استعاد الجمهوريون السيطرة على مجلس النواب بعد أربع سنوات على فقدانها في خطوة غير مألوفة في المشهد السياسي الأمريكي، حيث تطلب الأمر من الجمهوريين أواسط التسعينيات أربعة عقود كاملة قبل العودة إلى الأغلبية التشريعية في انتخابات 1994. التغيير السريع، الذي كان متوقعا على نطاق واسع، يعكس حالة القلق العميقة التي تخامر المواطن الأمريكي الذي، حتى وإن لم يكن عاطلا عن العمل، يخاف من ذلك المصير ويرى أن حكومة فيدرالية لا تخدم مصالحه. عاد الجمهوريون على الرغم من أنهم لم يقدموا بدائل عقلانية ومقبولة، إلا أنهم ركبوا موجة الغضب الشعبية العامة تماما كما فعلها الديمقراطيون في انتخابات عامي 2006 و2008. ويرى بعض المراقبين أن الديمقراطيين دفعوا ثمن غرور غمرهم، خاصة بعد انتصار باراك أوباما قبل عامين وبريق شعار التغيير الذي جذب ملايين الشبان الذين دخلوا السياسة لأول مرة، واعتقد الديمقراطيون أنهم سيضمنون أغلبية طويلة الأمد بذلك الجيل. ومن المفارقات أن الجمهوريين ارتكبوا الخطأ نفسه في انتخابات عام ألفين مع «الناخب الأخلاقي»، واعتقدوا خاطئين أن رفع شعار القيم سيضمن لهم أغلبية تحافظ على الديمقراطيين خارج السلطة لعقود. على مستوى القرارات السياسية، يحمل كثيرون الرئيس أوباما نفسه مسؤولية الهزيمة النكراء التي مني بها الديمقراطيون لأنه أنفق عامين كاملين وكل رأسماله السياسي في محاولة إرضاء اليمين وتجاهل قواعده التقليدية، وحتى حينما «نجح» في تمرير قانون إصلاح الرعاية الصحية جاء الإصلاح ناقصا في نظر الليبرالييين بسبب التنازلات الكثيرة التي قدمها إلى الجمهوريين الذين لم يصوت عضو واحد منهم على الإصلاح الجديد. ومن المفارقات أيضا أن ذلك الإصلاح، الذي سعى إليه جيل كامل من الديمقراطيين، أصبح عالة على الحزب في هذه الانتخابات إلى درجة تباهي معها بعض المرشحين الديمقراطيين في بعض المقاطعات المحافظة بأنهم صوتوا ضده. نزيف النفط في خليج المكسيك كان كارثة سياسية بقدر ما كانت بيئية، لأنها أظهرت الرئيس عاجزا عن تغيير الوضع تماما، كما غيرت المنطقة نفسها رؤية الرأي العام للرئيس جورج بوش أيام إعصار كاترينا. ظهور حركة حزب «الشاي» المعارضة على يمين الحزب الجمهوري، والتي كانت الفائز الأكبر في هذه الانتخابات بعدما فاز بعض رموزها والتي رفعت شعارات المسؤولية المالية وتصغير حجم الحكومة، مدفوعة جزئيا بدوافع عنصرية، ساعد على رفع الحماس لدى اليمين الذي كان يعاني من الإحباط بعد هزيمتين متتاليتين. انتقال زعامة مجلس النواب وتقليص أغلبية الديمقراطيين في مجلس الشيوخ ابتداء من يناير القادم يعنيان أن واشنطن ستشهد، في نظر معظم المراقبين، شللا فعليا لأنه من غير المستبعد أن تتعاون الأغلبية الجديدة بعد التفويض الشعبي الجديد. الجمهوريون سيجدون مشكلة داخلية مع نجوم حركة «الشاي» الذين يعتبرون التعاون خيانة للمبدأ وأي «تنازل» لرئيس ليبرالي يوازي الكفر بالمقدسات. ميزان القوى الجديد يعني أيضا أن انتخابات الرئاسة لعام 2012 ستبدأ عمليا في اليوم الذي ستُقسِم فيه الأغلبية الجديدة اليمينَ الدستورية لأن أوباما، «بطل» التغيير الممكن، أصبح الآن هدفا سهلا وممكنا. هنا، في مدينة لاس فيغاس، كبرى مدن ولاية نيفادا، انتظر مؤيدو هاري ريد، زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، حوالي ساعتين بعد إغلاق مراكز الاقتراع للاطمئنان على مصيره السياسي أمام مرشحة حركة «الشاي»، شرين أنغل، لأن هزيمته كانت ستعمق مشاعر الإحباط في ليل الديمقراطيين الطويل. الماضي القريب لا يبعث على الكثير من الاطمئنان على الجمهوريين أنفسهم لأن شعارات تخفيض الضرائب وتقليص حجم الحكومة والإنفاق المسؤول شعارات دمرها جورج بوش لثماني سنوات متواصلة دون أي احتجاج من حركة «الشاي» أو غيرها، بل تمت بدعم ومباركة أغلبية جمهورية في الكونغرس لستّ سنوات كاملة، انتقلت فيها أمريكا من فائض إلى أكبر عجز زائد حربين مشتعلتين. البيت الأبيض وفي أول رد فعل له على الليلة السوداء المتوقعة، أعلن أنه «يتطلع إلى القواسم المشتركة» مع الأغلبية الجديدة، لكن تلك القواسم قد تكون قليلة إن لم تكن منعدمة، في حين قال زعيم الأغلبية المنتخبة جون بينير، الرئيس القادم لمجلس النواب، كلاما شبيها دون أن ينسى تذكير البيت الأبيض برسالة الناخب إلى اوباما ومفادها: «غيّر الطريق». على مستوى السياسة الخارجية، من المنتظر أن يؤثر الوضع الجديد على دور أمريكا في الخارج وإن كانت صلاحيات الدبلوماسية ما تزال، دستوريا، في يد الرئيس. الأغلبية الجديدة ستتطلع إلى معارضة أي ضغط، مهما كان ناعما، على رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين نتانياهو، مما سيطلق رصاصة الرحمة على أي أمل في استئناف جدي للمفاوضات، في حين ستفضل الكوكبة الجديدة ضغوطا قاسية على كل من سوريا وإيران والسودان، مما سيؤزم علاقات أمريكا، المتأزمة أصلا، مع هذه الدول، وستتبخر معها روح خطاب القاهرة وآمال الأمريكيين والعالم في ميلاد أمريكا جديدة.