بات علي السرياطي مدير الأمن الرئاسي السابق للرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، أشهر من بعض السياسيين الذين يشاركون الآن في حكومة الوحدة الوطنيّة المؤقتة. فالسرياطي، اسم على لسان كلّ تونسي، كيف لا والجميع يحمّله مسؤولية الفوضى والفلتان وانتشار الميليشيات والقتل والنهب التي تعرضت لها أحياء في العاصمة التونسية غداة سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي في الرابع عشر من يناير الجاري وفرار الأخير إلى السعودية نتيجة ضغط شعبيّ غير مسبوق أطاح بعرشه. السرياطي الآن معتقل "رسميا" لدى الأجهزة الأمنية التي تدين بالولاء للحكومة الجديدة، لكنّ حتى هذا الخبر يبقى محلّ شكّ لدى التونسيين الذين لم يشاهدوا صورا حية لاعتقال السرياطي كما لم تبثّ له أية صورة وهو قابع في المعتقل، مما يعزز الشكوك حول مصيره. ذكرت برقيّة مقتضبة لوكالة الأنباء التونسية يوم الأحد السادس عشر من يناير الجاري، أنه تم القبض على مدير الأمن الرئاسي السابق للرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي وعدد من مساعديه، في مدينة بن قردان الجنوبية على الحدود مع ليبيا. وأنه سيمثل أمام المحكمة بتهمة إذكاء العنف وتهديد الأمن الوطني. وقالت الوكالة إن النيابة العمومية لدى المحكمة الابتدائية بتونس أذنت بفتح بحث تحقيقي ضد المدير العام السابق للأمن الرئاسي علي السرياطي ومجموعة من مساعديه من أجل التآمر على أمن الدولة الداخلي. كما سيتم التحقيق مع السرياطي بتهمة ارتكاب الاعتداء المقصود منه حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح وإثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي على معنى الفصول 68 و69 و72 من المجلة الجزائية. وذكرت الوكالة أن قاضي التحقيق المتعهد بعرض التهمة على المظنون فيهم قد بادر بإصدار مذكرات اعتقال ضدهم في انتظار استكمال بقية الإجراءات القانونية في القضية. وأضافت أن شوارع العاصمة وضواحيها قد عرفت خلال الفترة الأخيرة تحركات مشبوهة لمليشيات عملت على إثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي لغاية التآمر على أمن الدولة الداخلي. وتشير عدّة تقارير إلى أنّ قوات الجيش الوطني اعتقلت نحو خمسين من الأمن الرئاسي وهو الحرس الشخصي لبن علي وعددهم يقدّر بين 800 وألف عون، عندما كانوا هاربين نحو ليبيا على متن سيارات لا تحمل لوحات تسجيل، ونقل عدد منهم إلى المستشفى بعد أن أصيبوا بجراح جراء تعرضهم إلى عيارات نارية خلال مواجهات مسلحة وغير متكافئة مع قوات الجيش التي أحكمت السيطرة عليهم. بالعودة إلى تفاصيل الاشتباكات التي دارت في تونس العاصمة خلال الأيام الماضية، يتوضّح للمتابع أنّ عناصر الأمن الرئاسي التي تدين بالولاء لعلي السرياطي قد تمكنت من الانتشار في أحياء مختلفة من العاصمة التونسية استنادا إلى أماكن المواجهات والأماكن التي جرى فيها نهب مكثف وإحراق للممتلكات العمومية وتبادل لإطلاق النار من أعلى أسطح البنايات أو باستعمال سيارات رباعية الدفع تطلق النار عشوائيّا على المواطنين قبل أن تلوذ بالفرار. وفي كلّ مرة، كان الجيش التونسيّ يتصدّى لتلك المجموعات، وربما كان اعنف اشتباك ذلك الذي حصل قبل أيام بالقرب من القصر الرئاسي في ضاحية قرطاج، حيث توجد الثكنة الرئيسية للحرس الشخصيّ للرئيس المخلوع، وقال الجيش بعد ليلة من الاشتباكات الدامية إنه تمت "السيطرة على الوضع". لكنّ تقريرا نشرته صحيفة (لوموند) الفرنسية منذ يومين، كثف من شكوك التونسيين ومخاوفهم بشأن ما يمكن لجماعة السرياطي أن تقدم عليه لما تأكدت من استحالة عودة الوضع السابق، ويقول التقرير :"في الاجتماع الذي سبق فرار بن علي يقول السرياطي الذي كان غاضبا من قوات الجيش الذين وصفهم ب"الأوغاد" لأنهم انحازوا للشعب، على حد تعبيره...نعم قد نغادر لكننا سنحرق تونس، فلدي 800 رجل مستعدون للتضحية بأنفسهم وخلال أسبوعين فقط سيقوم من يحتجون اليوم بالتوسّل إلينا للأخذ بزمام الأمور من جديد". ولو صحّ ما نسبته (لوموند) إلى السّرياطي على لسان أحد مستشاري الرئيس بن علي، فذلك يعني أنّ ما يردده بعض التونسيين عن تبني هذه المجموعة المسلحة ل(سياسة الأرض المحروقة) يبدو أمرا قابلا للتصديق، على اعتبار أن مصالح السرياطي ومن يدينون له بالولاء تنتهي بانتهاء نظام بن علي، ولا حلّ أمامهم غير إثارة الذعر والفلتان حتى يتأسّف التونسيون على عهد الرئيس السابق وربما يطالبون بعودته كما يتمنى السرياطي. السرياطي ... رجل بن علي القويّ علي السرياطي هو مدير الأمن الرئاسي السابق للرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، في عام 1990، تم تكريم السرياطي بوسام الجمهورية وهو برتبة عميد في منصبه كمدير عام الأمن العسكري. وفي 18 فبراير 1991، تم تعيينه مدير أمن تحت إمرة وزير الداخلية عبد الله القلال حتى سنة 2002، قبل تعين الجنرال محمد الهادي بن حسين محله. وفي 2002 تولى منصب " مستشار أول لدى رئيس الجمهورية ومدير العام لأمن رئيس الدولة والشخصيات الرسمية"، أي المسئول عن الأمن الشخصي للرئيس بن علي. وهو الثاني الذي يتولي هذا المنصب بعد الجنرال عبد الرحمان بلحاج علي، سفير تونس بموريتانيا حاليا و رجل آخر من ثقات بن علي. تحمل السرياطي مسؤلية المدير العام للأمن الوطني من العام1991 إلى العام 2002، الأمر الذي جعله من أخطر المسؤولين عن عمليات القمع والقتل التي حصلت في تلك السنوات، ومن الواضح أنه ظلّ بعيدا عن الأضواء ولا يعرف التونسيون عنه شيئاً يذكر. الجزائر تايمز