عابت صحيفة أمريكية على فرنسا انشغالها بمحاربة الإسلام عوض أن تهتم بما هو أهم في بلدها كمحاربة العنصرية المتفشية بشكل مثير وأفضع. فلقد تطرقت صحيفية واشطن بوست في مقال نهار أمس السبت، وقعه جيمس مكولي -مراسلها في باريس، تستعرض من خلاله لمجموعة من القضايا والسلوكات التي كان لابد لماكرون الرئيس الفرنسي، الانكباب عليها مادامت تعد أبرز مظاهر القيم الإنسانية الواجب التعامل معها بعقلانية بعيدا عن الخوض في الأمور الدينية كالإسلام الذي له مكانة مميزة من بين كافة الديانات السماوية. ففي معرض تناوله للموضوع، ذكر مراسل الصحيفة الأمريكية بأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استغل واقعة قطع رأس المدرس، الذي أظهر لطلابه رسوماً كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد، للترويج لخطة عنصرية وصلت وقاحتها إلى حد الدعوة إلى "إصلاح ممارسة الإسلام في فرنسا" بحجة " وقف الانحرافات المتكررة عن قيم الجمهورية". وكتب جيمس مكولي، الحاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ الفرنسي من جامعة أكسفورد، بأن تصريحات ماكرون وتداعياتها الضارة، قد أسفرت عن تكثيف للمشاعر المعادية للمسلمين في البلاد، وبأنها محاولة غريبة لكتابة "إسلام" جديد على المقاييس الفرنسية. وأوضح الكاتب أن واقعة قطع رأس المعلم صموئيل باتي، والذي تحول، على حد تعبير ماكرون، إلى "رمز وطني فرنسي"، وأن تصوير القاتل لجريمته على أنه هجوم على "روح فرنسا" و" وجهاً للجمهورية"، وعلى أن هذه الهجمات الفردية بالنسبة لماكرون، قد كانت فرصة للكشف عن خطة مثيرة للجدل، هي "إصلاح ممارسة الإسلام في فرنسا"، فضلا عن إجراءات أخرى من بينها تقييد الأموال التي تتلقاها الجاليات المسلمة في الخارج، وإنشاء برنامج لتدريب الأئمة في فرنسا، مما أدى بوزارة الداخلية الفرنسية إلى طرح اقتراح حل أكثر من 50 جمعية إسلامية فرنسية، حيث تبين أنها "تروج للكراهية"، على الرغم من أن إحدى الجمعيات قائمة من أجل مكافحة "الإسلاموفوبيا". وأضاف المراسل الصحفي في مناقشته للموضوع، بأن الإسلام الذي يريده ماكرون، هو إسلام يناسب الثوب الفرنسي، أو "إسلام تنوير" على حد تعبيره، وأن هذه الخطة، ووفقاً لمزاعم ماكرون، تهدف إلى "وقف الانحرافات المتكررة عن قيم الجمهورية، التي غالباً ما تؤدي إلى خلق مجتمع مضاد". فبحسب الكاتب، فإن هدف ماكرون الظاهر يبدو معقولاً بالنسبة للفرنسيين، وهو حمايتهم من مزيد من الهجمات، ومحاربة "النزعة الإنفصالية الإسلامية"، ولكن الطريقة المصممة لذلك تبدو غريبة، حيث تهدف الحكومة بكل وقاحة إلى التأثير على ممارسة الديانة الإسلامية، التي يعتنقها أكثر من ملياري مسلم في العالم، بدلاً من وضع خطة لمعالجة قضية "العنف الإرهابي". واعتبر مراسل "واشنطن بوست"، هذه الإجابة بالغريبة للمشكلة، موضحا بأن فرنسا تبدو الآن هي الدولة الوحيدة في العالم التي تفكر بهذه الطريقة، بما في ذلك تغذية الإنفصالية بدلاً من ممارسة مناهج مدروسة لمعالجة المشكلة. ويذكر أن الجمهورية الفرنسية توصف بأنها علمانية، كما أن قانون عام 1905 يجبر الحكومة على البقاء بشكل محايد، أي عدم دعم أو تشويه أي دين، وفي فرنسا، التي تهيمن عليها الكاثوليكية تاريخياً، وهو ما يُفهم إلى حد كبير أن هناك رؤية واضحة للعلمانية تقوم على التحرر من السلطة الدينية القمعية، ولكن مع التغييرات الفرنسية على مدار عقود، ظهر تفسير جديد للعلمانية قريب من العنصرية، وهو مواجهة الإسلام ، على الرغم من عدم وجود تشريعات تسمح بذلك، كما أشار الكاتب إلى تأثير الهزيمة المهينة لفرنسا في الجزائر عام 1962 كنقطة تعبر عن حالة من الصدمة لدى الجمهور الفرنسي، حتى اليوم.