يوم الاثنين 20 سبتمبر 2010 قال المكتب القومي للبحث الاقتصادي في الولاياتالمتحدة أن الركود الاقتصادي انتهى في يونيو 2009، من دون استبعاد أن تكون الولاياتالمتحدة تتجه نحو ركود آخر. وذكر المكتب الذي يضم مجموعة من الاقتصاديين المستقلين في بيان أن المعطيات الاقتصادية تشير بشكل واضح إلى أن الاقتصاد عاد للانتعاش في الصيف الماضي، ما يعني ان الركود الذي بدأ في ديسمبر2007 دام 18 شهرا ليكون الأطول والأكبر منذ «الركود الكبير» في الثلاثينيات من القرن الماضي. وأكد المكتب في بيانه وجود خطر من حصول ركود اقتصادي آخر، إلا أنه أشار إلى أن أي تراجع للاقتصاد سيكون ركودا جديدا وليس استمرارا للركود الذي بدأ في ديسمبر 2007 نظرا إلى طول مدة الانتعاش. وقال المكتب ان النشاط الاقتصادي تحت المعدل الطبيعي وفي المراحل المبكرة من التوسع. وانتظر المكتب فترة طويلة قبل أن يعلن تاريخ بدء الركود وتاريخ انتهائه، بانتظار جميع المعطيات الاقتصادية لدراستها والتأكد من أن أي تغيير في الاتجاه الاقتصادي لن يدوم طويلا. واعلان اللجنة، الذي يأتي تقليديا متاخرا، ليس من شأنه ان يطمئن كثيرا الراغبين في الحصول على وظيفة. واستنادا إلى الارقام الحكومية فإن امريكيا من كل عشرة في سن العمل لا يجد عملا. وتسببت حال الركود التي نتجت من ازمة الرهون العقارية، بفقدان أكثر من ثمانية ملايين وظيفة، وحتى الأن تبقى المؤشرات سلبية. وأظهرت بيانات رسمية نشرت الخميس 23 سبتمبر ان الطلبات الاولية للحصول على اعانة البطالة الحكومية في الولاياتالمتحدة زادت في الأسبوع الذي انتهى في 18 سبتمبر 2010 فيما بلغت الطلبات الأولية المعدلة موسميا 465 ألفا. واشارت وزارة العمل الامريكية إلى أنه في الأسبوع الذي انتهي في 18 سبتمبر سجل الرقم السابق للطلبات الأولية المعدلة موسميا 465 ألف طلب أي بزيادة قدرها 12 ألفا عن الرقم المنقح المسجل في الأسبوع السابق وهو 453 ألفا. واضافت الوزارة ان معدل البطالة المنقح موسميا انخفض بنسبة 0.1 نقطة من 3.6 في المائة الى 3.5 في المائة في الاسبوع المنتهي في 11 سبتمبر. نمو خادع تؤكد ارقام اجمالي الناتج الداخلي الأمريكي أن أول اقتصاد عالمي خرج من مرحلة بطء شديد في النمو او في الاسوأ من حالة ركود. وقد بدأ الاقتصاد يحقق نموا في الفصل الثالث من عام 2009 (زائد 1.6 في المائة بمعدل سنوي) وتعزز هذا النمو في نهاية العام ومطلع 2010 (زائد 0.5 في المائة وزائد 3.7 في المائة) قبل ان يسجل انخفاضا في الفصل الثاني (ناقص 1.6 في المائة). ويرى معظم الاقتصاديين ان الفصل الثالث يمكن ان يكون اسوأ من الثاني. ويقدر كثير من هؤلاء أن هناك احتمالا لحدوث ركود جديد. وحدد نوريل روبيني الذي اشتهر بتوقعاته القاتمة فرص هذا الاحتمال ب»حوالي 40 في المائة» في مطلع سبتمبر. وحسب خبراء وكالة موديز للتصنيف المالي فان هذا الاحتمال كان 33 في المائة في اغسطس وذلك استنادا الى حسابهم الشهري الذي تراعى فيه مؤشرات اقتصادية مختلفة. إلا ان مؤيدي هذا الاحتمال يعتبرون أقلية. ويقول اد ماكيلفي الخبير في غولدمان ساكس ان حدوث ركود بعد ركود اخر بوقت قصير «حدث نادر لسببين: أولا لأنه مع الخروج من أزمة اقتصادية يبذل المسؤولون السياسيين كل جهدهم لتشجيع النمو وقد يضعون مؤشرات مصطنعة، وثانيا لأن مستوى النشاط في القطاعات الدورية يكون عامة منخفضا» ما يتيح النهوض به بدون جهد كبير. رغم ذلك فإن الأكثر قلقا هم الامريكيون العاديون. ويشير استطلاع لمؤسسة غالوب جرى من 27 الى 30 أغسطس 2010 الى أن 82 في المائة منهم يرون ان الولاياتالمتحدة ما زالت في حالة ركود. الفرار من السفينة الغارقة بعد 48 ساعة من صدور تقرير المكتب القومي للبحث الاقتصادي، ويوم الثلاثاء 22 سبتمبر أعلن أحد ابرز مستشاري الرئيس الامريكي باراك اوباما لشؤون الاقتصاد لورانس سوميرز استقالته قبل نهاية العام وهي ثالث استقالة لمسؤول كبير في الفريق الاقتصادي للبيت الابيض خلال ثلاثة اشهر. وجاء في بيان للبيت الابيض ان سوميرز «أعلن انه ينوي العودة إلى منصبه كاستاذ في جامعة هارفرد نهاية العام». وجاءت هذه الاستقالة قبل ستة اسابيع من الانتخابات التشريعية التي ستكشف ان كان الديموقراطيون قادرون على الحفاظ على الاغلبية في الكونغرس على أساس تأكيداتهم أنهم نجحوا في اخراج البلاد من الأزمة. وسوميرز هو ثالث مسؤول كبير من الفريق الاقتصادي لباراك اوباما يستقيل منذ نهاية يونيو بعد مدير مكتب الميزانية في البيت الابيض بتير اورسزاك وكريستينا رومر، كبيرة المستشارين الاقتصاديين. خبراء وصفوا هذه الإستقالات بأنها دليل على توقع المستشارين المنسحبين حدوث تدهور سريع للاقتصاد الأمريكي خاصة بعد رفض أوباما الذي يخضع لضغوط متعددة، الإصلاحات الجذرية التي أقترحوها. يوم الخميس 23 سبتمبر وفي حديث لقناة «سي إن بي سي» الأمريكية، قال «وارين بافيت» المرجع الإقتصادي البالغ من العمر ثمانين عاما وثاني أغني رجل أعمال بالولاياتالمتحدة بثروة تبلغ 45 مليار دولار، والذي يشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة «بيركشاير» التي تستثمر في مجالات متعددة مثل السكك الحديدية، والتأمين على السيارات، وتجارة المجوهرات الثمينة، قال: إن الولاياتالمتحدة لم تخرج بعد من الركود، فهي لاتزال داخله. وأضاف «بافيت» بأن مفهومه عن الركود يختلف عن مفهوم الركود عند المكتب الوطني للأبحاث الإقتصادية، حيث أنه ينتهي بعودة الناتج المحلي الإجمالي لمستويات ما قبل الإنكماش. الرئيس الأمريكي أوباما الذي يتهمه الصينيون بإختلاق أزمة مع بكين حول أسعار عملتها لكسب تعاطف الناخبين الأمريكيين في انتخابات نوفمبر 2010 التشريعية، أقر بأنه لا يزال هناك عمل يجب انجازه. وصرح عقب صدور تقرير المكتب الوطني للأبحاث الإقتصادية بأن الضعف الإقتصادي لايزال متواجدا بالنسبة للملايين من الأمريكيين الذين هم بدون عمل، أو الغارقين في الديون، أو الذين تراجعت قيمة منازلهم. واضاف «بوسعي أن أصف ما يحصل في الاقتصاد بوجه العموم. ان كنتم اليوم عاطلين عن العمل، فان كل ما تطلبونه هو متى ساحصل على وظيفة ؟، وإن كنتم على وشك فقدان منزلكم، فكل ما تفكرون به هو «متى استطيع استعادة منزلي ؟». فصل النهاية وسط هذا الجدل يكثر في الولاياتالمتحدة حاليا الخبراء الذين يتنبأون بكارثة اقتصادية جديدة مع ارتفاع نسبة البطالة والعجز في الميزانية العامة وإختلال الميزان التجاري بشكل مرضي وإصرار البيت الأبيض على انفاق عشرات ملايير الدولارات في حربي العراق وأفغانستان. وزعيم هذا التيار قد يكون الاقتصادي الذي دفعته الازمة المالية العالمية الى واجهة الاحداث نورييل روبيني. فبعد أن توقع فوضى ازمة الرهن العقاري ما زال «يبشر» بالاسوأ. وقال روبيني في منتدى اقتصادي في الثالث من سبتمبر 2010 في ايطاليا ان «الولاياتالمتحدة استنفدت كل ذخيرتها»...»وأي صدمة صغيرة في هذه المرحلة يمكن ان تدفع بها الى الانكماش». ويعبر اقتصاديون آخرون أقل اتصالا بوسائل الاعلام عن رؤى أحلك. فلورنس كوتليكوف الاستاذ في جامعة بوسطن الذي يحذر منذ الثمانينات من خطر العجز العام، نجح فجأة في اضفاء شرعية على تكهناته بعرضها في نشرة لصندوق النقد الدولي تحمل اسم «فايننس اند ديفلوبمنت». فقد نشر قصة اقرب الى الخيال قد يرى فيها البعض نوعا من الهذيان، تتحدث عن خلاف تجاري بين الولاياتالمتحدة والصين يدفع بكين الى تصفية سندات الخزينة الامريكية في تحرك تنتقل عدواه الى جميع انحاء العالم. وهذا الامر يؤدي الى خروج مبالغ هائلة من الأموال من الولاياتالمتحدة وضخ مبالغ هائلة من قبل الاحتياطي الفدرالي الأمريكي في النظام المالي. وفي النهاية يضرب تضخم مفرط الاقتصاد. لكن المؤلف اعترف «بوجود سيناريوهات أقل شؤما وربما معقولة لكنها سيئة». وكشف استطلاع للرأي نشر معهد «ستراتيجي وان» نتائجه الجمعة 10 سبتمبر أن 65 بالمائة من الامريكيين يعتقدون ان هناك إنكماشا جديدا سيحدث. وعلى مدى أبعد، تبدو فكرة ان الولاياتالمتحدة «في حالة انهيار» راسخة. وافاد استطلاع لصحيفة وول ستريت جورنال ومحطة «ان بي سي» يوم الثلاثاء 7 سبتمبر أن 65 بالمائة من الامريكيين يؤمنون بذلك. وقال كاتب الافتتاحية في صحيفة «نيويورك تايمز» ديفيد بروكس «هذا صحيح. المشاكل الاقتصادية الحالية بنيوية ومشاكل السوق عميقة ولا يمكن معالجتها». ورأى ان الولاياتالمتحدة تفقد تفوقها كما حدث لبريطانيا قبل قرن واحد. وتوقع الكاتب في الصحيفة بول كروغمان حائز جائزة نوبل للاقتصاد في 2008 «اسوأ من ذلك.. اذا اعطى الناخبون اصواتهم الى الجمهوريين». وقال «لا يمكن أن نقدر إلى أي حد ستكون مدمرة اذا طبقت الاقتراحات الاقتصادية التي تقدم بها زعيم المعارضة في مجلس النواب جون بورنر»، موضحا أنها تعني «عددا أقل من الوظائف ومزيدا من العجز وهو مزيج مثالي لتكريس الكارثة». وفتحت صحيفة وول ستريت جورنال صفحاتها لفائز آخر بجائزة نوبل للاقتصاد «في 2002» فيرنون سميث الذي قال «يجب مواجهة الأمور: علينا أن نعيش على الارجح مخاضا طويلا جدا» قبل ان نخرج من الازمة». وفي واشنطن تسلل التشاؤم حتى إلى توقعات صندوق النقد الدولي. ففي مذكرة الى دول مجموعة العشرين يوم الجمعة 10 سبتمبر عبر اقتصاديو المؤسسة المالية الدولية عن تخوفهم من موجة ثانية من ازمة العقارات في الولاياتالمتحدة «بخسائر غير متكافئة» للمصارف الصغيرة والمتوسطة. وهم يرون أن ذلك «يمكن ان يسرع تراجع ثقة الاسواق في الانتعاش». ومن المتوقع أن يصل عدد البنوك المنهارة في الولاياتالمتحدة عام 2010 إلى أكثر من 140، وهو الرقم الذي سجل في 2009. وطبقا للمؤسسة الاتحادية للتأمين على الودائع، فقد وصل العدد الإجمالي للبنوك المنهارة بسبب الأزمة المالية منذ 2007 إلى 293. الفقر الولاياتالمتحدة تتراجع في العديد من المجالات التي كانت رمز قوتها، فيوم الخميس 16 سبتمبر أعلن مكتب الاحصاء الأمريكي أن عدد الفقراء في الولاياتالمتحدة زاد للسنة الثالثة على التوالي في 2009 مع 43.7 مليون شخص يعيشون في الفقر، أي أعلى رقم خلال 51 عاما. وأعلن ديفيد جونسون من مكتب الاحصاء أن معدل الفقر بلغ 14.3 في المائة في 2009 مقارنة بنسبة 13.2 في المائة العام الذي سبقه، ذلك أن الفقر يطال شخصا من كل سبعة، أي أعلى معدل منذ 1994. وهكذا، فان اربعة ملايين شخص اضافي انضموا الى الفقراء في 2009. وعلى خط مواز، ارتفع بشكل كبير عدد الامريكيين الذين لا يتمتعون بضمان صحي حيث قفز الى 51 مليونا في 2009 مقابل 46.3 مليونا في 2008. يذكر ان اعتماد اصلاح الضمان الصحي للرئيس باراك اوباما لن يعطي مفعوله الكامل قبل العام 2013. والفئات الاكثر فقرا في الولاياتالمتحدة هم السود وذوو الاصول الاسبانية. كارثة دولية المشكلة الأساسية ليست هي أن اقتصاد الولاياتالمتحدة مهدد بالإنهيار، بل أن هذه الكارثة ستكون ذات أبعاد عالمية ونتائج أسوأ بكثير من مما حدث بعد ديسمبر 2007. يوم الجمعة 17 سبتمبر قفز سعر المعدن الأصفر إلى مستوى قياسي جديد، مدفوعا بالشكوك التي تحيط بالاقتصاد العالمي، ليصل سعر الأوقية في العقود الآجلة لشهر ديسمبر، إلى 1284.4 دولار، بعدما وصل 1273.8 دولار يوم الخميس. وذكر غاري ميد كبير محللي السلع الأساسية مع مجموعة «في أم،» ومقرها لندن، إن «الارتفاع الكبير في أسعار الذهب يأتي مدفوعا جزئيا بانعدام تام للثقة في الحكومات حول العالم وكونها قادرة على حل الفوضى المالية». المعدن الأصفر عرف قيمته منذ آلاف السنين، ويعتبر ملاذا آمنا في الأوقات صعبة، ويعد سلعة منخفضة المخاطر تتمتع بأسعار مرتفعة خلال أوقات التقلبات، عندما ينفر التجار من أسواق الأسهم والعملات، وسط اضطراب فيها. والذهب ليس هو المعدن الوحيد الذي ركب موجة المخاوف الاقتصادية، إذ واصلت الفضة مسارها التصاعدي، مرتفعة 16 سنتا للأوقية، ليصل سعرها إلى 20.9 دولار. مواجهة مع الصين يقول خبراء ألمان أن هناك توجها قويا في بعض الأوساط الأمريكية وخاصة ضمن من يوصفون بالمحافظين الجدد للدخول في مواجهة مع الصين كجزء من تحرك على الصعيد الدولي لتحميل العالم تكلفة إنقاذ إقتصاد الولاياتالمتحدة. يوم الأربعاء 22 سبتمبر دعت اللجنة الفرعية لمراقبة الأمن القومي، التابعة للكونغرس الأمريكي، إلى تخصيص جلسة إستماع لخبراء في المجال التصنيعي لمعرفة الآثار المترتبة على تراجع العمليات التصنيعية في الولاياتالمتحدة والمستمرة منذ عقود، وما إذا كان ذلك يشكل تهديدا للأمن القومي. كذلك تحاول اللجنة الفرعية معرفة المشكلات المترتبة على الاعتماد على حدود المعايير المتدنية، وفي بعض الأحيان على قطع الغيار المزيفة المصنوعة في الخارج، وذلك جراء تراجع المنتجات الصناعية الأمريكية، وتآكل الأيدي العاملة في القطاع الصناعي في البلاد، والتكنولوجيا التي عفا عليها الزمن. ووفقا للمعلومات التي كشفت عنها لجنة الكونغرس الفرعية، فإن أشكال الاعتماد هذه «قد تعرض حياة الجنود الأمريكيين للخطر». وقال مؤسس «معهد السياسات الاقتصادية» والباحث الرئيسي فيه، جيف فو: «لقد سمحنا لقاعدتنا الصناعية بالتآكل خلال العقدين أو الثلاثة الماضية، ونتيجة لذلك، ومن منطلقات دفاعية قومية، فإن إمداداتنا من قطع الغيار الاستراتيجية وغيرها من المواد تأتي من مختلف دول العالم». وأوضح المدير التنفيذي لمعهد الفدرالية الأمريكية للأعمال وكونغرس المنظمات الصناعية، روبرت بو، قائلا: «وفيما نراقب العولمة وهي تنقل القاعدة الصناعية إلى الخارج، فإننا نراقب تحديدا نقل قاعدة الصناعات الدفاعية إلى الخارج، وهذا الأمر خطير». وقال بو لمحطة سي إن إن، إن المصنعين الأمريكيين وقعوا تحت إغراء الصين، حيث يمكنهم الحصول على الكثير من أموالهم نتيجة انخفاض قيمة العملة الصينية، والدعم غير القانوني، والافتقار إلى القوانين الراسخة المتعلقة بحقوق العمال والمعايير البيئية والصحية. وأشار فو إلى أن للولايات المتحدة سياسة أمنية قومية غير مرتبطة بالسياسات الاقتصادية، كما أن السياسات الاقتصادية غير مرتبطة بالسياسات الأمنية القومية. ووفقا لتقرير نشره مركز البحوث الاقتصادية «آي أتش أس غلوبال إنسايت» في يونيو 2010، فقد بات القطاع الصناعي الصيني على وشك أن يتجاوز نظيره الأمريكي. وأوضح التقرير أن قيمة البضائع التي تنتجها المصانع الصينية وصلت عام 2009 إلى 1600 مليار دولار، مقارنة بنحو 1700 مليار دولار أنتجتها المصانع الأمريكية. ونظرا لذلك، فقد طالب النائب الديمقراطي الأمريكي، جون تيرني، بضرورة تطوير وتحديث القاعدة الصناعية في الولاياتالمتحدة من أجل تطوير اقتصاد البلاد، وتوفير فرص عمل أفضل وتعزيز الأمن القومي. وقال: علينا أن نبدأ بالتفكير في التحديات الصناعية التي تواجهنا بطريقة استراتيجية، وأن نعمل على اتخاذ إجراءات لمواجهتها بالمقابل. رد بكين في رد على الحملة الأمريكية وفي خطاب القاه رئيس الوزراء الصيني وين جياباو خلال تجمع لرجال الاعمال في نيويورك أثناء وجوده هناك لحضور اجتماعات الدورة الخامسة و الستين للجمعية العامة للأمم المتحدة، قال «إن سعر اليوان ليس مسؤولا عن خلل الميزان التجاري بين بلاده والولاياتالمتحدة. وان زيادة سعر العملة الصينية بنسبة عشرين في المائة لن يؤدي الى خلق وظائف جديدة في أمريكا لكنه سيؤدي إلى افلاسات هائلة في الصين. وقال وين «لا تتوفر ظروف تجعل سعر الرنمينبي (اليوان) يرتفع». وأضاف: «السبب الرئيسي في خلل الميزان التجاري الأمريكي مع الصين ليس سعر صرف «الرنمينبي» بل هيكل التجارة والاستثمار بين البلدين». في أغسطس 2010 حذر أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، جون ميرشايمر من تزايد احتمالات نشوب حرب بين أمريكا والصين. وقال ميرشايمر إن «السياسة، بدلا من الاقتصاد، ستعيد رسم مستقبل آسيا على نحو حاسم، كما جرى لأوروبا في القرن الماضي». وحذر ميرشايمر من احتمال أن يشعل صعود الصين منافسة أمنية كبيرة مع الولاياتالمتحدة، ما قد ينسج احتمالات قوية لنشوب حرب بين أكبر اقتصادين في العالم. وأشار إلى أنه في الوقت الذي يساهم الترابط الاقتصادي بين الصين وأمريكا في احتواء الأمريكيين «للنهضة» الصينية الاقتصادية والسياسية بما يخدم تبديد احتمالات الحرب، تشتعل اليوم الدبلوماسية بين الطرفين، فيما تحاول بكين استعادة نفوذها في بحر الصين الجنوبي، كجزء من مداها الحيوي في مقابل «تدخل» أمريكي مستجد في هذا النطاق الجغرافي. وأضاف أن عودة بكين إلى صلب النظام الإقليمي بعد عقود من العزلة هو جزء من إستراتيجيتها الدولية الجديدة، والهدف «تعميق مصالحها الأساسية» والتحول إلى قوة دولية. وأوضح ميرشايمر أن إستراتيجية الصين الكبرى تعود إلى عهد الزعيم السابق دينغ شياو بينغ، القائمة على تفادي الصدام مع منافس أقوى، كالولاياتالمتحدة، بل تهتم ببناء «القوة الوطنية الشاملة»، لذا، يظهر تمتع القادة الصينيين بالكثير من الحيطة والحذر للفوز بآسيا أولا «من دون قتال»، ولو كان هاجسهم الأساسي توسيع سلطتهم على حساب النفوذ الأمريكي. الدور الأمريكي بغض النظر عن نتيجة التنافس الاقتصادي الأمريكي الصيني، يتأكد يوما بعد آخر أن الولاياتالمتحدة لن تبقى المحرك الرئيسي للإقتصاد العالمي، وأن على الدول النامية أو التي توصف بالعالم الثالث أن تعدل بشكل جوهري توجهاتها الإقتصادية إذا هي أرادت أن تتجنب السقوط في الهوة التي تنتظر الدول الغربية المصنعة وعلى رأسها الولاياتالمتحدة. جاء في تقرير التجارة والتنمية لسنة 2010 المنشور في شهر سبتمبر أن على البلدان النامية أن تعيد النظر في سياساتها الخاصة بالنمو الاقتصادي المستدام وخلق فرص العمل إذا كانت الاستراتيجيات المتبعة تعول كثيرا على توسيع الصادرات. ويقول التقرير إن الآمال بتحقيق النمو بالاعتماد على التصدير ستواجه عوائق متزايدة الآن مع توقف طفرة الاستهلاك الممول بالديون في الولاياتالمتحدة. ويفيد التقرير أن الاقتصاد الأمريكي لن يقوم بعد اليوم بدور المحرك لحفز نمو الاقتصاد العالمي، وأنه لا الصين ولا منطقة اليورو ولا اليابان ستقوم بهذا الدور على الأرجح في المستقبل المنظور. وتنصح الدراسة بأن تكون السياسات الرامية إلى تحقيق النمو الاقتصادي المستدام وخلق فرص العمل والحد من الفقر قائمة على إيجاد توازن بين الطلب المحلي والطلب الخارجي. ويذكر تقرير التجارة والتنمية 2010، أولا، أنه ليس بإمكان البلدان جميعها تحقيق نجاح بتبني استراتيجيات معتمدة على التصدير في الوقت نفسه – سيتعين على بعض الدول في نهاية المطاف أن تكون مستهلكة صافية للسلع المصدرة. وثانيا، من المرجح أن يكون نمو أسواق التصدير العالمية أبطأ بكثير مما كان عليه خلال السنوات السابقة للكساد العالمي، بما يجعل المضي في تنفيذ تلك الاستراتيجيات صعباً أكثر فأكثر. وثالثا، أن التنافس لتحقيق نجاحات في التصدير بالإبقاء على تكاليف العمل في مستويات متدنية سيؤدي إلى «سباق نحو القاع» في الأجور، وهو الأمر الذي ينطوي على آثار عكسية بالنسبة لمساعي الحد من الفقر وخلق فرص العمل. وبدلا من ذلك، ينبغي للبلدان أن تسعى جاهدة أكثر من ذي قبل لخلق حلقة حميدة، وذلك بالاستثمار كثيرا في رأس المال الثابت الذي يؤدي بدوره إلى نمو أسرع في الإنتاجية وإلى ارتفاع مماثل في الأجور. ومن شأن ذلك أن يمكن من إحراز توسع مضطرد في الطلب المحلي مع ما يستتبع ذلك من زيادة في فرص العمل. ويؤكد التقرير أن المطلوب هو انتهاج استراتيجيات إنمائية كفيلة بإقامة توازن بين تعزيز الطلب المحلي والتوجه نحو التصدير. ويحذر التقرير من أنه، على ما يبدو، لا مفرمن حدوث تكييفات تؤدي إلى خفض الاستهلاك في الولاياتالمتحدة. فبانهيار سوق الإسكان في ذلك البلد، وجدت الأسر نفسها مضطرة لتقليص مستويات مديونيتها المرتفعة جدا، وبات الأمريكيون مستهلكون أقل إسرافا في الإنفاق من ذي قبل. فقد كان إنفاق المستهلكين الأمريكيين يستحوذ، قبل الأزمة، على نحو 16 في المائة من الناتج العالمي. وفي الوقت نفسه يتلاشى تأثير الحفز المالي الحكومي تدريجيا خلال عام 2010. وفي ظل هذه الظروف، من المرجح جدا ألا تلعب الولاياتالمتحدة ثانية دورها السابق كقاطرة للطلب العالمي. ويضيف اقتصاديو الأونكتاد أنه من غير المرجح أيضا أن تقفز بلدان أخرى لتحمل هذا الدور. الاستهلاك في الصين، بات احلال الاستهلاك كمصدر رئيسي للنمو وخلق فرص العمل بدلا عن الاستثمار في رأس المال الثابت و الصادرات هدفا رسميا من أهداف السياسات العامة. فقد ارتفعت واردات الصين بالفعل ارتفاعا حادا، ومن المؤكد أن يتراجع فائض الحساب الجاري في عام 2010 تراجعا كبيرا. ومع ذلك، لا يزال استهلاك الأسر في الصين لا يمثل سوى نحو ثمن ما هو عليه في الولاياتالمتحدة، كما أن بنية الاستهلاك تميل أكثر إلى السلع المنتجة محليا. وبالتالي، لا تزال الصين بعيدة عن حيازة الإمكانية المطلوبة لكي تصبح المحرك الجديد و الوحيد للنمو العالمي. ويلاحظ الأمين العام للأونكتاد، سوباتشاي بانيتشباكدي، في الاستعراض العام لتقرير التجارة والتنمية أن «الأثر الصافي للتكيفات الجارية في الولاياتالمتحدة والصين، مجتمعة، سيكون أثرا انكماشيا بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي، في الوقت الذي لن تكون فيه هذه التعديلات كافية لإنهاء الاختلالات العالمية الكبيرة». ويرى التقرير أن المفتاح لإحداث توازن على الصعيد العالمي يكمن في إجراء تعديل توسعي في الاقتصادات الصناعية التي لديها أكبر الفوائض. ففي اليابان وألمانيا، هناك مساحة كبيرة لزيادة استهلاك الأسر من خلال إجراء زيادات في الأجور. غير أن توسع الطلب المحلي لم يستخدم كعامل للخروج من حالة الركود في هذين البلدين حتى الآن. بل على العكس، وكما كان الحال قبل الأزمة، فإن النمو القوي في الصادرات هو المستخدم كقوة دافعة للانتعاش في هذين البلدين. ويلاحظ التقرير أن التركيز على التقشف المالي في منطقة اليورو أدى إلى مزيد من كبح احتمالات إحداث انتعاش كبير في الطلب من هذه المنطقة. ويشير التقرير إلى أن الاقتصادات النامية واقتصادات السوق الناشئة، التي غالبا ما تكون معتمدة اعتمادا كبيرا على الطلب الخارجي، قد يتعين عليها بالتالي اللجوء إلى الأخذ باستراتيجات نمو وعمالة تعول أكثر من ذي قبل على الطلب المحلي. ويضيف التقرير أن النمو الذي يستمد قوة دفعه من التصدير والقائم على ضغط الأجور ليست إستراتيجية قابلة للاستمرار بالنسبة لعدد كبير من البلدان ولفترة زمنية طويلة. وسبب ذلك هو أنه لا يمكن لكل البلدان انتهاج هذه الإستراتيجية بنجاح في وقت واحد، كما أن حصة العمل في الدخل الإجمالي لا يمكن تقليصها إلى ما لا نهاية. ففي البلدان التي انتهجت هذه الإستراتيجية، غالبا ما ظلت مشاكل العمالة مستحكمة إما لعدم نمو الصادرات على النحو المتوقع وإما لاستخدام مكاسب الإنتاجية لتقليص أسعار الصادرات بدلا من زيادة الأجور، الأمرالذي يقود إلى زيادة الطلب المحلي ومن ثم استحداث وظائف جديدة. وشهدت أمريكا اللاتينية، في الفترة ما بين 1980 و2002، ركودا فعليا في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة في البطالة، وانخفاضا في متوسط الإنتاجية. أما في أفريقيا، وخاصة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، فلم يتحقق، طوال أكثر من 20 عاما من سياسات الاقتصاد الكلي التقليدية واصلاح السياسات، سوى نجاح محدود في تهيئة الأوضاع اللازمة لتحقيق نمو سريع ومستدام. ويلاحظ التقرير أن «بحلول نهاية تسعينات القرن العشرين، كانت بنية الإنتاج في تلك المنطقة تذكر بالفترة الاستعمارية إذ كانت تتألف بصورة اساسية من الزراعة والتعدين». ويقول التقرير إنه حتى في آسيا، حيث شهد الناتج المحلي الإجمالي والإنتاجية نموا سريعا على مدى عدة سنوات، ثمة حاجة إلى تعزيز القوى المحلية لخلق العمالة و لتوفير فرص العمل اللائق لشريحة عريضة من القوة العاملة. لقد تحسن النمو والدخل تحسنا كبيرا في جميع المناطق النامية من عام 2003 حتى عشية بداية الأزمة. وكان هذا التطور يعزى جزئيا إلى التوجه مجددا نحو انتهاج سياسات اقتصاد كلي أكثر توسعية، ولكن سببه الرئيسي هو الآثار الإيجابية التي خلقها الاقتصاد العالمي المتنامي. ويحذر التقرير من أنه من المستبعد أن يتاح للبلدان النامية مناخ خارجي مواتي على هذا النحو في الأعوام القادمة، الأمر الذي يبرز ضرورة جعل إستراتيجيات النمو تتمحور حول الطلب المحلي. سرطان المديونية في 29 يناير 2010 حذر صندوق النقد الدولي من تعاظم نسبة المديونية الحكومية إلى الناتج الاقتصادي بكل الدول الصناعية نتيجة للأزمة واحتمالات ارتفاع معدلات التضخم وما يستتبعه ذلك من فقاعات اقتصادية. وتوقع الصندوق تعاظم نسبة المديونية الحكومية من 78 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2007 إلى 118 في المائة عام 2014. حيث ستلقي المديونية بثقلها على النمو الاقتصادي وتخلق ضغوطا على العملات، وقد ترفع معدلات التضخم إلا إذا كبحت البنوك المركزية رغبتها في إبقاء نسب الفائدة منخفضة وإقدامها على رفعها مما يترتب عليه أيضا بعض المشكلات الاقتصادية. ويقول أستاذ الاقتصاد بجامعة هارفرد، كينيث روغوف، إن رفع سعر الفائدة سيؤدي إلى تأخير النمو الاقتصادي لمدة عقد كامل بالدول التي تعاني من تعاظم المديونية. ويضيف صندوق النقد إن ارتفاع المديونية قد يزيد معدلات الفائدة الحقيقية بنقطتين مئويتين مما يعني زيادة كلفة خدمة الدين، وزيادة الضغوط على الحكومات التي تواجه انخفاضا بعائداتها الضريبية نتيجة بطء النمو. ويتوقع زيادة الفوائد التي تدفعها الاقتصادات المتقدمة على الديون بمقدار الضعف من 1.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي قبل ثلاث سنوات إلى 3.5 في المائة عام 2014. وفي هذا الوقت ستكون خدمة الديون قد فاقت الإنفاق على قطاعات الدفاع والصحة والتعليم مجتمعة بالولاياتالمتحدة على سبيل المثال. ويقول جون دريزيك رئيس مؤسسة أوليف وايمان الاستشارية التي كتبت التقرير «الحكومات بمحاولاتها حفز اقتصاداتها لمكافحة التضخم تبني مستويات غير مسبوقة من الديون مما يشكل خطرا على مقدرتها على الوفاء بها». ووصلت كلفة التأمين ضد أخطار عدم الوفاء بالديون بالبلدان الأوروبية إلى أعلى مستويات على الإطلاق لتضاهي مستويات شركات الاستثمار الكبرى. ومن بين دول مجموعة العشرين ستتمكن فقط أستراليا والصين والسعودية وروسيا من الإفلات من تحمل تبعات ديون ضخمة، بينما تتصدر اليابان القائمة حيث ستصل مديونيتها إلى ضعف حجم اقتصادها. ولم تستطع اليابان حتى الآن الخروج بشكل كامل من آثار الأزمة المالية التي عصفت بها في تسعينيات القرن الماضي والتي كان سببها انفجار فقاعة سوق المساكن. وقد تعاظمت مديونيتها الحكومية بسبب خطط الحفز المتعاقبة التي لم تفلح قط في تحقيق نمو اقتصادي وفي دعم الموازنة الحكومية. مخاوف الفقاعة بدأت البنوك المركزية تخشى من أن تؤدي الإجراءات التي قامت بها خلال الأزمة إلى الفقاعة القادمة. وقال عضو مجلس البنك المركزي الألماني (بوندسبنك) إنه يجري حاليا دراسة التوقعات التي ظهرت قبل الأزمة عن إمكانية حدوث فقاعة قادمة قائمة على النظرية التي تقول، بأن مثل هذه الفقاعة تظهر لتطهير الفوضى التي وقعت أثناء الأزمة. ويضيف هانز جورج فابريتوس أن الأزمة أظهرت بأنه لا يمكن الوثوق بأن البنوك المركزية قادرة على احتواء آثار انفجار فقاعة لقيمة الأصول بعد حدوثها، سواء بتيسير السياسات المالية أو تقديم السيولة. ويقول رئيس بنك يوني كريدي الإيطالي سيرغيو إيرموتي إن البحث عن ملاذات آمنة دفع المستثمرين إلى سندات حكومية أكثر خطورة. لا أحد يتعلم من دروس التاريخ، مرة أخرى تضع حروب استعمارية في العراق وأفغانستان والسودان وغيرها نهاية لنظام جعل من نهب ثروات الآخرين عموده الفقري.