول من الفارين من الجزيرة الكورية والذين مازالوا -عكس الجيل الجديد- يُكنّون عداء عميقا للحكم الشيوعي في وطنهم الأصلي. ستوضع إمكانية الانفتاح على إيران أو الدخول في أي محاولة جدية لمعالجة المشاكل القائمة معها «على الرف»، خلال العامين القادمين، بل هناك من يخشى من أن تؤدي المزايدات بين الحزبين على من يكون أكثر تشددا إزاء طهران -وبالتالي أكثر قربا من إسرائيل- إلى التعجيل بمواجهة عسكرية مع الإيرانيين، رغم عدم استعداد أمريكا لفتح جبهة جديدة. كوريا الشمالية مرشحة لكي تصبح، هي الأخرى، جبهة المزايدات الحزبية الداخلية، لأن الجمهوريين الذين لم يروا حربا إلا وعشقوها، سيجدون في كل خطوة يتخذها البيت الأبيض علامة على «ضعفه وتراجعه أمام حزم وإصرار أعداء أمريكا». من المفارقات أن الرئيس الديمقراطي سيجد في الزعماء الجدد لمجلس النواب مرشَّحين لحلف غير مقدَّس بشأن الحرب على أفغانستان، في وقت يواجِه تصعيد البيت الأبيض للحرب على الأفغان مقاومة من حزبه الديمقراطي، الذي هدد بعض مشرّعيه في الدورة السابقة بقطع الاعتمادات المالية عن الحرب. لكن المحاربين الجمهوريين لن يترددوا في توقيع شيكات على بياض، «لحماية أمريكا والأمريكيين»، حتى في وجه الإفلاس الأخلاقي والإستراتيجي للحرب وإعراض الرأي العام الأمريكي عنها منذ مدة طويلة... تحقيقات بالجملة تعتزم الأغلبية الجمهورية الجديدة تنظيم تحقيقات وتنظيم جلسات استماع بالجملة، لتحويل حياة البيت الأبيض ومختلف الوزارات إلى جحيم يومي، للتحقيق في ما وصفه المشرع الجمهوري من أصل عربي، داريل عيسى، بأكثر «الحكومات الأمريكية فسادا في التاريخ». وستوفر «التحقيقات» المستمرة عملا للمحامين وكاميرات التلفزيون، لكنها لن تساعد ملايين الأمريكيين العاطلين عن العمل أو المدنيين الأفغان، الذين يواجهون أحدث الأسلحة الأمريكية، أو باقي شعوب العالم، التي كانت تمني النفس ببزوغ شمس «أمريكا جديدة»، بعد وصول باراك أوباما إلى السلطة.
جورج بوش.. الحاضر /الغائب لعل أسوأ عودة إلى الوراء سيُقْدم عليها الكونغرس الجديد هي إعادة الحياة إلى «الحرب على الإرهاب»، بتطبيقاتها ولغتها «البوشية» السابقة، التي كانت تبرر أي سياسة وأي إنفاق وأي موقف بمنطق مكافحة الإرهاب. يعتزم النائب ديريل عيسى، من منصبه الجديد كرئيس للجنة الإشراف الحكومي، على عقد جلسات استماع وتحقيق في قضية «ويكليكس» ومؤسسه جوليان أسانج. حذّر المشرع الجمهوري الرئيسَ أوباما، في الأسبوع الماضي، من مغبة تجاهل المسؤول الأول عن «أم التسريبات» في التاريخ الأمريكي وضرورة التعامل معه ك«إرهابي أو كمجرم، حتى لا يضحك العالم من تحولنا إلى نمر من ورق»، حسب تعبير السيد عيسى. لا يبعث وجود السيد عيسى، المتحدر من أصول لبنانية، في هذا المنصب الحساس على كثير من الأمل بين صفوف الجالية العربية -الأمريكية، التي تذكر مواقفه في صيف عام 2006، حينما كان بلده الأصلي يُقصَف من طرف الطائرات الإسرائيلية، وكل ما «نجح» في فعله هو توفير مبلغ مليون دولار ل«إنقاذ السمك» في ميناء بيروت...
الإسلام والإرهاب يتوقع عربَ ومسلمو أمريكا عاما أصعبَ من العام الذي ودعوه، بعد أن حول الجمهوريون الإسلام إلى قضية انتخابية ويعتزمون محاكمته، برلمانيا وعلنيا، خلال الدورة التشريعية. يعتزم النائب بيتر كينغ عن نيويورك، أبرز حلفاء «الليكود» في المشهد السياسي الأمريكي، بدوره، تنظيم جلسات استماع وتحقيقات مطولة حول «التطرف الإسلامي»، في استعراض شبيه بالحملة المكارثية، يشارك فيها كل من امتهنوا احتقار الإسلام ومعتنقيه. كان بيتر كينغ، الذي لم ير في حياته -على ما يبدو- أمرا ايجابيا واحدا في كل ما هو عربي أو مسلم، من أوائل المعارضين لمشروع بناء مركز إسلامي في نيويورك، على بُعد بضعة أمتار مما كان يعرف بمركز التجارة العالمي. يعتزم المشرع النيويوركي العودة إلى المشروع نفسه والتحقيق في مموليه وفي أهدافهم الدفينة واستبيان إن كانت لهم أي صلة بالقاعدة، رغم القائمين على المشروع -الذي أصبح منسيا- هم من المواطنين الأمريكيين المعروفين، بل إن أحدهم توفده وزارة الخارجية الأمريكية إلى العالم الإسلامي، لإظهار «المكانة المرموقة»، التي وصل إليها مسلمو أمريكا. يعتزم السيد كينغ، كذلك، التحقيق في سلوك حكومة أوباما وإدانة «تفكيرها» في إغلاق معتقل «غوانتانامو» و«عزمها» محاكمة بعض نزلائه في نيويورك، رغم أن البيت الأبيض تخلى عن الفكرتين منذ مدة طويلة ولم يتعد التفكير فيهما مستوى النوايا. وسيعود حادث إطلاق النار في قاعدة «فورت هود» في تكساس، الذي أطلق خلاله طبيب عسكري مسلم النار وقتل بعض رفاقه، قبل أكثر من عام ونصف، هو الآخر، إلى الواجهة وإلى الشهادات العلنية، لإظهار تقصير حكومة أوباما، من جهة، وتطرف مسلمي أمريكا، من جهة أخرى. من الصعب أن «يحنّ» المرء إلى أيام جورج بوش، لكنه نجح رغم حروبه على دولتين إسلاميتين، في كبح جماح عداء حزبه للإسلام والمسلمين بالتذكير، بين الفينة والأخرى، بأن أمريكا لا توجد في حالة حرب مع الإسلام. لا تجد كبار زعامات الحزب الجمهوري، أو بعضهم على الأقل، غضاضة في استعداء الإسلام بالجملة وبأعذار مغرقة في العنصرية والغباء، أحيانا، غيرَ آبهة بالمضاعفات المحتمَلة لمواقفها ولغتها، ما دام ذلك العداء يخطب ود جماعات أمريكية متطرفة مستعدة لدعم ذلك التطرف بالمال والأصوات. وكان موضوع الهجرة، أيضا، من المَواطن التي كان فيها الرئيس الجمهوري السابق أكثر اعتدالا من حزبه أو من الأقلية الصاخبة فيه، التي تستعدي قطاعات واسعة من الشعب الأمريكي، مرة أخرى، لخطب ود الناخبين البيض، الغاضبين.