أشار الخطاب الملكي ليوم 20 غشت 2022 بمناسبة ذكرى ثورة الملكو الشعب إلى أن المغرب يحتاج اليوم، لكل أبنائه، ولكل الكفاءاتوالخبرات المقيمة بالخارج، سواء بالعمل والاستقرار بالمغرب، أو عبرمختلف أنواع الشراكة، والمساهمة انطلاقا من بلدان الإقامة ، والتشديد على ضرورة إقامة علاقة هيكلية دائمة، مع الكفاءاتالمغربية بالخارج، بما في ذلك المغاربة اليهود ، وإحداث آلية خاصة، مهمتها مواكبة الكفاءات والمواهب المغربية بالخارج، ودعم مبادراتهاومشاريعها ، و دعوة للشباب وحاملي المشاريع المغاربة، المقيمينبالخارج، للاستفادة من فرص الاستثمار الكثيرة بأرض الوطن، ومنالتحفيزات والضمانات التي يمنحها ميثاق الاستثمار الجديد ، ومطالبة المؤسسات العمومية، وقطاع المال والأعمال الوطني بالانفتاحعلى المستثمرين من أبناء الجالية؛ وذلك باعتماد آليات فعالة منالاحتضان والمواكبة والشراكة، بما يعود بالنفع على الجميع ، وتحديثوتأهيل الإطار المؤسسي، الخاص بهذه الفئة مع إعادة النظر فينموذج الحكامة، الخاص بالمؤسسات الموجودة، قصد الرفع مننجاعتها وتكاملها. ولذلك ، فإن الظرف مناسبا لفتح النقاش حول أهمية المؤسساتالمعنية بالمغاربة المقيمين بالخارج والدور المنوط بها في مجال العنايةبهذه الفئة من المواطنين والنهوض بأوضاعها وحماية حقوقها ، بالإضافة إلى باقي المتدخلين من هيئات وسلطات عمومية و محلية . فقد شكلت قضايا الجالية المغربية في الخارج أولوية لدى جلالة الملكمحمد السادس. وفي هذا الصدد، أرى أنه من المفيد الإشارة إلى ماجاء في الخطاب الملكي ليوم 06 نونبر2005 بمناسبة ذكرى المسيرةالخضراء، عندما أعلن عن أربعة قرارات هامة تستجيب للمطالبالسياسية ذات الأولوية بالنسبة للجالية المغربية المقيمة بالخارج، ويتعلق الأمر هنا بتمكين مغاربة الخارج من أن يكون لهم ممثلون فيالبرلمان، وإحداث دوائر تشريعية انتخابية بالخارج، وفتح المجال أمامالأجيال الجديدة للتصويت والترشيح في الانتخابات، وأخيرا إحداثمجلس أعلى للجالية المغربية بالخارج. غير أن هناك صعوبات قانونية وتقنية شكلت عائقا مرحليا لتنزيل قرارالتمثيلية البرلمانية للمغاربة المقيمين بالخارج، بيد أن الأولوية اقتضتتعيين مجلس لتمثيل الجالية كمرحلة أولى، في انتظار تهييء الظروفالموضوعية للمشاركة السياسية داخل البرلمان. إشكالية التمثيلية السياسية الجالية المغربية بالخارج إن الخطاب الملكي بتاريخ 6 نوفمبر2005 القاضي بمشاركة المغاربةالمقيمين بالخارج في الانتخابات وإحداث المجلس الأعلى للجاليةالمغربية في الخارج، قد أعاد نوعا من الثقة السياسية لدى المغاربةبالمهجر، ما جعلهم يعبرون عن ارتياحهم للخطاب الملكي. كما أنالحركة الجمعوية للمغاربة بالخارج نظمت لقاءات فكرية وسياسيةوندوات صحافية وموائد مستديرة داخل وخارج المغرب؛ فضلا عن أنالأحزاب السياسية هي الأخرى انخرطت في هذا السياق، وأجرتلقاءات مع مجموعة من الفعاليات المدنية والسياسية بأوربا والولاياتالمتحدة الأمريكية...وقد عكس هذا الأمر الاهتمام المتزايد لإعلامهاالحزبي الذي انفتح على قضايا المغاربة في الخارج. لكن بعد دراسة أنجزت حول موضوع التمثيلية البرلمانية للمغاربةالمقيمين بالخارج داخل البرلمان، تبين أن هناك صعوبات قانونيةوتقنية تحول دون تحقيق ذلك، وهي أسباب موضوعية في نظرنا، منهاما هو معلن ومنها ما هو غير معلن، مرتبطة بمسألة التقطيعالانتخابي، ونسبة التمثيلية في كل دولة من دول الخارج من حيثعدد المغاربة المقيمين، ونمط الاقتراع، والجهة الموكول لها مراقبةالانتخابات خارج الوطن، وكذا الجهة القضائية التي لها الحق فيالبت في المنازعات الانتخابية، وكيفية تدبير الحق في استفادةالأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات من وسائل الإعلام أثناءالدعاية الانتخابية، والهيئة التي ستراقب مدى احترام الحق فيالاستفادة من وسائل الإعلام بطرق عادلة ومتكافئة. وعلى الأساس، تم نهج مقاربة تدريجية قصد تهييء الظروف المواتيةوإعداد القواعد القانونية من أجل تحقيق مشاركة سياسية برلمانيةناجحة في المستقبل للمغاربة المقيمين بالخارج، مع إعطاء الأسبقيةلإحداث مجلس للجالية المغربية بالخارج. إحداث مجلس الجالية المغربية بالخارج قرر الملك محمد السادس إحداث مجلس الجالية المغربية بالخارج، بتاريخ 21 دجنبر 2007، مهمته تتمثل في ضمان المتابعة والتقييمللسياسات العمومية للمملكة تجاه مواطنيها المهاجرين، وتحسينهابهدف ضمان حقوقهم وتكثيف مشاركتهم في التنمية السياسيةوالاقتصادية والثقافية والاجتماعية للبلاد، وأيضا الاضطلاع بوظائفالإحاطة بإشكاليات الهجرة واستشرافها والمساهمة في تنميةالعلاقات بين المغرب وحكومات ومجتمعات بلدان إقامة المهاجرينالمغاربة. ونشير في هذا الخصوص إلى أن إحداث مجلس للجالية جاءاستجابة لما حققه العديد من المغاربة المقيمين بالخارج من نجاحمهني وكفاءة علمية، وتفوق في مجال الفنون والثقافة، وكذلك فيالعمل السياسي في بلدان الاستقبال، من شأنه أن يجعل منهمجماعات للضغط تساعد على الدفاع عن مصالح المغرب الوطنية فيالخارج على مستوى العمل الدبلوماسي الموازي؛ كما أن أنهمأصبحوا يشكلون كتلة لإنتاج قيم الديمقراطية والتقدم والتنمية، ماسيجعل من تمثيليتهم داخل مجلس الجالية فرصة مواتية لإدماج هذهالقوة الجديدة في دينامية المغرب الجديد الذي يبحث لإشراك مواطنيهفي مقاربة تشاركية تأخذ بعين الاعتبار قيم دولة القانون. هذه المؤسسة التي ستحظى بأهمية ومكانة متميزة ضمن المؤسساتالدستورية التي نص عليها الدستور الجديد للمملكة لسنة 2011 ، ولاسيما الفصل 163 منه ضمن الباب الثاني عشر: "الحكامةالجيدة" ، حيث حدد دورها الأساسي في ما يلي : " يتولى مجلسالجالية المغربية بالخارج، على الخصوص، إبداء آرائه حول توجهاتالسياسات العمومية التي تمكن المغاربة المقيمين بالخارج من تأمينالحفاظ على علاقات متينة مع هويتهم المغربية، وضمان حقوقهموصيانة مصالحهم، وكذا المساهمة في التنمية البشرية والمستدامةفي وطنهم المغرب وتقدمه ". وقد توج الاهتمام الملكي بالرعايا المقيمين بالخارج وحرصه علىالعناية الموصولة بهم بإفراد جزء هام من فصول دستور فاتحيوليوز2011 لهذه الفئة، خاصة ما جاء الفصول 16 و17 و18 و163 ، خاصة حرص جلالة الملك على تكريس حماية حقوق الجالية سواءعلى المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي، حيث يشكل الفصل 17 من الدستور على الخصوص ثورة جديدةللدولة في تعاملها مع المواطنين القاطنين في الخارج ، خاصة حقهمفي المواطنة الكاملة ، و الفصل 18 الذي يؤكد على ضمان أوسعمشاركة ممكنة للمغاربة المقيمين بالخارج في المؤسساتالاستشارية، و هيئات الحكامة الجيدة التي يحدثها الدستور أوالقانون. و قد نص الفصل 171من الدستور على أنه " يحدد بقوانين تأليفوصلاحيات وتنظيم وقواعد تسيير المؤسسات والهيئات المنصوصعليها في الفصول 160 إلى 170 من هذا الدستور" ، والتي يوجدضمنها مجلس الجالية المغربية ، وهذا يعني أن المجلس سينظمبمقتضى قانون صادر عن البرلمان ، على خلاف الظهير المحدثللمجلس الذي أصدره جلالة الملك ضمن اختصاصاته الموكولة له بمقتضى الفصل 19 من الدساتير السابقة. ونشير في هذا الخصوص إلى أن إحداث مجلس للجالية شكل مرحلةجديدة من أجل تحقيق المواطنة الحقة لمغاربة الخارج، مثلهم مثلسائر المغاربة الموجودين على التراب الوطني، خصوصا أن الملكمحمد السادس يولي اهتماما خاصا لهذه الفئة، ويعطي تعليماتهللحكومة كي تأخذ انشغالاتها بعين الاعتبار وبشكل أفضل، حيث مافتئ يولي عناية خاصة للمواطنين المغاربة المقيمين بالخارج ويسهرعلى ضمان حقوقهم ومواطنتهم الكاملة، كإشراكهم في مؤسساتالحكامة وفي وضع النموذج التنموي الجديد، واتخاذ كل التدابير منأجل حسن استقبال أفراد الجالية، وتبسيط المساطر الاداريةلصالحهم، و تشجيع أفرادها على الاستثمار في بلدهم الأصل ؛ وإشراكهم في مؤسسات وطنية إلى غير ذلك من التدابير. وهكذا أصبح للمغاربة المقيمين بالخارج الحق في المواطنة الكاملة ، والمشاركة في المؤسسات الاستشارية، و هيئات الحكامة الجيدة ، كما أصبح بإمكان المشاركة في تنمية بلدهم بالموازاة مع بلدالاستقبال، والدفاع عن المصالح الوطنية، وتقديم خبراتهم خدمةلصالح المغرب، والمساهمة في تقوية علاقات التعاون بين دول الإقامةوالمملكة المغربية، وجلب الاستثمارات وإنجاح الأوراش التي تشهدهابلادنا. تحديث وتأهيل الإطار المؤسسي الخاص بالجالية إذا كان لا بد من الإشادة بالمجهودات التي يبذلها مجلس الجاليةالمغربية بالخارج ومؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارجووزارة الخارجية ووزارة الأوقاف و الشؤون الاسلامية ومختلفالسلطات العمومية و المحلية ، من خلال الدفاع و النهوض بحقوقمغاربة العالم ، والحفاظ على الروابط الثقافية والدينية معهم ، وتأطيرهم الديني والتربوي ، وتنفيذ البرامج الاجتماعية والثقافية التيتهدف إلى تقوية روابط الأجيال الجديدة مع وطنهم الأم، وتعزيزمقوماتهم الوطنية وإيجاد الآليات المناسبة لإدماجهم في الاستثمارالوطني، فإن ذلك يحتاج إلى التفكير في آليات جديدة للنهوضبأوضاعهم في إطار النجاعة و الحكامة المطلوبتين ، و مواصلةالجهود لتمكين هذه الفئة من كافة حقوقها الدستورية المدنيةوالسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية واستشراف آفاقواعدة في المستقبل ، وتعزيز اختصاصات مجلس الجالية المغربيةالمقيمة بالخارج ، مع توفير لها الإمكانات اللازمة حتى تنهضبدورها الدستوري على أحسن وجه ، مع تحيين الاطار التشريعيلهذه المؤسسة ، وإحداث آليات خاصة يتم التنصيص عليها فيالقانون المنظم للمجلس ، و على رأسها الآلية الخاصة المعنية بمواكبةالكفاءات والمواهب المغربية بالخارج، ودعم مبادراتها ومشاريعها، والتي دعا اليها الملك محمد السادس في خطابه الأخير، وجعلمجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج المؤسسة الوحيدة المعنيةبالمغاربة المقيمين بالخارج ، بالإضافة إلى القطاع الحكومي المكلفبالمغاربة المقيمين بالخارج ، الذي ينبغي أن يكون قطاعا قائما بذاته . كما لم يعد يخفى اليوم الدور الفعال الذي تمارسه جمعيات المغاربةالمقيمين الخارج من أدوار في الدفاع عن مصالح دولها الأصلية، والمغرب بحاجة إلى الدفاع عن حقوقه في المحافل الدولية، خصوصالدى البرلمان الأوروبي، كالدفاع عن حقوقه المشروعة، كقضية الوحدةالترابية، أو تدبير ملفات الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي. لقد أصبح بإمكان المغاربة المقيمين بالخارج المشاركة في تنمية بلدهمبالموازاة مع بلد الاستقبال، والدفاع عن المصالح الوطنية، وتقديمخبراتهم خدمة لصالح المغرب، والمساهمة في تقوية علاقات التعاونبين دول الإقامة والمملكة المغربية، وجلب الاستثمارات وإنجاحالأوراش التي تشهدها بلادنا. ولا يفوتني ، في هذا الصدد ، أن أذكر بالمسؤولية الملقاة على عاتقكافة المتدخلين في مجال المغاربة المقيمين بالخارج لمواكبة هؤلاءوتوفير لهم الظروف المناسبة لنجاح مشاريعهم الاستثمارية في بلدالإقامة أو بلدهم الأصلي وتبسيط المساطر الادارية أمامهم والنهوض بتأطيرهم التربوي والديني في بلد الإقامة